الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فى وداع السأم ومديح المتعة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«يضطرنى الفقر إلى الإسراع بكتابة شيء أعيش منه».. قالها دستويفسكى ورحل غنيًا بمحبة أهل الكتب، لكن ثمة أسبابًا أخرى تدفع للكتابة فها هو صاحب «المدارين» يقول لك: «أكتب عندما تحب» وكان «ماركيز» لا يكتب إلا عندما يشعر بالحزن. والصداع وحده كان قادرا على إجبار «نيسين» على المكوث أمام طاولة الكتابة بالساعات. واستعان «الماغوط» على وحدته وعزلته أيضا بـ«حزن فى ضوء القمر» و«العصفور الأحدب».
عندما تضطرك أى من هذه الأسباب للكتابة، فلا تشغل نفسك سوى بما يدور فى رأسك، وتريد أن تفض به بكارة دفترك أو رزمة أوراقك.
فها هو أنطوان تشيخوف يكتب على حافة النافذة فى منزل يشاركه فيه آخرون، وكان «ليرمونتوف» يدون أشعاره فى أى شيء يعثر عليه أمامه، ولم يكن «تولستوي» يجلس للكتابة إلاَّ بعد أن يكون على مكتبه رزمة من الورق الجيد.
ليس مهمًا أين تكتب، ما يهم هو أن تكتب حتى ولو كان ذلك فى مقهى بائس ورخيص، ففى مثل هذه المقاهى كتب الشاعر الفرنسى «برانجيه» قصائده، واتفق معه «إهرنبورج» على أن أجواءها مناسبة جدا للكتابة وكتب «زولا» على نور شمعة وحيدة، وطاولة الكتابة التى امتلكها فيكتور هوجو كانت قديمة ومتواضعة.
وبما أن مكان الكتابة لم يشغل بال الكثيرين، فالوقت أيضًا لم يكن عائقا أمامهم، لذا لا يجب أن تكترث للوقت كثيرا فـ«تولستوي» و«ديكنز» و«جان جاك روسو» و«سيمون دى بوفوار»، و«هيمنجواي» كانوا يكتبون فى الصباح، بينما كتب «دستويفسكي» و«بايرون» ليلًا، أما «بوشكين» فلم يكن يكتب إلا إذا أتى فصل الخريف، ومارك توين الذى كان ينتظر فصل الصيف ليمارس الكتابة عند كل صباح.
قف على الناصية وانتظرها فهى الجليلة وأنت العاشق الذى يقدرها. فإذا أتت فاقبض على معصمها، ولا تفلتها، اكتب واقفًا إجلالًا لزيارتها، فهى الكتابة التى كانت تمارسها فرجينيا وولف واقفة، ومن أجلها حبست أنفاسها تحت نهر أوز. وهى الوصفة السرية لـ«فيليب روث» لمواجهة الشيخوخة والوحدة بعد أن ودعه أصدقاؤه واحدًا واحدًا، وعلى مهل وبمنتهى القسوة.. وهل هناك قسوة يحملها لك قلب أحدهم أكبر من أن يتركك وحيدًا ويموت!
وهى شافية لويس كارول من الاضطراب والصداع النصفى والهلوسة ومنحته من فرط سخائها «أليس فى بلاد العجائب» ليرسم شخوصها «دالي» ولا تتركه هذه الباهرة قبل أن تجود عليه «من خلال الزجاج» ومحبة الصغار الذين لن يكبروا أبدًا. 
على سرير فى غرفة دافئة أدار مارسيل بروست بأطراف أصابعه «الزمن المفقود» وعلى أريكته الوثيرة وضع وودى ألين ملامح باريس فى منتصف الليل، وبدأ إيديث وارتون «عصر البراءة» متكئًا على جانبه الأيمن، وشيد جورج أورويل «مزرعة الحيوانات»، متوسدًا وسادته المحشوة بريش النعام. استلقِ أنت أيضًا واكتب كما شئت.
لا تنشغل إلا بالكتابة.. فبها وحدها تستطيع أن تتخلص من الحزن والوحدة والعزلة ومواجهة أيامك البائسة، عليك أن تكتب دون توقف أو اكتراث بقيمة ما تكتبه كما قال تولستوي: «يجب أن أكتب كل يوم بلا فشل، ليست الجودة ما يهمنى بقدر ما يهمنى الالتزام بالروتين».
وعليك أن تعلم أن «الكتابة قد تكون جحيمًا، إن لم يثبطك هذا، فاستمر بالكتابة وحث نفسك على الاستمرار حتى لو شعرت أنك ستنهار. اعمل بجد ولكن كن صبورًا»، أو كما قال «ستيف بوست» «واستعن عليها بالقراءة» أو كما قال بيث كيفارت: «اقرأ أكثر مما تكتب، بل عش أكثر مما تقرأ، ولا تقارن نفسك بالآخرين».