الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

نداهة الخلافة| أبو الفرج المصري.. من مجند إلى صديق زعيم تنظيم القاعدة

مهاجرون لغير وجه الوطن

القيادى الجهادى أحمد
القيادى الجهادى أحمد سلامة مبروك
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تتلمذ على يد «الظواهري» في السجن بعد اغتيال السادات.. وبدآ معا رحلة الإرهاب الكبرى من أفغانستان
■ مرسي أخرجه من السجن ليسافر إلى تركيا ومنها إلى سوريا
■ المخابرات الأمريكية خطفته في أذربيجان ورحلته إلى مصر
■ تنقل بين ٤ دول وأصبح الرجل الثاني في جبهة النصرة

ندّاهة الخلافة.. الندّاهة من الأساطير الريفية المصرية القديمة، حيث يزعم الفلاحون أن امرأة جميلة وغريبة تظهر فى الليالى الظلماء فى الحقول، لتنادى باسم شخص معين فيقوم هذا الشخص مسحورًا ويتبع النداء إلى أن يصل إليها ثم يجدونه ميتًا فى اليوم التالى.
تناولها الأديب يوسف إدريس فى عمل أدبى بنفس العنوان، وجسدتها السينما المصرية ببطولة الفنان الراحل شكرى سرحان (البواب) والفنانة ماجدة الصباحى (زوجته)؛ وقد قدما للقاهرة بحثًا عن لقمة العيش، وخامرت الأحلام رأس المرأة بإمكانية الانتقال للعالم الآخر الأكثر رحابة من القرية الضيقة، لتفاجأ بورطتها فى عالم البندر الملىء بالرذيلة، وكلنا لا ينسى كلمات مرسى جميل عزيز «شيء من بعيد ناداني.. وأول ما ناداني.. جرالي ما جرالي».
هي ذاتها نداهة الخلافة فى عقول بعض الإسلاميين، يذهب كل من (رفاعي وأحمد وهاني وأمين) وغيرهم ليتعلم في الجامعة (البندر)، ليجد صديقًا له يدعوه لعودة الخلافة، فـالخلافة اغتصبها أحفاد القردة والخنازير وبلادنا مستعمرة واستولى عليها حكام مرتدون، يذيقون المسلمين سوء العذاب، والعالم الإسلامي يحترق بدون الخلافة. وعودة هذه الخلافة لا تكون إلا من قبل جماعة ومن ثم بيعة وسمع وطاعة، ويؤولون القاعدة الشرعية «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»، وبالتالى فقد تحتم على الجميع، وفقًا لهذا الوهم، الانضمام لهذه التنظيمات. 
في هذه السلسلة سوف نستعرض قصة «النداهة» التي أغوت عددًا من قيادات وعناصر هذه التنظيمات، ودفعتهم إلى حتفهم في النهاية، دون أن يقدموا شيئا، لا لأمتهم ولا لدينهم.
السيرة الذاتية
■ ولد في ٨ ديسمبر عام ١٩٥٦م، في قرية «المتانيا» إحدى قرى مركز العياط فى محافظة الجيزة.
■ ١٩٨١ أُلقي القبض عليه بعد اغتيال الرئيس الراحل السادات، وحُكم عليه بالسجن لمدة ٧ سنوات في «قضية الجهاد الكبرى».
■ ١٩٨٨ تم الإفراج عنه ووضع تحت المراقبة. 
■ ١٩٨٩ سافر إلى أفغانستان، وهناك التقى أيمن الظواهري وبدأ معه العمل في معسكرات القاعدة. 
■ ١٩٩٨ قامت المخابرات الأمريكية بالقبض عليه من أذربيجان وترحيله سرًا إلى مصر، واستمر في السجون المصرية.
■ ٢٠١٢ خرج من السجن، وغادر إلى سوريا، لينضم إلى صفوف «جبهة النصرة». 
■ ٢٠١٦ قُتل في غارة جوية على ريف إدلب بسوريا.
ولد القيادي الجهادي أحمد سلامة مبروك في ٨ ديسمبر ١٩٥٦، في قرية «المتانيا» إحدى قرى مركز «العياط»، محافظة الجيزة، أتم تعليمه الابتدائي والإعدادي بمدرسة «متانيا»، والثانوي بمدرسة «صلاح سالم الثانوية»، وكان وقتها بارزا في النشاط الطلابي، كما كان مسئولًا بالإذاعة المدرسية، ثم التحق بكلية الزراعة، جامعة القاهرة، عام ١٩٧٤م، وحصل منها على بكالوريوس زراعة عام ١٩٧٩م.

مجموعة مصطفى يسري
بدأ حياته بشكل طبيعي في المجتمع المصري، فعمل إخصائي في إدارة الشئون الاجتماعية بقرية «متانيا»، وكان ينتمى إلى مجموعة مصطفى يسري، أحد قيادات مجموعات الجهاد بالإسكندرية، والتي تربطهم صلات تنظيمية بحركة الفنية العسكرية، وأسس مجموعة هناك، إبان تلك الفترة توطدت علاقته بالقيادي الجهادي محمد عبدالسلام فرج، وكان يذهب إليه في بيته لحضور دروس العلم، والتي كانت تدور حول قضايا الحاكمية والجهاد.
الفريضة الغائبة
في أواخر عام ١٩٧٩م، أثناء دراسته، بدأت نداهة الخلافة تستدعي «سلامة» بقوة إلى فكرة التنظيمات الجهادية، فدرس فتاوى ابن تيمية، وحصل على كتاب «الفريضة الغائبة» لمحمد عبدالسلام فرج، وحضر المعسكرات الفكرية للجماعة الإسلامية بالجامعة، وفي أعقاب إنهائه دراسته الجامعية، تم تجنيده بسلاح المخابرات الحربية بمنطقة حلمية الزيتون، قرابة خمسة أشهر، إلا أنه تم استبعاده لنشاطه المتطرف، ونقله إلى سلاح الاستطلاع بمنطقة دهشور عام ١٩٨١م، وفي العام نفسه أنهى خدمته العسكرية.
حل الخلية
كشفت أجهزة الأمن علاقة «سلامة» بمجموعات الجهاد، عن طريق عميل لها، بحسب كلام القيادى الجهادى، عبدالرؤوف أمير الجيش، وهذا الشخص يدعى عبدالقوى، وهو أصلا من مجموعة مصطفى يسرى، والذى تم تجنيده فى صفوف التنظيم، بعد قضية السفارة القبرصية عام ١٩٧٧م، فقرر الفرار من الإسكندرية، وحل الخلية التى كان ينتمى إليها نظرًا لانكشافها.
قضية الجهاد الكبري
بدأت نداهة الخلافة الأولى لـ «سلامة» عقب اعتقاله بعد اغتيال السادات ١٩٨١، والحكم عليه بالسجن ٧ سنوات في «قضية الجهاد الكبرى»، وفي السجن رافق الدكتور أيمن الظوهري، حتى تم الإفراج عن الظواهري عام ١٩٨٣م.
وفي السجن، رافق الرائد عصام القمري، وتعاطف معه «القمري»، لكنه لم يعرض عليه فكرة الهروب، فـ«سلامة» كان على وشك الإفراج عنه في نفس العام ١٩٨٨م.
قاعدة الجهاد المصرية
وبعد خروج «سلامة» من السجن، سافر إلى أرض أفغانستان، وانضم إلى معسكر عمر بن الخطاب، ثم معسكر «جهاد ول»، ثم معسكر القاعدة بعدها، وهناك التقى صديقه الحميم ورفيق دربه في السجن الدكتور أيمن الظواهري، زعيم القاعدة بعد ذلك، وبدأ معه العمل في «قاعدة الجهاد المصرية».
وبعد انتهاء الحرب الأفغانية رحل إلى باكستان، وقامت بعدها بنظير بوتو، رئيسة وزراء باكستان في ذلك الوقت، بطلب تقنين أوضاع المهاجرين، وبخاصة من العرب، وتوعدت المهاجرين الذين لم يقننوا أوضاعهم بالقبض عليهم، أو ترحيلهم إلى دولهم القادمين منها، فرحل «سلامة» إلى اليمن، ومنها إلى السودان.
وفي بدايات التسعينيات، فتحت بعض دول آسيا الوسطى أبوابها للمهاجرين العرب من القادمين من أفغانستان، واستهوت «سلامة» فكرة التجول في ديار الخلافة القديمة في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، فسافر إلى أذربيجان.
مخابرات أمريكية.. وترحيل
في عام ١٩٩٨م، بينما هو يسير فى أحد شوارع أذربيجان، مع رفيقه أحمد النجار، أحد قيادات الجهاد المصرية، والمعروف في قرية ناهيا، وأحد تلاميذ عبود الزمر، إذ انقضت عليهما عناصر من المخابرات الأمريكية وخطفته، على طريقة عصابات المافيا، بحسب كلام منتصر الزيات، محامي الجماعات الإسلامية، وتم ترحيله إلى مصر سرًا، وظل داخل مقار أمن الدولة مدة تصل إلى ثمانية أشهر، حتى جلسات الحكم أمام المحكمة العسكرية في ١٨ إبريل ١٩٩٩م.
استدعاء سلامة من أمن الدولة
خلال المحاكمة، في القضية المعروفة إعلاميا بـ «العائدون من ألبانيا»، حدثت مفاجأة، قبل جلسة النطق بالحكم، فجر أحمد النجار، المتهم الأول في القضية، والذي حكم عليه بالإعدام ونفذه بعد أعوام عدة، مفاجأة أثناء تلاوة اسم أحمد سلامة مبروك، المكني بـ«أبو الفرج المصري»، أنه هارب خارج البلاد؛ حيث صرخ «النجار» قائلًا لهيئة المحكمة: «أحمد سلامة مبروك ليس هاربًا.. لقد سمعت صوته في مباحث أمن الدولة».
فأمر رئيس المحكمة قوات الأمن احضار أحمد سلامة مبروك من أمن الدولة، وتم حضور سلامة الجلسة التالية؛ حيث ذكر أنه اختُطف من دولة أذربيجان، ويومها تم سماع النطق بالحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة!
واعتبر البعض من الجهاديين أن موقف أحمد النجار في المحكمة، والذي كان معزولًا عن الجميع في سجن العقرب في «h٣-ونج ٢ إعدام»، أنه أنقذ «سلامة» من خطة لتصفيته جسديًا، بزعم أنه هارب خارج مصر! 
وتم ترحيل «سلامة» إلى سجن العقرب، في «h٤ ونج ١» مع قضية «العائدون من ألبانيا» محكومًا عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة.
فتوى رفض المراجعات
أحمد سلامة مبروك، معروف داخل التنظيمات الجهادية، بحسب تصريحات القيادي، عبدالرؤوف أمير الجيش، عدم كثرة الحديث والصمت الدائم، ورفضه الشديد للمراجعات، بل والتحريض الدائم ضد المراجعات ومبادرات وقف العنف، وقام بالرد على مراجعات سيد إمام، والمعروفة إعلاميا بـ«وثيقة ترشيد الجهاد»، والتي نشرتها «جريدة الدستور اليومية» بتاريخ الثلاثاء ٣٠ ديسمبر٢٠٠٧م، وكذلك مركز «المقريزي للدراسات التاريخية». 
رد سلامة على المراجعات
في الوثيقة التي قدمها سيد إمام الشريف، قال فيها عن «أبو الفرج المصري» أنه وافقه على مراجعاته التي قدمها حينها للأمن، كما ردد كلام القيادي أنور عكاشة نفسه في حوار مع موقع للجماعة الإسلامية بتاريخ ٢٧ مايو ٢٠١١م، مما دفع «سلامة» إلى تهريب رسالة من السجن بعنوان «الرد على افتراءات أنور عكاشة في حق أحمد سلامة مبروك»، وتناول فيها موقفه من مراجعات الجماعة الإسلامية وسيد إمام الشريف، قال فيها: 
لم أوافق على أية مراجعات، وعلى حد وصفه تراجعات، وهو أمر مشهور عني تعرفه السلطة والمجاهدون. 
وفي هذا البيان أعلن «سلامة» أن ما قيل عنه على لسان سيد إمام، أنه موافق على مبادرته في السر أو ما يسمى الوثيقة، هو محض كذب وافتراء، وأنه ثابت صابر محتسب لا يخون الأمانة، وادعى أنه مغلق عليه الزيارة، رغم خروج الرسالة، وبهذه التفاصيل وتوزيعها إلى وسائل الإعلام المصرية بل والعالمية. 
كما ردد «سلامة» في هذه الرسالة أن محمد الظواهري، شقيق زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي، ومجدي كمال (أبو حذيفة) أحد قيادات بني سويف من القاعدة، رافضون ما يقوله سيد إمام من كلام فى الوثيقة أو ما يسمى بـ «ترشيد العمل الجهادى»، والمشهورة بالمبادرة، وذلك لأنها- على حد وصفه- غير شرعية وغير منطقية، ومن هذا المنطلق يعلن أحمد سلامة مبروك، هو والذين معه على درب الجهاد، أنهم لن يتنازلوا عن دينهم حتى ولو قتلوا أو ظلوا عمرهم كله في السجون؛ لأن الرجال يعرفون بمواقفهم.
وأكد مبروك في هذا البيان أن سيد إمام انشق على التنظيم، وانقطعت صلته تماما بجماعة الجهاد منذ أواخر عام ٩٣، ولم يطلب منه أحد التحدث باسم جماعة الجهاد، فلماذا يتدخل فيما لا يعنيه؟! 
وطالب «سلامة» سيد إمام أن يكون واضحًا أمام نفسه، لماذا أظهر هذه المراجعات عندما دخل السجن، ولماذا لم يظهرها للعالم قبل القبض عليه، طالما أنه كما يدعى يريد إظهار الحق؟! 

فتوى سلامة فى السجن
أصدر أحمد سلامة مبروك فتوى لجميع أعضاء التنظيم داخل السجون، يعلنهم فيها أنه من سيوافق على الوثيقة أو المراجعات أو المبادرة أو أى شكل من أشكالها أو مسمياتها، فهو مفصول من التنظيم ودون تحقيق، ويجب أن يتهم فى دينه وعرضه، وأنه مفارق للجماعة، ومرشد وعميل لأمن الدولة، ويجب مقاطعته وعدم إلقاء السلام عليه ومعاملته معاملة اليهود والنصارى من التضيق عليه فى الطرقات وكسر نفسه وطلب الطلاق من زوجته.
خلاف جهادي
أغلقت مصلحة السجون بعد هذه البيانات على «سلامة» الزيارة، وتم نقله إلى سجن أبو زعبل الليمان، وأصيب أثناء وجوده في الليمان بحروق شديدة نتيجة قيام أحد قيادات الجهاد بإلقاء زيت مغلي على قدمه اليسري نتيجة خلاف فكري معه، وعولج منها بعدها بعدة أشهر، ورغم ذلك بقى معه في الزنزانة نفسها.
تم الإفراج عن «سلامة» بقرار من المدعى العام العسكري، بعد قبول النقض في قضية «العائدون من ألبانيا» في أواخر ٢٠١٢، وبقى في القاهرة يمارس حياته بشكل طبيعي. 
نداهة الخلافة في سوريا
بعد دعوة المعزول محمد مرسي لمناصرة الشعب السوري، في مؤتمر دعم الثورة السورية ضد بشار الأسد عام ٢٠١٣م، سافر «سلامة إلى تركيا، ومنها إلى سوريا، وبقى في صفوف القاعدة، ومنها إلى جبهة النصرة».
وقبل مقتله بعدة أشهر ظهر «سلامة» في فيديو مع أبو محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة، معلنا موافقته على فك الارتباط بالقاعدة وتأسيس، ما عرف بـ«جبهة فتح الشام». 
مقتل «سلامة»
لم يعرف عن «سلامة» أي إنتاج فكري، لكن عرف عنه تشدده المفرط في قضية الولاءات، فقد كان ولاؤه الأول لتنظيم الجهاد، ولم يكن يعرف لحدود الوطن أرض، أو قيمة، فساح في الأرض حتى تم قصفه، كما أعلنت جبهة فتح الشام «جفش» في بيان لها فـ ٣ أكتوبر ٢٠١٦م، مقتل أبو فرج المصري القيادي بجبهة «النصرة سابقا»، إثر استهدافه بصاروخين من طائرة دون طيار في إدلب بسوريا، فيما أكد مسئول في البنتاجون لـ«رويترز» حينها، استهداف عضو بارز في القاعدة بسوريا؛ حيث تعكف على تقييم نتائج العملية.
وصرح المتحدث باسم البنتاجون حينها، كابتن البحرية «جيف ديفيز»، نستطيع أن نؤكد أننا استهدفنا عنصرا بارزا فى تنظيم القاعدة فى سوريا، ونجرى فى الوقت الحالى تقييما لنتائج العملية. ونشرت بعض المواقع الجهادية صورًا لـ «أبو الفرج المصري»، وهو فى كفنه، وقالت إنه قتل بطائرة غدر دون طيار بعد رصده لأيام عدة كثيرة. 
وهكذا انتهت حياة أحمد سلامة مبروك المكنى «أبو الفرج المصرى» فى سوريا على أرض تخيل أنه يستطيع أن يحيى بها الخلافة الموعودة، ويقيم عالمه الخاص الذى نادى به، وتصور أنه يستطيع أن يقيمه فلم يحقق منه سوى الدماء والأشلاء.