الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

دروس نبوية.. قصة سجود "معاذ" للنبي "صلى الله عليه وسلم"

 معاذ بن جبل رضى
معاذ بن جبل رضى الله عنة .. أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نتوقف اليوم مع مشهد جديد من مشاهد السيرة النبوية، وبطل المشهد هو الصحابى الجليل، سيدنا معاذ بن جبل رضى الله عنه، فقد كان معاذ يحب النبى صلى الله عليه وسلم، حبًا شديدًا، فلما سافر إلى الشام، وجد الناس هناك يسجدون للزعماء الدينيين كالأساقفة والبطارقة، فلما عاد إلى المدينة المنورة سجد أمام النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا يا معاذ؟ قال: أتيت الشام، فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطاركتهم، فوددت فى نفسى أن نفعل ذلك بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تفعلوا، فإنى لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. 
موقف واحد ربما لم يستغرق أكثر من نصف دقيقة من الوقت، لكنه ينسف بكل قوة كثيرًا من ممارسات التشدد والغلو والإفراط، فها هو النبى صلى الله عليه وسلم، يبين لنا بصورة عملية كيف نتعامل مع من يرتكب خطأ، فقد اقتصر على توضيح الأمر لمعاذ بكلمة موجزة، دون أن يشكك فى تدينه أو فقهه مثلًا، وهذا السلوك النبوى الكريم هو الرد الأمثل على كثير من الممارسات التى تنسب إلى الدين وتتسم بالغلظة والتشدد، والتى تضر الدين ولا تنفعه، لأنها ببساطة تخالف روح الدين الحنيف. 
وأشد ما يلفت النظر فى هذا الموقف، هو أسلوب النبى صلى الله عليه وسلم، فى التعليم والتوجيه، فلم ينهر معاذ ولم يعنفه أو حتى يوجه له النصيحة بطريقة جافة وقاسية، رغم أن ما فعله معاذ يخالف تعاليم الإسلام، فالسجود عبادة، والإسلام جاء فى الأساس لينهى جميع مظاهر تقديس البشر وجميع المخلوقات، فما فعله مخالفة صريحة للتوحيد الذى يعنى عدم تقديس غير الله، ومع ذلك تعامل النبى عليه الصلاة والسلام مع الموقف بتفهم كامل لنية معاذ بن جبل، فاكتفى بإعطائه المعلومة التى كان غيابها عن ذهنه سببًا فى وقوعه فى هذا الخطأ، ولم يحكم بكفره أو يطلب منه إعادة نطق الشهادتين مثلًا، ولو على سبيل الاحتياط، رغم أن ظاهر فعل معاذ أنه توجه بالسجود لغير الله، فالسجود عبادة ولا شك، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم، يوجه رسالة إلى الأمة من بعده ألا يتسرعوا فى الحكم على الناس بالسوء، حتى لو بدرت منهم أخطاء ظاهرة. 
ومن الجدير بالذكر، أن معاذ بن جبل كان من أكثر الصحابة علمًا، لدرجة أن النبى عليه الصلاة والسلام، قال إن معاذ يسبق العلماء يوم القيامة بمسافة رمية حجر، مما يعنى أنه بالرغم من الرسوخ العلمى لهذا الصحابى الجليل، إلا أن ذلك لم يمنعه من الوقوع فى خطأ كهذا، وقد كان النبى عليه الصلاة والسلام، يدرك تمامًا أنه لا يصح أن نحكم على شخص ما حكمًا معينًا دون اعتبار احتمال وجود عذر له فى خطئه، ولو كان من العلماء، فحتى العالم قد تغيب عنه معلومات مهمة وقد يخطئ فى تقدير الأشياء، ولا ينقص هذا الخطأ من مكانته وقدره، بل إنه لا يوجد عالم لا يخطئ، وكما قيل فى الحكمة: «لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة». 
وهنا يقدم لنا النبى عليه الصلاة والسلام، درسًا بليغًا فى فن التعامل مع الناس، فلم يعلق على تصرف معاذ إلا بعدما سأله، وسمع منه، وعرف مقصده، فأوضح له الأمر بأوجز عبارة وأبسط طريقة، فصلاة وسلامًا على مُعلم الناس الخير، وعلى آله وصحبه وسلم.