الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

موسيقار الأجيال يعزف موسيقى "طلعت حرب راجع"

الحملة الدعائية أعادت صورته للواجهة

الموسيقار محمد عبدالوهاب
الموسيقار محمد عبدالوهاب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«طلعت حرب راجع».. شعار طبع على صورة للاقتصادى المصرى الشهير طلعت حرب مؤسس بنك مصر؛ وانتشرت انتشارًا مذهلًا فى شوارع القاهرة بشكل دفع الناس للتساؤل؛ كان ذلك قبل أن يعلن بنك مصر عن تفاصيل تلك الحملة الدعائية مؤخرا بعد أن انتشرت اللافتات بشكل يثير الذهن.
ويعد طلعت من أبرز الرموز الوطنية فى العصر الذهبى لمصر إبان ثورة ١٩؛ وإحياء ذكراه فى زمن قد تغير كثيرا وأصبح حربًا وجيله مجرد أيقونات وأساطير يتحدث عنها الناس فى الشوارع «أيام ما كان الجنيه بيشترى عربية»، محاولة إحيائه فى حملة دعائية شىء يبعث الأمل؛ ويجعلنا نغوص أكثر فى عالم طلعت حرب؛ وليس أجدر من موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب أحد الذين عاصروا ذلك العملاق وتعاملوا معه شخصيًا من أن يتحدث عنه.
فقد فاجأت دار الشروق قراءها مطلع الألفية الثالثة بكتاب يتضمن مذكرات خاصة جدا للموسيقار محمد عبدالوهاب؛ الذى لم يكن له عهد بالكتابة لا من قريب أو بعيد، ولم يشر فى أى تصريح إلي أنه يعكف على كتابة مذكراته، وكان الشاعر فاروق جويدة هو من قام بإعداد هذه المذكرات وجمعها فى كتاب بناء على وصية محمد عبدالوهاب التى قالها لزوجته نهلة القدسى فقامت زوجته بتنفيذها ومنحتها لجويدة حسب طلب موسيقار الأجيال، وتضمنت المذكرات آراء حرة وجريئة قسمها جويدة إلى عدة فصول بعنوان «رحلتي»، رحلتى مع الفن ورحلتى مع الناس ورحلتى مع المرأة؛ وهكذا أيضا كان عنوان الكتاب الرئيسى رحلتي؛ وتضمن الباب الثانى رحلة عبدالوهاب مع الناس، وكتب آراءه فى العديد من بينهم عبدالناصر وفيروز وأم كلثوم والسنباطى وبليغ وغيرهم؛ وكان من بين هؤلاء طلعت حرب.
يقول عبدالوهاب فى مذكراته عن طلعت حرب «كان تكوينه الخلقى وسلوكه يبعثان على الاحترام والخوف؛ وقد قال لى زوج ابنته «محمد رشدى» بالحرف الواحد: أنا متزوج ابنة طلعت حرب منذ عشرين سنة، وللآن عندما أقابل طلعت حرب أخاف من مقابلته وأخشاها كأنى سأراه لأول مرة؛ وقد استغل بذكائه الروح الوطنية التى بعثها سعد زغلول فى الأمة المصرية وأنشأ بنك مصر، مستغلًا حماس المصريين نحو كل عمل مصري؛ وكان مصريًا صميمًا مع أنه تربى فى بيوت الأرستقراطية المصرية البعيدة عن المصريين؛ وكنت أزوره مع أمير الشعراء أحمد بك شوقى فى الغرفة المخصصة له فى مسرح الأزبكية، هو الذى أقام هذا المسرح، كنت أذهب مع شوقى فى التاسعة مساء لزيارة طلعت حرب، وهذه الغرفة كان يتناول فيها العشاء ليلًا مع أصدقائه الخاصين جدا، وكان لا يحب إلا الأكل الشعبى مثل الفول المدمس والطعمية والعجة والجرجير والكرّات».
ويحكى عبدالوهاب ذكرياته مع طلعت حرب؛ فيقول: «أذكر أنه فى الحرب العالمية الثانية خاف الناس على أموالهم بسبب قرب الألمان من الإسكندرية، وسحبوا أموالهم من البنوك وكنت وقتها أودع فى بنك مصر كل ثروتى «أربعين ألف جنيه»؛ وانتهزت فرصة سفر طلعت حرب للإسكندرية، وذهبت إلى البنك وسحبت الأربعين ألف جنيه، وأحضرت قماشًا طويلًا ووضعت النقود رزمًا رزمًا وخيطت عليها شبه حزام، وأحضرت أخى الشيخ حسن وألبسته هذا الحزام واشترطت عليه بألا يركب تاكسى، وإذا أراد الانتقال إلى أى مكان أرسل له سيارتى، ونصحته ألا يقلع الحزام أبدًا، وينام به، ويصلى به، وبعد ثلاثة أيام كلمنى الشيخ حسن وقال لى: «محمد، أنا حموت من فلوسك لا عارف أنام ولا عارف أخرج، تعال يا أخى وخلصنى من المصيبة دى»؛ وبعد أسبوع كلمنى سيد كامل سكرتير بنك مصر وقال لى: إن الباشا يريد رؤيتك، فذهبت إلى البنك معتقدا أن الباشا سيكلفنى بعمل فنى فى افتتاح مشروع من مشاريعه، وكان قد سبق لى أن غنيت أغنية فى افتتاح البنك وأغنية فى افتتاح بواخر الحج، فذهبت ودخلت على طلعت حرب، وكان مشغولًا بإمضاء بعض الأوراق، وبعد قليل نظر إلى وقال لى: محمد قلت له أفندم يا باشا... قال: أنت فى اليوم الفلانى الساعة كذا حضرت وسحبت أموالك من هنا، أين هي؟ وفى لحظة تذكرت أنه يكره الكذب، وأننى لو كذبت فلن أراه إلى الأبد. فقلت: إن النقود عندى... فقال: ولماذا سحبت النقود؟ قلت: علمت بأن الألمان إذا دخلوا القاهرة سيسطون على أموالنا؛ فقال لى: محمد... قلت له: أفندم يا باشا... قال: بكره الفلوس ترجع البنك: قلت: حاضر يا باشا، وفعلًا أعدتها إلى البنك فى اليوم التالى».
وذات شتاء كان طلعت حرب باشا يستجم فى حلوان يستمتع بدفئها ونظافة جوها، وفى هذه الفترة توثقت صلته بأحمد سالم الممثل المعروف وعينه مديرا لاستوديو مصر، وكان هذا المنصب فى ذلك الوقت مهمًا ويتطلع إليه من هم أكفأ من أحمد سالم؛ وكان أحمد سالم يذهب كل صباح إلى حلوان فى الثامنة صباحا ويفطر مع الباشا ثم يذهب إلى الاستديو فى الحادية عشرة حتى المساء؛ وفى يوم من الأيام وهو يتناول الإفطار مع الباشا قال له الباشا: أحمد... بكره وأنت جاى الصبح هات معاك فول مدمس من عند أبوظريفة، وكان أبوظريفة أشهر من يبيع الفول، قال له أحمد: حاضر يا باشا، وثانى يوم حضر أحمد سالم ونسى أن يحضر معه الفول ودخل على الباشا وقال له: صباح الخير يا باشا، فبادره الباشا، سائلا: أحضرت الفول يا أحمد، قال أيوه يا باشا ثم تسلل إلى خارج الغرفة وأعطى جنيهًا لأحد الخدم، وقال له: بسرعة اشترى فول من أقرب دكان، ورجع أحمد إلى الباشا وقال له الباشا: أين الفول؟ فقال: «بيوضبوه» يا باشا... وانتظر خمس دقائق ثم عشرًا ثم ربع ساعة والباشا يسأل عن فول أبوظريفة، وأخيرا حضر الفطور وبه الفول، ثم ذاق الباشا الفول فلم يجد فيه جودة فول أبوظريفة التى يعرفها، فقال لأحمد: الفول ده من أبوظريفة؟ فقال أحمد: أيوة يا باشا، وأكل ثم تبين للباشا بعد يوم أن أحمد سالم كذب عليه. وأحضر الفول من حلوان، وليس من عند أبوظريفة، وبعد يومين كان أحمد سالم مطرودًا من استوديو مصر، وحاول أحمد بكل الوسائل أن يسترد ثقة طلعت حرب فلم يفلح.