السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

عزوز علي إسماعيل يكتب: "الخشت" يؤرخ لعصر جديد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نحو تأسيس عصر فكري جديد مبني على فهم صحيح للدين خطَّ لنا الدكتور محمد عثمان الخشت كتابه " نحو تأسيس عصر ديني جديد" باحثًا فيه عن طرق جديدة لتناول الخطاب الديني بشكل يقبله العصر ولا يعترف بتجديد الخطاب، لأن ذلك بمثابة ترميم للفكر الديني فقط دون تحول جذري يتماشى مع العصر الحاضر، لذا فهو يسعى من أجل تأصيل جديد لعصر جديد، بعيدًا كل البعد عن تلك الطرق التي أدت بنا إلى جمود حركة الفكر عند عصر بعينه، واتخاذ بعض الرموز الدينية أربابًا من دون الله، لذلك فقد قدَّم الكاتب لهذا الكتاب بمقدمة وضع فها خلاصة عمل.
وأكد أن الإسلام في صورته الأولى ليس هو الإسلام الموجود حاليًا من خلال ذلك النقاء الخالص قبل أن تختلط به تلك الشوائب والأفكار الخاطئة، بمعنى أن المسلمين الأوائل كانت تقام لهم الدنيا بينما أولئك الموجودون في هذه الأيام أصبحوا سببًا في تأخر المسلمين لاعتقادهم بأفكار رجعية لا تتناسب وذلك العصر، فالمشكلة ليست في الدين الإسلامي العظيم بل في تلك العقول التي أصيبت بالجمود والتخلف خاصة الجمود الفقهي والفكري الذي يحتاج إلى إعادة صياغة مرتبطة بمتطلبات العصر.
بدأ الدكتور الخشت الفصل الأول من هذا الكتاب بالشك المنهجي كي يصل إلى الحقيقة أو إلى اليقين معتمدًا على سيدنا إبراهيم أبي الأنبياء في شكه حين بحث بعقله كي يصل إلى الحقيقة المطلقة وإلى خالق هذا الكون فوجد أنه فوق كل تلك الأشياء التي تأفل، والشاهد هنا أننا يجب أن نشك فيما هو موجود للوصول إلى الحقيقة، ذلك الشك أيضًا الذي استخدمه الدكتور طه حسين في شكه الديكارتي في الشعر الجاهلي وتلك القضية الشائكة التي ما زال صداها حتى الآن.
واتخذ الدكتور الخشت جزئية الشك المنهجي للخروج من ذلك الذي نحياه من حالة التضليل الفكري المتعمد، والوقوف في وجه التطرف أيًا كان نوعه. ومن هنا يشير الكاتب إلى عصر الحداثة الذي نحياه أو عصر ما بعد الحداثة المرتبط بالتفكير وجل ما يسعى إليه الكاتب هو إعمال التفكير وعدم التمسك بذلك الذي طرأ على مجتماعاتنا والذي كان سببًا في التطرف الفكري وما نتج عنه من إرهاب أتعب الجميع، لذلك لا بد من إعمال جزئية "أنا أفكر" وعبارة أنا أفكر هي الكفيلة بالخروج مما نحن فيه، فبالفكر وحده نستطيع أن نتخطى أزمة العصر؛ لأن الفكر يسبق دائمًا الشك للوصول إلى الحقيقة أو الوصول إلى المعرفة، والمعرفة وحدها كفيلة بنضوج العقل، ذلك العقل الذي حاولوا تغيير معتقده المعرفي والديني كي يجنحوا به إلى عالم اللاهوت والتضليل المتعمد.
حاول كذلك الدكتور الخشت أن يقوم بعمل مراجعة لتلك الأفكار وتنقيتها وإبطال الزائف منها وإعلاء المرجو منه النجاح، لذلك فقد وضع تلك الأفكار تحت مجهر التفكير المنهجي الذي يعتمد على رفض الواقع بناء على التفكير كما فعل سيدنا إبراهيم عليه السلام وأصبحت هناك ثورة على الواقع للوصول إلى المعرفة الحقيقية.
وعزف الكاتب على جزئية مهمة وهي مخاطبة العقول التي تربت ونشأة على الحفظ والتلقين والتسليم لما يقال، ذلك أن العلم لديها ما هو إلا حفظ وحشو معلومات فقط، أي ليس لديها انتاجية علمية من محض العقل بل إن المنهجية والإنتاجية الأساس فيهما يعتمد على الموروث القديم الذي لا يقبل لديه أي شك أو محاورة هذا، بعيدًا عن النصوص الثابتة التي جاءت من السماء، بل ما يقصده الكاتب تلك المرجعيات التي اتخذوها شيئًا مقدسًا وعلينا في هذا العصر التفكير فيما وصلوا إليه من نتائج نظير تلك المرجعيات؛ لأن العلم عند أهل العلم هو منهج يتبع للوصول إلى الحقائق بينما العلم عند أهل الحفظ والتلقين ما هو إلا مجموعات ضخمة من المعلومات. ثم يأتي الكاتب إلى جزئية تفكيك الخطاب الديني التقليدي، وكان تفكيكه مبنيًا على أساس التطوير أي يسعى من ورائه لتطوير علوم الدين معترضًا على عبارة إحياء علوم الدين، يريد العودة بالدين إلى حالته البسيطة الأولى ليأخذ منها القيم والأخلاقيات الحقيقة التي شابها كثير من الانحرافات عن جادة الصواب، يحاول كذلك تفكيك المعاني المزيفة التي طالت النصوص المقدسة.
ويخلص من ذلك كله إلى قوله:" فما حدث في تاريخنا المتأخر أن تلك العلوم تجمدت؛ حيث كان جهد المتأخرين هو الشرح والتلخيص والمتون والحواشي أما تطوير العلوم الشرعية فقد أصبح بدعة وضلالًا".
وعلى الرغم من أن أي فكر إنساني قابل للرد عليه لأنه ليس مقدسًا، خاصة فيما يتعلق بالدين وثوابته وما هي إلا اجتهادات مبنية على أسس علمية، فإن الدكتور محمد عثمان الخشت يبقى واحدًا من أساتذة الفلسفة الكبار الذين يعملون عقولهم للوصول إلى الحقيقة، فالفلسفة هي أم العلوم.