الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

تحالف "القاعدة وداعش".. أبناء الشيطان يتحدون تحت لواء الإرهاب

تهجير الأقباط وإستراتيجية داعش فى مصر «٤»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إعداد: إبراهيم نوار رئيس الوحدة الاقتصادية للمركز العربي 
«الظواهرى» رغم انتقاده لـ«بغدادى» يؤكد: لا أنكر أن لـ«تنظيم الدولة» إنجازات ولو كنت فى العراق أو الشام لتعاونت معهم.. و«ابن بن لادن» يحرض لضرب أمريكا وبريطانيا
تناولنا فى الجزء الأول من هذه الدراسة لرئيس الوحدة الاقتصادية للمركز العربى للبحوث والدراسات «إبراهيم نور»، المبررات التى ترجح زيادة عمليات العنف والإرهاب فى مصر خلال الفترة الممتدة حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة على الأقل، وقلنا إن تنظيم داعش سيزيد من عملياته فى مصر، ونبهنا إلى أن الأهداف الرئيسية التى ستطالها العمليات الإرهابية ستتمثل أساسًا فى أقباط مصر أفرادًا وجماعات ومؤسسات، والكمائن والمؤسسات الأمنية والأفراد، إضافة إلى المنشآت الحكومية الحيوية. 
وفى الجزء الثانى من الدراسة تحدثنا عن خيارات داعش بعد العراق وسوريا، على ضوء تطورات القتال هناك، وقلنا إن التحول إلى أشكال جديدة من القتال سيكون على الأرجح الأسلوب الذى سيلجأ إليه تنظيم داعش، إضافة إلى البحث عن ملاذ آمن جديد وقاعدة للجهاد تعوض داعش عن الخسائر التى تعرض لها فى العراق وسوريا، ورجحنا أن تصبح ليبيا هى قاعدة الملاذ الآمن.
وفى الجزء الثالث من الدراسة استعرضنا خريطة القوى المتقاتلة فى ليبيا وموقع داعش بينها، والضغوط التى يتعرض لها التنظيم هناك بعد أن كان قد أعلن تأسيس قيادات لثلاث ولايات فى ليبيا، هى: برقة وطرابلس وفزان، ثم انسحب مقاتلوه من مواقعهم الرئيسية فى الولايات الثلاث. 
واستنتجنا من ذلك أن تنظيم الدولة فى العراق والشام سيتبنى استراتيجية تقضى بالمحافظة على المقاتلين أكثر من الميل للاحتفاظ بالأراضى.
وفى الجزء الرابع من الدراسة نركز على مقومات وإمكانات واحتمالات التحالف بين الجماعات الجهادية، وكذلك على تطور الاتصالات بشأن تنسيق العمليات أو التحالفات فيما بين هذه الجماعات، خصوصًا داعش والقاعدة.
من الطبيعى أن يكون هناك تنافس على الأدوار المؤثرة بين الجماعات الجهادية المختلفة، فالفوز فى هذا التنافس، يعنى أولا رفع وتعزيز مركز الفائز ومكانته فى قضية الجهاد العالمى، ويعنى ثانيا توليد قوة إضافية تدعم قدرة التنظيم الفائز على الدعاية والتعبئة والحشد والتجنيد وجمع الأموال، كما أن الفوز يعنى ثالثا رفع الروح المعنوية لدى المقاتلين فى تشكيلات التنظيم الفائز فى المنافسة. 

وتنحصر المنافسة بين الجماعات الجهادية فى العالم حاليا فى تنظيمى القاعدة، وهو الأقدم من حيث التشكيل، وما يدعى تنظيم الدولة الإسلامية وهو التنظيم الأحدث، والذى نشأ من بطن تنظيم القاعدة عام ٢٠١٤. 
لكن طبيعة المنافسة لا تنحصر بين «الجديد» و«القديم»، بل إن المنافسة بين القاعدة وداعش تتجاوز ذلك بكثير وتصل إلى عصب الإيديولوجية القتالية والاستراتيجية السياسية والتكتيكات. فمن الناحية الإيديولوجية يتبنى داعش مبدأ محاربة العدو القريب، فى حين يتبنى تنظيم القاعدة مبدأ «محاربة العدو البعيد». وهذا يؤدى إلى اختلافات كثيرة فى الرؤية والمستهدفات المستقبلية.
وعلى صعيد الاستراتيجية السياسية يسعى تنظيم داعش إلى تأسيس «دولة الخلافة الإسلامية» فى بلاد المسلمين وتوسيعها، فى حين أن تنظيم القاعدة نشأ على الجهاد ضد «الصهاينة والصليبيين»، ثم أعاد أيمن الظواهرى تعريف العدو مؤخرًا بتوسيع نطاقه ليشمل «الصفويين والعلمانيين»، كما أعاد حمزة بن لادن (الابن الأصغر لمؤسس القاعدة) تعريف العدو من جديد فى شهر مايو ٢٠١٧ (رسالة صوتية) ليشمل «اليهود والأمريكان والأوروبيين» جراء ما يقترفونه من ظلم ضد المسلمين فى أفغانستان وفلسطين وسوريا والعراق واليمن والصومال.
التطورات الراهنة داخل بنية تنظيم القاعدة ربما تشير إلى تحول لأساليب أكثر شراسة، بما يقترب من أساليب تنظيم الدولة الإسلامية.
 وتشير الرسائل الأخيرة الصادرة عن أبى معاذ «حمزة بن لادن» إلى توجيهات لمقاتلى القاعدة بالاشتداد فى انتقامهم من أعداء الجهاد باستخدام كل الأسلحة المتاحة والممكنة.
وقد وجه بن لادن الابن رسائله بوضوح ليعزز فكرة الجهاد ضد العدو البعيد، خصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا، ولم يرد فى رسائله ذكر لدولة «إسرائيل». ويبدو أننا سنشهد قريبا انتقال القاعدة إلى مرحلة جديدة فى تطورها مع زيادة نفوذ وتأثير حمزة بن لادن. 
وطبقًا للتقارير المتوفرة عنه؛ فإنه شخصية ذات قدرات كاريزمية، وهو امتداد لصورة والده مؤسس القاعدة، وهو «٢٨ سنة» يعبر بصورة أكبر عن الجيل الجديد من مقاتلى القاعدة والمجاهدين بشكل عام، كما أن لديه طموحات كبيرة لقيادة حركة الجهاد العالمى، كما ظهر من رسائله إلى والده خلال فترة إقامته فى إيران.
وسوف نستعرض فيما يلى أهم التطورات على صعيد احتمالات التحالف بين الجماعات والتنظيمات الجهادية فى ثلاث نقاط رئيسية، الأولى تتعلق بتطور الاتصالات بين الجماعات الجهادية بشأن بناء التحالفات، والثانية تتعلق بتطورات بناء تحالفات جديدة فعلا، والثالثة تتعلق بتأثير الصراع الإيديولوجى والسياسى بين القاعدة وداعش على جهود بناء التحالفات. ويجدر بنا منذ البداية أن نشير إلى أن التحالفات قد تتخذ أشكالا متعددة، وقد تصل فى نهاية الأمر إلى الاندماج. ومن أشكال التحالف التعاون (cooperation) لبناء جسور لتنفيذ عمليات محددة (خطوط اتصال آنية غير منتظمة وغير دائمة)، ومنها إقامة نقاط اتصال دائمة على الجانبين أو أكثر (focal points)، ومنها تنسيق العمليات (coordination)، ومنها التنسيق الاستراتيجى (alliance) من خلال إقامة مجالس سياسية وعمليات مشاركة مثل مجالس شورى المجاهدين، وقد يصل التحالف فى نهاية الأمر إلى دمج التنظيمات (integration) بما يضمن توحيد قدراتها الإيديولوجية والسياسية والقتالية والإدارية ضمن نسق واحد وقيادة واحدة.

أولا: تطور الاتصالات بشأن التنسيق والتحالفات
يمكننا القول بشكل عام أن الجماعات الجهادية التى تتنافس على النفوذ سواء فى سوريا أو العراق أو فلسطين أو اليمن أو ليبيا وغيرها تتقارب عندما تواجه ضغوطًا شديدة من عدو مشترك. وهذا التقارب يكون مبنيًا على أساسين، الأول براجماتى صرف يهدف إلى تقليل الخسائر وزيادة المكاسب، والثانى هو عقائدى يتمثل فيما تسميه الجماعات الجهادية «المرجعية الإسلامية». وقد أقر زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى هذا النهج فى التعامل بين الجماعات الجهادية مهما كانت الخلافات فيما بينها فى تسجيل صوتى (٢٠١٥) هاجم فيه تنظيم دولة الخلافة الإسلامية، وقال صراحة إنه لا يعترف بهذه الدولة ولا بالأفكار التى تقوم عليها. 
وقال الظواهرى صراحة «لا نعترف بهذه الخلافة»، واتهم أبو بكر البغدادى بأنه «متمرد على السمع والطاعة». ومع ذلك؛ فإن الظواهرى أعلن موقف القاعدة فيما يتعلق بالتعامل التكتيكى مع تنظيم الدولة بقوله إنه «لا ينكر أن لهم إنجازات»، ومن ثم فإنه «ورغم هذه الأخطاء الشديدة، فلو كنت فى العراق أو الشام لتعاونت معهم فى قتال الصليبيين والعلمانيين والنصيريين والصفويين».
 وهذا ما يؤكد ويحض على نهج التعاون بين القاعدة وغيرها من الجماعات الجهادية، مع توسيع نطاق ساحة الأعداء المشتركين التى كانت تقتصر على «قتال الصليبيين واليهود» فى بيان تأسيس القاعدة إلى ضم جماعات أخرى مثل الصفويين (الشيعة) والعلمانيين.
وقد اتهم الظواهرى فى كلمته المسجلة، الحملة التى يقوم بها أبو بكر البغدادى، التى يدعو فيها الجماعات الجهادية إلى أن «ينبذوا بيعاتهم الموثقة» التى بايعوا بها تنظيم القاعدة، وأن يبايعوا تنظيم الدولة الإسلامية وينضموا إليه. ووصف الظواهرى ذلك بأنه «شق للصفوف».
 ويبدو أن كلمة الظواهرى المسجلة كانت بمثابة توجيه للجماعات المنتمية للقاعدة بحسن معاملة أسرى داعش الذين يقعون فى أيدى المقاتلين من جبهة النصرة وغيرها. وقد استعرضت الجبهة بعد ذلك فى فيديو مصور عملية لقتل أسراها الدواعش، فألبستهم لباس الإعدام البرتقالى الذى يميز ضحايا داعش، وساقتهم بالطريقة نفسها التى يسوقون بها ضحاياهم إلى ساحة للذبح أو الإعدام، ثم ألقت كلمة وعظ عليهم بدلا من إطلاق الرصاص مؤكدة أن «الجبهة الشامية» (جبهة النصرة) تؤمن بالعدالة والمحاكمة.
وتشير المعلومات المتوفرة من جبهات القتال فى سوريا إلى أن حدة الصراع بين «النصرة» و«داعش» قد تراجعت إلى حد كبير، بل إن هناك الكثير من التقارير تشير إلى تعاون وتنسيق مشترك بين الطرفين فى العمليات الراهنة، خصوصا حول مدينة الرقة فى سوريا، وفى مناطق الشمال الغربى وريف حلب وحمص.. وغيرها.

ثانيا: بناء تحالفات قتالية جديدة
نعود مرة أخرى إلى زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى، الذى وجه فى ٢٤ أبريل ٢٠١٧ رسالة إلى المجاهدين بشكل عام يحضهم فيها على العودة إلى أساليب حرب العصابات والتنسيق فيما بينهم. ونعتقد أن هذه الرسالة التى تم توجيهها إلى «المجاهدين» وليس إلى مقاتلى القاعدة فقط، إنما كانت للتأكيد على نهج عملياتى جديد يقوم على عدم الاحتفاظ بالأرض لغاية المحافظة على المقاتلين، وعلى التنسيق المشترك بين كل الجماعات الجهادية التى تواجه أعداءً مشتركين بدلا من الاقتتال فيما بينها، ولا تزال تجرى اتصالات من أجل تشكيل تحالفات قتالية بين الجماعات الجهادية؛ حيث يدور الحديث همسًا داخل تنظيمات القاعدة وتنظيمات داعش عن «ضرورة وحدة الجماعات الجهادية».
وأسفرت هذه الاتصالات حتى الآن عن التالي: إعلان تشكيل «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» فى ٢ مارس ٢٠١٧، التى أصبحت تضم قوات قبيلة «الطوارق»، التى تطالب بالحكم الذاتى فى إقليم أزواد فى شمال مالى «إمارة الصحراء»، و«جماعة أنصار الدين» فى مالى، وتنظيم «كتائب ماسينا» فى مالى، وتنظيم «المرابطون» أو «الملثمون» بقيادة الجزائرى مختار بلمختار، وهذه التنظيمات جميعًا موالية للقاعدة وعلى علاقة بتنظيمات «القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى»، و«جماعة التوحيد والجهاد» فى غرب إفريقيا، وقد وجه زعيم تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى أبو مصعب عبدالودود رسالة تهنئة إلى الجماعات التى اندمجت معًا مشكلة «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، ودعا الجماعات الأخرى إلى أن تحذو حذوها، وقد جددت الجماعة الموحدة الموالية للقاعدة البيعة لكل من زعيم القاعدة أيمن الظواهرى، وأمير القاعدة فى بلدان المغرب الإسلامى أبو مصعب عبدالودود، وأمير حركة طالبان فى أفغانستان الملا هيبة الله، كما أعلنت قيادات داعش فى تونس والجزائر وليبيا، البدء فى إجراء لقاءات لإعلان قيام تنظيم موحد يطلق عليه «مجلس شورى الجماعات الجهادية» يضم التنظيمات والجماعات الموالية لداعش وغيرها. ويقود اللقاءات التى تجرى فى المناطق الحدودية المشتركة بين ليبيا وتونس والجزائر فى الوقت الحالى زعيم داعش فى تونس أبو عياض، وهو أمير تنظيم أنصار الشريعة فى تونس. 
وقد شارك أبو عياض فى الأسابيع الأخيرة فى لقاءات ضمت قيادات من تنظيم داعش ليبيا، وتنظيم «جند الخلافة» الجزائرى الموالى لداعش (لاحظ أيضًا أن جند الخلافة سيكون الشارة المميزة لتنظيمات داعش)، وممثلين عن جماعات وتنظيمات موالية لداعش فى المنطقة الممتدة من ليبيا إلى بلدان الساحل الإفريقى.
 وتدير قيادات داعش فى الوقت نفسه حربًا شرسة ضد تنظيم القاعدة فيما يمكن تسميته بـ «حرب البيعة»؛ حيث تقدم تلك القيادات إغراءات كثيرة إلى جماعات جهادية أخرى من أجل الانشقاق عن القاعدة وسحب البيعة لها ومبايعة أمير دولة الخلافة الإسلامية أبو بكر البغدادى. وفى سياق هذه الحرب نجح داعش فى الحصول على مبايعة تنظيم جند الخلافة الجزائرى، وجماعات من تنظيم الشباب الصومالى، إضافة إلى جماعات من بوكو حرام النيجيرية وحركات جهادية فى السودان ومالى وغيرها. ولا تزال جهود قيادات داعش فى ليبيا والمغرب العربى لتأسيس جماعة موحدة باسم «مجلس شورى الجماعات الجهادية» جارية حتى الآن، وحمل التصريح الذى أدلى به نائب رئيس الجمهورية العراقى الدكتور إياد علاوى فى ١٧ أبريل ٢٠١٧ أكثر من دلالة. 
وقال علاوى لوسائل الإعلام: إن تنظيم الدولة بدأ فعلا محادثات مع تنظيم القاعدة بشأن إقامة تحالف محتمل بينهما مع تضييق القوات العراقية الخناق على مقاتليه فى الموصل. وقال إن المناقشات بين الجانبين بدأت فعلا؛ حيث يدور حوار بين ممثلين عن كل من البغدادى والظواهرى. ولا يأتى تصريح إياد علاوى من فراغ، بل إنه يتسق ويتكامل مع حلقات أخرى من الوقائع والتصريحات التى توضح أن التنظيمين الجهاديين الكبيرين ربما يكونا قد وصلا إلى قناعة نهائية بأن التنسيق بينهما هو أمر لا مفر منه لتعزيز القدرة على مواجهة التحالفات العسكرية التى تم تنظيمها بين خصومهما فى كل من العراق وسوريا، وفى أماكن أخرى، وفى مداخلته أمام الدورة السادسة لمؤتمر الأمن الدولى فى موسكو ٢٦-٢٧ أبريل ٢٠١٧، قال ألكسندر بورتنيكوف (Alexander Bortnikov) رئيس جهاز الأمن الفيدرالى فى روسيا (Federal Security Service- FSB) إن التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم، وفى مقدمتها بقايا تنظيم القاعدة والتنظيمات الموالية لداعش مثل: جبهة النصرة، بسبب ما تعانيه من خسائر فى سوريا والعراق، تسير الآن فعليا فى اتجاه تكوين تحالف عالمى بغرض مواصلة عملياتها الإرهابية. وقال بورتنيكوف إن لدى جهاز الأمن الفيدرالى الروسى معلومات تؤكد وجود اتصالات بهذا الخصوص بين الجماعات الإرهابية. وطبقا للمعلومات المتاحة لدى الروس ولدى أجهزة الأمن فى دول المغرب العربى، وبناء على رصد التطورات الميدانية على جبهات المواجهة بين الجماعات الإرهابية، يتضح الآن أن تكتيكات تلك التنظيمات تتعرض حاليا لتغيرات عميقة وتتجه إلى الحركة فى ثلاثة اتجاهات:
الأول، إعادة توطين مقاتليها بإرسالهم إلى جبهات أخرى، خصوصا إلى أفغانستان واليمن وليبيا والصومال ومالى وغيرها، وبناء قواعد قوية فى تلك الأماكن.
الثانى، التحول إلى عمليات تعتمد على أساليب حرب العصابات، كما حثتهم قيادة تنظيم القاعدة فى كلمة الظواهرى إلى عموم المجاهدين التى تم بثها فى أبريل ٢٠١٧.
الثالث، بدء حوار بين مندوبين قياديين من تنظيمات القاعدة وداعش بغرض التحالف أو تنسيق العمليات. ويتوازى مع ذلك تعزيز التحالفات بين كل من القاعدة والتنظيمات الموالية لها، وكذلك بين داعش والتنظيمات الموالية لها، وهو ما يعنى ضمنا استمرار حرب البيعة بين كل من داعش والقاعدة.
كذلك يلاحظ فى الفترة الأخيرة أن المناطق التى يتداخل فيها مقاتلو داعش ومقاتلو القاعدة سجلت انخفاضًا ملحوظًا فى مناخ التوتر والاحتكاكات التى كانت تحدث بين مقاتلى التنظيمين والجماعات الموالية لهما، ومع استمرار النهج الذى يدعو إليه ويروجه زعيم القاعدة أيمن الظواهرى أن تشهد الأشهر المقبلة تقاربا أكبر بين التنظيمين الجهاديين الكبيرين.

ثالثا: من «العدو البعيد» إلى «العدو القريب»
شهد العقد الماضى إرهاصات فكرية جديدة داخل الجماعات الجهادية التى راحت تراجع بعض المسلمات التى نشأت على أساسها، خصوصا تلك التى تأثرت بتنظيم القاعدة الذى أسسه أسامه بن لادن. ومن أهم الأفكار التى تتم مراجعتها هى فكرة «العدو». 
وقد بنى تنظيم القاعدة على أساس أن دار غير المسلمين هى «دار الحرب»، ومن ثم فقد تم تركيز أسلحة القاعدة وعملياتها ضد الروس والأمريكان والأوروبيين، ذلك لأن التنظيم قام على أساس قتال اليهود والصليبيين. وبناء على هذه المراجعات، وأيضا نتيجة للقيود التى حدت من حركة التنظيمات الجهادية فى الغرب، فإن الموجة الجديدة من الفكر الجهادى تتجه إلى التركيز على مواجهة «العدو القريب» وليس «العدو البعيد». وهذا التحول إنما يعود بالجماعات الجهادية إلى أصولها الأولى فى «تكفير الحاكم» و«تكفير المجتمع».
وكانت مبادئ تكفير الحاكم وتكفير المجتمع هى التى حكمت تأسيس «جماعة التكفير والهجرة» فى مصر بزعامة شكرى مصطفى فى سبعينيات القرن الماضى. وسوف نرى أن هذا التحول فى العقيدة الجهادية من تقديم أولوية استهداف «العدو القريب» على «العدو البعيد» سوف يترك أثرًا عميقًا على الإيديولوجية، وعلى بنية التنظيم، وعلى الاستراتيجية السياسية وآليات وتكتيكات العمليات التى تقوم بها الجماعات الجهادية.
إن هذا التحول من استهداف العدو القريب قبل العدو البعيد هو المحرك الذى أدى إلى نشأة تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام من بطن تنظيم القاعدة فى العراق، ثم أدى إلى ارتفاع شعبية الدولة الإسلامية فى أوساط الجماعات الجهادية، باعتبار أن تلك الدولة تعيد استحضار نموذج دولة الخلافة الإسلامية. وأن حرب البيعة بين داعش والقاعدة تعنى أن كلا من التنظيمين سيعمل جاهدا من أجل كسب جمهور له، وأكثر هذا الجمهور هو فى «بلاد المسلمين» وليس فى «دار الحرب»، وهو ما سيعنى ضرورة العمل على إعادة تركيز المجهود الاستراتيجى للجماعات الجهادية إلى بلاد المسلمين دون غيرها، ومن ثم فإن الاصطدام بالعدو القريب سيكون محتومًا إذا كان للجماعات الجهادية أن تبقى.
ونستطيع من متابعة سلوك وتوجهات الجماعات الإرهابية على مستوى العالم أن نؤكد أن هناك انسحابًا نسبيًا تدريجيًا من التوجه «العالمى» لقتال من سمّتهم القاعدة «اليهود والصليبيين»، إلى بناء تجمعات إقليمية وتنظيمات محلية تركز على مواجهة العدو القريب، على أن يكون من واجب هذه التجمعات والجماعات أن تشد أزر بعضها البعض.