الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

مارس 1954 الإستبداد والديموقراطية


مجلس قياة ثورة يوليو
مجلس قياة ثورة يوليو
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أزمة مارس 1954 الإستبداد والديموقراطية
في الذكرى التاسعة والخمسين لما عرف بأزمة مارس 1954 والتي مثلت منعطفا حادا ليس في مسار ثورة يوليو فقط ولكن أمتد اثرها ومازال على تاريخ مصر الحديث ، هذا الملف الخاص يرصد جذور الأزمة وتداعياتها ونتائجها
*******************************************
أن أزمة مارس لم تكن وليدة اللحظة أو نتاج تطور طبيعي للأحداث في تلك الفترة، ولكن جذور الأزمة في حقيقتها ترجع الى ما قبل نجاح ثورة يوليو... ووقتها، اتفق بعض قادة الحركة على أن يتصدر المشهد ضابط من أصحاب الرتب العالية ويلقى قبول الجماهير واحترامها ووقع الاختيار على محمد نجيب ووافق محمد نجيب على ذلك متحملًا العواقب التي كان يدركها جيدًا حال فشلهم، ولكن بعد نجاح الثورة اكتسب محمد نجيب شعبية كبيرة بين الجماهير، كما امتلك سلطات واسعة، حيث كان وقتها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس قيادة الثورة، وهو ما جعل في حوزته سلطات لم يتجمع مثلها لشخص واحد من قبله‏.‏
بالاضافة لذلك اكتسب نجيب شعبية جارفة باعتباره قائد الثورة الذي أنقذ الشعب المصري من عهد الظلم والطغيان‏,‏ وأصبح امل البلاد في تحريرها من الاحتلال البريطاني الذي كان قائمًا حتى وقتها.‏
و منذ منتصف عام‏53‏ بدأ مجلس قيادة الثورة بقيادة ناصر في محاولة إزاحة محمد نجيب عن السلطة بعد أن استنفد أغراضه منه ‏،‏ وكانت أولي الخطوات لتحقيق ذلك هي السيطرة علي مقاليد الأمور في القوات المسلحة باعتبارها العامل الحاسم في أي صراع، ولذا حرص عبدالناصر قبل إعلان إلغاء الملكية وقيام الجمهورية في مصر في‏18‏ يونيو‏53‏ ، أن ينتزع قيادة القوات المسلحة من محمد نجيب كي يتولاها الرائد-وقتها- عبدالحكيم عامر،‏ وبرغم المعارضة العنيفة التي واجهها عبدالناصر من اللواء محمد نجيب وبعض أعضاء مجلس قيادة الثورة - خاصة عبداللطيف البغدادي- لهذه الترقية ، فإن عبدالناصر لجأ إلي كل الطرق والوسائل حتي نجح في فرضها على محمد نجيب، وكان أول قرار وقعه محمد نجيب بصفته رئيسا للجمهورية هو الأمر الجمهوري رقم‏1‏ بتعيين عبدالحكيم عامر قائدا عاما للقوات المسلحة مع منحه رتبة اللواء‏.‏
وخلال الشهور التالية نجح عبدالناصر بالاشتراك مع عبدالحكيم عامر في تكوين مجموعات من الأعوان و الموالين لهم في مختلف أسلحة الجيش، وقد قامت هذه المجموعات بأخطر الأدوار في أزمة مارس‏54‏ اذ قاوموا كل قرار يهدف إلي حل مجلس الثورة أو إعادة الدستور والحريات والحياة النيابية إلي البلاد .
بداية الأزمة
بدأت الأزمة يوم 23 فبراير ، بالرسالة التي بعثها اللواء محمد نجيب إلي مجلس قيادة الثورة يوم الثلاثاء‏23‏ فبراير‏54‏ وكانت تتضمن استقالته من جميع المناصب التي يتولاها ، وقدم نجيب استقالته بعد أن أيقن ان استمراره رئيسا للجمهورية ورئيسا لمجلس الثورة ورئيسا للوزراء أصبح أمرا مستحيلا بسبب التجاهل وعدم الاحترام من مجلس قيادة الثورة، كما كان يعاني من هموم كثيرة كشف الستار عن بعضها في الصفحتين‏187,186‏ من مذكراته‏(‏ كلمتي للتاريخ‏)‏ وكلها أسباب تتعلق باستغلال النفوذ وسحب أموال الدولة وبعثرتها كمصاريف سرية وصرفها دون حساب وتوزيع بعضها علي الأصدقاء والأنصار مما يفسد ذمم الضباط وضمائرهم
بعد أن عقد مجلس الثورة عدة جلسات اتخذ المجلس في الساعة الثانية من صباح يوم الخميس‏25‏ فبراير قراره بقبول استقالة محمد نجيب وتعيين عبد الناصر رئيسا لمجلس الوزراء ورئيسا لمجلس قيادة الثورة علي أن يبقي منصب رئيس الجمهورية شاغرا لحين عودة الحياة النيابية للبلاد‏ .
وفي اليوم التالي لإعلان تنحية محمد نجيب قام النقيبان أحمد المصري وفاروق الأنصاري والملازم اول محمود حجازي من الضباط الأحرار بسلاح الفرسان بدعوة ضباط الفرسان الي اجتماع عام يوم الجمعة‏26‏ فبراير‏,‏ وفي الساعة السادسة مساء تجمع ما يربو علي مائتي ضابط ولم يحضر الاجتماع خالد محيي الدين عضو مجلس الثورة لفشل الضباط في الاتصال به كما غاب عن الاجتماع في بدايته حسين الشافعي مدير سلاح الفرسان وعضو مجلس الثورة ولكنه حضر اثناء انعقاده ، وعندما وصلت انباء اجتماع ضباط الفرسان الي عبد الناصر اثناء وجوده في القيادة العامة بكوبري القبة التي تواجه معسكر سلاح الفرسان مباشرة توجه في شجاعة وبدون تردد الي مقر الاجتماع‏.‏
وخلال اجتماع عبد الناصر بضباط الفرسان بعد ذهابه اليهم دار الحوار حول موضوعين اساسيين كان اولهما هو التصرفات الشخصية المعيبة لبعض أعضاء مجلس الثورة وكان ثانيهما هو قضية الديمقراطية والإصرار علي عودة محمد نجيب وذكر عبد الناصر للضباط في نهاية الاجتماع انه سيتوجه الي القيادة العامة لعقد اجتماع مجلس الثورة وعرض مطالب ضباط الفرسان عليه وعقد عبد الناصر بالفعل اجتماعا لمجلس الثورة حضره جميع اعضائه بمن فيهم خالد محيي الدين وروي عبد الناصر للمجلس تفاصيل ما دار اثناء اجتماعه بضباط الفرسان‏.‏ وفي الساعة الثالثة من صباح يوم السبت‏27‏ فبراير‏54‏ توجه عبد الناصر وبرفقته خالد محيي الدين الي سلاح الفرسان حيث اعلن علي الضباط المجتمعين القرارات التي اتخذها مجلس الثورة وهي:
اولا ـ حل مجلس قيادة الثورة وعدم عودة اعضائه الي صفوف الجيش‏
ثانيا ـ اعادة محمد نجيب رئيسا لجمهورية برلمانية‏.‏
ثالثا ـ تعيين خالد محيي الدين رئيسا لوزارة مدنية علي أن يعيد الحياة النيابية في اقرب وقت ممكن‏.‏
رابعا. استقالة عبد الحكيم عامر القائد العام من منصبه وترك الحرية لخالد محيي الدين لتعيين قائد عام بدلا منه‏.‏
وتوجه خالد محيي الدين وبرفقته ثلاثة من الضباط الي دار محمد نجيب في الزيتون حيث أيقظه من نومه وأبلغه بقرارات مجلس الثورة ‏.
بعد فترة قصيرة، وعندما علم بعض ضباط الصف الثاني من الضباط الأحرار وبعض الضباط الآخرين بقرارات المجلس حتي اعلنوا رفضهم الاستجابة لها ولمَّا ادركوا اصرار اعضاء مجلس الثورة علي تنفيذها ثارت ثائرتهم واعلنوا عزمهم علي تدمير سلاح الفرسان واحتجزوا اعضاء مجلس الثورة في غرفة الاجتماعات واضعين حراسة منهم علي بابها لمنعهم من الخروج‏.‏
‏وفي نفس الوقت وبطريقة عفوية تجمعت حشود هائلة من المواطنين وسط العاصمة في مظاهرات صاخبة كان يقود معظمها عناصر من الإخوان المسلمين ـ برغم ان معظم زعمائهم كانوا في السجون والمعتقلات بعد صدور القرار بحل جماعتهم في‏13‏ يناير‏54‏ ـ وكانت الجماهير تهتف‏(‏ محمد نجيب أو الثورة‏).‏
وفي نفس الوقت عمت المظاهرات شوارع الخرطوم وبعض المدن السودانية وهي تهتف‏(‏ لا وحدة بلا نجيب‏)‏ وفضلا عن هذه المظاهرات الشعبية العارمة تأزم الوضع في الجيش مرة أخري اثر اعتقال ضباط من سلاح الفرسان بعد ان طلبوا حضور وفد منهم الي القيادة العامة للتفاهم معهم فإذا بالأمر يصدر باعتقالهم وسرعان ما وجه‏ لبعض ضباط سلاح الفرسان انذارا بأنه اذا لم يفرج عن زملائهم فإنهم سيقصفون بمدافع دباباتهم مبني القيادة المواجه لثكنات الفرسان، ولم يجد صلاح سالم بدا من تبليغ الاذاعةببيان أذيع في الساعة السادسة مساء يوم‏27‏ فبراير‏54‏ كان نصه‏:‏ حفاظا علي وحدة الأمة يعلن مجلس قيادة الثورة عودة الرئيس اللواء أركان حرب محمد نجيب رئيسا للجمهورية وقد وافق سيادته علي ذلك‏.‏
وعلي الرغم من البيانات والتصريحات التي كانت تملأ اعمدة الصحف بعد انتهاء ازمة فبراير‏54‏ والصادرة من محمد نجيب وعبد الناصر وبعض اعضاء مجلس الثورة والتي كانت تتحدث عن توحيد الكلمة ونسيان الماضي وكيف اصبح قادة الثورة قلبا واحدا ويدا واحدة فإن واقع الحال كان يخالف ذلك تماما
وعلى الرغم من ان عبد الناصر كان يمسك بين يديه بزمام السلطة الفعلية في البلاد بعد ان أسند اليه مجلس الثورة اثر استقالة محمد نجيب رئاسة مجلس الثورة ورئاسة الوزارة فأن هذه السلطة كانت مهددة بالانهيار‏.‏ بعد أن أصبح محمد نجيب اعظم قوة وأشد بأسا من ذي قبل ودانت له زعامة مصر بلا منازع، وأصبح يُستقبل في كل مكان استقبال الأبطال .
وفي اجتماع مجلس الثورة يوم‏25‏ مارس‏54‏ برئاسة اللواء محمد نجيب تقدم عبد الناصر والبغدادي باقتراحين كانا علي طرفي نقيض ؛ كان اقتراح عبد الناصر يتضمن حل مجلس الثورة وعودة الأحزاب وتسليم البلاد لممثلي الأمة الشرعيين وكان واضحا ان بنوده كانت تتضمن التطرف المتعمد والمغالاة المقصودة للإيحاء بأن الثورة سوف تنتهي وان نظام الحكم السابق علي الثورة سيعود بكل مفاسده وشروره بينما كان اقتراح البغدادي علي العكس اذ كان يعني الغاء قرارات‏5‏ مارس والنكوص عن طريق الديمقراطية واستخدام الشدة والعنف ضد كل من تسول له نفسه الوقوف في طريق الثورة .
وعند التصويت فاز اقتراح عبد الناصر بالأغلبية اذ حصل علي ثمانية اصوات ضد اربعة اصوات وكان الهدف الحقيقي من إقرار اقتراح عبد الناصر هو تحريض الجيش واثارته علي اعتبار ان الهيئات والطوائف المدنية المعادية للثورة تريد تصفية الثورة وإعادة الجيش الي ثكناته مما كان يعني حرمان العديد من الضباط من امتيازاتهم ، بالإضافة الي ذلك تحريض الطبقات العاملة واستفزازها بالإيحاء لهم بأن تنفيذ قرارات‏25‏ مارس يعني الغاء الثورة وعودة نظام الحكم السابق مما يهدد هذه الطبقات بزوال قوانين العمل والضمانات التي اوجدتها الثورة للحفاظ علي حقوق العمال‏.‏
وكانت القرارات التي اتخذت هي:
1- السماح بقيام أحزاب.
2- مجلس قيادة الثورة لا يؤلف حزباً.
3- لا حرمان من الحقوق السياسية حتي لا يكون هناك تأثير علي حرية الانتخابات.
4- تنتخب الجمعية التأسيسية انتخابا حرا مباشرا، وتكون لها السيادة التامة والسلطة الكاملة، وتكون لها سلطة البرلمان كاملة، وتكون الانتخابات حرة.
5- حل مجلس قيادة الثورة يوم 24 يوليو 1954 باعتبار الثورة قد انتهت، وتسلم البلاد لممثلي الأمة.
6- تنتخب الجمعية التأسيسية رئيس الجمهورية بمجرد انعقادها .
وفي اليوم التالي وجهت القيادة العامة للقوات المسلحة اسلحة الجيش وتشكيلاته لعقد اجتماعات عامة لضباطها واصدار القرارات بتأييد بقاء مجلس الثورة والمطالبة بإلغاء قرارات‏25‏ مارس فورا .
‏في يوم‏28‏ مارس شهدت مصر اضخم حركة اعتصام واضراب منذ ثورة‏1919‏ وذلك بتوجيه من هيئة التحرير، وأصيبت حركة المواصلات في القاهرة منذ الصباح بالشلل التام نتيجة القرارات التي اتخذها اتحاد نقابات عمال النقل المشترك برياسة صاوي احمد صاوي الذي شاركهم فيه عدد كبير من النقابات العمالية الاخري وعاشت القاهرة‏48‏ ساعة بدون مواصلات‏، (وقد اعترف عبد الناصر لخالد محيي الدين كما ورد في الصفحة‏350‏ من كتابه‏(‏ الآن اتكلم‏)‏ عن مسئوليته في تدبير احداث ازمة مارس كما يلي‏:‏ وقال عبد الناصر بصراحة انه رتب احداث ازمة مارس وتحديدا اضراب عمال النقل وما لحق به من اضرابات ومظاهرات عمالية ان ترتيب هذه الأحداث كلفه اربعة آلاف جنيه) .
وفي منتصف الساعة السابعة مساء الاثنين‏29‏ مارس عقد الرائد صلاح سالم وزير الإرشاد القومي مؤتمرا صحفيا بمقر القيادة العامة للقوات المسلحة اعلن خلاله ان مجلس الثورة قرر حمل المسئولية كاملة علي عاتقه واتخذ القرارات التالية‏:‏
اولا‏:‏ ـ إرجاء تنفيذ القرارات التي صدرت يوم‏25‏ مارس حتي نهاية فترة الانتقال‏.‏
ثانيا‏:‏ ـ يشكل فورا مجلس استشاري يراعي فيه تمثيل الطوائف والهيئات والمناطق المختلفة ويحدد تكوينه واختصاصه بقانون‏.‏
وفي مساء يوم السبت‏17‏ أبريل عقد مجلس الثورة اجتماعا برياسة عبد الناصر واتفق رأي المجلس خلال هذا الاجتماع علي ان يكتفي اللواء محمد نجيب برياسة الجمهورية فقط وان يتولي عبد الناصر رياسة الوزارة بدلا منه‏.‏ وكانت تنحية محمد نجيب من رئاسة الوزارة بمثابة تنحيته عن السلطة تماما وانتهت في الواقع الرحلة الأخيرة من مراحل الصراع علي السلطة بينه وبين عبد الناصر ،وظل محمد نجيب ساكنا في مكتبه بقصر عابدين دون أية سلطة او نفوذ انتظارا لمصيره المحتوم‏.‏
وبالفعل في‏14‏ نوفمبر‏54‏ أصدر مجلس الثورة قرارا بإعفاء محمد نجيب من منصب رئيس الجمهورية علي أن يتولي مجلس الوزراء سلطات رئيس الجمهورية كما صدر قرار بتحديد إقامة محمد نجيب خارج القاهرة وحرمانه من حقوقه السياسية لمدة عشر سنوات وظل محمد نجيب محدد الإقامة في استراحة السيدة زينب الوكيل بالمرج لمدة‏18 سنة
“,” “,”

· محمد نجيب أول رئيس للجمهورية فى مصر
· حياة مؤلمة .. ونموذج للخصومة السياسية السادية
· ما الذى تبقى من الرئيس الأول غير محطة مترو “,”محمد نجيب“,” ؟!
ولد محمد نجيب فى السودان سنة 1901، لأب مصري وأم سودانية، وعاش سنوات طفولته وشبابه المبكر فى الجزء الجنوبي من الدولة المصرية، قبل أن تنفصل السودان وتتحول إلى دولة مستقلة، نتيجة لسياسات حمقاء لا متسع الان للافاضة فيها.
تخرج محمد نجيب فى المدرسة الحربية سنة 1918، قبل أن يولد الأغلب الأعم من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وظهرت مشاعره الوطنية الفياضة فى ثورة 1919، وعرف بعدها بميوله الوفدية واهتمامه بدراسة العلوم الاقتصادية والسياسية. سارت حياته على النحو التقليدي المألوف، وشارك فى حرب فلسطين، وأظهر من البطولة والشجاعة ما جلب له قدراً من الشهرة والشعبية. فى أول يناير سنة 1952، خاض انتخابات مجلس إدارة نادى الضباط، وحقق انتصاراً كاسحا، لكن الملك فاروق أصدر قراراً بحل المجلس بعد ساعات من غعلان النتيجة.
كان اختيار اللواء نجيب لقيادة تنظيم الضباط الحرار ، مبرراً بتقدمه النسبي فى السن، فالمجتمع المصري التقليدي لن يتقبل نظاماً بديلاً يتزعمه شباب من الضباط فى مطلع الثلاثين، وكانت ميزته الثانية هى الشعبية التى يحظى بها ، مقارنة باعضاء المجلس الذين لا يعرفهم أحد.
كن اللواء محمد نجيب، لعامين كاملين بعد الثورة، ملء الأساع والأبصار، واكتسب ثقة وإعجاب ومحبة الشارع المصري، والفضل يعود إلى بساطته وتواضعه وملامحه الأبوية المريحة.
فى يونيو 1953، تم اختياره كأول رئيس للجمهورية فى التاريخ المصري، لكن الاختلاف الجذرى مع الضباط الشباب أفضى إلى الصدام والقطيعة والتكتل ضده. ووصلت الأزمة إلى ذروتها فى مارس 1954، وهو الشهر الذى انتهى بوأد الديمقراطية، والحكم المدنى فى مصر، حيث خرجت المظاهرات تهتف بسقوط الحرية!، ثم تتوجه إلى مجلس الدولة للاعتداء على السنهورى باشا وزملائه.
كانت المظاهرات مأجورة مدفوعة الثمن، قادها وأشرف على تنظيمها صاوى أحمد صاوى ، الشهير بـ “,”صوصو“,” رئيس اتحاد عمال النقل، الذى لعب دوراً مدمراً فى إفساد مستقبل الحياة السياسية المصرية، مقابل أربعة ألاف جنيه، وهو المبلغ الذى تقاضاه لتدعيم وتأييد النظام الديكتاتورى الذى استمر لنصف قرن، ويعلم الله وحده متى ينتهى!
القتل المعنوى
كان اللواء محمد نجيب منحازاً إلى عودة الحكم المدني فى إطار النظام الديمقراطي البرلمانى، ومؤيداً لعودة الضباط الثائرين إلى ثكناتهم بعد أن أدوا واجبهم الوطنى بإسقاط العهد الملكى، لكن شخصيته اللينة الوديعة الأقرب إلى الضعف، وتردده الطويل ف اتخاذ القرارات واختيار التحالفات، فضلاً عن صمته السلبي المريب تجاه بعض التوجهات والسلوكيات التى قام بها الضباط الأحرار، هذا كله أدى إلى سهولة الإطاحة به دون ان يجد من يدعمه ويدافع عنه.
فى نوفمبر 1954، وصلت رئاسة محمد نجيب إلى محطتها الأخيرة، وكانت سلطته الفعلية قد تقلصت إلى درجة التلاشي قبل ذلك بعدة شهور.
وضع أول رئيس للجمهورية قيد الإقامة الجبرية فى فيلا مملوكة للسيدة/ زينب الوكيل، حرم الزعيم مصطفى النحاس، فى ضاحية المرج، وتعرض الرجل لمعاملة سيئة قاسية، وفرض عليه الحصار الكامل. خلال السنوات الطويلة لعزلته الإجبارية التى لا تختلف عن السجن، فقد محمد نجيب اثنين من أبنائه، واضطر الثالث إلى ان يعمل سائقاً فى شركة “,”المقاولون العرب“,” ثم يقود سيارة تاكسي فى الفترة المسائية !
قد يكون صحيحاً ان السياسة لا تعرف المثالية والعواطف النبيلة، لكن الصحيح أيضاً أن الاسراف فى العداء المتعنت للواء نجيب لا يبدو مبرراً، فالرجل العجوز لا يملك من أمره شيئاً، ولا قدرة له على تهديد السلطة الناصرية القوية المستقرة، والسلوك العدوانى تجاهه ينم عن رغبة كامنة فى الانتقام السادى غير الأخلاقي .
لا يقتصر الأمر على الجانب المادى المباشر وحده، فقد تجلهلته الصحافة الخاضعة للرقابة الصارمة ، كانه لم يكن قائد الثورة أو - على الأقل - صانعيها، وحذف أسمه من مقررات التعليم، فنشات أجيال لا تعرف إلا أن الرئيس جمال عبد الناصر هو الاول والوحيد، أما اسم محمد نجيب فلا يمثل لهم شيئاً!
فى عام 1979، بعد شهور من انتصار أكتوبر والبدء فى إعادة ترتيب البيت المصري، خفف السادات كثيراً من القيود المفروضة على محمد نجيب، وسمح له بحرية التحرك والتنقل. انطلق الجنرال العجوز لتصفيه حساباته مع الرئيس الراحل عبد الناصر، وامتلأت الصحف بحوارات معه ومقالات عنه، ونشر كتابين يقدم فيهما شهادته وتجربته ورؤيته، حيث تختلط الحقائق بآثار المرارة والشعور بالقهر، ولا غرابة فى أن يكون الأمر هكذا، بعد قسوة سنين المحبس فى سراديب النسيان.
قدر لمحمد نجيب أن يعيش حتى يرى موت عبد الناصر واغتيال السادات، وعندما اننتقل إلى جوار ربه سنه 1984، سار الرئيس السابق مبارك فى جنازته العسكرية الرسمية، التى شارك فيها الباقون من أعضاء مجلس قيادة الثورة، لكن الغالبية العظمى من أبناء الشعب لم ينشغلوا كثيرا بموته، فهم لا يعرفون إلا القليل عن أول رئيس للجمهورية فى تاريخهم، ولعل أكثر ما يخلده الآن هو محطة المترو التى تحمل اسمه فى منطقة عابدين، خط الجيزة - شبرا الخيمة !
******************
“,” “,”
شهادة خالد محي الدين على احداث مارس 54
“,” “,”
“,” “,”
“,” “,”
“,” “,”
“,” “,”
“,” “,”
“,” “,”
“,” “,”
“,” “,”
“,” “,”
“,” “,”
“,” “,”
“,” “,”
“,” “,” “,”
“,” “,”
“,” “,”
“,” “,”

“,” “,”

“,” “,”

“,” “,”

“,” “,”

“,” “,”

“,” “,”

“,” “,”

“,” “,”

“,” “,”

“,” “,”
“,” “,”

خالد محي الدين.. الفارس

في 25 مارس 1954 قدم خالد محيي الدين استقالته من مجلس قياده الثورة، وانتصر فريق الزعيم الراحل جمال عبد الناصر على فريق الديمقراطية بزعامة محمد نجيب، والتي عرفت بعد ذلك بأزمة مارس الشهيرة، والتي انتهت بخروج من نادوا بالديمقراطية وبقاء من أيد الديكتاتورية.
استقالة خالد محيي الدين -عقب أحداث شد وجذب- بدأت منذ تقديم محمد نجيب استقالته لمجلس قيادة الثورة في 23 فبراير 54؛ لشعوره أن المجلس يتجاهل مكانته كرئيس له وللجمهورية عند اتخاذ القرارات، وقبول المجلس لها لاعتقاده أن محمد نجيب يحاول فرض آرائه عليه ولا يلتزم بديمقراطية اتخاذ القرار.
تلك الاستقالة أدت إلى اشتعال الموقف السياسي في مصر، تولد عنه دخان كثيف جعل تحديد بوصلة اتجاه رأي الشعب غير يسير. ولو أخذنا الأحداث التي أعقبت استقالة محمد نجيب في لقطات سريعة لأدركنا ذلك: عقد سلاح الفرسان اجتماعًا مع عبد الناصر، في 25 فبراير، طالبوا فيه بعودة محمد نجيب، وتحرك سلاح المدفعية نحو سلاح الفرسان ومحاصرته؛ اعتراضًا على موقفه من اعتقال البوليس الحربي لضباط سلاح الفرسان وتحليق الطيران الحربي فوق سلاح الفرسان. ثم توجه اليوزباشيان كمال رفعت وداود عويس إلى منزل محمد نجيب واعتقاله في سلاح المدفعية، وتدخل عبد الحكيم عامر للإفراج عنه، ثم تحركت مظاهرات شعبية دفع بها الإخوان في ميدان عابدين تطالب بعودة محمد نجيب.
وصفه جمال عبد الناصر بالصاغ الأحمر؛ في إشارة إلى توجهاته اليسارية، وحينما دعا الصاغُ خالد محيي الدين رفاقَه في مارس 1954 إلى العودة لثكناتهم العسكرية لإفساح مجال لإرساء قواعد حكم ديمقراطي؛ نشب خلاف بينه وبين جمال عبد الناصر ومعظم أعضاء مجلس قيادة الثورة، استقال على إثره من المجلس، وآثر -ربما تحت ضغوط من عبد الناصر- الابتعاد إلى سويسرا لبعض الوقت .
بعد عودته إلى مصر ترشح في انتخابات مجلس الأمة عن دائرة كفر شكر عام 1957، وفاز في تلك الانتخابات، ثم أسس أول جريدة مسائية في العصر الجمهوري، وهي جريدة المساء، وشغل منصب أول رئيس للجنة الخاصة التي شكلها مجلس الأمة في مطلع الستينيات لحل مشاكل أهالي النوبة أثناء التهجير .
تولى خالد محيي الدين رئاسة مجلس إدارة ورئاسة تحرير دار أخبار اليوم خلال عامي 1964 و1965، وهو أحد مؤسسي مجلس السلام العالمي، ورئيس منطقة الشرق الأوسط، ورئيس اللجنة المصرية للسلام ونزع السلاح . و حصل على جائزة لينين للسلام عام 1970، وأسس حزب التجمع العربي الوحدوي في 10 أبريل 1976 .
اتهمه الرئيس السادات بالعمالة لموسكو، وهي تهمة كانت توجه للعديد من اليساريين العرب في حقبتي السبعينيات والثمانينيات. وفي السنوات التي سبقت اعتزاله السياسي أبى المشاركة في انتخابات رئاسية مزمعة في مصر؛ ليقينه بأن الانتخابات لن تكون نزيهة، وأن مشاركته ستستخدم لتبرير شرعية الرئيس مبارك . كان عضوًا في مجلس الشعب المصري منذ عام 1990 حتى عام 2005 حينما خسر أمام مرشح الإخوان المسلمين.
حافظ خالد محي الدين.. الفارس طوال حياته.. على انحيازه الدائم لمبادئ الديمقراطية؛ فهو الذي أسس حزب التجمع اليساري، وهو كان أول رئيس حزب سابق في الحياة السياسية المصرية حتى اعتزاله العمل العام .