الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قانون أبو حامد لتطوير الأزهر.. الحل!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بات على مجلس النواب أن يتخلى عن سلفيته ويبدأ فورًا فى مناقشة مشروع قانون تنظيم وتطوير الأزهر الذى يتبناه النائب محمد أبو حامد الحائز على تأييد أكثر من مائة نائب، ذلك أنه يلزم الأزهر ولأول مرة بالعمل على تطوير وتجديد الخطاب الدينى ومحاصرة منابع التطرف فى التراث الإسلامى، كما أنه يقدم حلا يتوافق مع الدستور للوضع الشائك لجامعة الأزهر، خاصة بعد تعقد الموقف المحرج للإمام الأكبر بسبب مخالفته القانون، بتعيينه عميد كلية اللغة العربية قائما بأعمال رئيس الجامعة مما أدى إلى انتفاضة أغلب الأساتذة ضد قرار فضيلة الإمام.
مشروع أبو حامد يأتى استجابة إلى حاجة المجتمع لتجديد الخطاب الدينى ومواكبة نمو وعيه بضرورة تحديث المؤسسة الدينية الرسمية.
فلم يشهد الأزهر الشريف زلزالا يضرب أعمدة التسلف وأركان الجمود فيه، أقوى من هذا الزلزال الذى أحدثته فتوى الشيخين سالم عبدالجليل وعبدالله رشدى بتكفير المصريين المسيحيين. ومع ذلك لم تكن تلك الفتوى العامل الرئيسى لإحداث الزلزال، ذلك أن هذا النمط من التفكير فى الآخر الدينى ليس جديدا على الأزهر ورجاله، لكنه الوعى الذى بدأ يبزغ فى قطاعات ليست بقليلة من المصريين.
قبل ما يقرب من قرن ونصف القرن، كانت اجتهادات الشيخ محمد عبده وأمثاله من التنويريين العائدين من فرنسا تحدث صدى محدودًا فى مستوى النخبة الحاكمة التى ذهبت إلى فرض التجديد والتنوير عبر إرسال البعثات إلى باريس عاصمة النور. فى المقابل كان المجتمع يرزح تحت سطوة الفكر المتجمد والفقه القديم الذى يعتنقه رجال الأزهر ويحتكرون الخطاب المسوق له، لذلك احتاجت اجتهادات الإمام محمد عبده عقودا لتشق طريقها إلى المجتمع. فى مطلع الألفية الثانية واكب الاحتلال الأمريكى للعراق عام ٢٠٠٣ إطلاق الإدارة الأمريكية دعوات تجديد الخطاب الدينى فى منطقة الشرق الأوسط المفرخة التى خرج منها إرهابيو القاعدة الذين ضربوا برجى التجارة العالميين عام ٢٠٠١، ولاقت الدعوة قبولا لدى جانب من النخبة الليبرالية فى مصر، لكن المجتمع رفض الدعوة وتعامل معها باعتبارها محاولة غربية لفرض خطاب دينى غير ملائم. واستغلت التنظيمات الإسلامية ارتباط تلك الدعوى بالسياسة الأمريكية للترويج لنفسها كونها الوحيدة حامية لواء الإسلام والمدافعة عن ثوابته.
وبعد أحداث يناير ٢٠١١، ظهر على السطح خطاب السلفية الوهابية، وفوجئ المصريون ببرلمان ٢٠١٢ وقد تلحف بعباءة ذلك الخطاب، وذابت الفوارق المدعاة قديما بين السلفيين والإخوان، بل وتبين تلاقيهما فى كثير من الآراء الفقهية التى يتبناها الأزهر الشريف. وجاء عام السواد الذى حكم فيه الجاسوس مرسى لينتبه المصريون للخطر الذى بات يحدق بهويتهم والمتجسد فى هيمنة الدين على السياسة والشأن العام؛ فكانت ثورة الوعى فى ٣٠ يونيه ٢٠١٣ التى من أهم نتائجها وضع المصريون كل من يتحدث باسم الدين تحت عدسة المراقبة، وكان الأزهر ورجاله فى مرمى هذه العدسة.
وأدرك المصريون أن دعوة رئيسهم عبدالفتاح السيسى لتجديد الخطاب الدينى حاجة مجتمعية، لذلك غضبوا من تكفير الشيخ سالم عبدالجليل للمسيحيين لارتباطه بهذه المؤسسة العريقة التى يراهنون على استنارتها ووسطيتها «الأزهر الشريف». 
هذه الآراء الشاذة عندما تصدر من أشخاص مثل ياسر برهامى أو محمود عامر، لا تُقلق المصريين لإدراكهم أن تأثيرها لا يتجاوز أنصارهم المغيبين؛ لكنها تصبح أمرا باعثا على القلق والإحساس بالخطر عندما يرددها من يُنظر إليهم كعلماء أزهريين.
هذا الوعى وإن كان متحفظا فى الإعلان عن نفسه وضع مؤسسة الأزهر فى حرج بالغ، وجعله يبدو متخبطا فى ردات فعله؛ رسميا أعلن شيخ الأزهر عن تشكيل لجنة لصياغة مشروع قانون يجرم الحض على الكراهية والعنف، لكنه أطلق رجاله بشكل غير رسمى يدافعون عن الشيخين عبدالجليل ورشدى، ويحاولون عبثا تخفيف ما تلفظوا به، ما يؤكد اقتناع المؤسسة بما أفتى به رجالها.
الهدف الرئيسى لتلك المحاولة وقف الدعاوى القضائية التى تحركت لمحاكمة أبناء الأزهر بتهمة ازدراء الدين المسيحى.
لذلك من العبث أن ننتظر صدور بيان عن المشيخة أو هيئة كبار علمائها يحرم وبوضوح لا يحتمل التأويل تكفير العقائد السماوية الأخرى.