رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

رمضان في قرى الصعيد الجواني.. كل بيت يجهز "صينيته"

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هُنا فى صعيد مصر.. على بعد عشرات الكيلومترات من ضجيج السيارات، وصخب الأنوار، ولافتات مسلسلات رمضان وبعيدًا عن «خلاط» المدينة وزحام العاصمة القاهرة، حيث للمناسبات والأفراح وحفلات الطهور، وحتى العزاء، طابع خاص، مُتفرد بذاته، طقوس متوارثة عبر مئات السنين، حافظ عليها الأجداد، وأورثها الآباء للأحفاد، ورغم أن بعض
هذه الطقوس اختفت فى دهاليز السنين الزائلة، إلا أن أغلبها موجود، ما زال يتنفس، مُستمر إلى ما شاء الله.
وهُنا.. لشهر رمضان الكريم طقوس خاصة، تختلف من محافظة لأخرى، ومن قرية لأخرى، ومن نجع يسكُن أبناؤه بقُرب النيل عن نجع آخر يحتضنه الجبل، لكن يظل القاسم المشترك، أن لرمضان فى قُرى «الصعيد الجوانى» طعما ورائحة ولونا، تفتن أبناءه، وتجمعهم على ممارسة عادات وطقوس قديمة، احتفاءً وتهليلًا به، وفى مقدمتها أن «كُل بيت يجهز صُنيته».
قبل أذان المغرب بساعة ونصف تقريبًا، يُنادى زكريا يوسف، ٥٣ عاما، بعلو صوته على ابنه شرف، صاحب السادسة عشرة من العمر، وهو يفرش حصيرة مصنوعة من الخوص فى أحد جوانب المندرة «مضيفة العائلة»، قائلًا فى لهجة صعيدية أصيلة: «خليهم يجهزوا الصينية فى البيت».
المقصود بـ«الصينية» هنا هو «صينية الأكل» التى تحمل على ظهرها ما لذ وطاب من الطعام، حيث جرت العادة فى بعض قُرى الصعيد أن يجتمع رجال كُل عائلة داخل مضيفتهم لإفطار رمضان معًا، يوميًا طوال الشهر الكريم، ويثبت حضور كُل بيت مُستقل بذاته من هذه العائلة بصينية أكل خاصة به توضع بأحد جوانب المضيفة، والمضيفة هُنا هى ساحة العائلة التى تُقيم بها المناسبات المختلفة ويستقبلون فيها زوارهم.
وعن الهدف من هذه العادة، يقول عم زكريا، ابن قرية العزب المصرى بمحافظة قنا: «المُحبون والغلابة يأتون لتناول الإفطار معنا، وأيضًا عابر السبيل اللى ممكن يؤذن عليه المغرب قبل أن يصل داره، كما أن الهدف منها لمتنا مع بعض كعائلة كبيرة واحدة فى شهر الخير».
ومنذ عدة سنوات، كانت قائمة الطعام التى تحملها صينية الأكل هذه غير التى تحملها نفس الصينية الآن، وهو ما يوضحه زكريا قائلًا: «زمان كان طبلية «صينية» الحاج شرف والدى يوميًا فيها من خيرات الله طبيخ الملوخية أو البامية، ومن اللحوم إما بط أو فراخ بلدى أو حمام، وبالنسبة للعصائر كانت نوعين فقط، إما الحلبة المطحونة المنقوعة والمصفاة ومُحلاة بالسُكر أو «الشربات»، أما الحلويات فكانت الكُنافة الرَش المصنوعة داخل المنزل أو «البقلاوة» المعمولة من العجين ومُحلاة بالسُكر، وطبعًا البلح، لكن حاليًا الأكل والعصائر والحلويات أشكال وألوان، غير زمان».
بالرغم من أن هذه العادة، أو الموروث، تعود إلى مئات السنين إلا أنها ما زالت تتواجد حاليًا فى قُرى الصعيد الجوانى على استحياء، بحسب محمد مبارك، الذى يوضح قائلا: «كان زمان كُل الناس تطلع صوانى رمضان فى الساحات علشان تفطر مع بعض، والراجل اللى يهرب وميطلعش بصينيته الناس كانت «تاكل وشه»، يعنى تلومه وتعايره، دلوقتى قليل لما تلاقى حد طالع بصينية، الناس لهتها المعيشة ولقمة العيش، والظروف المادية مش مساعدة كمان، وحتى لو حد طلع صينيته أول كام يوم فى رمضان مبيطلعش تانى، بيفطر فى بيته وسط عياله».
فيما يُفسر حسين جمعة، صاحب الخمسين ربيعًا، اختفاء هذا الطقس عن بعض الساحات قائلًا: «التليفزيون هو السبب، القنوات الكتير والقعدة قدام التليفزيون لَهت الناس»، مُشيرًا إلى أن الأهل والأقارب منذ عدة سنوات، تزيد على العشرة، كانوا يحرصون على «اللمة» داخل ساحات عائلاتهم لتناول فطار رمضان معًا، وليتسامروا ويحكوا قصص وحواديت الجدود، أما الآن فأصبح أغلبهم يتسامر مع «الدش» وشاشة التليفزيون.