الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

نداهة الخلافة.. "رفاعي" إرهابي عاش غريبًا في مصر ومات ممزق الأشلاء بسوريا

رأى أن بلاده ديار ردة وليست وطنًا

رفاعى طه القيادى
رفاعى طه القيادى بالجماعة الإسلامية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تنازع رجلان من الجماعة الإسلامية بالحديث عن مسئولية الجماعة عن مذبحة الأقصر عام ١٩٩٧، فبينما أعلن الإرهابى رفاعى طه القيادى بالجماعة الإسلامية مسئوليته عن الحادث فى بيان بثته وكالات الأنباء العالمية، تصدى له أسامة رشدى الذى كان يضطلع وقتها بمهمة الناطق الإعلامى للجماعة، حيث أصدر بيانا نفى فيه صلة الجماعة الإسلامية بالحادث، معلنا إدانته له، نافيا علم طه أصلًا بأية خلفيات تنظيمية حول الحادث الذى راح ضحيته ٥٨ سائحا من جنسيات مختلفة.

لكن المذبحة المروعة تظل إحدى أهم المحطات الخفية فى حياة الإرهابى رفاعى أحمد طه موسى (من مواليد ١٩٥٣) ، فخلال خمس وأربعين دقيقة قتل ستة من الإرهابيين خمسة وأربعين سائحا دون رحمة بمعدل سائح كل دقيقة تقريبا وذلك صباح يوم ١٧ نوفمبر ١٩٩٧، فى تمام الساعة الثانية عشرة صباحا، كانوا محملين بأسلحة نارية وسكاكين ويرتدون زيًا أمنيًا، وتسللوا إلى معبد حتشبسوت بالدير البحرى ونفذوا العملية.
لم تكن العملية تهدف إلى قتل السياح وضرب السياحة، كما أعلنت جهات حكومية رسمية، ولم يكن هدفها عرقلة مبادرة وقف العنف التى انطلقت فى الخامس من يونيو من نفس العام، فلم يكن سر المبادرة قد خرج إلى العلن، لأنه كان فى أروقة أمن الدولة آنذاك، ولكن كان الهدف الذى كشف عنه مدير المرصد الإسلامى فى لندن القيادى ياسر السرى هو اختطاف عدد من السياح الأجانب والمساومة بهم لإجبار الحكومة الأمريكية على تسليم الإرهابى عمر عبدالرحمن للجماعة الإسلامية فى أى دولة من دول العالم، وكانت الخطة المقترحة هى أفغانستان أو بعض الدول التى يتواجد بها قيادات من الجماعة وخاصة السودان، حيث فجر الخلاف الذى دب على السطح بين قيادات الجماعة الإسلامية فى الخارج قطر وتركيا والإرهابى هانى السباعى فى لندن، هذه الحقيقة، وهو خلاف دخل فيه بعض قيادات الإخوان الإرهابيين، تتشفى فى الطرفين. 
فبعد وفاة عمر عبدالرحمن عاير السباعى الجماعة الإسلامية، بأنهم تخلوا عن شيخهم ولم يناصروه أو يحاولوا فك أسره على حد وصفه، قائلا: «ده لو كان قسيس فى كنيسة واعتقل فى أى دولة لاهتز العالم لفك أسره»، وهو ما استدعى السرى للكشف عن اعتراف رفاعى طه، بأن الهدف من العملية فك أسر الدكتور عمر عبدالرحمن، لكن الجماعة الإسلامية فى الداخل والخارج سارعت إلى نفى العملية لعلمهم بتأثيرها السلبى عليهم.


لقد تولى الإرهابى رفاعى طه الذى كنى بـ«أبوياسر» منصب رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية بالخارج ومسئول الجناح العسكري، وشارك فى تأسيس تنظيم القاعدة، كما ينسب له إصدار البيان الخاص بعملية تفجير المدمرة كول قرب السواحل اليمنية عام ٢٠٠٠، وقد صدر ضده حكم بالإعدام، لكن تم الإفراج عنه عقب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، ثم اختفى بعد فض اعتصام رابعة وتواترت أنباء عن هروبه إلى تركيا برفقة محمد شوقى الإسلامبولي، وهو الأمر الذى ثبتت صحته فيما بعد، غير أنه غادرها بعدها إلى سوريا ليلتحق بالعمل الإرهابى هناك. 
رفاعى طه القيادى بالجماعة الإسلامية 
وقاد الإرهابى رفاعى طه الجماعة الإسلامية فى فترة الثمانينيات وتحديدا فى الفترة من ١٩٨٦ إلى عام ١٩٨٩ وهى فترة تصاعد عمليات العنف فى صعيد مصر، كان أميرا للجماعة فى محافظة المنيا ورئيس مجلس شورتها على مستوى الجمهورية، واتسم بالتشدد، رافضا الحوار مع أى من عناصر الدولة وأجهزتها الأمنية، لعب دورا فى تأسيس الجماعة الإسلامية المصرية قبل أن تصبح تنظيما فى سبعينيات القرن الماضى، وقد ولد بنجع دنقل بمدينة أرمنت جنوب محافظة الأقصر، وانتظم بكلية التجارة فى جامعة أسيوط، حيث عاصر بزوغ الجماعة الإسلامية فى جامعات الوجه القبلى الممتدة من بنى سويف وحتى أسيوط وقنا.
رفاعى طه كان أحد الذين شملتهم قرارات التحفظ فى سبتمبر عام ١٩٨١ والتى أصدرها الرئيس الراحل أنور السادات والتى قضت بالقبض على ١٥٣٦ معارضا من كافة الاتجاهات السياسية المصرية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وأغلبهم كانوا من الإرهابيين فى هذا الوقت، ساعيا بعد هروبه واعتقاله مرة أخرى إلى إعادة بناء التنظيم من جديد بهدف استعادة الخلافة الإسلامية، وتم سجنه ٥ سنوات فى (قضية الجهاد الكبرى).
رحلة الهروب
بعد خمس سنوات أفرج عن الإرهابى طه، لكن عقلية الإرهابى حالت دون الاندماج فى المجتمع وكتابة صفحة جديدة من حياته، حيث تمكن ـ بعد أشهر من المراقبة حيث كان لزاما فيها عليه التواجد فى مقرات أمن الدولة على الأقل أربع ساعات كنوع من العقوبة التكميلية أو ما يعرف الآن بالتدابير الاحترازية ـ من الهروب والتنقل بين المحافظات ومنها إلى خارج البلاد، حيث لجنة الإغاثة الإنسانية بالسعودية، ومنها إلى السفر إلى أفغانستان ١٩٨٧، وتولى فيها قيادة معسكر «الخلافة» التابع للجماعة الإسلامية، حيث كان لكل جماعة معسكر، وكان يتنقل من أفغانستان للسودان، ويعتقد أنه تنقل بين عدة دول أوروبية وغربية فى إطار دعم وبناء الجماعة الإسلامية المصرية فى الخارج.
ويُعد طه مهندس محاولة اغتيال الرئيس المصرى الأسبق حسنى مبارك فى أديس أبابا منتصف التسعينيات من القرن الماضي، حيث كلف مجموعة الاغتيال بتدريباتهم العسكرية مع العقل المدبر والمخطط للعملية «مصطفى حمزة» فى معسكر بأفغانستان لمدة شهرين كاملين، ثم انتقلوا لاستكمال مخططهم فى مزرعة بالخرطوم والتى كان يملكها أحد السودانيين، وأبلغهم طه بالتوقيت المحدد بالقمة الإفريقية الذى سيشارك بها مبارك فى تلك المزرعة، ومنها تسللوا إلى أديس بابا لتنفيذ الاغتيال.
وفجر محمد النادى شقيق عبدالكريم النادى المتهم الرئيس فى محاولة الاغتيال مفاجأة من العيار الثقيل مؤخرا، حيث أكد أن المعتقلين الثلاثة الموجودين فى سجون إثيوبيا ومن بينهم أخوه لم يشاركوا فى محاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا، وأن الجماعة الإسلامية الإرهابية استخدمتهم ككبش فداء لتهريب المنفذين الأصليين للعملية وهم مصطفى حمزة قائد العملية وحسين شميط (أحد المنفذين من أرمنت) ورفاعى طه الذى كان يتابع العملية عن قرب.
وألف طه رسالتين وكتابين، الأولى: «المنهج الثورى والمنهج الإصلاحي؛ يتكاملان أم يتصادمان؟» والثانية: «لن نترك فلسطيننا ما بقى فينا عرق ينبض، والكتاب الأول كتبه عن ضرب «المدمرة كول»؛ الدروس والعبر، وكتابه الأخير الذى أغضب رفقاءه من أبناء الجماعة الإسلامية هو «إماطة اللثام عن بعض أحكام ذروة سنام الإسلام». 


القاعدة وتحالف ضرب أمريكا
يعد إعلان تنظيم القاعدة عن تأسيس الجبهة العالمية لقتال اليهود والنصارى تحولا نوعيا شارك فيه طه مع رفقائه مصطفى حمزة ومحمد شوقى الإسلامبولى، حيث يقول د. ناجح إبراهيم أحد مؤسسى الجماعة الإسلامية والمفكر المستقل الآن: إن أقرب شخصيتين داخل الجماعة الإسلامية للقاعدة هما رفاعى طه ومصطفى حمزة، فقد كان لهما دور فى التعامل مع الفصائل فى أفغانستان، ثم أثناء رحلة تواجد الجماعة فى السودان مما جعلهما أقرب لفكر القاعدة من الجماعة الإسلامية.
وقد اقتطعت رحلة الإرهابى رفاعى طه خارج الوطن من عمره ثلاثة عقود ما بين هروب ورحيل وسجون ومعتقلات حيث حط رحاله فى سجن العقرب بعد أن تم اعتقاله عن طريق الإنتربول فى مطار دمشق وترحيله إلى مصر فى ٢٠٠١، حيث حكم عليه بالإعدام فى قضية «العائدون من أفغانستان» ثم خرج فى سبتمبر ٢٠١٢ بحكم قضائى، وأخلت محكمة جنايات بنى سويف سبيله.
رفاعى أثناء حكم الإخوان 
وبعد الإفراج عنه وقف رفاعى طه بجانب الإخوان، ودافع عن حكم المعزول محمد مرسى فى كل المنتديات والمؤتمرات التى كان يتواجد فيها، وكان آخر ظهور له فى مؤتمر علماء المسلمين بفندق موفنبيك فى إبريل ٢٠١٣ بصحبة طارق الزمر وعبود الزمر. 
كما ظهر فى برنامج «بهدوء» مع عماد الدين أديب فى حلقة خاصة تحدث فيها عن أوهام الخلافة والحكم الإسلامى وموقفه من المراجعات الفكرية والإخوان، وحرض على حمل السلاح لإعادة «المعزول» محمد مرسى إلى الحكم، لكن الجماعة الإسلامية قالت إنها راجعته، بشأن هذه التصريحات التى دعا فيها لحمل السلاح ضد قوات الجيش والشرطة.
الاغتيال وعلامات الاستفهام
وصرح أحد المصادر المقربة من الإرهابى رفاعى طه رفض ذكر اسمه لـ«البوابة» أن طائرة أمريكية بدون طيار قتلته فى إبريل ٢٠١٦، ومن المرجع أن من قام بتتبع رفاعى ومعرفة مكانه أحد المقربين منه جدا، حيث كان على موعد مع أحد العناصر لإتمام صلح بين قيادات فى جبهة النصرة وآخرين فى تنظيم القاعدة، حدث بينهم خلاف على توزيع مهام التنظيم فى سوريا والعراق.
وتابع بقوله: كان رفاعى قد وصل توًا إلى سوريا، ويحاول منذ قدومه رأب الصدع بين ما يعرف بقيادات الجناح القديم فى القاعدة وقيادات جبهة النصرة الحالية، والتى تدير العمليات الميدانية فى ذلك الوقت، وذلك قبل فك الارتباط مع القاعدة بإيعاز من بعض دول الخليج.
وألمح المصدر إلى أنه من المحتمل تصفية القيادى رفاعة عن طريق عناصر من أحد الفصائل الرافضة لفكرة المصالحة، حيث تنتشر مثل هذه العمليات بين الحين والآخر فى إطار الصراع الروسى الإيرانى على سوريا وعلى أن يقال إنهم قتلوا فى الجبهات أو عن طريق الاستخبارات العالمية أو بواسطة ميليشيات إيران فى سوريا.
لكن نجله الدكتور عمار طه رفض الحديث عن ظروف مقتله، معللا بأن جميع أفراد الأسرة ليس لهم أى صلات تنظيمية بأحد وليس لهم علاقات بفكر والدهم، غير أن نجله عمار كتب رسالة للجماعة الإسلامية فى الذكرى الأولى لمقتله، قال فيها «إن البنتاجون وباعتراف رسمى منه، هو الذى وراء عملية استهداف والدى، لأنه كان يهدف لتوحيد الجهود لإسقاط النظام السورى».