الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تأملات رمضانية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
موضوع هذا المقال ليس هو –كما قد يُفْهَم خطأ من العنوان– شهر رمضان، شهر البر والتقوى، شهر الخير والفضيلة، حديثى ليس منصبًا على هذا الشهر بهذا المعنى؛ لأن هناك من هو أجدر منى بالحديث فى هذا المجال، يوجد من رجال الدين من هو قادر على أن يتحدث بكفاءة أكبر عن «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ» صدق الله العظيم (سورة البقرة- الآية ١٨٥). لكننى سوف أقتصر فى حديثى على «رمضان» آخر، سوف أتحدث عن شهر «رمضان» الفاطمى، شهر الفوانيس والكنافة والقطايف، عن شهر الفوازير والمسلسلات، سوف أتحدث عن «رمضان» شهر «الاستهبال والاستعباط»، ولن أتحدث عن شهر رمضان شهر البر والتقوى، وحين استخدم لفظ «رمضان» بالمعنى الذى أعنيه سوف أضعه بين علامتى تنصيص متعمدًا كى أميز بينه وبين شهر رمضان الفضيل –الذى سوف استخدمه دون وضعه بين علامتى تنصيص. 
شهر رمضان بدلًا من أن يكون شهرًا للتوبة وطلب الرحمة والاستغفار، تحول إلى شهر «استغفال واستهبال» على يد الرأسمالية المتوحشة التى نمت وترعرعت على أرض مصر، والتى استغلت «التليفزيون» كأداة توعية وتنوير، وحولته إلى وسيلة تدمير وتجريف لعقول وذوق المصريين. برامج ومسلسلات وإعلانات تم رصد ملايين الجنيهات من أجل أن تخرج من الظلام كالخفافيش لتهاجم عقول سكان «الأرض الطيبة» سكان أهل مصر، والهدف هو تغييب وعيهم عن واقعهم المرير الذى يكابدونه، تخرج هذه البرامج والمسلسلات على هيئة «عفاريت عدلى علام» مثلًا، ذلك المتصابى الذى بلغ من العمر أرذله، ومع ذلك تعشقه «سَلَى»، وإذا سألتنى مَنْ «سَلَى»؟! أجيبك: 
- شابة فى مقتبل العمر.. فاتنة، بارعة الحسن والجمال!!
ليت الأمر توقف عند هذا الحد من «الفبركة» الدرامية.. المسألة لم تقف عند حد المضمون الهزيل للعمل الدرامى الذى جعل كلًا من المخرج والمؤلف يضربان بعرض الحائط، كل الأصول الفنية، وإغفال الفارق الكبير فى السن بين بطل المسلسل «عدلى علام»، الذى يجسد دوره الفنان «عادل إمام»، الذى أوشك على الثمانين من عمره، وبين بطلة المسلسل الفنانة الحسناء «غادة عادل» التى هى -فى واقع الحياة- فى عمر أحفاد عادل إمام، لكن نجومية عادل إمام فرضت على المخرج وكاتب العمل، أن يقوما بتفصيل الأدوار وتحديدها بما يتناسب مع رغبات وأهواء النجم الكبير (الزعيم)، الذى اعتاد منذ شبابه أن يكون معشوقًا من الممثلة التى تلعب دور البطولة أمامه، دون اعتبار لدورة الزمن التى جعلت منه جدًا لكثيرات من الفنانات الشابات ومنهن «غادة عادل»، وقد حرص الفنان «عادل إمام» على ممارسة كل عاداته –حتى الذميم منها– كعادته على الإكثار من تقبيل الممثلة التى تشاركه البطولة (عمّال على بطّال، بمناسبة ودون مناسبة)، هذه العادة الذميمة التى كان يحلو لعادل إمام المبالغة فى ممارستها فى مرحلة شبابه كممثل، عاد ومارسها فى هذا المسلسل بشكل فج!! متوهمًا أن اسمه ونجوميته أقوى من الزمن!! 
لم يقف الأمر عند هذا الحد.. بل إن ما خفى كان أدهى وأمر، وهو أن «سَلَى» ليست «إنسيَّة» وإنما هى «جنيَّة».. إنها بنت الأسد الغضوب ملك الجان السفلى!! 
إذن المسألة لم تقتصر على الإخلال بأصول الأعمال الدرامية، والانسياق وراء الهابط من الأعمال الفنية، بل تجاوز ذلك إلى الترويج لأفكار خرافية عن الجن والعفاريت، حاولنا -طوال عقود ماضية- وما زلنا نحاول محاربتها والتصدى لها، ثم تأتى «عفاريت عادل إمام» لتهدم ما بنيناه –إذا كنا أصلًا نجحنا فى بناء شىء!!
مسلسل «عفاريت عدلى علام» عرضنا له -على سبيل المثال- للدلالة لا الحصر على هبوط المستوى الفنى من حيث الشكل والمضمون لبعض الأعمال الدرامية التى قُدِمَت فى شهر «رمضان»، أما بقية المسلسلات فلا أملك حكمًا عليها؛ لأننى لم أشاهد منها شيئًا، وأترك الحكم عليها للقرّاء، ذلك أن الإنصاف يقتضى ألا أعمم حكمًا أصدرته كى ينسحب على بقية الأعمال الفنية الأخرى، فقد تكون هناك أعمال جيدة لم أتمكن من مشاهدتها.
أما فيما يتعلق بالبرامج، فإن برنامج «رامز تحت الأرض»، وما على شاكلته من برامج، كبرنامج «هانى هز الجبل»، هذه البرامج التى تتدنى بالذوق المصرى إلى الدرك الأسفل، وتهبط بالقيم الإنسانية إلى أدنى مستوى، ففى برنامج «رامز تحت الأرض» يتم الاستهزاء بالضيوف والتنكيل بهم وتعذيبهم، رغم كبر سن بعضهم!! والمُشاهد (المتلقى) يجلس أمام الشاشة يتلذذ بهذه المَشَاهد البشعة التى تشكل بكل المعايير والمقاييس جريمة ترويع للآمنين!!
إن ما يُقدمه «رامز جلال» يدل على أنه يعايش حالة من الجنون ممزوجة بنوع زائف من العظمة، لقد سحرته الشهرة وخلبت عقله، وليس مستبعدًا أن تحدث فاجعة أو مصيبة على يد «رامز جلال»، كأن يتعرض أحد ضيوفه للموت حقيقةَ لا تمثيلًا!!
يمثل برنامج «رامز تحت الأرض» اعتداءً صارخًا ومهينًا على مصريتنا.. المفترض أن مقدم البرنامج –أى برنامج- هو واجهة مصرية.. تمامًا كأى فريق رياضى يسافر كى يلعب أمام فريق خصم.. نفرح ونبتهج إذا فاز الفريق الذى يمثلنا على الفريق المنافس، ونحزن ونغتم إذا خسر، حتى وإن كانت اللعبة فردية.. فلنتأمل عزيزى القارئ ما يحدث فى هذا البرنامج، ضيوف البرنامج يغضبون بسبب «المقلب» وهم فى حالة الغضب الشديد يعتدون على مقدم البرنامج بالسب والضرب والركل، وأحيانًا بالبصق فى وجهه، وإلقائه أرضًا بعنف وقسوة، إلى درجة كسر ساقه فى إحدى الحلقات.. وبعض هؤلاء الضيوف أجانب منهم التونسى والهندى واللبنانى.. وجميعهم «مسح بكرامة مقدم البرنامج الأرض!!» ومع ذلك لم يغضب هذا الرامز!! كيف يغضب وجوهر البرنامج قائم على تدمير ذوق المصريين وقتل إحساسهم بالنخوة والكرامة!!
من المؤكد أن أطفالا داخل كل أسرة أعمارهم تتراوح ما بين الثلاث والخمس عشرة سنة يشاهدون مع عائلاتهم هذا البرنامج العار، ويلاحظ هذا النشء أمهاتهم وآباءهم وأخواتهم وإخوتهم الأكبر، أى القدوة الحسنة والمثل الأعلى، يضحكون ويقهقهون فى بهجة وسعادة، أى يباركون هذا الهراء والخزى!! يبتهجون لهذه الحقارة والسفالة!! كيف يحق لنا أن نأتى بعد ذلك ونتحدث عن انهيار المثل والقيم والتحرش الجماعى من قِبَل صبية صغار فى الشوارع!!
بقى أن نقول إن مسلسل «عفاريت عدلى علام» هو بمثابة عملية ذبح متعمدة للعقل المصرى، وللتفكير العلمى، وترويج للخرافات والخزعبلات. وبرنامج «رامز تحت الأرض» هو إهانة متعمدة للكرامة المصرية، وتجريف مخطط للذوق المصرى، وترويج ممنهج للسفالة والقيم الهابطة!!
حين ذبح الإرهابيون أبناءنا فى ليبيا، حلّق أبطالنا نسور الجو بطائراتهم ليدكوا حصون الإرهاب هناك. وحين أطلق إرهابيون النار على إخوة لنا مسيحيين كانوا يستقلون أتوبيسًا فى الطريق الصحراوى الغربى بمركز مغاغة بمحافظة المنيا، انطلقت مرة أخرى الطائرات المصرية لبتر ذراع الإرهاب الممتدة داخل ليبيا، لكن حين يداس الذوق المصرى بالأحذية تحت أقدام طلاب الشهرة فاقدى العقل والمهابيل، ويتم تجريف العقل المصرى دون رحمة على يد المتمسكين بأهداب الحياة والمجد الزائل، والمقامرين الباحثين عن الكسب السريع متخذين من عبارة «اخطف واجرى» شعارًا لهم، متسترين تحت يافطة «حرية الرأى» لا يحرك أحد ساكنًا، هذا ليس معناه أننا ندعو أن تنطلق الطائرات الحربية المصرية محملة بالقنابل والصواريخ كى تدك جنبات مدينة الإنتاج الإعلامى –لا سمح الله– أو أن تُقلع لتنسف مبنى الإذاعة والتليفزيون (ماسبيرو) -والعياذ بالله– كلا وألف كلا.. إن كل ما فى الأمر أننا نتساءل بحسرة:
هناك خطوط حمراء يجب عدم الاقتراب منها أو المساس بها، فى مقدمتها: صون كرامة مصر والمصريين، والحرص على تنمية عقول النشء، والعمل على الارتقاء بالذوق العام، وبالتالى نتساءل:
ألا يوجد رجل رشيد من بين المسؤولين قادر على إيقاف هذا العبث والهراء الذي يجرى على قدم وساق، بحماس منقطع النظير طوال شهر «رمضان»؟!