الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

ملوك التلاوة.. محمود البربري.. طلب نفيه مع سعد زغلول إلى جزيرة مالطا

محمود البربري
محمود البربري
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
علّم مكرم عبيد تلاوة القرآن.. وكان الزعيم على رأس المشيعين لجنازته

حين برز فن تلاوة القرآن الكريم فى مصر أوائل القرن العشرين، أصبحت هناك اتجاهات عدة وأساليب خاصة بكل فنان؛ فاتخذ الشيخ رفعت الطابع الشعبى؛ حيث امتزج صوته بأصوات من نبض هذا الوطن، وكانت حنجرته تتجاوز الديوانين فيصعد للجوابات وينزل للقرارات بمنتهى الأريحية؛ وفى هذه المسافة يختزل العديد من المشاعر الإنسانية، فى حين أن صديقه الشيخ عبدالفتاح الشعشاعى اتخذ منحى مختلفًا تمامًا، فكان له لون خاص فى التلاوة؛ حيث لم يقلد أحدًا من القراء الذين سبقوه، وكما أنه لم يظهر حتى الآن من حاول تقليد صوته؛ والسبب هو أن الطريقة التى يقرأ بها الشيخ تحتاج إلى صوت قوى فتى وما أندر الأصوات القوية فى دولة القراء، وتتعدد الاتجاهات والمناحى، فمن التعبير بالتلاوة عن نبض الشعب ومن التعبير عن الجمال تتمدد الاتجاهات وتتنوع حتى تصبح التلاوة وسيلة من وسائل النضال السياسى الوطنى والمقاومة، ومن ثم يظهر الشيخ محمود البربرى فنان التلاوة الذى ناضل بصوته.
وكان لسعد زغلول قارئ خاص، هو الشيخ محمود البربري، وكان سعد زغلول لا يرتاح لسماع أحد سواه، وكان الشيخ البربرى يلقب نفسه بمقرئ سعد، وكان يقرأ القرآن وكأنه يتحدث، وكان يصف تلاوته بأنها القراءة الشرعية الصحيحة.
وكان مغرمًا بالإعادة، ولذلك كان يظل أحيانًا ساعة كاملة لا يقرأ سوى آيات قليلة، وفى عام ١٩١٩ اشترك قراء القرآن فى الثورة، وكان على رأسهم البربري، فقضى أيامًا بائسة فى السجن بعد أن اعتقله الإنجليز بتهمة أنه صديق لسعد زغلول وأنه كان يؤدى له خدمات وطنية، وكان الإنجليز على حق، فقد كان الشيخ البربرى يخفى كل مساء وهو خارج من بيت الأمة آلاف المنشورات تحت ردائه الدينى الفضفاض، وذات مساء اكتشف الإنجليز السر عندما كان الشيخ البربرى يجتاز بوابة «بيت الأمة» وقد نسى إحكام إغلاق جبته وسقطت من داخلها مئات المنشورات على الأرض، وفى السجن كان يجمع حوله كل المسجونين بتهمة الوطنية، ويظل ساعات طوال يقرأ لهم بصوته الشجى حتى أقلق ذلك خاطر الإنجليز فحبسوه فى زنزانة منفردة، ولكن هذا لم يمنع البربرى من مواصلة القراءة وهو داخل الزنزانة وبصوت أعلى ليتمكن كل من فى السجن من سماعه، وظل يقرأ فى ذكرى سعد كل عام حتى مات، وربح فى حياته كثيرا ولم يترك خلفه شيئا.
وعندما نفى سعد إلى مالطة قدم الرجل نفسه إلى سلطات الاحتلال طالبا نفيه مع الزعيم ليقرأ له القرآن هناك؛ ورفضت سلطات الاحتلال عرضه ولم تكتف بهذا، بل راحت تطارده فى رزقه وكان المأتم الذى يسهر فيه تحيطه دائما مجموعة من جواسيس الإنجليز، واستغل الوطنيون الفرصة فكانوا يستدعون الشيخ البربرى -عدو الإنجليز- دائما فى مآتمهم، بل كانوا يقيمون أحيانا مآتم وهمية ليسهر فيها الشيخ نكاية فى الإنجليز.
ومات البربرى بعد أن عمّر طويلا، وكان على رأس المشيعين لجنازته مكرم عبيد تلميذه الذى علّمه تلاوة القرآن فكان يتلوه بطريقة البربرى نفسها.