السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

أمل دنقل.. شاعر النبوءات

أمل دنقل
أمل دنقل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من كثرة الحديث عنه؛ أصبح أسطورة؛ فموته كان أسطورة وحياته أيضًا حافلة بالمفارقات التي تليق بالعباقرة دائما؛ "لا تُصالح" و"بين يديّ زرقاء اليمامة" وعشرات القصائد توجت مسيرة أمير شعراء الرفض أمل دنقل الذي لم يترك أوراقه حتى اللحظة الأخيرة في "الغرفة 8".
ولد أمل دنقل الذي تحل اليوم ذكرى وفاته بقرية القلعه مركز قفط على مسافه قريبه من مدينة قنا في صعيد مصر وقد كان والده عالما من علماء الأزهر الشريف مما اثر في شخصية أمل دنقل وقصائده بشكل واضح. سمي أمل دنقل بهذا الاسم لانه ولد بنفس السنه التي حصل فيها والده على اجازة العالميه فسماه بإسم أمل تيمنا بالنجاح الذي حققه واسم أمل شائع بالنسبه للبنات في مصر. كان والده عالما بالأزهر الشريف وكان هو من ورث عنه أمل دنقل موهبة الشعر فقد كان يكتب الشعر العمودي وأيضا كان يمتلك مكتبه ضخمه تضم كتب الفقه والشريعه والتفسير وذخائر التراث العربي مما أثر كثيرا في أمل دنقل وساهم في تكوين اللبنه الأولى للأديب أمل دنقل. فقد أمل دنقل والده وهو في العاشره من عمره مما أثر عليه كثيرا واكسبه مسحه من الحزن تجدها في كل أشعاره.
رحل إلى القاهرة بعد ان أنهى دراسته الثانوية في قنا وفي القاهره ألتحق بكلية الآداب ولكنه أنقطع عن الدراسة منذ العام الاول لكي يعمل. عمل أمل دنقل موظفا بمحكمة قنا وجمارك السويس والإسكندرية ثم بعد ذلك موظفا بمنظمة التضامن الافروآسيوي، ولكنه كان دائما ما يترك العمل وينصرف إلى كتابة الاشعار كمعظم أهل الصعيد، شعر أمل دنقل بالصدمة عند نزوله إلى القاهرة في أول مرة، وأثر هذا عليه كثيرا في أشعاره ويظهر هذا واضحا في اشعاره الاولى. مخالفا لمعظم المدارس الشعرية في الخمسينيات استوحى أمل دنقل قصائده من رموز التراث العربي، وكان السائد في هذا الوقت التأثر بالميثولوجيا الغربية عامة واليونانيه خاصة.
عاصر فترة أحلام العروبه والثورة المصرية مما ساهم في تشكيل نفسيته وقد صدم ككل المصريين بانكسار مصر في 1967 وعبر عن صدمته في رائعته البكاء بين يدي زرقاء اليمامه ومجموعته تعليق على ما حدث. شاهد أمل دنقل بعينيه النصر وضياعه وصرخ مع كل من صرخوا ضد معاهدة السلام، ووقتها أطلق رائعته لا تصالح والتي عبر فيها عن كل ما جال بخاطر كل المصريين، ونجد أيضا تأثير تلك المعاهدة وأحداث يناير 1977م واضحا في مجموعته العهد الآتي. كان موقف امل دنقل من عملية السلام سببا في اصطدامه في الكثير من المرات بالسلطات المصرية وخاصة ان اشعاره كانت تقال في المظاهرات على آلسن الآلاف. عبر أمل دنقل عن مصر وصعيدها وناسه، ونجد هذا واضحا في قصيدته "الجنوبي" في آخر مجموعه شعريه له "اوراق الغرفه 8"، عرف القارىء العربي شعره من خلال ديوانه الأول "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" 1969 الذي جسد فيه إحساس الإنسان العربي بنكسة 1967 وأكد ارتباطه العميق بوعي القارىء ووجدانه.
وتعد "البقاء بين يدي زرقاء اليمامة من القصائد التي أدانت الانظمة التي أوقعت الهزيمة بشعوبها، ودالة على أن الهزيمة تتخلق في الداخل قبل أن تأتي كالعاصفة الجائعة من الخارج، ودالة على أن الشعوب المحكومة لا تملك سوى البكاء عندما تشعر بهوان وضعها، ولكن من الزاوية التي تجعل من بكائها تمردا على كل من تسببوا في هزيمتها؛ ومن أجواء القصيدة نقرأ: "أيتها العرافة المقدَّسةْ /جئتُ إليك.. مثخنًا بالطعنات والدماءْ/ أزحف في معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدّسة/ منكسر السيف، مغبَّر الجبين والأعضاءْ./ أسأل يا زرقاءْ../عن فمكِ الياقوتِ عن، نبوءة العذراء/ عن ساعدي المقطوع.. وهو ما يزال ممسكًا بالراية المنكَّسة/ عن صور الأطفال في الخوذات.. ملقاةً على الصحراء/ عن جاريَ الذي يَهُمُّ بارتشاف الماء../ فيثقب الرصاصُ رأسَه.. في لحظة الملامسة !/ عن الفم المحشوِّ بالرمال والدماء !!/ أسأل يا زرقاء../ عن وقفتي العزلاء بين السيف.. والجدارْ !/ عن صرخة المرأة بين السَّبي. والفرارْ ؟/ كيف حملتُ العار../ ثم مشيتُ ؟ دون أن أقتل نفسي ؟ ! دون أن أنهار ؟ !/ ودون أن يسقط لحمي.. من غبار التربة المدنسة ؟ !/ تكلَّمي أيتها النبية المقدسة/ تكلمي.. باللهِ.. باللعنةِ.. بالشيطانْ/ لا تغمضي عينيكِ، فالجرذان../ تلعق من دمي حساءَها.. ولا أردُّها !/ تكلمي... لشدَّ ما أنا مُهان/ لا اللَّيل يُخفي عورتي.. كلا ولا الجدران !/ ولا اختبائي في الصحيفة التي أشدُّها../ ولا احتمائي في سحائب الدخان !/ تقفز حولي طفلةٌ واسعةُ العينين.. عذبةُ المشاكسة/ كان يَقُصُّ عنك يا صغيرتي.. ونحن في الخنادْق/ فنفتح الأزرار في ستراتنا.. ونسند البنادقْ/ وحين مات عَطَشًا في الصحَراء المشمسة/ رطَّب باسمك الشفاه اليابسة/ وارتخت العينان /فأين أخفي وجهيَ المتَّهمَ المدان ؟/ والضحكةَ الطروب: ضحكتهُ../ والوجهُ.. والغمازتانْ ! ؟/ أيتها النبية المقدسة../ لا تسكتي.. فقد سَكَتُّ سَنَةً فَسَنَةً../ لكي أنال فضلة الأمانْ/ قيل ليَ "اخرسْ.."/ فخرستُ.. وعميت.. وائتممتُ بالخصيان !/ ظللتُ في عبيد "عبسِ" أحرس القطعان/ أجتزُّ صوفَها../ أردُّ نوقها../ أنام في حظائر النسيان/ طعاميَ: الكسرةُ.. والماءُ.. وبعض الثمرات اليابسة ".