الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المشكلات الثماني الكبرى للتفاسير القديمة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وقعت التفاسير القديمة فى ثمانى مشكلات كبرى نرصدها فى هذا المقال. 
الأولى: التعامل مع كتاب الله على أساس الترادف. (أى تشابه معانى الألفاظ) وعدم إدراك أن الكتاب جاء على (اللفظ)، وأنه معجز ودقيق، والإعجاز حسب المفكر المغربى عبدالله العروى معناه «أنه عربى، ولكنه لا يشبه أى كتاب عربي» ففيه تطوير للغة وتطوير لاستخدام الألفاظ، والدقة معناها أنه جاء على قاعدة (اللا ترادف) (راجع الكتاب والقرآن للمفكر السورى محمد شحرور).
ويعنى اللاترادف (أن لكل لفظ معنى مختلفا عن الآخر)، بينما تعامل المفسرون على أن الإسلام هو الإيمان، والنبى هو الرسول، وجاء هو أتى، والروح هى النفس، والعرش هو الكرسى، والأب هو الوالد، والأم هى الوالدة، والبلاغ هو الإبلاغ، والإنزال هو التنزيل، والموت هو الوفاة، والكتاب هو القرآن، والقرآن هو الفرقان، والقسط هو العدل، والعام هو السنة، وكلام الله هو كلماته، والصلاة هى الصلوات، والعقم هو العقر، والنبأ هو الخبر، والذنب هو السيئة، والغواية هى الضلال، والإسراف هو التبذير، والكافر هو المشرك.. إلخ. 
المشكلة الثانية: عدم التفريق بين الاستخدام البشرى والاستخدام الإلهى المعجز للألفاظ، وتفسير الآيات حسب لسان العرب الشائع (!!) فقطع يعنى بترا، ورجال يعنى ذكورا، بينما تعنى أيضا المترجلين من الرجال والنساء (!!) ونساء جمع امرأة بينما هى تعنى «نسئ» (!!) وولد يعنى ذكرا بينما اللفظ يعنى (ولدا وبنتا) (!!) وشهيد يعنى قتيلا بينما هو فى المقصد الإلهى من حضر الواقعة (!) وهبط يعنى نزل، بينما فى المقصد الإلهى تعنى من انتقل من مكان إلى آخر على الأرض أو من انتقل من مرحلة إلى أخرى.. إلخ.
وبينما الكتاب معجز وأضاف إلى العربية وطورها بشكل مذهل؛ حيث طور استخدام الألفاظ وحملها ما لم تكن تحمله من معان جديدة، من خلال إدراجها فى سياقات عدة ونظم جديدة جعلت للألفاظ العربية ثراء موفورًا. 
المشكلة الثالثة: الخلط بين التاريخى والدينى فى كتاب الله، واستبدال الدينى بالتاريخى، واعتبار التاريخى دينيا واستنباط الأحكام من التاريخى وإضافتها إلى الدينى أى إلى (أحكام الرسالة المحمدية) وهو ما تسبب بدوره فى تشويه وإرهاب بلا حدود. 
فقد تمت إزاحة الدينى الذى هو {لَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} الإسراء (٣٣).
لصالح التاريخى الذى هو {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} النور (٥).
كما لم يدرك أحد أن كل الآيات التى جاءت بلفظ (يا أيها النبى) وعددها ١٤ آية هى من التاريخى أيضًا! 
المشكلة الرابعة: القول بأن النسخ الذى يعنى (الإلغاء أو التكرار أو التطوير للأحكام) يحدث داخل الشريعة نفسها(!) 
وهو ما تسبب تاليًا فى إلغاء آيات وأحكام عدة جاءت بكتاب الله كالوصية وغيرها(!!) بينما أى مُطّلع على شريعتى موسى ومحمد(صلى الله وسلم وبارك عليهما)، وعلى النظام العقابى والمحرمات فى كل منهما، سوف يدرك المقصود الإلهى بالنسخ بين الشرائع؛ فالإعدامات عند موسى (١٦) وعند محمد عددها (واحد) فقط (فى القصاص)، لذلك سنفهم ساعتها لماذا قال النبى الخاتم- صلى الله عليه وسلم: «بعثت رحمة مهداة».
وفى الوقت الذى قلت الإعدامات من موسى إلى محمد، زادت محرمات النكاح؛ حيث بلغت فى شريعة محمد (١٤) فحرم على الابن زواج (زوجة أبيه) وإخوته من الرضاعة.. إلخ. 
وسوف نفهم أيضا قول عيسى (عليه الصلاة والسلام) عن أحد أسباب بعثه:{وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ}آل عمران (٥٠).
المشكلة الخامسة: استبدال أحكام الكتاب ونسخها بما جاء فى بعض الأحاديث المروية عن النبى (صلى الله عليه وسلم)، مثل حكم الزنى الذى خفض فى الكتاب من الإعدام عند موسى إلى الجلد عند الرسول (١٠٠ جلدة)، بينما يصر الفقهاء على الإعدام رجمًا وهو حكم خاص باليهود. 
المشكلة السادسة: الخلط بين الإسلام والإيمان وما يسببه ذكر من تكفير وتفسير الآيتين {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}، و{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} على أن الإسلام هو شريعة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)!
قال د. محمد عبدالله دراز من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عام ١٩٥٨: (إن الإسلام هو الدين الذى أوحى به الله إلى كل الرسل والأنبياء، وأن هذا المعنى تحول فى الاستعمال العرفى إلى معنى آخر هو شريعة محمد وحدها؛ حيث ينبغى التحرز من الدلالة المقصودة أصلا إلى الدلالة المفهومة عرفًا، ويتعين الوقوف عند المعنى الذى أراده التنزيل دون تحويله إلى المعنى الذى يريده الناس. ذلك لأن استعمال اللفظ يغير المعنى الوارد فى كتاب الله، والمقصود فى التنزيل الحكيم فيحدث تغيير فى فهم كل الآيات التى ورد فيها اللفظ كما يحدث تبديل فى الفكر الدينى كله). 
ومن كتاب الله نفهم: أن (المسلمين) هم ليسوا أتباع الرسول حصرًا، بل كل المؤمنين بالأنبياء والرسل، وأن الإسلام لله يتقدم على الإيمان بالرسل، وأن الإيمان هو اتباع لشريعة رسول، ونفهم أيضًا (أن إبراهيم ويعقوب والأسباط ويوسف وسحرة فرعون من أتباع موسى والحواريين من أتباع عيسى، ونفهم أيضا أن نوحا ولوطا كانا مسلمين، وأن فرعون حين أدركه الغرق نادى بأنه من المسلمين. راجع تعريف الإسلام عند الفقيه ابن الصلاح والإمام ابن تيمية. 
سابعا: الخلط بين مفهوم (العبادة) ومفهوم (الاستعانة)، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ.. وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. وتفسير العبادة على أنها إقامة الشعائر (حج وصلاة وصيام وزكاة)(!!) مما كان له بالغ الأثر فى اجتماعنا. فالعبادة هى التزام محرمات الإسلام لله (الصراط المستقيم ومحرماته العشرة، التى جاءت فى ثلاث آيات فى سورة الأنعام ١٥٣/١٥٢/١٥١)، وهى (الفرقان) وهى (الوصايا العشر) التى نزلت مجزأة اعتبارًا من أول نبى (نوح)، وحتى اكتملت قبل موسى ونزلت عليه مكتملة لأول مرة، والتزام محرمات الإيمان بالرسول محمد الثلاثون أيضا، والتى احتواها التنزيل الحكيم، أما إقامة الشعائر فهى للاستعانة والاتصال الرمزى (المؤقت)، قال تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة}، وقال تعالى: {وَأَنِ اعْبُدُونِى هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} يس (٦١).
ثامنا: القول بأن كل شريعة نسخت الشريعة السابقة لها، وهذا ليس عليه أى دليل قرآنى، بل إن التنزيل الحكيم أكد أن يحتكم أصحاب كل شريعة لشريعتهم قال تعالى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ} المائدة (٤٧).
وقال تعالى لرسوله: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ} (٤٣)
{إنا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ..} المائدة (٤٤).
‏وأخيرا قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} المائدة (٤٨).