الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

أرابيسك.. الحارة الشعبية التي هدمها الزلزال

مسلسل أرابيسك
مسلسل أرابيسك
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى عام 1992 تعرضت مصر لزلزال من أكبر الزلازل التى تعرضت لها فى تاريخها، وأدى إلى خسائر كبيرة فى الأرواح والمنشآت، وعقب هذا الزلزال بعامين قرر الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة أن ينقل هذا الزلزال من الواقع إلى الدراما التليفزيونية.
ليصرخ من خلاله صرخة قوية فى وجه الزلزال الأخلاقى والدينى والوطنى الذى يهدد المجتمع المصرى، خاصة فى مرحلة النصف الثانى من تسعينيات القرن الماضى، وذلك من خلال مسلسل «أرابيسك.. أيام حسن النعمانى»، الذى قام بإخراجه المخرج جمال عبدالحميد، ودارت أحداثه داخل حارة من إحدى حوارى القاهرة الفاطمية، التى يتصف أهلها بالشهامة والرجولة والنخوة والدفاع عن الحق والوقوف إلى جوار المظلوم، كعادة الحوارى الشعبية التى اندثرت سماتها وأخلاقياتها مع نهايات تسعينيات القرن الماضى. 
دارت أحداث المسلسل من خلال شخصية حسن النعمانى أو حسن أرابيسك التى جسدها الفنان ابن البلد صلاح السعدنى، وهى الشخصية التى تتسم بالرجولة والشهامة ومساعدة كل من يحتاج إليه، إلا أن هذا النموذج المصرى الأصيل يتعرض لزلزال اجتماعى ونفسى خاص به من خلال علاقة زوجية فاشلة، ينتج عنها تصدع فى أخلاقيات هذا النموذج المصرى ليتحول إلى شخص مدمن لمخدر الحشيش، ومهمل فى عمله وفى حياته الشخصية ليعيش دنياه بالطول وبالعرض، دون النظر لأى اعتبارات أو حساب للمستقبل، مع احتفاظه واعتداده بمهنته كفنان صناعة الأرابيسك التى ورثها عن جدوده منذ جده الأكبر الذى تم تسفيره إلى الأستانة عاصمة الدولة العثمانية للاستفادة من مهارته فى صناعة الأرابيسك.
ويتبع هذا الزلزال الشخصى لحسن أرابيسك، زلزال أعم وأشمل ضرب بالحارة المصرية ومكوناتها الوطنية والدينية المعتدلة ليقضى هذا الزلزال على هذا النموذج، ويظهر بدلًا منه النموذج المتطرف والمغالى فى الدين بفهم مغلوط فينتج عنه الإرهاب والقتل والتفجير الذى أصاب حارة النعمان، فى إشارة إلى إصابة الحارة المصرية بشكل عام بهذا النموذج المتطرف، الذى قابله على النقيض نموذج الشباب المغيب المدمن للمخدرات من خلال شخصية «سامبو» الذى يتاجر فى المخدرات ويعيش فى فقاعة من الفقاعات المغيبة للعقل والوعى إلى جانب تعامله مع من حوله بالبلطجة والتطاول غير الأخلاقى.
وفى إشارة من الكاتب أسامة أنور عكاشة إلى أصالة ونبل المعدن المصرى الأصيل، فإنه يضع حسن أرابيسك فى اختبار حقيقى للبحث عن وطنيته الساكنة فى جزء مظلم بداخله رغم كل ما يحيط به من أحداث مؤسفة، فيتعرف أرابيسك على أحد العلماء المصريين العائدين من الخارج، وهو الدكتور «برهان صدقى» الذى جسده الفنان الكبير كرم مطاوع، والطامح فى بناء فيلا سكنية تمثل تاريخ الشعب المصرى بمختلف أحقابه التاريخية ومدارسه الفنية من الفرعونية والقبطية والإسلامية، وخلال عمل حسن أرابيسك بهذه الفيلا يعلم أن هذا العالم معرض لخطر من إحدى الدول الأجنبية، فيظهر الأصل المصرى الشهم بداخله ويقرر حمايته وإخفاءه بالحارة التى يعيش فيها بعيدًا عن أعين المتربصين به، وتتوالى تلك الأحداث بالتوازى مع محاولات حسن لإعادة كرسى أثرى من صناعة جده، تم الاستيلاء عليه من بعض ناهبى الآثار ومهربى الحضارة، فى إشارة أيضًا إلى عمق الشخصية المصرية الأصيلة وحفاظها على تاريخها وتراثها على الرغم من غرقه فى لجة المخدرات وتيه الحياة.
وتستمر احداث المسلسل على هذا المنوال مع بعض الاحداث الدرامية المحيطة بالتيمة الرئيسية للمسلسل مثال علاقة الحب التي جمعت بين "الاسطى عمارة" الذي جسده الفنان ابو بكر عزت، مع "عدول" التي جسدتها الفنانة سهير المرشدي، واستخدمهم المؤلف رمزية الست المصرية الاصيلة التي تسعي للحفاظ على اسرتها وشقيقاتها رغم عدم وجود رجل يساعدهم على ظروف المعيشة، مع وقوف الاسطى عمارة الى جوار من يحب واحتمال كل ظروفها ومشاكلها، مع القاء الضوء على بعض العمليات الارهابية التي حدث في فترة التسعينيات، والتي راح ضحيتها "شقشق" الشاب المصري المكافح، الذي جسده الفنان عمرو محمد على.
وتنتهي احداث المسلسل بالزلزال الذي ضرب مصر في عام 1992، وجاء ليدمر كل ما سعى حسن ارابيسك الى تنفيذه داخل فيلا الدكتور "برهان صدقي"، لتنتهي الاحداث بتصدع الفيلا وانهيارها نتيجة الزلزال الذي ضرب مصر، في اشارة من المؤلف الى الاحتياط من الزلزال الأخلاقي والتعليمي والديني والاجتماعي والثقافي والفني والسياسي الذي يضرب مصر ويصل الى جذورها ويسعي لاقتلاعها ليستبدلها بجذور فساد وتطرف وانحدار أخلاقي وقيمي وفني.