الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الزكاة.. الفريضة الغائبة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حيث يوجد الفقر فى مجتمع ما.. تكون الزكاة فيه فريضة غائبة!!
فالزكاة من أهم رخاء المجتمع والسمو به، وتخليصه من أسوأ ما يبتلى به أى شعب وهى فئة «المترفين»، الذين يحتكرون كل المنافع والخيرات، ويسدون أبواب النعم على الفقراء والمساكين.
كما أنها الوجه الاجتماعى للإسلام، وهى إحدى الوسائل الإسلامية فى إقامة المجتمع الفاضل، وفى إقامة النفس «الزكية»، وفى داخل كل إنسان، علاوة على الدور الاقتصادى والاجتماعى الذى تلعبه بجانب دورها الأخلاقى والنفسى.
والغريب أن ترى المسلمين يزهدون الآن فى فعل الخير وإقامة المشروعات الخيرية، وإخراج زكاة أموالهم، ويتفننون فى التهرب من دفع الضرائب، فى حين من لا يدينون بالإسلام يسهمون بقدر كبير من أموالهم فى المشروعات الخيرية فى بلدان المسلمين؟!!
فقد وقّع ٣٠ مليونيرًا، على وثيقة بالتبرع بأكثر من نصف ثرواتهم لمصلحة الأعمال الخيرية، ضمن مبادرة مشتركة أطلقها المليارديران الأمريكيان بيل جيتس، ولورين بافيت وضمت ٤٠ جهة وأسرة ثرية.
ووصفت صحيفة «وول ستريت جورنال» الإقبال على التوقيع على المبادرة بـ «المثير للإعجاب»!!
وفعل هؤلاء يعيد للأذهان ما فعله الصحابة عندما تبرع أبو بكر الصديق بكل ماله وعمر بن الخطاب بنصف ماله وعثمان أنفذ ومول جيش العسرة بماله.
صحيح أن ٩٠٪ من مجتمعنا بحاجة إلى زكاة بسبب غول الأسعار وتوحش الحاجة إلى الطعام والشراب والسكن والتعليم والصحة والمواصلات، و«هوان» الجنيه المصرى على نفسه وعلى كل من يمتلكه... إلا أن فلسفة الزكاة أكبر بكثير من أن يدركها عقل البشر، وأكبر من أن يختصرها قلم أو لسان... إنها سر عظيم أودعه الله أمة أراد لها أن تكون شاهدة على الأمم، أمة وسطًا صراطها دين قويم؛ لأنها تقدم جميع مسارات الإنفاق، وتجسد أعلى صور التكافل الاجتماعى. وبها يعمر المجتمع.
وقد سميت الزكاة بهذا الاسم؛ لأنها تزكى النفس البشرية وتطهرها، وتجعلها مطواعة للخير، بعيدة عن الشر، بفعلها يصلح المجتمع ويأتلف، ويغدو متماسكًا، قويًا كالبنيان المرصوص.
وهذا بعض من فلسفة الزكاة وحكمتها البالغة التى، جعلت منها ركنًا وفرضًا، حالها حال الصلاة والصيام وحج بيت الله الحرام.
والتكافل الاجتماعى جرى التعبير عنه دينيًا فى الكثير من المواضع بالإنفاق فى سبيل الله، بل واعتبره الإسلام نوعًا من الجهاد، وتجلى ذلك فى فجر الدعوة النبوية الشريفة، عندما قدم الأنصار نموذجًا فريدًا فى التكافل الاجتماعى، باحتضانهم المهاجرين القادمين من مكة المكرمة، وقدموهم على أنفسهم.. وقال القرآن الكريم فى ذلك: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
والإسلام وهو يقدم الزكاة للفقراء والمحتاجين لا يجعل لهم من ذلك مطية للقعود والخمول ومد يد التسول للبشر أعطوهم أو منعوهم، وإنما ليحرك الهمة للعمل والكسب والكد، وليعلم الناس أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وأن المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. 
وقد اتفق الفقهاء على أن الزكاة لا تعطى للأقوياء المكتسبين حثًا لهم على العمل، وإن أعطوا منها ما هو إلا تعويض مؤقت عن العمل الذى حرموه.
إن التسول فتح باب الفقر الذى جعل الله الزكاة علاجًا له، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله له باب فقر»، وقال أيضا: «لو يعلمون ما فى المسألة ما مشى أحد إلى أحد يسأله شيئا».
ويقول ابن القيم: وإنما كان هذا التحذير وكل هذا التشديد؛ لأن مسألة الناس ظلم فى حق السائل، الأول فلأنه بذل سؤاله وفقره وذله واستعطافه لغير الله، وذلك نوع عبودية، فوضع المسألة فى غير موضعها، وأنزلها بغير أهلها، وظلم توحيده، فى الحديث «من تذلل لغنى لأجل غناه، ذهب ثلثا دينه، فليتق الله فى الثلث الآخر».
أما الثاني: (أى ظلم المسئول) فلأنه عرضه لمشقة البذل، أو لوم المنع، فإن أعطاه أعطاه على كراهة، وإن منعه على استحياء وإغماض.