الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

"السيدة زينب".. لم تتزين لـ"رمضان"

بسبب ضيق الحال

مسجد السيدة زينب
مسجد السيدة زينب بالقاهرة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن العم على الجمّال (٥٥ عامًا) يتوقع قبل خروجه من قريته فى المنوفية قبل أيام قاصدًا القاهرة أنه لن يجد ما يبحث عنه.
الرجل الخمسيني الذى اعتاد فى كل رمضان منذ عشرين عامًا أن يترك بيته ليحل إلى القاهرة أسبوعًا يحج فيه إلى مساجد آل البيت، أصيب بإحباط عندما تفقد مسجد السيدة زينب ولم يجده ككل عام، الجدران بلا أنوار إلا من خطوط نور رفيعة تتواصل فترسم عبارة تعريفية للمسجد مضاءة طوال العام هى «مسجد السيدة زينب»، وباعة الحلوى يتنافسون على خطف عشرات الزبائن هم كل حصيلة من يأتون للشراء، حتى الشارع الجانبى الذى عرف ببيع الفوانيس هو الآخر يشهد غياب نصف بائعيه ربما لهذا السبب فقد نصف أنواره ومريديه، ليحتفظ بما تبقى من باعة يجلسون فى حلقات يصدر عنها أحيانًا أصوات الشجار. 
يذكر «الجمّال» إن المرة الأولى التى نزل فيها إلى «السيدة» قبل عشرين عامًا كان يعرف الحى حياة أخذت تتآكل عامًا بعد عام، ففى مرة مثلًا انخفضت الأنوار والثانية أغلقت بعض المحال والثالثة توفى صاحب الفندق المقابل للمسجد فغير أبناؤه نشاطه ليحرم «الجمّال» من وقتها السكنة بجوار «الست»، حيث تعود النزول فى الفندق كلما حل إلى القاهرة.
لا يتذكر منذ متى بالضبط غير وجهته وبدلًا من أن يجاور «الست» بات يقصد غرفة فقيرة فى حارة جانبية فى محيط مسجد الحسين تعرف على صاحبها واتفق معه على أن يستأجرها كلما جاء إلى القاهرة لغرض الزيارة، يقول إنه لم يذهب إليها إلا فجرًا بعدما يكون قد أنهى زيارته للست ومساجد آل البيت ليخلد فيها إلى نوم لا يوقظه منه إلا مهمة استكمال الزيارات.
الأجواء الرمضانية المختفية من الميدان لم يصدم غيابها «الجمّال» وحده، بل باعة الياميش أيضًا على الرغم من مكبرات الصوت التى يضبطونها ليلًا نهارًا على أغنيات تحتفى بالشهر، لكن ذلك كله يتبدد أمام ضيق حال مشترٍ يأتى ليسأل عن سعر سلعة ما ثم يغادر إلى حيث جاء.
عن ذلك يقول محمد أحمد (٣٠ عاما)، بائع ياميش بجوار «السيدة»، إنه منذ يومين جاءت إليه امرأة تحمل طفلًا يبدو أنه لم ينقطع عن البكاء من زمن، وتفاوضت معه على أن يبيع لها بضعة كيلوات من البلح على أن تسدد ثمنها على مرات. 
يتابع مأخوذًا وهو يقف خلف أجولة بضاعته المتربة: «حتى البلح بنشتريه قسط»، قال ذلك، ثم استرسل بكلمات خافتة وهو يمر بعينه على أوراق العلامات التى دوّن عليها أسعار قديمة اضطر تحت ضغط قلة البيع أن يمحيها ويدون سعرًا جديدًا مخفضًا جنيه أو اثنين عله يغرى زبونًا جديدًا بالشراء.
داخل المسجد وضع آخر؛ فالأجساد المتمددة بجوار الجدران وقد هلكها الصيام لن يفقدك إحساسك الخاص الذى ينتابك فى كل مرة تدخل فيها إلى السيدة، فالحالة الروحانية التى تعرفها روحك قرب ضريح «الست» تغنيك عن تزيين المسجد من الخارج من عدمه، أو حتى البرنامج الرمضانى الذى أعدته إدارة المسجد بالاتفاق مع إذاعة القرآن الكريم والتليفزيون المصرى لنقل بعض الخطب والجلسات من هناك.