الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"جوائز الدولة" لم ينجح أحد

«جوائز الدولة»
«جوائز الدولة»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما أثارته جوائز الدولة من جدل، يفوق ما كانت تخلقه كل عام فى مثل هذا الموعد الذى يتم خلاله التصويت عليها، فقد تضمنت الكثير من المشاهد التى خلقت طوفانا من الغضب والسخط بل والسخرية من هذه الجوائز.
ففى الوقت الذى كانت فيه جوائز الدولة تمثل حلما للكثير من القامات الثقافية، باتت طاردة لهم ولا تجد إقبالا منهم، إما لإحساس المثقفين أنها محجوزة للمقربين، أو لأنهم يفقدون الأمل فى الحصول عليها، أو لعدم علمهم بمواعيد التقدم لها من الأساس، وفى كل الأحوال باتت هناك مشكلة تواجه القائمين على الجائزة.
وفى المقابل، نجد الكثير من الجوائز العربية مثل البوكر أو الشيخ زايد وغيرها، باتت تستحوذ على مكانة الجوائز المصرية التى تقلدها عظماء المثقفين مثل طه حسين وعباس العقاد وغيرهما.
«البوابة» تفتح هذا الملف لتكشف من خلاله الكثير من الكواليس التى تزامنت مع إجراء عملية التصويت على الجوائز، كما تشير إلى العديد من التناقضات التى جاءت صادمة هذا العام.

الجوائز تكشف شيزوفرينيا المثقفين
تُحدث جوائز الدولة كل عام جدلا واستنكارًا، لكن العام الحالي كان الأكثر غرابة خلال العشر سنوات الأخيرة.
جائزة الدولة التشجيعية شهدت تحسنا ملحوظا خلال السنوات السابقة، حيث سلطت الضوء على الشباب وعلى الكتابات الجديدة الجادة؛ تعرف المثقفون خلالها على القاصة الشابة سارة شحاتة وتفردها فى التعبير عن واقع الأنثى المصرية فى مجموعتها الفائزة "رائحة نعناع"، كذلك القاصة ابتهال الشايب؛ كما أصبح لشعر العامية المصرية نصيب وظهر سالم الشهبانى؛ كما أبرزت الجائزة، مجهودات نسمة عبدالعزيز فى طرق العزف على آلات الإيقاع والأوركسترا؛ تطور وشفافية بنيت تدريجيا حتى وصلت إلى شكل مرضٍ بعض الشىء على مستوى هذه الجائزة فقط؛ لكن هذا العام تهدم كل شىء، تغيرت روحها الشبابية لتذهب إلى جيل أكبر بكثير حصل عليها القاص سمير الفيل، الذى تجاوز الستين عاما؛ وأيضا الشاعر عبدالرحيم يوسف ليس شابًا؛ كما أن نوع القصيدة التى تكتبها سلمى فايد الفائزة بجائزة الشعر ينتمى للمدرسة العمودية التى تصنف الشعر لأغراض وطنية واجتماعية، وهكذا؛ يرى البعض أن لجنة تحكيم الجائزة قد غضت النظر عن واقع المشهد الشعرى الذى يحدث فى مصر حاليًا؛ واعتبر البعض حصول سلمى فايد على الجائزة جاء بشكل غير شفاف؛ لأن سلمى عضو فى لجنة الشعر التابعة للمجلس الأعلى للثقافة، تلك اللجنة التى من حقها ترشيح لجنة التحكيم التى ستحدد الفائز.
 فيما جاءت جائزة الدولة التقديرية لكى تثير تساؤلا مهما: هل الوسط المسرحى فقير فى مبدعيه حتى تذهب الجائزة لصف المنتجين ومؤسسى الفرق والمسارح؟ هذا التساؤل تردد فى أذهان العديد عقب إعلان فوز المنتج المسرحى سمير خفاجى بجائزة الدولة التقديرية فى مجال الفنون؛ سمير خفاجى اسم لامع وله شعبية فى الوسط المسرحى، ولولاه لاختفى نصف النجوم الذين أثروا واقعنا المسرحى والسينمائى، فهو مؤسس أكبر فرقتين فى تاريخ المسرح المصرى الحديث: "آخر ساعة" وبعدها "الفنانين المتحدين"، لكن سمير خفاجى ليس هو المبدع المسرحى البارز بقدر ما هو منتج فنى قد يكون أهم المنتجين فى تاريخ المسرح؛ والجائزة مخصصة للمبدعين فقط؛ أو هكذا كان العرف.
ساد عرف فى الفترات الأخيرة ألا تمنح جائزة "النيل" لأسماء رحلت رغم أن القانون يبيح ذلك، وفى كل عام يتم ترشيح أسماء، ويشاء القدر أن تلاقى حتفها قبل إعلان الجائزة فيؤثر هذا فى التصويت وتدفع دفته فى اتجاه الحى؛ وقد لاقت السياسة الأخيرة ترحيبًا حقيقيًا؛ حيث يستطيع الجمهور والصحفيون أن يعيدوا اكتشاف الفائز مرة أخرى، ويلتقون به ويفرحون لتكليل مسيرته بهذه الجائزة الرفيعة؛ اختلف الأمر هذا العام ومنحت للناقد الراحل الكبير الطاهر مكى؛ وفى سياق جائزة النيل، أثار فوز على بدرخان جدلا بعض الشىء، فهل لا يوجد أحد ما زال حيا حتى الآن من عظماء السينما المصرية سوى على بدرخان؟ يرى البعض أنه رغم عظمة على بدرخان، إلا أن مسيرته الإبداعية قليلة فليس لله سوى ١٠ أفلام فقط قام بإخراجها، ولا تشكل علامات فى السينما المصرية بالمعنى الدقيق لكلمة علامة أو طفرة.
المشهد الأوضح فى جوائز الدولة هذا العام؛ حالة الشيزوفرينيا التى انتابت عددا كبيرا من المثقفين صب لعناتهم على بعض الفائزين لمجرد أنهم ليسوا أصدقاء مقربين، على الجانب الآخر مجاملة بعض الفائزين لمجرد أنهم مقربون خافين بذلك المعايير الجادة للنقد؛ الجانب الآخر يتمثل فى رفض البعض للمواقف السياسية للدولة وصب لعناتهم فى الفترة الأخيرة على نواب البرلمان ومصرية تيران وصنافير؛ لكن وجهة النظر هذه تختلف تماما حين تجىء جوائز الدولة، فلا أحد يفكر أن يرفض الجائزة إعلانًا عن موقفه السياسى مثلما فعل صنع الله إبراهيم من قبل.

بعد حجب وتعليق بعضها
كواليس الدورة الأسوأ فى تاريخ «الثقافة»
جاءت النتيجة النهائية للتصويت على جوائز الدولة ٢٠١٦، مرتبكة ومضطربة وغير مرضية للكثير من المتابعين، ولم تخرج عن المشهد الذى يترسخ كل عام بمزيد من الشك والريبة وعدم الثقة فى مصداقية جوائز الدولة.
رغم تغيير القانون الذى يحكم الجوائز هذا العام إلا أن ذلك لم يكن حائلًا أمام الكثير من المشاهد التى تسحب من رصيد مصداقية الجائزة الذى يتناقص بشكل مضطرد ومخيف، وهو ما دفع الكثير من المثقفين ليحجموا عن التقدم لها وكانت النتيجة مسيئة لمستوى الثقافة المصرية وتمثلت فى حجب الكثير من الجوائز، وهو ما شكا منه الكاتب الصحفى حلمى النمنم وزير الثقافة، بل وشكل لجنة لدراسة الموقف بعد أن تفاقمت ظاهرة الحجب هذا العام فى الجائزة التشجيعية.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد وإنما امتد إلى تعليق الجائزة التشجيعية فرع الآثار، لاعتراض أحد أعضاء المجلس الأعلى للثقافة ممن لهم حق التصويت على الكتاب الفائز، بعد إجازة لجنة التحكيم للجائزة وهى عادة ما تكون لجنة محايدة ويتم تشكيلها على أعلى مستوى من الكفاءة، والسؤال الذى يطرح نفسه هنا هل يطعن تعليق أحد الجوائز فى باقى الجوائز؟ وهل سلطة أحد الأعضاء أقوى من اللجنة المختصة؟
جوائز الدولة وبشكل عام باتت أقرب إلى الاتهام منها إلى التشريف، بسبب الشبهات التى تطاردها كل عام، ويرى الكثيرون أن الحل الوحيد لهذه الأزمة يتمثل فى مزيد من الشفافية والوضوح والتعامل مع الجميع من مسافة واحدة لدحض الأقاويل التى تتردد طوال الوقت حول التربيطات التى تمنح الفائزين مسوغات فوزهم، وكان يجب على الوزارة كخطوة أولى أن يكون التصويت أمام جميع الحضور من الصحفيين والإعلاميين، حتى يتم نفى أى شائعات تتردد على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن المسئولين تذرعوا بمادة فى القانون تنص على أن جلسة التصويت سرية، والمعنى الذى قصده المشرع هنا أن يمنح المصوت صوته للمرشحين فى سرية، وليس عدم إذاعة التصويت، وإلا وبنفس القياس لما كان يجوز للإعلاميين أن يتابعوا الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية لأن نفس النص موجود فى قانون إجراء هذه الانتخابات أيضا وبشكل متطابق.
حجب الجوائز والتعتيم على التصويت لم يكن إلا رأس جبل الجليد الطافى الذى يخفى تحته الكثير من الكواليس والأسرار والمزيد من التعتيم، وهنا يتساءل الكثيرون عن أسرار التكتم الشديد على أسماء المرشحين لجوائز النيل والتقديرية والتفوق، حتى اليوم الأخير قبيل إعلان الجائزة، ورفض المسئولون الإفصاح عنها، وهو ما يدعو إلى مزيد من الشك والريبة، كما أن البعض يتساءل عن أسرار الاستعانة بالكاتب محمد عبدالحافظ ناصف قبيل إعلان الجوائز بأشهر قليلة ليتولى رئاسة الإدارة المركزية للمسابقات والجوائز التابعة للمجلس الأعلى للثقافة، وسط أنباء عن احتمالية تصعيده إلى رئاسة قصور الثقافة خلال الفترة المقبلة.

مبدعون أكبر من الجوائز
تضمنت نتائج التصويت على جوائز الدولة فى دورتها الأخيرة، فوز العديد من كبار المثقفين بجوائز مهما وصلت قيمتها المادية ومكانتها الأدبية إلا أنها أمام ما قدموه للثقافة المصرية والعربية من إسهامات تظل قليلة القيمة ولا ترقى إلى قامة هؤلاء المبدعين.
"البوابة" رصدت مسيرة عدد من الفائزين خلال السطور المقبلة، وعلى رأسهم الكاتب الكبير جار النبى الحلو، والذى تنوعت الأشكال الأدبية التى اختارها لتقديم قصصه وحكاياته المختلفة، فجاء ما يقرب من ٥٠ عملًا أدبيًا وفنيًا موزعة ما بين القصة القصيرة والرواية والمسلسلات الإذاعية والتليفزيونية، حيث استمد شهرته فى الأوساط الأدبية والثقافية من رباعية «حلم على النهر» و«حجر فوق سطح» و«قمر الشتاء» و«عطر قديم».
واستلهم جار النبى حكايات الروايات الأربع، والتي تناولت حياة العمال والمهمشين من مسقط رأسه بمدينة المحلة الكبرى، والتى اشتهرت بإضراب العمال والنضال، ولعل أبرزها وأحدثها إضراب عمال المحلة فى السادس من أبريل ٢٠٠٨.
ولد جار النبى الحلو فى عام ١٩٤٧، بمحافظة الغربية، وتحديدًا مدينة المحلة الكبرى. حصل على دبلوم معهد إعداد الفنى التجارى. 
بدأ مسيرته الأدبية ١٩٨٤ بإصدار أولى مجموعاته القصصية بعنوان «القبيح والوردة» عن دار شهدى. تبع ذلك إصدار ما يقرب من ٦ مجموعات قصصية، تنوعت عناوينها بين «طعم القرنفل» و«طائر فضى» و«قمع الهوى»، فضلًا عن حكايات جار النبى الحلو، ورباعية المدينة، بالإضافة إلى كتابة العديد من القصص والمسلسلات الإذاعية والتليفزيونية للأطفال.
أيضا يظل الدكتور شاكر عبدالحميد صاحب إسهام عريض وغير مسبوق فى مجال علم الجمال وعلم نفس الإبداع، وتظل الجائزة التقديرية أقل بكثير مما أسهم به فى تطوير الكثير من مناهج البحث وإصدار الكثير من الكتب فى هذا المجال، لعل آخرها "التفسير النفسى للتطرف والإرهاب"، وكذلك "الأسس النفسية للإبداع الأدبى فى القصة القصيرة"، "الآثار السيئة للمخدرات من الناحية العلمية"، "الأدب والجنون" ١٩٩٣، "علم نفس الإبداع"، "المفردات التشكيلية رموز ودلالات" ١٩٩٧، "الاكتشاف وتنمية المواهب" ١٩٩٥، "الحلم والرمز والأسطورة" ١٩٩٨، "دراسات فى حب الاستطلاع والخيال والإبداع"، بالاشتراك مع أ.د. عبداللطيف خليفة ٢٠٠٠، "التفضيل الجمالى دراسة فى سيكولوجية التذوق الفنى" ٢٠٠٠، "الفكاهة والضحك" ٢٠٠٣، وغيرها عشرات الكتب.
ومن الجوائز الحائز عليها منها "جائزة شومان للعلماء العرب الشبان فى العلوم الإنسانية"، والتى تقدمها مؤسسة عبدالحميد شومان بالمملكة الأردنية الهاشمية عام ١٩٩٠، جائزة الدولة للتفوق فى العلوم الاجتماعية مصر ٢٠٠٣، جائزة الشيخ زايد للكتاب فى مجال الفنون ٢٠١٢ عن كتاب "الفن والعرابة".
المخرج على بدرخان أحد كبار المخرجين فى العالم العربى، ولد فى ٢٥ أبريل ١٩٤٦م بالقاهرة، وهو ابن المخرج أحمد بدرخان وزوج سابق للفنانة سعاد حسنى.
من أعمال بدرخان: («الراعى والنساء» ١٩٩٢، و«الرغبة» ٢٠٠٢، و«نزوة» ١٩٩٦، و«الرجل الثالث» ١٩٩٥، و«الجوع»).
أما الكاتب والمترجم الكبير الراحل الطاهر أحمد مكى، والذى ولد فى ٧ أبريل ١٩٢٤م، فله العديد من المؤلفات منها: "امرؤ القيس: حياته وشعره" (١٩٦٨)، "بابلو نيرودا شاعر الحب والنضال" (١٩٧٤)، القصة القصيرة: "دراسة ومختارات" (١٩٧٧)، "الشعر العربى المعاصر"، "الأدب الأندلسى من منظور إسبانى" (١٩٩١).