الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

لغة الأصابع

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في سالف الزمان يحكى أن هناك في مملكة صغيرة كان يعيش ملك عادل، له ابنة رائعة الجمال، لها وجه صبوح يخيل للناس كلما رأوها أنها أكثر بهاءً من نور القمر، لم يكن حب الناس لها لمجرد ملامحها الجميلة، ولكن لمشاعرها الرقيقة التي شملت بعطفها كل الكائنات “,”الأشجار والطيور والحيوان“,” شيء واحد جعل كل من يراها يشعر بالحزن من أجلها، لم يكن لها قدرة على الكلام، اختفت الكلمات من فوق شفتيها وبقي شيء واحد نظرة حزن يلاحظها كل من يراها، لكن لا يستطيع الوقوف عندها طويلاً، لهذا كانت الأميرة الجميلة تعيش في عزلة دائمة، كلما رآها الملك في هذه الحالة اعتصره الألم، ولم يفلح أحد من المهرجين الذين أحضرهم لها من كل مكان في إيقاظ الفرح في عينيها، الأميرة الصغيرة.. كان أكثر شيء يسعدها في هذا العالم هو الجلوس في حديقة القصر، ترى العصافير وهي تحلق، والفراشات وهي تهمس للزهور، أو تراقب الليل وهو يلقي تحية المساء على الكائنات، كانت الطيور تقترب من الأميرة بلا خوف، كأن بينهم لغة لا يدركها أحد غيرهم.
ذات يوم جاء شاب من المدينة المجاورة، موفد من ملكها.. في رسالة إلى ملك تلك المدينة، وقد اضطره هذا الأمر إلى المكوث في المدينة عدة أيام، فأتيحت الفرصة له لرؤية الأميرة عن قرب، شعر بالحزن من أجلها، لكن اكتشف أن حزنه وحده من أجلها لن يساعدها في شيء ولهذا قرر بينه وبين نفسه أن يفعل شيئًا يمكنه أن يسري عنها، اكتشف أن حزنها يمكن أن يختفي لو وجدت لغة تتفاهم بها مع الناس، صحيح هي لا تستطيع أن تتكلم مثل البشر، لكن ذلك ليس معناه أنها لا تستطيع التفاهم معهم، ألا تهتز الأشجار وتسعد لصوت العصافير، وشعاع الشمس ألا يأنس بدفئه الكائنات وتفرح لرؤياه، والفراشات من حبها للزهور ألم تستعر ألوانها وصارتا من بعدها صديقتين رائعتين حميمتين؟ ألا يكشف هذا أن هناك لغة بين الطيور والأشجار غير الكلمات.
لم تعد الأميرة تفاجأ بوجوده كلما رأته، وعندما مد يده بأجمل زهرة في حديقة القصر إليها، تلألأت ابتسامة رقيقة فوق شفتيها واستطاع أن يرى نظرة الابتهاج في عينيها كلما رأته.
في أحد الأيام طلب مقابلة الملك، عندما دخل عليه مجلسه وحياه كما يليق به، قام بعرض رغبته في مساعدة الأميرة، قال الملك للشاب إنه لم يدخر جهدًا في عرضها على الأطباء من كل مكان، وأجمعوا أن الأميرة ولدت بعيب يمنعها من الكلام، فقال الشاب إن أسفاره علمته أن يوجد اللغة التي يتفاهم بها مع الناس حتى لو كان لهم لغة تختلف عن لغته، اضطر الملك للموافقة على طلبه، لاحظ الشاب حب الأميرة للزهور فجعلها أول درس لها، علمها أن الأصابع إذا اتخذت شكل الزهرة فذلك وصف للأشياء الجميلة، ورفرفة جناح ولون أبيض فهو السلام الذي يشع من عينيها، أما الميزان الذي تُكال به الأشياء، فهو العدل الذي يحققه والدها في ملكه، وظل هكذا يتنقل من درس إلى آخر حتى تعلمت الأميرة أشياء كثيرة في وقت قصير، وصارت تتفاهم بها مع أستاذها، كانت تتمتع بذكاء شديد، وتبدلت نظرتها الحزينة بنظرة أكثر تفاؤلاً وإشراقًا، انبهر الملك من الطريقة التي تتعلم بها، وأمكنه التفاهم معها بعدما تعلم تلك الطريقة الجديدة التي تتعلم بها، ولم يكتف بذلك بل رصد مكافأة لمن يتقن تلك الطريقة من التحدث، وتعارف الناس على تسميتها منذ ذلك الحين بلغة الأصابع، ولم يجد الملك أفضل من هذا الشاب لكي يجعله زوجًا لابنته، فهو وحده الذي جعلها تخرج من عزلتها لتعيش وتحب، دون كلمـــــــــــــــــــات.. هكذا كانت البداية للغة الإشارة التي يتعامل بها الآن 350 مليون شخص من الصم والبكم في العالم.. وعشرة ملايين عربي.. وثلاثة ملايين مصري ينتمون الى هذا العالم الصامت.
وتختلف لغة الأصابع من بلد لآخر.. فما يفعله البعض بصنع دائرة من الإبهام والسبابة وإطلاق الأصابع الثلاثة مستقيمة، فهذه الإشارة تعني “,”الجودة أو الرضا“,” في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن هذه الإشارة نفسها يستخدمها الفرنسيون لتعني الصفر أو عدم القيمة لشيء ما.
لذا فإن هذه الإشارة لجرسون في مطعم فرنسي قد تعني له ألا ينتظر مالاً من صاحب الإشارة، إما لسوء الأكل أو سوء الخدمة، بينما المقصود هو عكس ذلك.
ونفس هذه الإشارة تعني النقود سواء وجودها أو عدم وجودها أو البحث عنها، أو ندرتها عند المتحدث، وذلك في الثقافة اليابانية والصينية.
وكذلك فإن ضم الأصابع ورفع الإبهام يعني “,”الرضا أو الإعجاب“,” عند بعض المجتمعات، ولكنها عند مجتمعات أخرى تعني كلامًا بذيئًا أو شتيمة ولكن بالإشارة وليست باللسان.
وفي ماليزيا يشيرون إلى الاتجاهات والأشياء بإصبع الإبهام، وليس بالسبابة كما تفعل المجتمعات العربية، ويستنكر الماليزيون استخدام السبابة في الإشارة.
وتشبيك الأصابع معًا يعني “,”الاتحاد والقوة“,” عند المجتمعات العربية، ولكنها عند مجتمعات أمريكا اللاتينية تعني “,”الضجر والملل وطلب النجدة والمساعدة“,”.
وفي مصر لا يقتصر استخدام لغة الأصابع على الصم والبكم بل إن المجتمع بأكمله يعيش عليها من لحظة الاستيقاظ حتى النوم.. وقد أصبحت وسيلة أساسية لركوب المواصلات، خاصة الميكروباصات، وأصبحت كل منطقة في مصر لها تعريف بالأصابع.. وهو تعريف يختلف من محافظة الى أخرى.
كما أصبحت لغة الأصابع هي اللغة المعتمدة في البورصة أيضًا.
وتحتل بعض الأصابع أهمية خاصة في التعامل بتلك اللغة.. وعلى رأسها السبابة والوسطى.. والسبابة هي لغة تهديد ووعيد لا تختلف من الآباء والأمهات حتى اللواء الرويني والرئيس مرسي
أما الإصبع الوسطى فاستعماله مختلف وهو يدرج تحت بند القباحة.. ونجده منتشرًا في الأحياء الشعبية بين السكان.. وفي مباريات كرة القدم بين اللاعبين وجمهور المشجعين.
ويبدو أن قوى المعارضة قد دخلت على الخط باستعمال إصبعها الوسطى في الحياة السياسية.. وهذا هو التفسير الوحيد لانزعاج السيد رئيس الجمهورية وانفعاله أمام مؤتمر المرأة وقوله بالنص:
“,”حياة هؤلاء الناس لا تساوي في سبيل مصلحة مصر“,”، “,”أنا رئيس دولة بعد الثورة، يعني ممكن نضحي بشوية عشان نعيش كلنا.. معنديش مشكلة“,”.. واستطرد قائلا: “,”اللي هيحط صبعه جوه مصر هقطعه، أنا شايف صبعين تلاتة بيمدوا إيديهم جوه“,”.
وأنا مع السيد الرئيس.. وأقول: “,”اللي هيحط صبعه جوه هادبحه.. لكن مش هعرف بالطبع صبعه طلع بعد ذبح صاحبه ولاّ لسه جوه مطلعش“,”.