رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"يدان لثلاث بنات.. وبوصلة التّيه" جديد الجزائري عبدالرزاق بوكبّة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سبق للشاعر والقاص والرّوائي الجزائري عبدالرزاق بوكبّة أن أقحم سيرته الذاتية في جملة من كتبه الأدبية، مثل "جلدة الظل: من قال للشمعة أف؟" 2009، و"ندبة الهلالي: من قال للشمعة أح؟" 2013، و"كفن للموت" 2016، حيث يحب أن يحضر بصفته صوتًا من الأصوات لا راويًا متخفّيًا، كما ورد في الكتاب نفسه. لكنه في كتابه الجديد "يدان لثلاث بنات ويليه: بوصلة التّيه"، الصّادر حديثا عن دار "الجزائر تقرأ"، قدّم يومياته مع بناته، وسيرته الذاتية مع الكتابة السّردية، بعيدًا عن أيّ قناع أو مواربة أو تحفّظ.
بل إنّه يضعنا، ونحن نقرأ سيرته الجريئة، أمام هذا السّؤال: كيف يستطيع اسم أدبي ووجه تلفزيوني وقلم صحفي بات معروفًا على المستوى العربي أن يكون شفّافًا، فيكشف عن معلومات ومعطيات تتعلّق بحياته الخاصّة، في زمن عربي تربّى على التعتيم، وربّما الكذب في مثل هذا المقام؟
لا يستطيع القارئ للإصدار الحادي عشر لبوكبّة أن يفاضل بين قسميه، "يدان لثلاث بنات"، حيث يوميات الكاتب الرمضانية مع بناته الشقيات، و"بوصلة التّيه"، حيث سرد عارٍ لتجاربه الإنسانية في مدينة الجزائر العاصمة، قادمًا إليها من قرية "أولاد جحيش" في الشّرق الجزائري. ذلك أنّ قسمي الكتاب كليهما يوفّران متعة القراءة واللغة والسّرد والبوح والاعتراف والتأمّل.
ويمتدّ عجز القارئ عن المفاضلة أيضًا، إلى المفاضلة، في القسم الأوّل من الكتاب "يدان لثلاث بنات"، بين سيرة الطفل عبد الرزّاق بوكبة في قريته التي ورد أنّها مزيج من الثقافتين العربية والأمازيغية، وبين سير بناته علياء، 2009، ونجمة، 2012، ومريم، 2014، حيث تتداخل الطفولتان، من خلال الحكايات والمقالب المتشابهة، فكأنّها طفولة واحدة.
يقول صاحب كتاب "أجنحة لمزاج الذّئب الأبيض"، 2008، إنّ أسئلته وهواجسه وطموحاته كانت شعرية صرفًا، إلى أن دخل مدينة الجزائر العاصمة، في صيف عام 2002، فتشرّد في أزقتها وحدائقها وشوارعها، قبل أن يستقرّ للمبيت في مقرّ اتحاد الكتّاب الجزائريين، ثم العمل في المكتبة الوطنية والإذاعة والتلفزيون. وهو ما وضعه أمام بلاغة الواقع. "فدعتني القصيدة نفسها، أمام ثراء التجارب والحالات، إلى أن أستنجد بالسّرد".
نقرأ في فصول القسم الثّاني من الكتاب "بوصلة التّيه"، منها "تحت الرّعاية السّامية للرّاوي" و"تحت الرّعاية السّامية للجوع" و"تحت الرّعاية السّامية لتعدّد الأصوات"، كيف بدأ السّارد يتشكّل داخل نفس بوكبّة، برعاية الشّاعر ذاته، فيصبح الشعر والسّرد في خدمة بعضهما، بعيدًا عن التنافس والتطاحن.
من هذه التجارب الأولى التي حدّثنا عنها الكتاب، أنه كان مقيمًا في مقرّ اتحاد الكتّاب، وكان يضع كرسيًا خلف بابه الجانبي، ويمنح سمعه ووجدانه لشباب شارع ديدوش مراد، وهم يسهرون ليلًا، ويتبادلون الأحاديث والأحلام. من ذلك أيضا لقاؤه بشيخ مسنّ، كان عازفًا في إحدى البواخر زمن الاحتلال الفرنسي، ثمّ تشرّد في الجزائر العاصمة، "كلّما لامتني نفسي، على أنني أشبه الصرصور الذي انشغل بالغناء، فيما انشغل الآخرون بحيازة المباني التي خلّفها الفرنسيون، قلت لها: ذهب غيري بالشقق الضيّقة، وكسبت أنا كلّ هذه السّماء والنّجوم".
مراعاة الكاتب للترتيب الزّمني للأحداث التي تبدأ صبيحة 01 يونيو 2002، حيث غادر غرفته الجامعية ودخل الجزائر العاصمة، مع بعض المثقفين، وتنتهي يوم 03 مايو من عام 2010، حيث خاض إضرابًا عن الطعام، احتجاجًا على طرد إدارة التلفزيون الجزائري له، بعد خمس سنوات من تقديم برامج ثقافية محترمة فيها، تجعل من "بوصلة التّيه" أقرب إلى الرّواية منها إلى السّيرة الذّاتية، بكل توابل السّرد الذي لم نتعوّد عليه في مذكّرات وسير المثقفين العرب.