الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"روحاني" بعد فوزه في الانتخابات بين "العقلانية" و"التشدد"

إيران على صفيح ساخن

د. محمد السعيد إدريس
د. محمد السعيد إدريس والرئيس الإيراني حسن روحاني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إعداد: د. محمد السعيد إدريس
البريد الإلكتروني: msiidries@gmail.com

الانتخابات عكست الرغبة فى دعم الاعتدال والإصلاحات والانفتاح والحريات ورفض العزلة
تسارع الأحداث يهدد فرص الرئيس الإيرانى فى قيادة مشروع إصلاحي
الإرهاب يفرض مشروع التشدد فى ضوء اتهامات إيرانية مباشرة للسعودية

عندما أعلن عن فوز الدكتور حسن روحانى فى الانتخابات الرئاسية الإيرانية التى أجريت يوم 19 مايو الفائت، كانت كل التوقعات ترجح أنه سيطرح مشروعًا إصلاحيًا واضحًا للحكم، وأنه سوف يحاول المزج بين مشروع التنمية السياسية الذى يعد عنوانًا للمشروع الإصلاحى الذى سبق أن كافح من أجله الرئيس الأسبق محمد خاتمى وبين مشروع التنمية الاقتصادية الذى يعد مطلب المرشد الأعلى السيد على خامنئى والتيار المحافظ الذى يتبنى دعوة «الاقتصاد المقاوم»، أى القادر على مقاومة ضغوط العقوبات الاقتصادية ضمن مسعى من روحانى لاستعادة الوحدة الوطنية.
لكن تسارع الأحداث على المستوى الإقليمى أولًا ثم على المستوى الداخلى قلب التوقعات رأسًا على عقب، وأخذ يهدد فرص روحانى فى قيادة مشروع إصلاحى يعبر عن احتياجات المواطنين الذين صوتوا له أملًا فى تخفيف الضغوط الخارجية وطموحًا فى تحسين علاقات إيران الإقليمية والتأثير الإيجابى لهذا كله على دعم مطالب «الحريات الاجتماعية» التى تعد مطلبًا أساسيًا لأجيال جديدة من ملايين الشباب الإيرانى الطامحين إلى تخفيف قيود وأعباء نظام الجمهورية الإسلامية، خاصة ما يتعلق منها بالأبعاد الثورية والتشدد إزاء دعوات التغيير والاعتدال.
فالاستقطاب الإقليمى ضد إيران الذى تقوده المملكة العربية السعودية وتدعمه الولايات المتحدة والذى أخذ يتبلور فى التأسيس لتحالف استراتيجى إقليمى يكون مقره مدينة الرياض عاصمة المملكة السعودية، والأزمة الخليجية المتصاعدة الآن، وبالتحديد الأزمة القطرية التى تفجرت عقب بيان منسوب لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثانى، أثنى فيه على إيران ورفض اعتبار حركة «حماس» منظمة إرهابية، وانتقد فيه الرئيس الأمريكى وضعت إيران أمام تحديات خارجية غير مسبوقة من شأنها أن تدفع بالتشدد كى يتسيد الموقف داخل إيران على حساب المشروع الإصلاحى والانفتاح على الخارج. فإيران أصبحت هى العدو وهى المصدر الرئيسى للإرهاب وللتهديد فى مفهوم الرئيس الأمريكى وإدارته وفى مفهوم قادة السعودية والإمارات، وبالتالى ستكون هى المستهدفة من التحالف الاستراتيجى الإقليمى الجديد الذى يدفع نحو إعادة ترسيم خرائط التحالفات والصراعات الإقليمية مجددًا، وعلى إيران أن تواجه هذا كله بمشروع مقابل على المستوى ذاته ليس هو بالقطع المشروع الإصلاحى الذى انتخب من أجله الرئيس حسن روحاني.
وجاءت العمليتان الإرهابيتان الأخيرتان فى مرقد الإمام الخمينى وداخل البرلمان (مجلس الشورى) لتزيد من حتمية أن يتسيد مشروع التشدد السياسة والحكم فى إيران، فى ضوء اتهامات إيرانية مباشرة للمملكة العربية السعودية، والسؤال المهم بهذا الخصوص: هل سيكون فى مقدور الرئيس حسن روحانى أن يوائم بين مطالب الشعب الإيرانى فى المشروع الإصلاحى وبين ضغوط التشدد الآتية من الخارج؟

أولويات مشروع الإصلاح
كشفت التوترات والانتقادات الحادة المتبادلة بين المرشحين الرئيسيين الذين خاضوا معركة انتخابات الرئاسة، وعلى الأخص الرئيس حسن روحانى ممثلًا لتحالف الإصلاحيين والمعتدلين وإبراهيم رئيسى ممثلًا للتيار الأصولى المحافظ وبالتحديد تحالف معظم أطراف التيار المحافظ الذى حمل اسم «الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية»، أن الانقسام بين التيارين الكبيرين: الإصلاحيين والمحافظين بلغ ذروته، وأن إيران باتت تتجه إلى حتمية حسم نهائى لسيطرة أى من التيارين أو تأسيس تيار ثالث متوازن يقود إيران وسط فشل وإحباطات داخلية مكثفة وضغوط وتحديات عدائية خارجية غير مسبوقة.
هذا الانقسام والتوتر قد لا يكون جديدًا.. عاشه بعمق ودفع أثمانه الرئيس السابق الدكتور محمد خاتمى وحاول بلورة توافق صحى يحافظ على المشروع الوطنى للجمهورية الإسلامية. تحمس لدعوته إلى «التنمية السياسية» وإلى ضرورة تأسيس تجربة «ديمقراطية دينية» تجعل من إيران دولة ديمقراطية تؤمِّن الحريات التى تكفل القدرة على الإبداع والتطوير المطلوب لتقدم ونجاح التجربة الإيرانية، دون إخلال بالأسس والمقومات العقائدية التى يرتكز عليها المشروع السياسى للجمهورية الإسلامية، لكنه فشل أمام سطوة المرشد الأعلى واستعلاء المؤسسات المعينة على المؤسسات المنتخبة. وحاول من بعده هاشمى رفسنجانى فى ذروة الانقسامات التى واجهت البلاد فى الانتخابات الرئاسية عام ٢٠٠٩ عندما تأكد من انحياز المرشد إلى صف محمود أحمدى نجاد ضد المرشح الرئاسى الآخر مير حسين موسوي، وعندما تعجل المرشد فى إعلان فوز أحمدى نجاد متخطيًا المؤسسات الدستورية المسئولة عن ذلك، عندها أدرك رفسنجانى أن المرشد الأعلى السيد على خامنئى أخلّ بأحد أهم أسس ولاية الفقيه وهو الحيادية، لذلك دعا إلى «ولاية فقيه ـ جماعية» ولم يسلم بعدها رفسنجانى من غضب المرشد الذى زاد فى تشدده وعدائه لرموز الحركة الإصلاحية خاصة بعد أحداث ٢٠١١ التى واكبت موجة الثورات العربية، وجرى وسم قادة ما سمى بـ «الثورة الخضراء» الذين قادوا احتجاجات ما اعتبروه تزويرًا فى النتائج الانتخابية لصالح أحمدى نجاد بأنهم «تيار الفتنة». ولم يتوقف الأمر عند ذلك، حيث لم يسلم أحمدى نجاد من غضب المرشد بسبب كثرة حديثه عن اقتراب موعد ظهور «الإمام الغائب» وتأسيسه لتيار سمّاه بـ «المهدوية» نسبة إلى الإمام المهدى الغائب وحمل مسئولية التبشير باقتراب موعد ظهور الإمام عندها ثار المرشد عليه، وبات تياره المهدوى يسمى فى أدبيات النظام والمتشددين من المحافظين بأنه «تيار الانحراف» أى الانحراف عن عقيدة النظام والتبشير بدعوة بديلة.
هذه المرة يبدو أن الأمور الانقسامية بدأت وقد لا تعود، لكن مشكلة الرئيس حسن روحانى أنه من المستحيل أن يقود البلاد ويواجه الأزمات الداخلية وخاصة الاقتصادية منها ويواجه التحديات الداخلية دون توحيد القوى السياسية والوصول إلى توافق حول برنامج وطنى لحكم البلاد.
معالم الانقسام تأكدت بعد أن حسم الإصلاحيون وأنصار حكومة وجماعة رفسنجانى من المعتدلين، إضافة إلى بعض الرموز الأصولية خاصة على لاريجانى رئيس مجلس الشورى أمرهم بدعم الرئيس حسن روحانى مرشحًا، وبدأت المعركة الانتخابية فى ظل اتهامات لروحانى وحكومته بالفشل فى إنجاز الوعود الانتخابية سواء على صعيد الاقتصاد أو على صعيد الانفتاح على المجتمع الدولى وإنهاء الحصار، واتهامه وحكومته بأنه حصر النمو الاقتصادى وحل المشكلات، ومنها التلوث والمياه، بالنجاح فى المفاوضات المتعلقة بالاتفاق النووي. ورغم إبرام هذا الاتفاق فإن انعكاساته الاجتماعية الإيجابية من ارتفاع مستوى الدخل إلى انخفاض مستوى البطالة وازدهار بنية الاستثمار لم تتحقق إلا بمستويات محدودة وضئيلة، وهذا ما جعل المرشد الأعلى السيد على خامنئى يكثف هجومه ضد الرئيس روحانى وحكومته. ففى خطابه السنوى بمناسبة عيد رأس السنة الإيرانى (عيد النوروز) أعلن خامنئى أن السياسات الاقتصادية للحكومة خيبت الآمال، ودعا إلى «اقتصاد مقاوم جديد قادر على خلق الوظائف» وقال بوضوح «أشعر بمعاناة المواطنين الفقراء ومحدودى الدخل بكل وجدانى وخصوصًا بسبب ارتفاع الأسعار والبطالة والتفاوت (الاجتماعي)»، كما أكد فى كلمته أن الحكومة «اتخذت خطوات إيجابية لكنها لا تلبى توقعات الشعب وتوقعاتي». ولم يكتف بذلك بل إنه تعمد تفنيد مقولة يدافع عنها الرئيس حسن روحانى تفيد بأن الاتفاق النووى المبرم بين طهران و«دول مجموعة ٥+١» عام ٢٠١٥ جنب البلاد حربًا، حيث أكد أن الشعب وصلابته هو من أوقف مثل هذه الحرب، وقال «وجود الشعب فى الساحة هو الذى أبعد شبح الحرب عن البلاد».

لم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد روجت وكالة أنباء «فارس» القريبة من الحرس الثورى لاعتداءات تعرض لها الرئيس روحانى، عندما زار موقع منجم انهار قبل أسبوعين من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، وأدى إلى مقتل ٢٣ عاملًا. فقد استغلت الوكالة وتيار الأصوليين حادث انهيار المنجم ضد روحانى، رغم أنه مملوك لشركة تابعة لقوات «التعبئة الشعبية» (الباسيج) فقد نشرت الوكالة تسجيلًا لم ينشره التليفزيون الحكومي، لاعتراضات العمال وأهالى الضحايا الغاضبين وهم يمنعون روحانى من الوصول إلى موقع المنجم وهم يهتفون ضده.
الآن فاز روحانى فى الانتخابات وحصل على ٢٣.٥ مليون صوت من أصل ٤١.٢ مليون ناخب شاركوا فى الاقتراع، أى أنه حصل على ٥٧٪ من إجمالى الأصوات، وبما يزيد بـ ٦٪ علي انتخاباته الأولى عام ٢٠١٣، وفازت معه «لائحة الأمل» الإصلاحية التى يتزعمها محسن هاشمى رفسنجانى نجل هاشمى رفسنجانى بكاملها فى الانتخابات البلدية التى أجريت تزامنا مع الانتخابات الرئاسية، ما يعنى أن الناخبين انحازوا إلى موقف الإصلاحيين والمعتدلين سواء بالنسبة لما يخص القضايا الداخلية أو ما يخص إدارة علاقات إيران الخارجية، وفى ذات الوقت تتردد تكهنات بقرب تعيين مدير دائرة التفتيش والرقابة فى مكتب المرشد الأعلى الرئيس الأسبق لمجلس الشورى المرشح الأسبق للانتخابات الرئاسية عام ١٩٩٧ على أكبر ناطق نورى رئيسًا لمجمع تشخيص مصلحة النظام، ما يشكل غلبة لمعسكر روحانى نظرًا إلى قرب ناطق نورى منه، بخلاف محمود شهروردى المرشح السابق للمنصب نائب رئيس مجلس خبراء القيادة الرئيس الأسبق للقضاء والقريب من المرشد الأعلى.
مجمل هذه النتائج أظهر رغبة الطبقات الاجتماعية المختلفة فى دعم الاعتدال والإصلاحات والانفتاح على الخارج، ودعم الحريات العامة والشخصية ورفض العيش فى عزلة، كما أكدت هذه النتائج تفوق الأوساط الاجتماعية المتطلعة إلى الديمقراطية والمشاركة السياسية على الأوساط «الشعبوية» المحافظة، بما يعنيه ذلك من نمو فى الوعى عند الناخبين وتطلعهم إلى إصلاحات أكبر من أجل التقدم والتنمية، وثقتهم فى شخص روحانى والقيادات الكبيرة التى أيدته خاصة الرئيس محمد خاتمى وحفيد الإمام الخمينى، حسن الخمينى الذى سبق أن منعه مجلس صيانة الدستور فى العام الماضى من الترشح لانتخابات مجلس خبراء القيادة، والشيخ مهدى كروبي، وعلى أكبر ناطق نورى وعلى لاريجانى، والأخيران من تيار الأصوليين المعتدلين.
هذه المطالب الإصلاحية بدأت تأخذ أبعادًا اجتماعية عرقية وطائفية بعد الفوز الكاسح لروحانى على نحو ما تأكد من تصريحات كل من «مولوى عبدالحميد إسماعيل زهي» إمام جمعة زاهدان عاصمة إقليم بلوشستان جنوب شرقى إيران (معقل الكتلة السنية الكبرى فى البلاد الذين ينتمون عرقيًا إلى إقليم بلوشستان الممتد فى عمق باكستان) والزعيم الكردى عضو مجلس الشورى (البرلمان) جلال جلالى زاده وهى تصريحات أكدت أن المشروع الإصلاحى له امتدادات قوية ذات أبعاد عرقية وطائفية، تطالب بمنح الأقليات العرقية حقوق المواطنة الكاملة، دون تمييز كما تطالب بإعطاء المسلمين السنة حقوق المشاركة والمواطنة الكاملة دون تمييز طائفى، وهى مطالب فى صميم وعمق أى مشروع إصلاحى حقيقى فى البلاد.

الضغوط الخارجية ومشروع التشدد
رسالة واضحة وصريحة تؤكد أن القطاع الأكبر من الشعب مع مشروع إصلاحى حقيقي، وأن من وقفوا بقوة مع روحانى وكانوا السبب فى فوزه الكاسح على منافسه الأصولى المحافظ إبراهيم رئيسى المدعوم من شخص المرشد الأعلى والحرس الثورى وغلاة الأصوليين المحافظين، يطالبون باستحقاقات قوية: هؤلاء سواء كانوا من قادة التيار الإصلاحى الذين اختاروا حسن روحانى مرشحًا لهم لن يقبلوا منه أن يتراجع عن وعوده الإصلاحية على نحو ما فعله فى رئاسته الأولى، وأهل السُنة هم أيضًا خرجوا عن صمتهم وأكدوا انحيازهم للمشروع الإصلاحى لأنه وحده الكفيل بالحصول على حقوق المواطنة المتساوية وإنهاء التمييز الطائفى والعرقي، هؤلاء لن يستسلموا لأى مراوغة من جانب روحانى لكن الأحداث المتسارعة جاءت لتفرض قيودًا هائلة أمام إمكانية استجابة روحانى إلى هذه المطالب ابتداءً بمقررات القمم الأمريكية للرئيس دونالد ترامب فى الرياض (٢٠- ٢١/٥/٢٠١٧) مع قادة السعودية ودول مجلس التعاون وزعماء لدول عربية وإسلامية، وامتدادا إلى مواقف وتحركات أمريكية جديدة ضمن حالة الصراع الخليجي ـ الخليجى الراهنة فى ظل الأزمة القطرية وصولًا إلى التفجيرات الأخيرة داخل إيران.
فقد اختتمت القمم الأمريكية الثلاث فى الرياض بإصدار إعلان حمل اسم «إعلان الرياض» الذى كشف عن استعداد لتوفير ٣٤ ألف جندى لمواجهة الإرهاب فى سوريا والعراق، وتضمن التأسيس لشراكة وثيقة بين قادة دول عربية وإسلامية مع الولايات المتحدة لمواجهة التطرف والإرهاب، وتأسيس ما سمى بـ «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» ومركز علمى لمواجهة التطرف، وإلى جانب هذا الإعلان صدر بيان ختامى مشترك أمريكى ـ سعودى فى ختام زيارة ترامب للسعودية أكد فيه البلدان عزمهما على العمل معًا لاحتواء التهديدات الإيرانية لدول المنطقة والعالم، والتصدى لـ «الميليشيات» التى تدعمها، ودعم الحكومة اللبنانية لنزع سلاح «حزب الله» وحصر السلاح بالمؤسسة العسكرية الشرعية.
وفى كلمته أمام القمة العربية الإسلامية الأمريكية، قال الرئيس الأمريكى إن إيران «تمول وتسلح وتدرب الإرهابيين والميليشيات، إذ أشعلت إيران النزعات الطائفية، وهى مسئولة عن زعزعة الاستقرار فى لبنان والعراق واليمن. كما أن التدخلات الإيرانية التى تزعزع الاستقرار واضحة للغاية فى سوريا. وبفضل إيران ارتكب الأسد الجرائم بحق شعبه، ويجب أن نعمل معًا لعزل إيران، ومنعها من تمويل المنظمات الإرهابية» وفى لقائه مع قادة الكيان الصهيونى الذى وصل إليه مباشرة قادمًا من الرياض خاطب ترامب رئيس الكيان رؤوبين لريفين قائلًا: إن «هناك شعورا واسعا فى العالم الإسلامى بأن لديهم قضية مشتركة معكم، فى التهديد الذى تشكله إيران، وهى بالتأكيد تهديد، ولا شك فى ذلك» وأضاف «ما حدث مع إيران قرب الكثير من المناطق فى الشرق الأوسط باتجاه إسرائيل، وإذا ما تحدثتم عن فوائد، فإن هذه هى الفائدة، لأننى لمست شعورا مختلفا تجاه إسرائيل من دول كانت لا تكن شعورا جيدا تجاهها حتى وقت قريب، وهذا أمر إيجابى حقًا، ونحن سعداء».
واقع إقليمى ودولى جديد لم يكن عاقل فى العالم كله، وليس فى إيران وحدها يتوقعه، حيث لم تعد إيران هى العدو لدول الجوار فقط، بل أصبحت إسرائيل هى الحليف برعاية أمريكية، وإدراكًا لهذا الواقع استبق بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان جولة الرئيس الأمريكى الشرق أوسطية بين الرياض والقدس المحتلة، ليقدم قائمة مطالبه من الرئيس الأمريكي، وهى كلها بالمناسبة مطالب تمس مصالح الأمن القومى والشعور السياسى للجمهورية الإسلامية الإيرانية. هذه القائمة التى كشفتها صحيفة «جيروزاليم بوست» تضمنت خمسة مطالب هى بالتحديد أولًا: إبقاء الضغوط على إيران وعلى رأسها العقوبات، وثانيًا: مطالب إسرائيلية فى الساحة السورية أولها الاعتراف الأمريكى بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتلة، وثانيها منع إيران أو «حزب الله» من أى وجود أو نفوذ فى سوريا وخاصة بالقرب من الجولان، وثالثًا: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ورابعًا: دعم وتعزيز سياسة الاستيطان فى الضفة الغربية المحتلة، خامسًا: ضمان الحفاظ على التفوق النوعى العسكرى والاستراتيجى الكامل على كل الدول العربية ، أخذا فى الاعتبار صفقات السلاح الأمريكية المتطورة التى وقعتها واشنطن مع السعودية.

هذا الواقع الإقليمى الجديد قد يقود إلى إعادة تشكيل خرائط التحالفات الإقليمية، وإمكانية إعادة تأسيس «محور الاعتدال»، ولكن دون اعتدال بل حزم وتشدد ضد إيران وضد الإرهاب مع ميول لضم إسرائيل إلى هذا التحالف الذى تغذيه مواقف وتصريحات شديدة التطرف من جنرالات الإدارة الأمريكية الجديدة وعلى الأخص وزير الدفاع جيمس ماتيس ومستشار الأمن القومى هربرت ماكماستر اللذين لا يخفيان مواقفهما المتشددة تجاه إيران باعتبارها «الخطر الأكبر» على المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط. لكن الجديد هو تعيين «مايكل داندريا» المعروف باسم «أمير الظلام» مسئولية التجسس على إيران ورئاسته مركزا جديدا بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي. آي. إيه» يكون مختصا بجمع المعلومات الاستخباراتية بشأن إيران وتحليلها تنفيذا لسياسة الرئيس دونالد ترامب بـ «جعل إيران هدفا ذا أولوية عليا للجواسيس الإيرانيين» حسب معلومات نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» التى كشفت أن هذا الرجل كُلِّف سابقا بالبحث عن أسامة بن لادن تمهيدا لقتله، وبإدارة برنامج الاغتيالات عبر طائرات بدون طيار، وأنه كان مسئولًا عن «مركز مكافحة الإرهاب» فى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية خلال سنوات مضت، وأنه كان مسئولا عن تدبير عملية اغتيال عماد مغنية القيادى العسكرى الكبير فى «حزب الله» اللبناني. وبحسب «نيويورك تايمز» فإن المدير الجديد لـ «سي.آي. أيه» مايكل بومبيو، مع مايكل داندريا «قد يكونان حاليًا المسئولين عن تحديد ما إذا كانت الإدارة الأمريكية ترى أن إيران تتقيّد بالاتفاق النووى الموقع مع القوى الكبري أم لا».
هذا يعنى أن إيران أضحت فى عين العاصفة، وهذا ما أدركه جيدا المرشد الأعلى السيد على خامنئى، وبناء عليه حدد أن الرد الإيرانى يجب أن يكون على المستوى نفسه، وحسم الخيارات بالانحياز للتشدد ونبذ دعوة «العقلانية» التى ينادى بها الإصلاحيون وينحاز لها الرئيس روحاني.
وبهذا الخطاب وضع المرشد خطًا أحمر على خيار المساومة وعلى دعوة الرئيس روحانى للرئيس الأمريكى فى أول مؤتمر صحفى له بأن «إيران منفتحة على كل العالم، وترغب فى التعامل معها على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة». كما أعرب عن أمله بأن «يكون لدى الإدارة الأمريكية تصور واضح حول آلية التعاطى مع الملف الإيراني»، مشيرا إلى أن «الحكومة الأمريكية لن تستطيع خدمة مصالح شعبها إذا لم تتمكن من أخذ مصالح الآخرين فى الاعتبار».
هل يعى الرئيس الأمريكى فحوى هذا الخطاب المعتدل للرئيس الإيرانى وهل يمكن أن يتجاوب معه؟
فى الإجابة حسم ليس فقط للخيار الإيرانى، بل حسم للمستقبل السياسى للرئيس روحاني.