الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

أحمد فريد رفاعى يكتب: الإصلاح المنشود.. "لغتنا"

جريدة السفور
جريدة السفور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سأكتب تحت هذا العنوان سلسلة مباحث تتناول عللنا اللغوية والاجتماعية وتبين الحركة الإصلاحية، ولى أكبر ثقة بأن جماعة السفور سيتقبلونها بالبشر والارتياح، ويتناولونها بالنقد والمناقشة، لاعتقادى الثابت أن الغاية الأولى التى ترمى إليها جماعة السفور، هى القيام بحركة إصلاحية ثابتة الأركان، والدعوة إلى نشر المبادئ السياسية لكل إصلاح اجتماعى من بث التسامح فى النفوس، وحب البحث والاستقراء فى العقول، والرغبة فى الإذعان إلى الحق أينما وجد وأينما كان.
نحن فى بداية عصر جديد يعوزنا فيه كثرة دعاة الحق وقادة الإصلاح.
وأنى أتقدم لجماعة السفور راجيا منهم أن يكون لهم فى أمثال مارتين لوتر وكالفين ونوكس، خير قدوة تحتذى بها للصبر على المكاره، فلا يهيجهم شتائم حزب المحافظة ورجال القدماء، الذين ليس من عدتهم الجدال العلمى البحت والمناقشة المنطقية البريئة من الأوضاع الشعرية والطرق الخطابية من حنين إلى قديم دارس وعهد طامس واجبنا الآن أن نعكف على الدرس والتعليم، والأدب وفنونه، والعلم وصنوفه، ونستمع ما يلقى علينا رجال الإصلاح، فنقارن ما بين حركتنا والنهضة الغربية عسانا نوفق إلى أدوية ناجعة لعللنا العديدة. وأنى أحيل زملائى قراء السفور وأنصاره إلى ذلك الكتاب الممتع الذى وضعه المصلح الإيطالى مازيني، حينما قام بأكبر الأعمال مشمقة فى عصره، وهو الدعوة إلى الوحدة الإيطالية والإصلاح الإيطالى وجعل المبدأ الذى يرجع إليه فى «واجبات الرجل» الجملة الذهبية «مواطنى أمالى أملى عليكم بواجباتكم ولا أملى عليكم حقوقكم، أفمن رعاية للحقوق فلتعيشوا اليوم فى كنف القيام بالواجب».
أجل. لقد صدق المصلح الكبير فيما قال وكأنه أراد أن ينصحنا فأجاد النصيحة وأخلص فى أدائها.
قبل أن آخذ بأطراف موضوعي، أرجو أن يفهم القراء أن الحق- فى نظرى- هو ما أقرر وأننى شديد الإخلاص وافر الحب للغة العربية.
إننى أرغب فى الإصلاح، وأصبو إلى أن أقوم بخدمة للغتي.. ولا أدعى العصمة من الخطأ.
قلنا إننا فى بداية عهد جديد، ونقول الآن إننا فى بداية عصر أدبى جديد أيضا، وليس هذا العصر بابن اليوم بل يكاد يتصل بعهد المصلح الكبير محمد على على أقل تقدير.
أجل.. إن عصرنا الأدبي، قد أخرج لنا أسلوبنا خاصا بفئة قليلة منا.. يصح لنا أن نسميه «الأسلوب العصرى» كما سماه كثير من الأدباء، وأن كانت هذه التسمية غير كاملة لأنه أسلوب فئة تعد على الأصابع، اللهم إلا إذا كان الغرض من هذه التسمية التشجيع والإجلال لفئة «الأسلوب العصرى».
ولست أقصد بمبحثى هذا وبما يتخلله من نقد وإلفات نظر... فئة أستاذنا لطفى السيد بك والدكتور طه حسين وغيرهما من جماعة الكتاب العصريين كالمرحومين قاسم أمين بك وفتحى زغلول باشا.
تقرأ الكتب الأدبية أو بعبارة أخرى تقرأ أركان الكتب الأدبية، فإما أن نخصص حياتنا بالعكوف على درس اللغة درسا كاملا حتى يتاح لنا أن نخرج منها على طائل ومنفعة ذلك لأن الطريقة التى كتبت بها تلك المؤلفات لا توافق أمزجتنا لا لأن معلوماتنا الأدبية واللغوية ناقصة فحسب، ولا لأن أسلوب تلك الكتب وما فيها من رصانة ومتانة، وصلابة معجم وقوة أسر، وتدقق بيان وحسن انسجام، وبديع مترادفات، وبارع وصف يأخذ بمجامع الأفئدة وحبات القلوب، ولا لأن الكثير منها مالا يفيدنا فائدة ناجعة فى وقت قصير ولكن ونحن ننتحل المعذرة لمؤلفيها وكتابها الأقدميين، لأنها كتبت لعهدهم، وصنفت من مجموع معلومات عصرهم.، وأنت تعلم حق العلم أن لكل عصر منهجا يسلكه أفراده، وتعلم من مطالعتك الكثيرة، أن ما يسمح به فى عصر من العصور قد يعد هجنة فى عصر آخر فشارب الخمر فىBcchuage لا يلقى مذمة ولا منقصة، وكثير من الأمثال التى لا تدخل تحت حصر ولا جمع فأنت ترى أننا لا نذم قدماء الأدباء على منهجهم القديم، ولكنا نأخذ باللوم من يتتبع خطواتهم وينسج على منوالهم، نأخذ بالنقد من يقف حياته على حفظ بضع مترادفات، يسردها سردا فى كل كلمة يكتبها، أو عبرة يسفكها، أو وقفة حب واستدرار منفعة يقفها نأخذ بالنقد من يكتب سلسلة مقالات ويصدر سلسلة مؤلفات، ولسنا ندرى ماذا يقصد.. المعضلة الكبرى فى قراءة الكتب القديمة أو فى الوقوف على درسها درسا كاملا لكنها تحتاج إلى كثير معونة ونصب ويفتقر إلى وقت طويل وعناء كبير ولقد صدق الأديب الإنجليزى واظنه جنسون حينما يقول «وقتنا قليل وحياتنا قصيرة، والكتب ما أكثرها ولكن الصعوبة فى اختيارها، فما ظنك بوقتنا ولا تمر برهة إلا ونسمع بمؤلف جليل قد ظهر فى العالم الغربي، وبرسالة ممتعة قد نشرتها محلة أفرنكية وباختراع ما كنا نتصور لمكان ابتكاره قد انتشر بين العالم قاطبة وبتجربة علمية أخذت مكانتها من الفحص والاستقراء فمن أين لنا المكنة وكيف تتاح لنا الفرصة فى قراءة الأغانى وذيوله من الكتب العربية.
لست بمنكر على الراغب فى الاختصاص باللغة العربية أى بالراغب فى classics أن يقف حياته عليها، ولكننى أكاد أقول إنها حياة مقفرة غير منتجة، لا سيما إذا لم يردفها بالتعمق فى إحدى اللغات الغربية الحديثة، وإحدى لغاتها القديمة أيضا.
من هنا كدت تتفق معى أيها القارئ الكريم أنه ليس عندنا الوقت الكافى لوقف أعمارنا على مطالعة مؤلفات مطولة ليست تحت حصر لغرض واحد وهو كيف نكتب؟؟..
إلى هنا نمسك ببراعنا اليوم لضيق الوقت وسنعود إليه وإلى إتمام مبحثنا فى اللغة العربية ودرس بعض عللها ومقارنة ذلك بما درسنا من بعض اللغات الغربية عسانا نوقف إلى الصواب.

نقلا عن جريدة السفور عام 1915