الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عشوائيات وتشوّهات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى كل مجتمع تظهر رموز عبر الزمان يتخذها الناس أعلامًا يتفاخرون بها وقد تكون شعاعًا من النور لدى البعض يحاولون أن يصلوا له أو أن يقتدوا به أو أن يجعلوا تلك الرموز مثلًا أعلى قد يكون هدفًا للشباب. 
ومن المهم أن يكون هناك هدف للشباب ورمز يقتدون به، لأن شبابًا بلا هدف يصنعون وطنًا بلا روح. 
قد تتجسد تلك الرموز فى العديد من الشخصيات يكون للدولة الدور الأكبر فى إظهار مواطن الجمال فى تلك الشخصيات، فالأوطان التى تمجد وتظهر مواطن الجمال فى شخصيات قادتها وعظماء الأدب فيها والعسكريين الذين قادوا بلادهم لانتصارات عظيمة والمهندسين الذين برعوا فى تصميمات أسهمت فى بناء الأوطان والأطباء الذين برعوا فى علومهم والعلماء الذين غيروا فى مجرى مسار العلم، وقد تخلق تلك الأوطان أجيالًا أخرى من كل تلك الشخصيات.
ولا يقصر إظهار المعادن الحقيقية للشخصيات العظيمة داخل الأوطان على علومهم فقط، ولا إنجازاتهم بل تمتد لمختلف الجوانب داخل شخصياتهم وأسلوب حياتهم ونشأتهم وطريقة مأكلهم ومشربهم وملبسهم.
فإظهار الرموز له من الأثر ما قد يخلق من الأجيال القادمة رموزًا جديدة متطورة متواكبة مع العصر ومتطورة بتطور العلم. 
ربما فى السابق كان من يريد أن يتتبع شخصية ما ويدرسها ويجعلها من رموز حياته كان يشترى الكتب ويبذل مجهودًا لمعرفة ما يريد أن يصل له وكانت الأوطان تمتلئ بالمكتبات، وكان المعلم يرشد طلابه لطريق الكتب والعلم، فكان يعطى للتلاميذ نبذة مختصرة مشوقة عن شخصية ما تاريخية أو شخصية فى العصر الحديث، ويزرع نوعًا ما من الشغف داخل طلابه فيتسارعون للبحث وبناء الفكر من خلال القراءة والبحث.
ومع تطور العلم والعصر والتكنولوجيا، هجر معظم الجيل الجديد الكتاب لما أصابهم من إحباط من خلال كم المعلومات غير المنظمه داخل كتبهم المدرسية، وما يتلقونه من علم يبنى على الحفظ لا الفهم، وأصبح الشغف للمعرفة نادرًا ما يحدث، وأصبحت طرق التواصل العالمية الموجودة بين أصابع كل فرد أكثر سهولة وأكثر شغفًا للمتلقى مما بها من إبهار للعرض وما لبثت وأن أصبحت أكثر مصداقية داخل عقول كل من يستخدمونها، فأصبحت المعلومات تأتي من مصادر لا نعلمها واختلفت الرموز، وأصبح البطل الحقيقى لمعظم الناس أبطالًا من أزمان وأوطان أخري.
ولأننا لا نملك التكنولوجيا ولا نسعى لأن تكون من أدواتنا، فقد تمسكنا بأدواتنا الإعلامية المعروفة والمتابعة من معظم من تعدوا سن الستين ومن أطلق عليهم فى زمن قريب «حزب الكنبة»، فأصبحنا روادًا للكنبة وروادًا للتصفيق.
وبالرغم من امتلاكنا لبعض الأدوات، ولكننا لم نستخدمها لإظهار مواطن الجمال للرموز التى نتمنى أن نخلق مثلها فى الأجيال الجديدة. فنجد مسلسلات وأفلامًا تجسد مواطن الجمال فى شخصية البلطجى وبرامج تستضيف من يشوه فى شخصيات تاريخية كنا نراها شخصيات عظيمة ولا نجد من ينور ظلمات عقول الأجيال التى لا تعلم عن الإنسانية شيئًا فمن ولد وكبر وأصبح الآن فى سن السادسة من العمر، ولم ير فى حياته سوى أخبار دموية وأعمال إرهابية وأوطان تسقط ودول تنتهى والذبح والقتل والانفجار أصبح شيئًا عاديًا، فلا يجد من يعلمه.
إننا لا نكف عن البكاء ولا نريد أن نرى المستقبل، فالإدارة هى أن تخطط قبل أن تترك الآخرين، ليعبثوا بعشوائياتهم داخل عقول نحتاج لأن تكون متنورة فى مستقبل لن يعيش فيه إلا من حضر وجهّز وخطط له. كان هناك رجل حكيم جلس بين الناس، وألقى نكته مضحكة، فضحك الكل كالمجانين، ثم قال نفس النكتة مرة أخرى، ضحك القليل من الناس، ثم ألقى نفس النكتة عدة مرات، فلم يضحك أحد، فابتسم وقال: إذا توقفتم عن الضحك لنفس النكتة، فلماذا تستمرون بالبكاء على نفس الجرح؟