الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

مسلمو إنجلترا.. يدفعون ثمن الإرهاب

الهجمات الإرهابية فى بريطانيا.. المسلمون والمجتمع والتطرف «١»

إبراهيم نوارة رئيس
إبراهيم نوارة رئيس الوحدة الاقتصادية بالمركز العربى للبحوث
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إعداد: إبراهيم نوارة رئيس الوحدة الاقتصادية بالمركز العربي للبحوث والدراسات
تعرضت بريطانيا خلال الأشهر الثلاثة من مارس إلى يونيو ٢٠١٧ لثلاث هجمات إرهابية، اثنتين منها فى مناطق رئيسية فى لندن ذات طابع سياسى (خارج مبنى البرلمان) أو ذات طابع سياحي (كوبري لندن التاريخي)، وفى مانشستر بعد انتهاء حفل غنائى فى وسط مانشستر حضره أكثر من ٢١ ألف شخص معظمهم من صغار السن والأطفال.
وخلفت هذه الاعتداءات ٣٩ قتيلا و٢١٤ جريحا منهم ما يقرب من ٢٠ حالة إصابة حرجة، وبذلك يكون عام ٢٠١٧ حتى الآن هو أسوأ أعوام الاعتداءات الإرهابية فى بريطانيا منذ عام ٢٠٠٥ الذى سجل أسوأ هجمات إرهابية تعرضت له فى تاريخها (يوم ٧ يوليو ٢٠٠٥) على محطات قطارات الأنفاق والباصات، والتى خلفت وراءها ٥٢ قتيلا و٧٠٠ جريح. 
وقد وقع حادث لندن بريدج (كوبري لندن) بعد نحو أسبوعين فقط من تفجير مانشستر رغم إعلان حالة استنفار أمنى فى أعقاب حادث مانشستر. 
وقد أعلن تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام مسئوليته عن هجمات ٢٠١٧، بينما كان تنظيم القاعدة هو المسئول عن هجمات يوليو ٢٠٠٥. وقد توعد التنظيم فى بياناته عن الهجمات بشن المزيد ضد بريطانيا فى الداخل وضد مصالحها فى الخارج، وهو ما يعتبر تحديا شديدا لاستراتيجية مكافحة الإرهاب فى بريطانيا التى كانت تقودها وزيرة الداخلية تريزا ماي رئيسة الحكومة الحالية. 
كذلك فإن خطورة هذا التحدي تزداد بالنظر إلى أن منفذي الهجمات الإرهابية في بريطانيا، سواء تلك التي وقعت عام ٢٠٠٥ أو التي وقعت ٢٠١٧ هم من المواطنين البريطانيين المسلمين، المولودين في بريطانيا أو الحاصلين على جنسيتها من أصول إسلامية أو عربية.
وسوف نحاول في هذا المقال الإجابة عن أربعة أسئلة، السؤال الأول يتصل ببحث علاقة الجاليتين العربية والإسلامية بالمجتمع الذي تعيش فيه داخل بريطانيا، والثاني يتصل بالعلاقة بين الجاليتين العربية والإسلامية وبين التطرف والإرهاب، والثالث يتعلق بتطور استراتيجية تنظيم الدولة الإسلامية وتكتيكاته على ضوء هزيمته المحتملة في العراق وسورية، أما السؤال الرابع فإنه يتعلق بالتغيرات التي طرأت على استراتيجية مكافحة الإرهاب في بريطانيا، ومدى قدرة هذه الاستراتيجية على الرد على التحديات التي يفرضها تطور استراتيجيات الجماعات الجهادية.

أولًا: علاقة الجاليتين العربية والإسلامية بالمجتمع 
يمثل الإسلام ثاني أكبر ديانة في بريطانيا، إذ يبلغ عدد المسلمين فى إنجلترا وويلز حاليا نحو ٣ ملايين شخص، يمثلون ما يقرب من ٥٪ من عدد السكان. 
ويتركز تواجد الجاليات العربية والإسلامية فى مناطق معينة، ولا ينتشرون بنسب متكافئة فى كل أنحاء بريطانيا، وتعتبر العاصمة لندن، والعاصمة الثانية برمنجهام، والمدن الكبرى مثل مانشستر وليفربول وكارديف من أهم مراكز تجمع الجاليات العربية والإسلامية.
 كذلك يوجد العرب والمسلمون بنسبة مرتفعة فى مدن صغيرة مثل برادفورد القريبة من لندن وشيفلد إلى الشمال من برمنجهام، وقد شهدت الجاليات العربية والإسلامية فى بريطانيا نموا سريعا خلال السنوات العشر الأخيرة إذ نمت بمعدلات تفوق معدلات النمو السكانى بشكل عام، خصوصا مع ثبات أو تراجع نسبة الزيادة بين السكان الأوروبيين (الإنجليز وغيرهم). 
وتأتي زيادة أعداد الجاليات العربية والإسلامية من مصدرين رئيسيين، الأول هو الزيادة الطبيعية للمواليد، مع تراجع نسب الوفيات، ويقدر أن معدل الزيادة الطبيعية بين السكان العرب والمسلمين يبلغ ما يقرب من ضعف معدل الزيادة بين السكان الأوروبيين البيض فى بريطانيا، أما المصدر الثانى فهو الهجرة، وقد سجل تدفق المهاجرين العرب والمسلمين إلى بريطانيا معدلات كبيرة فى الفترة منذ بداية القرن الحالي.
ولعبت التطورات السياسية السلبية والفقر وعدم الاستقرار والحروب فى منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان دورا كبيرا فى زيادة تدفق أعداد المهاجرين من هذه المنطقة إلى بريطانيا. ويقدر أن عدد المهاجرين المسلمين والعرب الذين تدفقوا على بريطانيا منذ بداية القرن الحالى حتى الآن ما يقرب من ٧٠٠ ألف شخص، أى ما يعادل ٢٣٪ من إجمالى عدد المواطنين البريطانيين ذوى الأصول العربية والإسلامية، وربما يفسر ذلك موقف الحكومة البريطانية المتشدد ضد استيعاب نسبة كبيرة من المهاجرين السوريين الفارين من جحيم الحرب فى سوريا.

وعلى ذلك فإن المواطنين البريطانيين ذوى الأصول العربية والإسلامية يمثلون مكونا عضويا مهما من مكونات المجتمع البريطاني، خصوصا أنهم يتوطنون فى مناطق عظيمة التأثير على الخريطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى بريطانيا. 
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ إن الدراسات المستقبلية تشير إلى أن نسبة العرب والمسلمين سوف تزيد زيادة كبيرة فى السنوات العشر المقبلة وذلك بسبب ارتفاع نسبة صغار السن المقبلين على الزواج بين البريطانيين من أصل عربى أو إسلامي، وتبلغ نسبة المواطنين البريطانيين من أصول عربية وإسلامية فى الشريحة العمرية تحت ٢٥ سنة أكثر من ١٠٪ من المواطنين داخل الشريحة نفسها بشكل عام، وهذا يعنى فى حقيقة الأمر ارتفاع نسبة المقبلين على الزواج، ومن ثم ارتفاع أعداد المواليد الجدد بنسب تفوق ما هى عليها فى الوقت الحاضر، ونظرا لاستمرار الأوضاع المضطربة فى منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان فإن تدفقات المهاجرين من المتوقع أن تستمر على حالها، بل إنها ربما تزيد إذا تعرضت الحكومة لضغوط تستهدف تخفيف القيود المفروضة على الهجرة إلى بريطانيا. 
ويوجد فى بريطانيا مجلس أهلى يتولى متابعة المساواة بين المكونات الاجتماعية المختلفة «مجلس التكافؤ العرقي»، ومن الطبيعى أن تلقى هذه العوامل الديموجرافية بظلالها على الحالة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية فى بريطانيا، وهو ما يزيد من أهمية سياسات الدمج الثقافى والاجتماعى وغرس روح التعايش والتسامح بين مكونات المجتمع البريطاني. 
وتبذل الحكومة من خلال النظام التعليمى والمناهج الدراسية جهدا كبيرا من أجل غرس وتعميق قيم التسامح والتعددية والتنوع والقبول بالاختلاف داخل المجتمع البريطانى بين مكوناته المختلفة. 
كذلك تلعب أجهزة الإعلام هى الأخرى دورا شديد الأهمية، خصوصا فيما يتعلق بتقديم صورة تعكس التنوع فى المجتمع البريطاني، سواء فى البرامج الإخبارية والثقافية أو فى مواد الدراما والمنوعات.
ويوجد فى بريطانيا مجلس أهلى يتولى متابعة المساواة بين المكونات الاجتماعية المختلفة «مجلس التكافؤ العرقي» (Racial Equality Council) ولا يقتصر دور هذا المجلس على رصد وتقييم الحالة الاجتماعية للعلاقات بين المكونات المختلفة للمجتمع بل إنه يقدم توصيات للحكومة يتم فى الغالب تبنيها وتحويلها إلى سياسات وإجراءات.
ويمكن القول بشكل عام إن المواطنين البريطانيين ذوى الأصول العربية والإسلامية يتمتعون بوضع مساوٍ لغيرهم من الأعراق وأصحاب الديانات الأخرى، فلديهم مساجدهم التى يتعبدون فيها بحرية ويمارسون شعائرهم الدينية بدون ضغوط، ولديهم حق اختيار المدارس الملائمة لتعليم أولادهم، سواء كانت عربية أو إسلامية، ولديهم فرص متساوية للعمل والعلاج والسكن والدراسة والسفر والمشاركة فى النوادى الرياضية والاجتماعية. 
وهذا لا يعنى بالقطع أنهم يتمتعون بوضع مثالى مئة فى المئة، فلا يخلو الأمر من منغصات هنا أو مشاكل هناك، سواء بسبب خلافات فيما بين أبناء الجاليات أنفسهم أو بسبب تمييز فى المعاملات قد ينشأ بسبب ميول شخصية أو إدارية. 

ومن أهم أمثلة الخلافات الداخلية، الصراعات داخل دور العبادة وفى خلال المناسبات الدينية حيث بدأ الأمر بانقسام الجاليات الإسلامية إلى سنية وشيعية، ثم انقسمت الجاليات السنية بين نفوذ تيارين، يقود أحدهما الوهابيين السعوديين والموالين لهم، ويقود الآخر أئمة الأزهر الشريف الذين تشهد الجالية تراجعا شديدا لدورهم ونفوذهم، مع صعود نفوذ السلفيين الوهابيين. 
وزاد الأمر تعقيدا بعد أن ظهر تيار جديد ينتمى إلى السلفية الجهادية، والموالين للقاعدة وداعش ينافس من هم سواه.
 وعلى صعيد العلاقات مع الأجناس الأخرى بمن فيهم الأوروبيون البيض فإن المواطنين من أصل عربى أو إسلامى قد يواجهون مظاهر متعددة للتمييز قد تصل إلى حد الإهانة من أفراد عاديين، لكن من النادر أن يحدث مثل ذلك على المستوى المؤسسي. 
لكن علاقة المواطنين البريطانيين من أصل عربى أو إسلامى بالمجتمع الذى يعيشون فيه تأثرت تأثرا عميقا منذ بداية القرن الحالى من انتشار الأفكار الجهادية، والتنظيمات المتطرفة، ومنها التى تحولت فيما بعد إلى العمليات الإرهابية. 
إن ظهور هذه الأفكار الدينية المتطرفة، التى تنحو إلى «التكفير» وتحول الكثير من معتنقيها إلى معاداة المجتمع والانضمام إلى التنظيمات الجهادية، والقيام بأعمال إرهابية ضد المدنيين من أصحاب الديانات الأخرى، أو حتى شن حملات بدون تمييز ضد أبرياء فى تجمعات عامة، هو الذى قلب موازين العلاقة بين المواطنين البريطانيين ذوى الأصول العربية والإسلامية وبين المجتمع الذى يعيشون فيه والذى احتضن الكثير منهم بعد أن هربوا من بلادهم الأصلية بسبب القهر السياسى والاجتماعى والاقتصادي، وانعدام فرص الأمل فى حياة أفضل. 
لقد تحولت العلاقة بين هؤلاء المواطنين وبين المجتمع الجديد الذى لجأوا إليه إلى علاقة مهزوزة ومشروخة بسبب تداعيات الإرهاب. 
وكان من أخطر هذه التداعيات زيادة مظاهر الكراهية العرقية والدينية ضد المسلمين وأصحاب السحنة الشرق أوسطية بشكل عام. 
ولاحظت استطلاعات الرأى العام أن مظاهر الكراهية ضد المسلمين تزيد بشكل خاص بعد كل عمل إرهابي، فكأن المسلمين الأبرياء يدفعون ثمن الحمقى الإرهابيين بدون أى ذنب. 
(الجزء الثاني: كيف اختطفت الجماعات الجهادية العلاقة بين المسلمين والمجتمع وقلبت موازين الاعتدال)