الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

دروس نبوية.. من لا يَرحم لا يُرحم

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«من لا يَرحم لا يُرحم».. قاعدة إسلامية عظيمة، وضعها النبى صلى الله عليه وسلم، للأمة من بعده وللعالم أجمع، فقد كان عليه الصلاة والسلام جالسا مع أعرابى اسمه الأقرع بن حابس التَّميمى، وكان رجلا غليظا، وأثناء اللقاء دخل عليهما الحسن بن فاطمة ابنة النبى عليه الصلاة والسلام، وكان طفلا صغيرا فأمسكه النبى عليه الصلاة والسلام وقبله، فقال الأقرع: إن لى عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا، فغضب الرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونظر إليه وقال: «من لا يَرحم لا يُرحم، أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرَّحْمَة»؟.
كان المجتمع الذى بعث فيه النبى عليه الصلاة والسلام، مجتمعا جاهليا، والجاهلية هنا، ليست مشتقة من الجهل الذى هو ضد العلم، بل من الجهل الذى هو ضد الحلم، بمعنى أن وصف الجاهلية كان يشير إلى الغلظة والظلم والطغيان، وتلك الصفات كانت منتشرة فى العصر الجاهلى، وكان المجتمع الجاهلى يقبلها، فكان القوى يأكل الضعيف والكبير يطغى على الصغير، وكانت البنات توأد فى صغرها وذنبها أنها مخلوقات ضعيفة رقيقة لا تصلح لحياة المجتمع الجاهلى الذى يمجد القوة والبطش، فجاء الإسلام فأحدث انقلابا فى المفاهيم، وحارب قيم الجاهلية بكل قوة، وهذا هو النبى عليه الصلاة والسلام يتصدى لهذا الرجل الأعرابى الغليظ، الذى يتفاخر بغلظة قلبه، ويذكر باعتزاز أنه لا يقبل أبناءه الصغار، على اعتبار أن الرحمة ضعف، وأنها صفة سلبية لا توجد إلا عند الضعفاء، فتصدى له الرحمة المهداة وبين له أنه يعانى من مرض نزع الرحمة، وأن الذى لا يرحم الناس لن يرحمه الله، فالله رحمن رحيم يرحم الراحمين، ولا يرحم أحدا قد نزعت من قلبه الرحمة، وهؤلاء الأطفال الصغار تؤثر فيهم القبلة غاية التأثير، ولكن الإنسان حينما يكون جافًّا قد لا يشعر بمشاعر الآخرين، بل يظن أن هؤلاء الأطفال لا يفهمون ولا يميزون ولا يدركون وليس عندهم شعور وإحساس، فيعاملهم أحياناً كأنهم حشرات، يتحدث بعبارات جارحة تدل على احتقار لهم، وإذا هموا بالجلوس على مائدة أو نحو ذلك أُبعدوا بطريقة تجرح مشاعرهم، وهم يميزون ويعرفون الذى يحتقرهم والآخر الذى يراعيهم، ويعرفون الذى يؤانسهم ويتحدث معهم ويضاحكهم ولا ينسون له ذلك أبدا، ولهذا كان النبى عليه الصلاة والسلام لا يغفل هذا أبدا.
فالرحمة من خصائص الإسلام ومن سمات الشريعة، التى شوهها البعض بأفعالهم، فأصبح لفظ الشريعة مرتبطا فى أذهان البعض بالجلد والرجم والقتل والقطع، وكأن الإسلام عبارة عن قانون عقوبات نزل ليكون سوطا يلهب ظهور البشر، مع أن النبى عليه الصلاة والسلام، عندما أراد الله أن يلخص مهمته التى أرسله من أجلها فى كلمة واحدة قال تعالى «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» وهو أسلوب قصر يفيد التخصيص والحصر بمعنى أنه لا يوجد سبب آخر لإرسال الرسول عليه الصلاة والسلام، إلا الرحمة بالعالمين وفقط، وعلى هذا الأساس يمكن أن ننظر لكل كلمة وكل فعل من السنة النبوية الشريفة، فالهدف الأساسى والخيط الذى يجمع بين الأقوال والأفعال النبوية جميعا هو الرحمة، ولذلك غضب النبى عليه الصلاة والسلام، عندما وجد الأقرع يتفاخر بعدم رحمته لأبنائه، على اعتبار أن ذلك من كمال الرجولة، فهاجم عليه الصلاة والسلام هذا المفهوم الفاسد، فالرجولة الحقيقية هى أن تشمل من حولك بعطفك ورحمتك، وكان النبى عليه الصلاة والسلام أكمل الرجال، ومع ذلك كان يسلم على الأطفال فى الطريق ويمزح معهم ويتباسط معهم، ولم ينقص ذلك من رجولته أو قوة شخصيته، بل كان نعم القدوة فى هذا الأمر، على خلاف ما كان سائدا فى الجاهلية من الغلظة والشدة باعتبارهما مرادفا للقوة.
وإن مما يحزن قلب كل غيور على دينه أن ينعكس فهم كلام النبى فى أذهان البعض ليحول صورة الدين السمح فى أعين الناس إلى صورة لا تمت بصلة إلى النموذج النبوى الكريم، الذى وهب النبى عليه الصلاة والسلام، حياته من أجل نشر خلق الرحمة بين الناس حتى صدق فيه قول الله تعالى «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».