الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

إيمان الفراعين.. إخناتون من الهرطقة إلى عبادة الإله الواحد

إخناتون
إخناتون
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم تكن ممارسة أمنحوتب الرابع للشعائر والطقوس الدينية المتوارثة عن آبائه التى تتمثل فى عبادة آمون رع الإله الرسمى للدولة، أكثر من عادة دينية نشأ عليها منذ صغره، وسرعان ما تفتق ذهن الحاكم المنتظر عن أفكار دينية جديدة، بدأ فى الإعلان عنها وهو ولى عهد للدولة، حتى تحولت هذه الأفكار إلى هرطقة دينية مخالفة لتعاليم آمون وخروج على التعاليم التقليدية السائدة.
كما تراءى لكهنة آمون ورجال دينه، ولكن توجهاته الدينية المجددة ازدادت وضوحًا بعد أن خلف أباه على العرش، وفى السنة السادسة من حكمه «١٣٧٤ ق.م» أعلن الملك مبادئ ديانة جديدة تدعو إِلى عبادة إله واحد هو «آتون»، ومثّله بقرص الشمس المجنّح، ومن دون أن يقطع الملك الذى أطلق على نفسه لقب «إخناتون» صلاته بالتقاليد الموروثة، إلا أنه عمل على إبراز بعض المظاهر التى رآها أكثر واقعية فى التعبير عن الإله الذى أراده أن يكون أكثر قربًا من الناس جميعًا، وهو العصر الذى فتحت فيه مصر أبوابها للالتقاء بمن حولها من جيرانها، وكان عليها جرّاء ذلك أن تعيد النظر فى أسس حياتها الداخلية والروحية. لم تتضمن شعائر العبادة فى ديانة إخناتون الجديدة أية إجراءات سرية، ولم تفرض على الناس شعائر معينة، وتدل الشواهد الأثرية أن إخناتون أقام عددًا من المنشآت العمرانية، أبرزها معبد الكرنك «قرب مدينة الأقصر»، ومدينة أخيت آتون، عاصمته الجديدة، التى يقوم تل العمارنة فى صعيد مصر فوق أنقاضها القديمة.
تزوج الملك المُجدد من الأميرة «نفرتيتى» وهو بمعنى «الجميلة أتت»، وكان اسمه الملكى الذى حمله بعد تتويجه على العرش «نفرخبرورع» ولكنه بعد ست سنوات من اعتلائه العرش أطلق على نفسه لقب «إخناتون» وهو الاسم الذى اشتهر به خلال فترة حكمه التى امتدت لعقدين والتى اختلطت بنهاية حكم أبيه الذى بلغت مصر فى عهده ذروة مجدها فى تاريخها القديم، وامتد نفوذها من الجزيرة الفراتية والأناضول وكريت وحوض بحر إيجه إلى النوبة.
أقام إخناتون فى الكرنك معبدًا لآتون، وكان الهدف من ذلك واضحًا وهو تأسيس ديانة جديدة لتحل محل العبادة القديمة، وتوجه فى تراتيل شعرية مؤثرة إلى ربّه آتون، الذى رمز إِليه بقرص الشمس، وأعلن أن لا حياة لشيء من دونه، وفى دعوته المجدَّدة يعلن الملك الكاهن أن بركات آتون ليست وقفًا على مصر وأهلها، وإِنما هى للمخلوقات الموجودة فى كل مكان من البشر والحيوان، فيمنح آتون عند شروقه القوة للكائنات ويحييها حتى تستمر نعمة الحياة، وعند غروبه تفتر الحياة فى كل شيء، وعندما يفقد العالم نسمة الحياة، يدخل هذا العالم فى خمود، فى الوقت الذى تشحن فيه الشمس بطاقة جديدة حيث كانت تختفى عن الأنظار، وفى الديانة الإخناتونية أُدخلت تعديلات على النظريات المتعلقة بالموت والشعائر الجنائزية، وتقاليد الدفن، وقُدّمت تفسيرات نشورية جديدة للتقاليد الأوزيرية القديمة المتعلقة بالعالم الآخر، أما آمون وهو القوة الخفية كما يدل على ذلك اسمه، فلم يعد يمثل عند الملك شيئًا سوى ما هو عجيب، المثير فى الأمر أن إخناتون استخدم الفنون التشكيلية لنشر تعاليمه، فعمل بنفسه على تعليم الفنانين وتوجيههم فى عصره لأنه كان يرى من الضرورى ترجمة أفكاره الدينية الجديدة فى أشكال واقعية، ففى المعبد الذى أقامه شرق الكرنك لآتون، عولجت صورة الملك وصور أسرته بواقعية مدهشة، وأبرزت فى صورة إخناتون تشويهات مقصودة للجسم، ورسمت على الوجه علامات دالة على الاستبطان عند الفنان الذى كان يهتم بأن يعكس فى عمله تجربة ذاتية عميقة فى معاينة ما يجرى فى الفكر فى تلك المرحلة من تاريخ مصر، والتعبير عنه بجهد يهدف إلى التعبير عن العواطف الداخلية للكائن لتصوير الشكل الحقيقى للجسم، فإخناتون يوصى بأن كل شيء يجب أن يضحّى به من أجل الحقيقة التى هى مصدر التوازن والعدالة والحياة، وهى عناصر صورة القداسة كما تعكسها مرآة الإيمان.