رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

المسحراتي.. موروث ثقافي مصري

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى ظل التقنيات الحديثة وسهر الناس حتى الفجر تتلاشى مهنة المسحراتى تدريجيًا معتمدة على بعض الصبية فى الأحياء الشعبية بالقاهرة وقرى ومدن دلتا وصعيد مصر.
طالب خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان بالحفاظ على هذه المهنة وتطويرها واستغلالها ثقافيًا وسياحيًا وتسجيلها كموروث شعبى بالأشعار والأغانى الخاصة به عبر العصور والاحتفالية المصاحبة للمسحراتى من حمل الأطفال للفوانيس وإلقاء الضوء عليها إعلاميًا وتضمينها فى العروض المسرحية والسينمائية وعرضها سياحيًا فى رمضان وطوال شهور العام بقصور الثقافة ومواقع الآثار الإسلامية كمظهر تراثى عريق.
وأوضح ريحان في تصريح خاص لــ"البوابة نيوز" اليوم الإثنين، أن المسلمين منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يعرفون وقت السحور بأذان بلال ويعرفون المنع بأذان ابن أم مكتوم فقد كان هناك أذانان للفجر أحدهما يقوم به بلال وهو قبيل الوقت الحقيقى للفجر والثانى يقوم به عبدالله بن أم مكتوم وقد جاء فى الحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم "إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" وما كان الناس في المدينة يحتاجون إلى أكثر من ذلك للتنبيه على السحور طبقًا لما جاء فى دراسة أثرية عن المسحراتى والمفردات الرمضانية لعالم الآثار الإسلامية الدكتور على أحمد الطايش أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة.
ويشير ريحان إلى أنه مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية وتعدد الولايات بدأت تظهر وسائل أخرى للسحور وبدأ المسلمون يتفننون فى وسائله وأساليبه حتى ظهرت وظيفة المسحراتى فى العصر العباسى ويعتبر والى مصر عتبة بن إسحاق أول من طاف شوارع القاهرة ليلا فى رمضان لإيقاظ أهلها إلى تناول طعام السحور عام 238هـ /853م وكان يتحمل مشقة السير من مدينة العسكر إلى الفسطاط مناديا الناس "عباد الله تسحروا فإن فى السحور بركة" وكان المسحراتى فى العصر العباسى يحمل طبلة صغيرة يطبل عليها مستخدمًا قطعة من الجلد أو الخشب ومعه طفل أو طفلة صغيرة معها شمعة أو مصباح لتنير له طريقه وكانت النساء تترك له على باب منازلهن قطعة نقود معدنية ملفوفة داخل ورقة ثم يشعلن أحد أطرافها ويلقين بها إلى المسحراتى الذي يستدل على مكان وجودها من ضوء النار فيدعى لأصحاب البيت ويقرأ الفاتحة.
وفي نهاية الشهر الكريم كان يلف على البيوت التى كانت تعتمد عليه فى السحور ليأخذ أجرته.
ويتابع د. ريحان من خلال الدراسة أن مهنة المسحراتى لم تقتصر على الرجال فقط كما يعتقد البعض فكما أن هناك المسحراتى فهناك أيضًا "المسحراتية" ففى العصر الطولونى كانت المرأة تقوم بإنشاد الأناشيد من وراء النافذة فى وقت السحور لإيقاظ أهالى البيوت المجاورة لها كما كانت المرأة المستيقظة فى وقت السحور تنادى على جاراتها لإيقاظهن وفى العصر الفاطمى أصدر الحاكم بأمر الله أمرًا بأن ينام الناس مبكرين بعد صلاة التراويح وكان جنود الحاكم يمرون على البيوت يدقون الأبواب ليوقظوا النائمين للسحور ومع مرور الأيام عين أولو الأمر رجلًا للقيام بمهمة المسحراتى كان ينادى يا أهل الله قوموا تسحروا ويدق على أبواب البيوت بعصا كان يحملها فى يده تطورت مع الأيام إلى طبلة يدق عليها دقات منتظمة 
ويوضح د. ريحان أن مهنة المسحراتى كادت أن تتلاشى تمامًا فى العصر المملوكى لولا أن الظاهر بيبرس أعادها حيث عين أناسًا مخصوصين من العامة وصغار علماء الدين للقيام بتلك المهمة وكانوا يحشدون من ورائه الأطفال الصغار ومعهم الفوانيس والشموع وتعرف طبلة المسحراتي بـ"البازة" إذ يُمسكها بيده اليسرى وبيده اليمنى سير من الجلد أو خشبة يُطبل بها في رمضان وقت السحور.
والبازة عبارة عن طبلة من جنس النقارات ذات وجه واحد من الجلد مثبت بمسامير وظهرها أجوف من النحاس وبه مكان يمكن أن تعلق منه وقد يسمونها طبلة المسحر والكبير من هذا الصنف يسمونه طبلة جمال.
ويردد المسحراتى بعض الجمل بإيقاع متناغم رخيم ويطوف الشوارع والأزقة والحارات بفانوسه الصغير وطبلته التقليدية التى ينقر عليها نقرات رتيبة عند باب كل بيت وهو ينادى صاحب البيت باسمه يدعوه للاستيقاظ من أجل السحور ووحدوا الدايم سحور يا صايم.