الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

علماء المسلمين.. ابن البيطار "٥-٣٠"

 ابن البيطار
ابن البيطار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ابن البيطار كان من المشهورين في علم النباتات والصيدلة، ووصلت أهميته إلى أنه كان عالم النبات الأعظم في القرون الوسطى كلها، وقد كانت له إسهامات عديدة في هذا المجال، حيث استطاع تأليف الموسوعة عن الغذاء والدواء، وقد تفرد ابن البيطار بذكر ثلاثمئة نوع من النباتات التي لم تكن معروفة قبله.
هو ضياء الدين المالقي الأندلسي، المولود في مالقة الأندلسية، والمتوفي في دمشق في العالم ألف ومئتين وثمانية وأربعين من الميلاد، وسمي باين البيطار لأنه كان ابن رجل يعمل في مجال الطب البيطري، وقد كان أبوه ماهرًا في هذا المجال.
وضع ابن البيطار عددًا من المؤلفات أشهرها الموسوعة النباتية المسماة الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، والذي وصف فيه أكثر من 1.400 عقار نباتي وحيواني ومعدني منها 300 من صنعه، مبينًا الفوائد الطبية لكل واحد منها، وقد وضعه وهو مقيم في مصر، وقسمه إلى أربعة أقسام، ولم تقتصر جهود ابن البيطار على ذكر مئات الأدوية والعقاقير، بل ساهم في استقرار المصطلح الطبي العربي وأثرى معجمه الذي أصبح من بعده مصدرًا ثريًا لكل أطباء أوروبا والغرب.
ولد في عام 593 هـ الموافق 1197م. لقب بالمالقي نسبة إلى مالقة بالأندلس (أسبانيا الآن)، ولقب بالنباتي لأنه كان عالم عصره في علوم النبات، وينسب ضياء الدين إلى أسرة مشهورة في مالقه تعرف باسم البيطار، درس ابن البيطار علوم النبات في مطلع شبابه في إشبيلية على يد أبو العباس بن الرومية النباتي، وعبدالله بن صالح، وكان ابن الرومية صاحب شهرة عظيمة في علم النبات، والذي ألف كتاب الرحلة الذي بقي المرجع الكبير في عالم النبات لعدة قرون، فورث ابن البيطار هذه السمعة الجيدة عن أستاذه، بل إن صيته فاق أستاذه فيما بعد لموهبته ودأبه، وكثرة ترحاله إلى بلاد العالم الإسلامي وبلاد أخرى لدراسة أنواع النباتات.
اطَّلع ابن البيطار على كل ما تُرجِم من كتب اليونانيين وعلوم الأوائل من غير العرب، وقد ساعده على ذلك معرفته بعدد من اللغات كالفارسية واليونانية، حيث درس كتب الطبيب اليوناني ديسقوريدس وجالينوس وأبقراط وابن سينا والإدريسي وأبي العباس النباتي دراسة مستفيضة حتى أتقنها تمامًا، وشرح النقاط الغامضة فيها، وعلق على مآثرها. 
كان ابن البيطار كثير الرحلة إلى بلاد اليونان والروم، وجميع بلاد العالم الإسلامي، حيث يجتمع مع علماء تلك البلاد ويدارسهم في أنواع النبات، وخواصه وفوائده، غير مكتف بقراءة الكتب والمصنفات، وكان في ترحاله يدرس النبات في منابته، بل يدرس التربة والحجر الذي ينمو فيه، والأرض التي تنبته، والعوامل المختلفة المتركزة عليه، حتى إذا جمع خبرة طويلة مستندة على الملاحظة الدقيقة ألف كتابيه المشهورين المغني في الأدوية المفردة والجامع لمفردات الأدوية والأغذية.
بعد أن تمكن في الأندلس من علم النبات، غادر ابن البيطار بلاد الأندلس بلا رجعة في سن العشرين من عمره في رحلة علمية طويلة، مر في رحلته بالمغرب الأقصى فالجزائر فتونس ثم طرابلس وبرقة، ثم أخذ طريق البحر نحو آسيا الصغرى، وزار اليونان ووصل به المطاف إلى أقصى بلاد الروم، ثم اتجه إلى المشرق الإسلامي فزار بلاد فارس والعراق ثم بلاد الشام ومصر. لم يكن مروره بتلك البلدان عابرًا، بل كان يقيم بكل بلد مدة يبحث فيها عن النباتات ويدرس كل نبات في منبته، ويدرس الأرض التي تنبته، وكان يصطحب رسامًا معه يرسم له كل نبات بدقة، ثم يجتمع مع علماء تلك البلاد فيأخذ عنهم ويتدارس معهم مسائل النبات، وقد تهيأت له من ذلك كله معرفة معمقة بالنبات الموجود في البيئة العربية وفي آسيا الصغرى، وصار أوحد زمانه وعلامة وقته في تحقيق النبات ومواضع منابته ونعت أسمائه على اختلافها وتنوعها.

كان لابن البيطار أخلاق سامية، ومروءة كاملة، وعلم غزير. وكان له قوة ذاكرة أعانته على تصنيف الأدوية التي قرأ عنها، واستخلص من النباتات العقاقير المتنوعة فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا طبقها، بعد تحقيقات طويلة. قال تلميذه ابن أبي أصيبعة في كتابه عيون الأنباء في طبقات الأطباء: «رأيت من حسن عشرته وكمال مروءته وكرم نفسه ما يفوق الوصف، وشاهدت معه في ظاهر دمشق كثيرًا من النباتات في مواضعها، ووجدت عنده من الذكاء والفطنة والدراية في النبات وفي الكتب المؤلفة في هذا العلم ما يثير التعجب لذاكرته المتوقدة النادرة، فكان يذكر كل دواء في أي كتاب ذكر وفي أي مقالة من هذا الكتاب وفي أي عدد هو من جملة الأدوية المذكورة في تلك المقالة، إن ابن البيطار هو أوحد زمانه وعلاّمة عصره في معرفة النبات وتحقيقه واختياره ومواضع نبته ونعت أسمائه على اختلافها وتنوعها».
لم تقتصر جهود ابن البيطار على ذكر مئات الأدوية والعقاقير، وإضافة عشرات من الأصناف ذات الأصول النباتية والحيوانية والمعدنية التي لم تكن معروفة من قبل، بل ساهم في استقرار المصطلح الطبي العربي وأثرى معجمه الذي أصبح من بعده مصدرًا ثريًا لكل أطباء أوروبا والغرب. ومن جهوده في هذا المجال كتابه مختصر مفردات ابن البيطار، فعندما بدأ بحرف الميم بدأ بشرح معنى مصطلح (حَب الملوك) فيقول: ما هو بذاته تأويله بالفارسية القائم بنفسه، أي أنه يقوم بذاته في الإسهال ويسميها عامة الأندلس طرطقة وبعضهم يسميه بالسيسبان، ويعرف بحَب الملوك عند أطباء المشرق.