الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

طقوس الكتاب والمبدعين في رمضان

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

رمضان، شهر الصيام والصدقات، تكون العبادة فيه هي الشغل الشاغل للمسلمين في بقاع الأرض، فطقوس العبادة واحدة في مختلف بلدان العالم العربي والإسلامي، أما المبدعين والكُتاب فلهم طقوسهم الإبداعية الخاصة التي تُصاحب الشهر الفضيل، فالبعض يرى أن لا مكان للإبداع في رمضان، بينما يرى آخر أن هدوء وسكينة الساعادت الأولى من صباح اليوم تتيح الفرصة للكتابة بذهن صافٍ، فيما ترى بعض الكاتبات أن الإلتزامات الأسرية لا تفُسح لها المجال لتواصل كتابتها، وربما لا تتاح لها الفرصة للمشاركة في الملتقيات الأدبية.


"البوابة" تواصلت مع عدد من الكُتاب والمبدعين، لمعرفة طقوسهم الرمضانية والوقت الأنسب لهم لممارسة الكتابة ففي البداية قال الكاتب الجزائري عبدالرزاق بو كبّة: قبل رمضان عام 2012، كنت أغرق في المسلسلات الدّرامية المبرمجة، حتى إنني كنت أتابع عددًا كبيرًا منها، دفعةً واحدةً، وأجد في ذلك متعةً عميقةً تغنيني عن متعة الكتابة، التي لم أكن أمارس منها إلا ما يفرضه عليّ عملي الصّحفي من مقالات.

وأضاف صاحب "كفن للموت": في عام 2012 كنت مطالَبًا بأن أكمل روايتي "ندبة الهلال"، لأتفادى حرجي مع النّاشر، فاكتشفت متعة الكتابة في رمضان، وصلاحيته لذلك، بالنظر إلى أكثر من معطى. من ذلك أنّ المحيط ينام إلى وقت متأخّر من النّهار، ويعفيني من ضجيجه وإزعاجاته، التي ترفضها لحظة الجلوس إلى الكتابة. وعدم الحاجة إلى القيام إلى الأكل والشّرب والتماهي مع الطاولة العائلية، بما يشوّش على تلك اللحظة


وواصل صاحب "وحم أعلى المجاز": أذكر أنّني كنت أعزل نفسي في مكتبتي، مباشرة بعد السّحور مع أسرتي، وأشرع في الكتابة، من غير انقطاع، إلى ما بعد الظّهر، ثمّ أخرج للتبضّع مع البنات، فلا أعود إلى الكتابة حتى موعد السّحور التالي. لأجدني قد كتبت في اليوم الواحد، ما كنت أكتبه في أسبوع خارج رمضان. وهي العادة التي اعتنقتها إلى غاية هذا الموسم، ولا أراني سأتخلّى عنها، إلا إذا طرأ ما يغريني بغيرها، ويضعني أمام جدوى ومتعة مختلفتين. غير أنّني انخرطت في تجربة جديدة، منذ رمضان عام 2015، هي أن أكتب يومياتي مع بناتي، وأنشرها على صفحتي في "فيسبوك"، تحت مسمّى "طرائف البيت"، جامعًا فيها بين طفولتي وطفولتهنّ، في إطار ما يمكن أن نسمّيه "أدب البيت"، وستصدر المواسم الثلاثة قريبًا، في كتاب سيحمل عنوان "يدان لثلاث بنات". وبما أنّ اليوميات خاضعة للمعايشة الحيّة لا للخيال، فإنّني أنتظر المساء حتى أكتبها.


وأنهى صاحب "أجنحة لمزاج الذّئب الأبيض" الفائز في مسابقة "بيروت 39" حديثه قائلًا: لقد باتت الكتابة خلال رمضان طقسًا ثابتًا لديَّ، بما حوّلها إلى انعكاس شرطي عفوي. أشرع في الكتابة، السّرد تحديدًا، ذلك أنني لم أجرّب الكتابة الشّعرية خلاله، ولا أراه صالحًا لذلك، بمجرّد أن يحلّ اليوم الأوّل منه، وهي حيلة جميلة تخرجني من دائرة الانحباس، التي قد أعانيها خلال الأشهر التي تسبقه.


ومن جانبه قال الشاعر الإماراتي الدكتور طلال الجنيبي: إن روحانية هذا الشهر الكريم وأجواء السكينة والهدوء، فضلا عن إلغاء مواعيد الوجبات في النهار نتيجة الصيام تفتح الباب على مصراعيه في هذا الشهر الفضيل لفرص الكتابة؛ فيصبح نهار الصيام توقيتا مثاليا لمراودة الإبداع بكل جمال وإمتاع.

وأضاف الجنيبي: أما عن الطقوس فالإلهام هو الذي يفرض نفسه ويحرض على الكتابة بلا موعد أو إنذار مسبق، أما الليل فيكون مكتظا بالأنشطة من افطار وصلاة تراويح وزيارات ومجالس فلا تتسنى فيه فرص الكتابة الا نادرا بالنسبة لي.


بينما كان للشاعرة والمترجمة أمل جمال رأيًا مختلفًا عن الكتابة في رمضان حيث قالت: أعتقد أن الكتابة في رمضان لدي كتابة لها نكهات المطابخ أنا التي تعيش الحياة كأي أم مصرية تصحو من نومها وقائمة الطعام تنتظرها على باب غرفة النوم، وربما تعرقلها في قدمها لو نسيتها قليلا، أعاني من ارتباك النوم وقوائم العزائم، أكوام الأطباق في حوض المطبخ بعد الإفطار، وأكواب الشاي التي لا أكملها غالبا بسبب المكالمات التليفونية المركشة بالتهاني أو الملطخة بوصفات مثل صلصة الكنالوني أو السبعة بهارات للحمة التي ما إن نكمل مناقشتها حتى أقنع أختي أنها هي هي الجراماسال الهندية وأننا نتفانى في الفبركة والأنتكة وأن برامج الطبيخ جننتكم مالها مصريتنا يا ست أنت؟ ثم تأتي مكالمات أمي: "هتيجي تفطروا معايا بكرة. فأرد عليها: ماما عندي كتابة متأخرة وعندي أكل بايت هاجدده بحاجه صغيرة وأكمل شغلي.

ثم أنتظر الفرج بعد صمتها الغاضب الذي أعرفه جيدا لتقول لي: "منا عازمة رحاب هاعمل أكل مرتين"؟ يا ماما أنا مش غريبة عادي الدنيا معايا. لينطلق الصاروخ: "إنت حرة عايزة تيجي ولا متجيش براحتك مع السلامة".


وأضافت صاحبة ديوان "فضاء لجناح": أنظر أنا إلى القصائد التي سأعمل عليها أو الدراسة النقدية التي لم أكملها مثلا وتنكمش أمنياتي وربما تختفي تماما وأستعد للنزول من فوري لبيتها لأساهم بالطبع في إعداد العزومة معها. أما لو كنت من المحظوظات واستطعت الافلات من قوائم العزائم واعددت العدة للكتابة ورتبت أموري في بيتي فغالبا ما أعد أكثر من صنف لأن أحدها غالبا سيكون ضحيتي إذا ما صاحب الطبخ كتابة ما.

وأضافت: الكتابة في رمضان لدي تختلط برائحة حرق الطعام. فقط لأنها تحتاج إلى تركيز شديد وفي اتجاه واحد بينما ذهن المرأة في رمضان يعمل بشكل أكثر عنكبوتية. ذراع في المطبخ وذراع في سلة الغسيل وذراع في جدول العزومات وذراع في السوق وذراع في جدول مواعيد الندوات والاعداد لها والمهارة هي كيفية ضغط كل ما سبق وتنسيقة لترتب كل الأشياء فأضحى إلا بما يمكن التضحية به وما لا يسبب إزعاجا بعد رمضان ويقلل الخسائر الانسانية. من هنا وباختصار أكتب للضرورة كتابة مصاحبة برائحة الطعام المحترق، ولا أشاهد التليفزيون، ويصاحبني صداع دائم لا كفايين ولا كتابة وأتارجح بين جداول المجاملات والندوات. أحب رمضان رغم كل شيء لكني ككاتبة أضحك كلما تخيلتني بأذرع العنكبوت.


ومن جانبه قال قال الدكتور عمار علي حسن، الكاتب الروائي والخبير في علم الاجتماع السياسي: تتأثر طقوس الكتابة لديّ في شهر رمضان بالصيام، فحين تجوع البطن تصفو الروح وتشفّ، وتنزع النفس إلى الإبداع الأدبي أكثر من غيره، لذا تولد الفرصة في الساعات التي تسبق أذان المغرب لكتابة مختلفة جديدة، أو لتنقيح كتابة قديمة قبيل نشرها.

وأضاف صاحب رواية "جبل الطير": لأنني أكتب أيضًا مقالات في عدة صحف فإن هذا يفرض عليَّ أن أجلس إلى مكتبي في ليل رمضان لأكتب ما عليَّ في هذه الناحية. وفي بعض السنوات كنت ماضيًا قبل رمضان في تأليف كتاب سياسي أو في النقد الأدبي، وكان عليّ أن أكمله، فأعطيته من ساعات الليل الكثير.


وواصل صاحب "حكايات الحب الأول": أثناء الكتابة، ولا سيما في رمضان، أفضِّل الاستماع إلى موسيقى صوفية، وأحيانًا أضع لنفسي خطة خلال الشهر الفضيل أنجزها في نهايته، أو أقترب من هذا، لكن القدرة على المثابرة والجلَد تتأثر بتقدم العمر، وحلول متاعب صحية لا يخلو منها جسد رجل اقترب من الخمسين. فقبل عقدين وما بعدهما كان رمضان بالنسبة لي شهرًا مباركًا في العمل أيضًا، وكنت أنجز فيه ما لا أنجزه في غيره، وهذا لم يعد يتم الآن على النحو الذي كان، وتلك سنّة الحياة التي تجري على أغلب البشر، إن لم يكن جميعهم.


ومن جانبه قال الشاعر محمود خير الله: لستُ من عشاق شهر رمضان، رغم الثقافة الشعبية، التي منحت هذا الشهر سمةً مصريةً "فرعونية"، وهو ليس من الشهور المفضلة لديَّ، بسبب ساعات الجوع الطويلة التي تنهك الجسد، رغم أنها تزيد المرء خيالًا بسبب الشعور الواضح من الخفة، التي تتطلبها كتابة الشعر، وبالتالي لا أتوقع أن أكتب فيه قصيدة، وإن حدث، يكون ذلك أمرًا نادرًا وعبقريًا، في الوقت نفسه.

وأضاف خير الله: شهر رمضان بالنسبة إليّ ليس شهر كتابة، بقدر ما هو شهر قراءة، أتذكر الآن أنه كان شهر قراءة منذ سنوات صباي الأولى، قرأت فيه كل أعمال جيل الستينيات، على مدار سنوات طويلة سابقة، لعل الصدفة كانت وراء قراءتي للرواية الفاتنة، "أيام الإنسان السبعة"، للراحل الكبير عبدالحكيم قاسم مثلًا، في شهر رمضان، قبل أكثر من عشرين عامًا، لقد كان هناك شيء ما في هذه الرواية يسبح في مسام المناخ الديني المصري يعرفها أبناء ريف الوجه البحري بالذات، وهي الحالة التي لا مثيل لها في أي مكان آخر.

وواصل خير الله: أعتقد أن الحياة يمكن أن تعاش -باستعجال شديد للأسف- خلال ساعات الإفطار القليلة في اليوم الرمضاني، وهذا يجعله شهرًا لا يعوَّل عليه، في حياة الكاتب.