السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

عباس الأبيض.. معاناة القلب "الأبيض" في المجتمع "الأسود"

 مشهد من مسلسل  عباس
مشهد من مسلسل عباس الأبيض
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خلق الله بداخل كل إنسان الخير والشر، وعلى الإنسان أن يختار أيهما ينمى وعلى أيهما يقضى، ومن هذا الاختيار تتحدد أعمال الإنسان وأفعاله وشخصيته، إما أن يكون فى معسكر الأخيار وإما معسكر الأشرار، وقد اختار «عباس الدميرى»، الذى جسده الفنان يحيى الفخرانى، أن يكون من معسكر الأخيار من خلال أحداث مسلسل «عباس الأبيض فى اليوم الأسود» الذى تم عرضه فى السباق الدرامى لشهر رمضان من عام 2004، وكان من تأليف «سمير خفاجة ويوسف معاطي» ومن إخراج نادر جلال.
«عباس الدميري» شخصية مصرية أصيلة تتسم بالثقافة والمعرفة الموسوعية، وخاصة فى مجال التاريخ، إلى جانب قلبه الأبيض الذى يتسم بالطيبة والمحبة والتسامح لكل من حوله، فهو أستاذ التاريخ الذى سافر إلى العراق لضمان مستقبل أسرته وتحصيل المال اللازم لحياة كريمة له ولزوجته ولابنه وابنته، غير أن الأيام السوداء توقعه فى غياهب سجون العراق، حتى تقوم الحرب الأمريكية على العراق فى عام ٢٠٠٣، ليخرج من السجن دون أى أوراق تثبت هويته، فيضطر لأخذ مستندات شخصية لقتيل مصرى يدعى «لطفى الجنايني» ويتم ترحيله إلى مصر عقب انتهاء الحرب على العراق بهذه الهوية وبهذا الاسم، ليجد نفسه فى مصر أمام أسرة غير أسرته، رغم أن أسرة «لطفى الجنايني» تتكون من زوجة وابن وابنة مثال أسرته الحقيقية، فتقوم «مهجة» ربة أسرة «الجنايني»، التى جسدتها الفنانة ماجدة ذكي، بإخفاء حقيقة الأمر والتعامل على أساس أن هذا زوجها مدرب الأسود «لطفى الجنايني» للحفاظ على حياة أبنائها وعدم جرح مشاعره فى حقيقة أبيهم القاتل الذى هرب إلى العراق وقتل هناك.
فيضطر «عباس الدميري» فى الاستمرار فى هذه الكذبة من دافع انساني، وهو الوقوف إلى جوار هذه الأسرة، وبالأخص بعد أن تبرأت منه زوجته الحقيقية، التى جسدتها الفنانة نهال عنبر، وقامت بالزواج من صديقه، بعد أن ظنا أنه قد مات فى العراق، وقاما بإخفاء حقيقته عن أبنائه. 
من خلال هذه التيمة الإنسانية، قدم صناع العمل بعض المشاعر المتناقضة بين الوفاء والخيانة وبين الصدق والكذب، من خلال شخصيات المسلسل وأفعالهم، فنرى الكذب والخيانة من زوجة «عباس» الأصلية التى أنكرت وجوده وأصرت على وفاته رغم وقوفه أمامها، وهو ما يقابله حب وإخلاص زوجة «لطفي» التى ظلت على إخلاصها لزوجها رغم سوء أخلاقه وأفعاله وهروبه إلى العراق ثم وفاته، إلى جانب محاولة إظهار زوجها بمظهر الأبطال أمام أبنائه رغم معرفتها بحقيقة أخلاقه المنحرفة، كما تعاملت مع «لطفي» بكل حب وإخلاص حتى وصلا إلى الزواج فى نهاية الأحداث.
كما نرى عقوق الوالدين من خلال شخصية «بيبرس»، التى جسدها الفنان أحمد سعيد عبدالغني، ابن «عباس» الذى تنكر لوالده من أجل المال، ويقابله حب شقيقته « ليلى»، التى جسدتها الفنانة دنيا سمير غانم، لأبيها وتمسكها به، مع الحب والإخلاص الذى قدمه أبناء «لطفي»، أحمد عزمى وريهام عبدالمنعم، لـ«عباس» ظنًا منهما أنه أبيهم وحتى بعد معرفة الحقيقة، كما نرى الصراع الداخلى بين الواجب وما تفرضه الحياة من واقع من خلال شخصية «محرم»، التى جسدها الفنان عزت أبوعوف، وهو صديق «لطفي» وزوج زوجته، بعد أن أدرك حقيقة وجود «عباس» على قيد الحياة، ومأساته فى التأرجح بين الوقوف مع صديق عمره وبين الحفاظ على أسرته.
كما قدم العمل النموذج الإنسانى السوى والمحب لكل من حوله والمساعد لكل من يحتاج إليه من خلال شخصية «عباس أو لطفى الجنايني»،هذا الرجل الذى يبتسم فى وجه أزماته وفى وجه صراع الدنيا معه، فيتقبل واقعه بكل رضى ويسعى لتغييره بكل جهد، فهو من يقوم برعاية أسرة وأبناء ليسوا أبنائه ويتعامل معهم بمنطلق أبوى خالص وصادق، وفى الوقت ذاته يسعى لإرجاع حقه وتعريف أبنائه بحقيقة وجوده على قيد الحياة، وهو الإنسان الذى يرضى بالقليل من حطام الدنيا ومتاعها، ويبحث عن الكثير من المعرفة والعلم حتى أنه يقوم بتأليف كتاب تاريخى بعنوان «التاريخ كما يجب أن يكون»، حاول من خلاله إعادة كتابة التاريخ بشكل صحيح، وتصحيح كل ما فيه من أخطاء، وهو الإنسان الذى يسعى لإنهاء الخصومة التى بين أسرة «لطفي» والأسرة الصعيدية التى قام لطفى بقتل أحد أفرادها، بالرغم من معرفة الأسرة الصعيدية لحقيقة شخصيته، إلى آخر المواقف الإنسانية التى يقوم بها «عباس» لمساعدة كل من حوله سواء من أسرة «لطفى الجنايني» أو من أهل الحارة التى يعيش فيها، أو من أسرته الحقيقية التى أنكرت وجوده على قيد الحياة. 
فجأت هذه الشخصية الدرامية الإنسانية بمثابة صرخة فى وجه المتشائمين، ووجه كل الباحثين عن مصالحهم الشخصية، ودهس كل من يقف أمامها، ليعلن «عباس الأبيض أو لطفى الجنايني» أن الإنسان إنسان مهما كان اسمه أو صفته أو هويته، وما يميزه عن غيره من البشر هو الاختيار بين معسكر الأخيار أم معسكر الأشرار.