الشعر من أقدم الفنون التي عرفها البشر فور اختراعهم للغة؛ كلمات تقرأ وتعبر عما يجول داخل النفس؛ هذا هو المعتاد على مر العصور لكن غير المعتاد أن يتحول الشعر إلى شيء آخر غير المعروف شيء أشبه بالرسم والأفكار ونظم الإلكترونيات والاتصالات؛ ففي كل مجال هناك أشخاص يخلقون الجديد دائما؛ وكان الشاعر اللبناني عادل فاخوري الذي رحل أمس ضمن هؤلاء المختلفين صانعي نوع خاص من الشعر أطلق عليه القصيدة الإلكترونية.
تكتب هذه القصيدة على شكل رسوم، وتتضمن إيقاعات صوتية منها قصيدة في أجواء الحرب اللبنانية بعنوان "زنبرك الحياة"، التي كتبها على شكل ساعة، حيث القاف مكان الأرقام واللام في وسط الساعة تجسد العقارب وبالتالي تجري قراءة هذه القصيدة على النحو التالي: زنبرك الحياة قلق قلق قلق قلق.
وهناك قصيدة "أوهام الكيمياء" وهي تمثل النارجيلة وسميت بهذا الاسم لأنها تمثل العناصر الأربعة المعروفة في الفلسفة اليونانية والفلسفة العربية، وبالفعل اإذا قرأنا القصيدة من فوق إلى أسفل سوف نجد على التوالي: "ن+ا+ر=نار، ت+ر+ا+ب=تراب، هواء، ماءءءءءءء..." أما كلمة أوهام في عنوان القصيدة أوهام الكيمياء فللإشارة إلى عبث محاولة القدماء تحويل العناصر من بعضها إلى بعض خصوصًا تحويل المعادن الخفيفة إلى ذهب.
كان عادل فاخوري وجهًا من وجوه بيروت المضيئة، في ابتداعاته أو «اختراعاته» وسجالاته الرصينة التي كان يخوضها، وفي كتبه القيّمة التي يقبل عليها طلاب الجامعات وأهل الاختصاص ومنها على سبيل المثل: المنطق الرياضي، الرسالة الرمزية في أصول الفقه، تيارات في السيمياء، علم الدلالة عند العرب: دراسة مقارنة بالسيمياء الحديثة، محاضرات في فلسفة اللغة... أما كتابه الأشد طرافة فهو: «أفكر: إذن أنا كومبيوتر»
في منتصف الثمانينيات أطلق عادل فاخوري ما سمّاه الشعر الإلكتروني وراح ينشر قصائده الإلكترونية المصممة تصميمًا طوبوغرافيًا والحاوية الكثير من الأسهم أو الفلاشات والأزياح والإشارات الطباعية، وبدت الناحية البصرية فيها طاغية على الكلمات.
