الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أزمة خطاب فى عالم بات صغيرًا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم أرَ مثقفًا عربيًا إلا وهو ينادى بتغيير الخطاب السائد اليوم، كلهم ينادون ويدعون إلى التغيير، وكأن الخطاب السائد.. وراء كل المصائب التى حدثت، دون أى محاولة للدعوة إلى تغيير مقابل للخطاب الآخر. 
نعم الحياة تتغير والتحديات تتغير وتصبح أكبر من إمكانات وسائل الدفاع التقليدية، فلم تتغير السياسة وحدها فحسب بل إن الاقتصاد ما عاد أحد خيارين.. إما اشتراكى وإما رأسمالى، كذلك تغيرت النظرة إلى المؤسسات، والسياقات، واندحرت نظريات وتبّدلت مسلمات، بفعل التقارب الخطير وغير المسبوق بين البشر، عبر إلغاء الزمان والمكان الذى وفرته وسائل النقل والإعلام ووسائط التواصل، التى قربت العالم ليصبح شاشة يتفاعل معها الجميع، متى شاء وكيف يشاء وبأى اتجاه، وتسخدمها بالفاعلية التى تريد، بين أن تكون موّحدًا أو مقسّمًا، محرضًا أو ممرضًا، داعية يحث الناس على الاحتراب والتطرف، أو راع يحثهم على الانسجام والتعايش، قل ما شئت واملك مدفعك الإلكترونى، وارم ما شئت ومتى شئت من القنابل، فإما أن تكون نتاج سلطة الخوف، وإما أن تكون سلطة الضمير الحى، أنت ومشاربك وأروماتك التى خرجت منها، إما أن تكون كالعث الذى يأكل سجادة الوطن الفسيفسائية الملونة الجميلة التى نسَجها التأريخ، وإما تكون كالنسّاج الذى يرمم أجزاءها لتبقَ ناصعة بألوانها الزاهية، عالم متقاتل بين الوطنيين الشرفاء من جهة، والعملاء الأنجاس الذين ينتظرون الأموال من خارج الحدود ليعتاشوا ويخربوا من جهة أخرى، للأسف هذه هى الصورة الحقيقية البشعة لبعض مواطنينا الذين يحملون نفس الهوية.
لذلك نحن متوقفون عند بوابات الماضى ولا نغادرها، لأنها الحقيقة الوحيدة التى تجمعنا، بكل إرثها الجميل أو القبيح معًا، فالتاريخ لم يكتب بكامل حقائقه لتنتفع الأجيال اللاحقة حتى ضياع البوصلة، فالمدن مليئة بالخرافات، والتداعيات وحملة المخارز الذين يثقبون سفينة النجاة، والذى يسّرع فى غرقها توظيف التقنيات، والأموال التى تنفق على الطابور الرابع والطابور الخامس من خارج منظومة الدول، فى وقت فان..
الناس تقف طوابير كى تأكل..
معادلة جديدة فى انشطار وعى المواطنة، فى عالم تسوده تقنية الاتصالات المتلاحقة، فقد صارت المدينة كلها إلكترونية، أنت لا تسير إلا على «جى بى إس»، ولا تتحرك إلا و«شير لوكيشن» فى سيارتك أو هاتفك حتى بات البعض لا يفكر من أين يخرج وكيف يسير، فالأقمار الصناعية والاتصالات هى التى توصله، صار الكون كله منطقة صراع واحدة، أنت والآخر فى حالة صراع إرادات، متواصلة سلبًا أو إيجابًا.. فاحتجبت الرؤية، وصار كل واحد يرى جاره، القريب والبعيد معًا.. 
الأزمة فى هذا الواقع.. هى الأفكار التى ما عادت حبيسة. 
بلد دون غيره، صارت الأفكار أممية، أى تخطت مرحلة الأطر التقليدية وتعولمتْ، لا تحدها حدود بل تعبر تلك الحدود فى اللحظة، وهناك من يتحدث عن فكرة نظّر ويدعو لها بعنوان «أفول السيادة»، كناية عن الأفكار عابرة الحدود والقارات، وبالرغم من أن فوائد جمة حسّنت أداء الإنسان، وعمقت معرفته، لكنها فى الوقت نفسه تشكل تحديًا خطيرًا فى السيطرة على الجمهور والمرسل معًا المتمثل بالسياسى والمذيع والداعية والمعلم، وسواهم، صارت الأمور إذا ما عطس شخص فى المغرب، زكم شخص فى العراق، وإذا ما أصيب شخص فى ليبيا تضرر آخر فى بلد آخر، إنها لعبة العصر، التى لا تحتمل خطاب الكراهية، والغلو والتشدد، والتحريض والدعوة إلى مقاتلة آخر أى آخر..
كما يحدث اليوم بدعوى امتلاك القوة والنفوذ والهيمنة.. 
هل نحتاج قوانين جديدة لصياغة الخطاب، كى يتحول إلى وسيلة لجمع الناس لا فرقتهم، ويحث الناس على رفع إنتاجيتهم، لا الاكتفاء بالتفرج على فقرهم.. 
والبلدان تغرق وتتراجع، خطاب جديد يحدد شروط النهضة من جديد ويعمق سلطة المواطنة الحقة، التى تجعل الناس لا يقولون للدولة اذهبى أنت وربك... 
وقاتلى وحدك، وأنا أكتفى بالمعاينة، والفرجة فى وسائل الإعلام ووسائل التواصل، هذا الخطاب فى إطار قوانين رادعة للتمادى فى الحث على الإرهاب، وإضعاف الدول، فنحن أحوج ما نكون إليه اليوم، وليس فى الغد، لأن الكثير من الدعاة من خارج الحدود، باتوا ينتجون قتلى وصرعى فى ساحات أخرى خارج حدود بلدانهم، وتجد كلماتهم صدى متمثلين بضحايا التفجيرات، فى مناطق متعددة من العالم كل يوم، فهناك مجانين كُثر يصدقونهم، ويتعاطفون معهم ويستجيبون إليهم، ليعّجلوا بدخول الجنة المزعومة، بل يقتلون مواطنيهم الأبرياء، متوهمين ذلك.. 
أليست هذه حقيقة نتعامل معها كل يوم؟
أى تشويه هذا لديننا الحنيف ولحضارتنا ولتأريخنا الناصع فى التعامل بإنسانية، ورقى، من أين جاءوا هؤلاء بتلك الأحقاد؟ من أى دياجير تخرجوا لينتجوا فعل كل القتل هذا، واستباحة دماء المسلمين قبل غيرهم؟!.