الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

علماء المسلمين.. إسحاق الكندي (12- 30)

إسحاق الكندي
إسحاق الكندي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
علامة عربي مسلم، برع في الفلك والفلسفة والكيمياء والفيزياء والطب والرياضيات والموسيقى وعلم النفس والمنطق الذي كان يُعرف بعلم الكلام.. إنه أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي، الذي يعد أول الفلاسفة المتجولين المسلمين، حيث اشتهر بجهوده في تعريف العرب والمسلمين بالفلسفة اليونانية القديمة والهلنستية. 
عاش الكندي في البصرة في مطلع حياته ثم انتقل منها إلى بغداد حيث أقبل على العلوم والمعارف لينهل من مَعينها، وذلك في فترة الإنارة العربية على عهد المأمون والمعتصم، في جو مشحون بالتوتر العقائدي بسبب مشكلة خلق القرآن وسيطرة مذهب الاعتزال وذيوع التشيع، وكان القرن الثالث الهجري يموج بألوان شتى من المعارف القديمة والحديثة، وذلك بتأثير حركة النقل والترجمة، فأكبَّ الكندي على الفلسفة والعلوم القديمة حتى حذقها، وأوكل إليه المأمون مهمة الإشراف على ترجمة الأعمال الفلسفية والعلمية اليونانية إلى العربية في بيت الحكمة، وقد عدّه ابن أبي أصيبعة مع حنين ابن إسحق وثابت بن قرة وابن الفرخان الطبري حذّاق الترجمة المسلمين.
كان لاطلاعه على ما كان يسميه علماء المسلمين آنذاك "بالعلوم القديمة" أعظم الأثر في فكره، حيث مكّنه من كتابة أطروحات أصلية في الأخلاقيات وما وراء الطبيعة والرياضيات والصيدلة.
وفي الرياضيات لعب الكندي دورًا مهمًّا في إدخال الأرقام الهندية العالم الإسلامي والمسيحي، كما كان رائدًا في تحليل الشفرات، واستنباط أساليب جديدة لاختراق الشفرات، باستخدام خبرته الرياضية والطبية، وضع مقياسًا يسمح للأطباء بقياس فاعلية الدواء، كما أجرى تجارب حول العلاج بالموسيقى.
كان الشاغل الذي شغل الكندي في أعماله الفلسفية، هو إيجاد التوافق بين الفلسفة والعلوم الإسلامية الأخرى، وخاصة العلوم الدينية. 
تناول الكندي في الكثير من أعماله مسائل فلسفية دينية مثل طبيعة الله والروح والوحي، لكن رغم الدور المهم الذي قام به في جعل الفلسفة بمتناول المثقفين المسلمين آنذاك، فإن أعماله لم تعد ذات أهمية بعد ظهور علماء مثل الفارابي بعده بعدّة قرون، ولم يبق سوى عدد قليل جدًّا من أعماله للعلماء المعاصرين لدراستها. مع ذلك لا يزال الكندي يعد من أعظم الفلاسفة ذوي الأصل العربي؛ لما لعبه من دور في زمانه، لهذا يلقب بـ"أبو الفلسفة العربية" أو "فيلسوف العرب".
كان جهد الكندي الأكبر في تطوير الفلسفة الإسلامية، هو محاولته لتقريب الفكر الفلسفي اليوناني، وجعله مقبولًا عند جمهور المسلمين، من خلال عمله في بيت الحكمة في بغداد، ومن خلال ترجمته للعديد من النصوص الفلسفية الهامة، أدخل الكندي الكثير من المفردات الفلسفية إلى اللغة العربية. قطعًا، لولا أعمال الكندي الفلسفية لَمَا تمكَّن الفلاسفة مثل الفارابي وابن سينا والغزالي من التوصل إلى ما توصلوا إليه.
يعد الكندي أول فيلسوف مسلم حقيقي، وقد تأثر إلى حد كبير بفكر فلاسفة المدرسة الأفلاطونية المُحدثة أمثال بروكليوس وأفلوطين وجون فيلوبونوس، وإن كان قد تأثر ببعض أفكار المدارس الفلسفية الأخرى، وقد استشهد الكندي أيضًا في كتاباته الفلسفية بأرسطو، لكنه حاول إعادة صياغتها في إطار الفلسفة الأفلاطونية المُحدثة، ويبدو ذلك أكثر وضوحًا في آرائه حول ما وراء الطبيعة وطبيعة الله، قديمًا كان يعتقد أن الكندي متأثر بفكر المعتزلة؛ وذلك بسبب اهتمامه وإياهم بمسألة توحيد الله. ومع ذلك أثبتت الدراسات الحديثة أنها كانت مصادفة، فهو يختلف معهم حول عدد من موضوعات عقائدهم.
وفقًا لابن نديم، كتب الكندي على الأقل مائتين وستين كتابًا، منها اثنان وثلاثون في الهندسة، واثنان وعشرون في كل من الفلسفة والطب، وتسعة كتب في المنطق، واثنا عشر كتابًا في الفيزياء، بينما عدّ ابن أبي أصيبعة كتبه بمائتين وثمانين كتابًا، رغم أن الكثير من مؤلفاته فُقدت، فقد كان للكندي تأثيرًا في مجالات الفيزياء والرياضيات والطب والفلسفة والموسيقى استمر لعدة قرون، عن طريق الترجمات اللاتينية التي ترجمها جيرارد الكريموني، وبعض المخطوطات العربية الأخرى، أهمها الأربع وعشرون مخطوطة من أعماله المحفوظة في مكتبة تركية منذ منتصف القرن العشرين.