الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

"الراية البيضاء".. استشراف المستقبل لصراع المال والأصالة

مسلسل الراية البيضا
مسلسل الراية البيضا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قدم الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة مع المخرج محمد فاضل، واحدة من روائعه الفنية في الدراما التليفزيونية، التى أمتعنا بها على مدار عقود ممتدة، وهى رائعة «الراية البيضاء» التى عُرضت عام 1988، وكانت من بطولة الفنانة سناء جميل، والفنان جميل راتب.
«الراية البيضاء» عبارة عن تجسيد مرئى للصراع الدائم بين الجهل والعلم، بين المال والمبادئ، بين الظلم واستغلال النفوذ والدفاع عن الحق وأصحابه.
فقد نجح الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، كعادته، فى استغلال الواقع واستشراف المستقبل، ونسج خيوط درامته الفنية فى «الراية البيضاء» من خلال قصة حقيقية وقعت أحداثها فى منطقة كورنيش الثغر، بمدينة الإسكندرية، قامت فيها إحدى تجار الخردوات بمحاولة الاستيلاء على فيللا أثرية بتلك المنطقة من أجل هدمها وبناء برج سكنى بدلًا منها بدافع المكسب المادى.
ومن خلال هذه التيمة الرئيسية الواقعية استقى عكاشة دراما مسلسله «الراية البيضاء»، كى يعرض مستجدات بعض الواقع المصرى بعد الانفتاح الاقتصادى، الذى تم فى عهد الرئيس السادات ومحاولات التجار ورجال الأعمال فى الحصول على الأموال بشتى الطرق، دون مراعاة أى قيم إنسانية أو وطنية أو أثرية، فتجسد الصراع الدرامى فى أحداث المسلسل فى الصراع القائم بين «فاطمة المعداوى» التى جسدتها الفنانة الراحلة سناء جميل، وهى السيدة التى تتصف بالجهل العلمى والثقافى والأخلاقى، وتعمل كبائعة سمك، وتملك من المال الكثير الذى يجعلها تستغله فى الوصول إلى كل ما تريد، حتى لو كان على حساب غيرها من البشر، وفى المقابل السفير الدكتور «مفيد أبو الغار» الرجل المثقف الوطنى الذى يسعى للحفاظ على الأصالة والعراقة والقيم الإخلاقية والإنسانية والثقافية، ومعه بعض من الطلبة المؤمنين به وبقضيته، وبالوقوف فى وجه فاطمة المعداوى وإخطبوطها المالى.
وتستمر الدراما من خلال هذا الصراع الظاهر فى رصد متغيرات المجتمع، وإلقاء الضوء على الصراع الاجتماعى المتخفى بين حماة الماضى وقيمه وأخلاقياته من خلال الدكتور أبو الغار، وبين أشرار الحاضر وأعوانه ونفوذه، من خلال فاطمة المعداوى التى تستغل كل ما لديها من نفوذ وسلطة مالية عن طريق الرشوة والتزوير وتلفيق القضايا للدكتور أبو الغار وأعوانه، حتى ينصاع لرغبتها فى بيع الفيلا وهدمها، فتقوم بتلفيق تهمة إلى اثنين من أقارب الدكتور أبو الغار وتلاميذه، فيضطر إلى الذهاب إليها والموافقة على بيع الفيلا مقابل تخليص هؤلاء المظلومين من التهم الملفقة إليهم، وذلك بعد أن شعر أبو الغار بضعف قوته وقلة حيلته ووقوفه بمفرده أمام الظلم واستغلال نفوذ المال، غير أن هذه النهاية لا تتناسب مع الواقع الذى من المفترض أن يكون مع رسائل عكاشة وفاضل الدرامية، فتتحول نهاية المسلسل إلى تظاهرة إنسانية وأخلاقية يتجمع فيها كل طبقات المجتمع للوقوف أمام فاطمة المعداوى، التى تذهب إلى الفيللا بمعدات الهدم فتجد الدكتور أبو الغار وطلابه وأصدقاءه والمخلصين من المصريين يقفون فى وجهها لحماية الفيلا ورفض هدمها، فى إشارة لأهمية تكاتف قوة وطبقات المجتمع فى الوقوف أمام الظلم وأمام سيطرة رأس المال على مقدرات وتاريخ الأمة المصرية، فتنتهى الأحداث بصرخة موجهة إلى كل الشعب المصرى فى التوجه إلى فيللا أبو الغار للوقوف أمام فاطمة المعداوى، وكل معداوى فى المجتمع المصرى، للحفاظ على تراث وعراقة الشعب المصرى.
يذكر أن الفيللا الحقيقية التى دارت حولها أحداث المسلسل قد تم هدمها بالفعل عام ٢٠١٠ دون علم هيئة الآثار، حيث كانت الفيلا محور الأحداث عبارة عن فلتين مملوكين لعثمان باشا محرم، شيخ المهندسين، وقدم تم هدم أحدهما وتشويه الأخرى حتى خرجت من المجلد الخاص بالآثار المصرية.