الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

إيمان الفراعين.. "أمنمحات الأول" ملك النبوءات المُخلص المُنتظر

 «أمنمحات الأول»
«أمنمحات الأول»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حافظ على أرض مصر وحمى حدودها بغزوات على النوبة وليبيا وفلسطين
أشرقت شمس الأسرة الثانية عشرة في تاريخ مصر على ميلاد ملك يربطه صلة دم بملوك الأسرة الحادية عشرة، وكان اسمه يعني «آمون في الأمام»، وكانت أسرته الملكية ومصر في عهده تنتمي لعبادة الإله آمون، إله الشمس والريح والخصوبة؛ أحد الآلهة الرئيسيين في الميثولوجيا المصرية القديمة، على عكس تقديس ملوك الأسرة الحادية عشرة للإله «منتو» إله الحرب، والذين مزجوا اسمه بأسمائهم، إنه الملك «أمنمحات الأول» مؤسس الأسرة الثانية عشرة.
وبينما تميل شمس النيل إلى المغيب والليل يُسدل ستائره على المعمورة تجلت أمام أهل مصر نبوءة أحد حكمائها الذى حلم بمجيء مخلص للبلاد مما كانت تعانيه من تردى أوضاع اجتماعية وسياسية واقتصادية، وصاغ تلك الأسطورة الكاهن والمرتل «نفر روهو»، وشكلت هذه النبوءة انطلاقة لاستيلاء «أمنمحات الأول» على عرش مصر، إضافة إلى قوته وبأسه المتعارف عليه، حيث قالت النبوءة: سيأتى ملك من الجنوب اسمه «آمين»، وهو ابن نوبية الأصل سيوحد البلاد وينشر السلام فى الأرضين - يعنى مصر - والفرعون الجديد ليس من سلالة الحاكم القديم.
وأشار المتنبئ إلى أن العدالة ستعود إلى مكانتها والظلم سينبذ بعيدًا؛ وتحققت النبوءة واعتلى «أمنمحات الأول» عرش مصر، وسطر بوضوح معالم عهد جديد، جعل العاصمة فى «اللشت» إحدى قرى مركز العياط بالجيزة، والتى كان اسمها باللغة المصرية القديمة «إثت تاوي»، بمعنى «القابضة على الأرضين».
كتب «أمنمحات الأول» سطورا مضيئة فى ملحمة الأمان التى عمت البلاد والتى حققت معادلة العدل والنظام معًا، واللذين تدهورا بسبب الحرب الأهلية، كما اتبع الملك العبقرى أسلوب تقسيم الأراضى الزراعية التقليدية، كما ساعد على زيادة أعداد الموظفين الإداريين، إلا أنه أوصى بكتابة «نصائح خيتي» والتى تُعد نقدًا لاذعًا إلى أبعد درجة يصف الأحوال الخاصة للمهن المختلفة باستثناء مهنة الكاتب لما لها من جلال وقيمة كبيرة.
قدس الملك القوى أرض مصر فحافظ على حدودها وحافظ على أراضيها، وإمعانًا فى الحفاظ على أرض مصر شن عددا من الحملات على النوبة، وليبيا، وفلسطين، وقام ببناء «حائط الأمير»، وهو نوع من الحصون المنيعة التى تحمى شرق الدلتا من تسرب الآسيويين، إلا أن هذه الجهود العظيمة التى بذلها الملك للقضاء على ما خلفته فترة الانتقال الانتقال الأول لم تصله إلى غايته، حيث تمسك حُكام مصر الوسطى بالتقاليد الأرستقراطية والنزعة الإقليمية التى كانت سببا فى انهيار الدولة القديمة، كما أن شرعية تلك الأسرة الجديدة كانت شرعية واهية، فقد بذل الفرعون بكل تأكيد قصارى جهده لتقوية دعائمها موحيا ببعض الأعمال الدعائية مثل النص المعنون به «نبوءة نفرتى» التى تدور فكرته حول أنه فى العصر الذهبى لحكم الملك الطيب الخير «سنفرو» تنبأ أحد المنجمين بأن مصر سوف تنجو من فترة يسودها الضياع والتخبط بفضل منقذ يأتى من الجنوب، ويدعى «أمني»، كإشارة ذكية وماكرة إلى تطابق هذا الاسم مع «أمنمحات»، وبذلك نجد شيوعا فى الاعتماد على النبوءات فى تدعيم مقاليد الحكم لدى ملوك الأسرة الثانية عشرة.
تحولت مصر إلى جنة خضراء فى عهد الملك المُصلح بعد أن اتخذ له عاصمة جديدة وهى «اللشت» وبفضل كفاءته فى إدارة البلاد بعد طول الفوضى، حيث مكنته هذه الكفاءة من تحقيق النبوءة، ليصبح الملك هو المُصلح المنتظر، وتحول عصره ومن بعده إلى أزهى العصور، والذى عُرف بالعصر الذهبى فى تاريخ الديار المصرية وبخاصة فى الإدارة والأدب والفن.
حاول الملك المغدور - والذى تم اغتياله فى العام الثلاثين من حكمه على إثر إحدى المؤامرات التى دبرت فى جنبات الحريم، - تدعيم أسس الخلافة، فاتخذ من ابنه «سنوسرت الأول» شريكا له منذ العام العشرين من حكمه، وأوصى ابنه سنوسرت الأول بكتابة نص بعنوان «تعاليم أمنمحات الأول»، وهو عبارة عن وصية سياسية تمجد ما أنجزه من أعمال، وتمتدح متابعتها من خلال خليفته، ودفن الملك «أمنمحات الأول» فى هرم كان قد شيده فى «اللشت».