الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"طيار الدليفري".. صوم بلا إفطار وعيد بلا بهجة.. عاطف: أتناول الإفطار "قطاعي".. كامل: "الأوردرات المضروبة" بتخرب بيوتنا.. وحسام: "صربعة" الزبائن تربكنا

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الساعة السادسة مساءً، لم يتبق على مدفع الإفطار سوى 50 دقيقة، الكل يحاول الوصول إلى منزله محاولًا اللحاق بمائدة الإفطار، خاصة لو علمت أن والدتك "رايقة" وقررت عمل أكلة تحبها، فمن منا لم يستمر في عمله بكامل تركيزه يومًا بسبب إفطار اليوم الذي وعدته أمه أو زوجته بتحضيره اليوم، حيث تنتهي من عملك وتبدأ في استحضار روح العداء الجامايكي المتواجد بداخلك محددًا منزلك خط النهاية في هذا السباق اليومي الذي يدخله كل المصريين.
وفي الوقت نفسه قد تجد بائع السوبيا والتمر يفترش الطرقات هنا وهناك لتحضير العصير استعدادًا لطلبات الناس التي ستبدأ في التهافت على العصائر خلال دقائق، ويحاول عمال المطاعم استباق بعضهم في احتلال الأرصفة محاولين الاستئثار بأكثر عدد من الزبائن.. موسم وكل سنة وأنت طيب، ولكن يظل شخصًا واحدًا هو من يحتفظ بهدوئه الشديد وسط كل حالة الهيجان الموجودة في الشارع.. إنه "طيار الدليفري".

"طيار الدليفري" أحد أهم ركائز أي مطعم في الدنيا، فخدمة التوصيل للمنازل أحد أهم وأبرز سبل الدخل لأي مطعم، خاصة في شهر رمضان، حيث تتعاقد الشركات والمؤسسات التي تمارس عملها طيلة اليوم على عدد معين من وجبات الإفطار، بالإضافة إلى طلبات الأشخاص المتزايدة على الدليفري في شهر رمضان بشكل قد يجعلك تسمع "آسف معنديش أي أوردرات تانية ممكن تطلع" حين تطلب أحد المطاعم، ولكن السؤال هنا: "متى يتناول طيار الدليفري وجبة الإفطار إذا كان عمله ممتدًا حتى صلاة التراويح في توصيل الوجبات.
البداية مع عاطف السمري، 28 سنة، دبلوم تجارة، أحد طيارين الدليفري لأحد المطاعم السورية بالنهار والمصرية ليلًا في الأيام الطبيعية، وفي رمضان ينقطع عن المطعم المصري نظرًا لقلة العائد مقارنة بنظيره السوري– على حد قوله، وهو يحكم قبضته على ما استلمه من وجبات، ليضعها في الصندوق، ثم ينطلق بحماس شديد يفسره صاحبه بقوله: "أكل العيش عايز كده".

ويضف: أنا شخص عادي جدًا.. طيار دليفري، ولكل شغلانة شكلها ومحتواها الذي يختلف عن باقي الشغلانات في مصر، فمثلًا لو قارنت قيادة السيارة من الطبيب ستجدها مختلفة عن المهندس مختلفة تمامًا عن السائق، وعلى نفس المنوال شغلتنا، فمنا من يتناول الإفطار فورًا مع أذان المغرب، ومن الناس من يأخذ تمرة ثم يصلي المغرب ويعود للسفرة، وآخر لا يأكل غير السلطة والشربة ثم يصلي ولا يأكل إلا بعد التراويح، وهناك طيار الديليفري الذي اعتادت معدته على تناول الإفطار "قطاعي" كما هو الحال مع العبد لله، فعندما يؤذن المغرب ألتقط قطرات من المياه من أي مكان في الشارع، وكلما أعود للمطعم أو أسلم أوردر في أحد الأماكن أقف دقيقتين لتناول بلحتين أو سندويتش مما أحتفظ بهم للإفطار الخاص بي في الصندوق، فأنا لا أنسى حاجتي أبدًا.
ويروي عزب عبد النور، 41 سنة، حكاية يومه كطيار ديليفري في شوارع القاهرة حيث يقول: أنا أحب الشغل في رمضان بشكل يفوق كل الشهور، فالرزق وفير و"التبس" متضاعف، فأي زبون يصل له الإفطار قبل المدفع بدقائق لا يمكن أن يقل ما يعطيه لي من بقشيش عن 15 جنيها، والحمد لله الأمور بخير، ولعل أصعب ما في الشهر هو أنني لا أفطر في البيت يومًا واحدًا، فصاحب المطعم يمنع الإجازات في هذا الشهر تمامًا، وإن لزم الأمر يكون لكل فرد في المطعم يومًا واحدًا في الشهر كله، لعديد من الأسباب أمهما ضغط الشغل، وثانيًا أنه لا يوجد بدائل يمكن أن تغطي الشغل كله في رمضان، ولكن يظل أسوأ المواقف على الإطلاق، ذلك الذي حدث في رمضان الماضي، فلا أنسى يوم أن كان أبي وأمي عندي في البيت، وجاء أذان العصر وبدأت ستات العيلة في تجهيز الفطار الذي تبقى عليه حوالي 3 ساعات، لأفاجأ بتليفون من صاحب المطعم الذي يتصل ويطلب مني النزول حالًا؛ لأن إحدى الشركات اتصلت بالمطعم وطلبت 340 وجبة إفطار يتم تجهيزهم الآن بشكل استثنائي، ويجب على الجميع الحضور للمشاركة في العمل إما بتوصيل الطلبات أو تجهيز الأكل، لدرجة أنه أكد على أنه سيشارك بسيارته الخاصة في نقل الطلبات، وعندما حاولت شرح الموقف له وأن أهلي معزومين عندي وأني متفق معه على أن أكون إجازة هذا اليوم قال لي كلمة لا يمكن أنساها " لو مجيتش حالًا ملكش فلوس عندي وروح اشتكي بقا"، وقتها رضخت لكلام صاحب المطعم، وبالفعل نزلت للشغل، وهو ما أعجز عن نسيانه حتى الآن، ولكن في نفس الوقت مجرد ابتسامة أي شخص أوصله الفطار قبل المدفع تجعلني أعود لحب عملي.

وبصوت يملأه الغضب، يتحدث كامل حسب الله، أحد طيارين الديليفري بمنطقة مدينة نصر عن العمل في رمضان قائلًا: في الأيام العادية بنعرف نستحمل، لكن في رمضان نستحمل ده إزاي، فأي ديليفري يعاني من "الأوردرات المضروبة" ولكن في الأيام العادية يمكن تحمل الأمر، والمطعم أيضًا متفهم للأمر، ولكن في رمضان وأوردر بتكلفة 200 جنيه مثلًا، وتكتشف أن الأوردر مضروب، وأن العنوان وهمي، وللأسف يحدث في رمضان أكثر من مرة، ولا أعرف كيف يكون صائمًا و"يدبس" المطعم في أوردرات ب "الكذب"، وللأسف ذلك يؤخرني عن باقي الناس من ناحية، ويلقى بالأكل إلى المطعم تمهيدًا لإلقائه في القمامة، فلا وجود لأوردرات لحوم وخضروات وطبيخ بعد الفطار، كما أنه يقلل من "التيبس" الذي أحصله من الزبائن عندما أصل في الموعد، وكل هذا للأسف يحدث بسبب "هزار" شوية عيال.. ربنا يرحم عبيده من عبيده يارب.
وعن العمل في العيد، الذي لا يختلف كثيرًا عن العمل الأيام العادية، يتحدث حسام رشدي، أحد طيارين الديليفري بمنطقة الدقي حيث يقول: مبدئيًا طيار الديليفري حاله من حال سواقين القطارات لا يعترف بأي أيام أو ظروف استثنائية، فوسط "سربعة" الناس لصلاة العيد، أو حتى للذهاب إلى الحدائق أو حتى للحاق بالفطار عند أحد الأقارب أو حتى للحاق بالقطار من أجل السفر مثلا لقضاء الإجازة، نحن أيضًا تحكمنا "السربعة" فسريعًا يجب توصيل الأوردرات خاصة في الصباح، حيث نبدأ عملنا بعد صلاة العيد مباشرة، كنت أتعجب في بداية شغلي في أن هناك شخصًا يطلب "فطار" في أول يوم العيد، ولكنني في هذه الشغلانة عرفت معنى كلمة "كل واحد وله ظروفه"، خاصة وان القاهرة حاضنة للمغتربين أكثر من أي شيء آخر.


ويتابع: المعاناة الحقيقية لطيار الديليفري هو أن تقابل أولادك في الشارع مع والدتهم بالصدفة، وهذا ما حدث معي، فكان معي أوردر أوصله إلى نادي اعضاء هيئة التدريس بالمنيل، وكنت أمر بالموتوسيكل بجوار حديقة الحيوان، فوجدت زوجتي تحاول تهدئة بنتي الصغرى التي جلست على الرصيف، واضعة يدها على خدها رافضة دخول حديقة الحيوان إلا عندما يأتي بابا كما قالت لها زوجتي بأنني جاي في الطريق، ونظرًا لطول المدة تيقنت البنت أن أمها تكذب وجلست "مقموصة" رافضة أن تدخل بدوني، وأول ما رأيت المشهد وذهبت إليهم وعلمت الموضوع لعنت اليوم الذي عملت فيه بتلك المهنة، ولكن في نفس الوقت فهي "فاتحة بيتي" وكل شغلانة فيها الحلو والمر.. وربنا بيقدرنا على أننا نكمل صالبين طولنا على الأرض.