السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

الباحث التونسي الهادي يحمد مؤلف كتاب "كنت في الرقة: هارب من تنظيم الدولة" يتحدث لـ"البوابة": "داعش" قادر على إنتاج تنظيمات أكثر توحشًا ودموية

الباحث التونسي الهادى
الباحث التونسي الهادى يحمد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم نفهم ظاهرة التنظيم لأننا «رهينة عقلية العناد والمكابرة»
«ماكينة التكفير» إذا دارت فستأكل الجميع دون استثناء
الإرهاب ظاهرة «معولمة» تنتشر فى كل بلدان العالم الشباب التونسى يعانى أزمة هوية واغتراب
فشل دولة الاستقلال أدى إلى نشأة التيار السلفى الجهادي
دخل كهوف «داعش» السرية.. تحاور مع أحد هؤلاء المقاتلين الدمويين الذين لم يتوقف عند أفكار «داعش» كتنظيم وفكر بل تجاوزه للمزايدة عليه والهروب منه إلى فضاء أكثر تطرفًا وغلوًا وتشددًا، تسلل في عقل ووجدان «محمد الفاهم» الهارب من جحيم ذلك التنظيم الإرهابي، إنه الباحث التونسي الهادي يحمد. 
قدم «يحمد» عالم «داعش» السري في كتاب حمل عنوان «كنت فى الرقة: هارب من الدولة الإسلامية»، الكتاب هو «ثمرة مغامرة» بين الكاتب والشاب، عبر تونس وتركيا.. في تجربة فريدة، تعيد تشكيل «التجربة الجهادية» من خلال السرد وتأطير الفعل الجهادي داخل بنية رمزية وثقافية، وهي البنية ذاتها التي يدينها الصحفي محاولًا تعريتها من خلال رواية بطلها، بعد أن كثر الحديث في الأشهر الأخيرة عن عودة مقاتلين من الرقة إلى دولهم، فقد كانت مثل هذه العودة محط أنظار المهتمين بقضية العائدين والمهاجرين في آن واحد إلى مناطق الصراع. «البوابة» حاورت الهادى يحمد.. فإلى التفاصيل: 
■ لماذا يعد المجتمع التونسي أكثر المجتمعات العربية دفعًا للشباب للانضمام إلى صفوف «داعش»؟ 
- بداية.. ظاهرة الإرهاب ظاهرة معولمة، أي أنها تنتشر في كل بلدان العالم تقريبًا، وتمثل المنطقة العربية وتونس أحد منابعها، وتونس بالفعل أحد البلدان العربية الأكثر تصديرًا للإرهابيين فى اتجاه بؤر التوتر، خاصة فى سوريا والعراق، لأسباب كثيرة منها فى المقام الأول، ما هو سياسى، ومنها ما هو اجتماعى، ومنها ما هو مرتبط بأزمة الهوية التى يعيشها الشباب التونسى. 
فأزمة الهوية والأسباب السياسية هى التى بينتها بشكل واضح فى كتابى «كنت فى الرقة: هارب من الدولة الإسلامية» الذى يتحدث عن قصة الشاب التونسى «محمد الفاهم» الذى انضم إلى تنظيم داعش فى نهاية ٢٠١٤، والذى هرب منه فى أوائل سنة ٢٠١٦. 
اعتقد أن قصة محمد الفاهم تكشف عن الجزء المعتم من أسرار انضمام الشباب التونسى والعربى عموما إلى التنظيمات الإرهابية؛ حيث تكشف لنا كيف يمكن للمنظومة الاجتماعية والدينية والسياسية السائدة أن «تصنع» داعش.
■ لماذا اخترت «فاهم»؟ وما الذى دفعك للحوار معه؟ 
- دفع الشباب الخارج عن تنظيم الدولة إلى الحديث وحكاية ما وقع له سواء قبل انضمامه إلى التنظيم أو بعده، يعد أمرًا عسيرًا، إن لم يكن نادر الحدوث، وهذا ما دفعنى للحديث ونقل شهادة محمد الفاهم، فهي من الشهادات القليلة التى أخرجتها للرأي العام، وقوة هذه الشهادة أنها تمت بحرية واختيار ولم تكن خاضعة للضغط ولا للإكراه، لأنى التقيت هذا الشاب في أحد بلدان الجوار في سوريا، فقوة الشهادة أيضا أنها لم تكن لـ«تائب» يرغب فى العودة إلى المجتمع أو إلى البلاد التى خرج منها. 
■ هل تعتبر «فاهم» نموذجًا للشباب المتطرف في المجتمعات العربية؟ 
- أعتقد أنه بالإمكان تطبيق حالة كتاب «كنت فى الرقة» على العديد من الشباب العربى والإسلامى. صحيح أن الكتاب يحتوى خصوصيات تونسية ترتبط بالواقع التونسى، ولكن هناك العديد من «الجينات» الموجودة عند الشباب العربى والإسلامى عمومًا للجاذبية والانضمام إلى داعش.
فالثقافة التقليدية والقمع السياسى وانسداد أفق الحرية وفشل دولة الاستقلال، كلها عوامل أدت إلى نشأة التيار السلفى الجهادى، وهى عوامل تتوافر فى العديد من الدولة العربية الإسلامية. 
■ فى كتابك.. عرضت نماذج عدة للهروب.. فما هى؟ 
- فى كتاب «كنت فى الرقة» مسارات عدة من الهروب، هروب من تونس نحو تنظيم «داعش» عبر ليبيا وتركيا، وهروب ثان من تنظيم داعش إلى الأراضى الواقعة خارج سيطرة هذا التنظيم، ثم هناك هروب ثالث، وهو هروب من فكرة إلى أخرى، ومن عقيدة إلى أخرى. 
ففى تونس هرب محمد الفاهم من إسلام عموم التونسيين إلى إسلام الجهاديين، إلى «دولته» الإسلامية، وهرب محمد الفاهم من عقيدة داعش إلى عقيدة أكثر تطرفًا، فهرب إلى عقيدة تكفر عموم المسلمين وعدم العذر بالجهل.
فهناك مستويات عدة من الهروب، ولكن الهروب الأقوى فى الكتاب كان من «الدولة الإسلامية»، هو ليس مجرد «خروج» بالمعنى الفقهي، ولكنه هروب مكاني وعقائدي في الوقت ذاته، ثم إن هناك فكرة أوردتها في آخر الكتاب في شكل تساولات ومحورها الطرح التالي: أن المخيال العربي الإسلامي يهرب إلى «الدولة الإسلامية» ويصنعها، فكيف بمحمد الفاهم يهرب منها؟ وهو طرح قصدت منه كل القراءات والتأويلات التقليدية التى تجعل من «الدولة الإسلامية» فى التاريخ (وليس بالمعنى التنظيمي)، باعتبارها حبل النجاة لكل مشكلاتنا والحل لخلاصنا، وهى مقولات كثيرًا ما تتردد فى الثقافة التقليدية. 
■ هل كتابك عبارة عن تحقيق صحفي عن داعش، أم سرد قصصي لتجربة إنسانية «سيرة ذاتية»؟ 
- الكتاب يتحدث عن سيرة ذاتية لشاب تونسى اسمه محمد الفاهم، وفى الوقت نفسه بحث فى المرحلة الزمنية التى شهدت ولادة تنظيم داعش، فمن خلال تجربة محمد الفاهم نفهم كل السياق الزمنى لولادة تنظيم الدولة، وتطوره في الزمن، كما نفهم العديد من التفاصيل التى يقع تداولها فى العديد من المدن السورية والعراقية التى يسيطر عليها داعش. 
من خلال قصة محمد الفاهم نجد العديد من المعطيات التى لم ترو من قبل عن المهاجرين وسكان المدن، والتركيب الهرمي لدولة البغدادي، وتفاصيل إقامة الحدود فى هذه «الدولة»، ومضافات المهاجرات وطريقة تزويج «داعش» لمقاتليه.. أي أن الكتاب يتخذ من المسار الذاتي لمحمد الفاهم ليفكك تنظيم الدولة من الداخل، ويعري جوانب كبيرة منه، وعمليات التصفية التي يقوم بها التنظيم لمقاتليه. 
■ ماذا تقصد بـ«نمو ثقافي كامل لظهور التطرف في المجتمع التونسي»؟ 
- تحدثت في أكثر من موضع عن المنابع السياسية والاجتماعية للتطرف، ولكن في الكتاب هناك تركيز مهم حول الأسباب الثقافية التي تؤدي إلى التطرف، وهي كثيرة ومن ضمنها التربية التقليدية المبنية على رفض المختلف والآخر وإقصاء الأقليات في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، وأعتقد أن هناك عوامل ثقافية تشجع على التطرف الديني. 
■ لماذا قدمت شخصًا السبب الرئيسي لهروبه من «داعش» كونه بات يحمل أفكارًا أكثر تشددًا من التنظيم؟ 
- فى الحقيقة لم أختر محمد الفاهم، بل كان لقاؤه نتيجة مسار معقد ومتداخل، صحيح كنت أبحث عن شهادة حقيقية ومتكاملة لشاب عاش فى داعش، فالمشكلة أن هؤلاء لا يتحدثون إلى الإعلام ولا يريدون الظهور، وإن قاموا بذلك فتحت الضغط أو الأسر، كنت أريد شهادة حرة وبعيدة عن كل الضغوط، بعد بحث وجدت هذه الشهادة فى مكان ما بعيدا عن تونس، الأكيد أنه كان فى الأمر مخاطرة للقاء، ونجحت فى إقناعه، وقبل الحديث فكان هذا الكتاب. 
■ هل من الممكن أن تصل معايير التشدد إلى حرب التنظيمات بين التنظيمات الأكثر تشددًا؟ 
- نحن أمام ظاهرة أصبح فيها التكفير بضاعة ووسيلة للإقصاء والتصفيات، وهذا ما بينته فى الكتاب، فالكتاب يشير بوضوح إلى رسالة مهمة، وهى أن «التكفير بالتسلسل» لدى أنصار عمر الحازمى مثلا (تكفيرى موجود فى سجون السعودية) سوف يؤدى إلى تكفير جميع المسلمين، هذه فى اعتقادى إحدى هنّات الفكر السلفى الجهادى، ومقولة «الفرقة الناجية» والتى تؤدى بالضرورة إلى تكفير الفرق الأخرى، من الممكن أن تظهر بالتأكيد تنظيمات أكثر تطرفًا من داعش، وأعتقد أن التاريخ العربى الإسلامى حافل بمثل هذه الفرق التى تكفر بعضها البعض. 
■ هل «داعش» قادر على إنتاج تنظيمات أكثر دموية منه؟ 
- الكتاب يؤكد أن داعش تنظيم إرهابى وتكفيرى، هذا أمر واضح، ولكنه يشير إلى نقطة مهمة، وهى أن داعش الذى نعتقد أنه وصل إلى قمة التوحش قادر على إنتاج تنظيمات أخرى أكثر توحشًا ودموية. 
فهل تستطيع هذه التنظيمات الصمود والبقاء، يبقى سؤال رهين التوازنات داخل هذه التنظيمات ذاتها، الفكرة التى أردت إيصالها أن «ماكينة التكفير» إذا ما تحركت؛ فإنها ستأكل الجميع دون استثناء، لهذا السبب فإن داعش الذى يكفر الحكومات والأنظمة العربية، هو بذاته أصبح من داخله عرضة للتكفير، وهو ما دفعه إلى القيام بحملة تصفيات لعناصره الذين يؤمنون بعقيدة عدم العذر بالجهل. 
■ هل يصلح الحوار والنقاش مع الدواعش، أم ينتهى المطاف فقط بقتلهم وقمعهم؟ 
- أمام الخطر الذى يمثله هؤلاء للمجتمع والحياة البشرية بشكل عام، أعتقد أن الحل القضائى والأمنى يبقى الحل الأنسب على الأقل آنيًا ومرحليًا، وعلى مستوى استراتيجى وبحثى نحن بحاجة إلى فهم الظاهرة جيدًا من أجل التخلص من أصول شرها.
وأعتقد أن الكتاب يندرج فى الجانب البحثى «التفهمى» للظاهرة من أجل فهم ميكانزيمات (آليات) اشتغالها من الداخل.
بعد كتابى الأول والذى عنوانه «تحت راية العُقاب: سلفيون جهاديون تونسيون»، جاء كتابى الثانى «كنت فى الرقة: هارب من الدولة الإسلامية» من أجل فهم أكثر عمقًا للظاهرة وتفكيك مقولاتها من داخلها، وفى اعتقادى دون فهم للظاهرة لا يمكننا القضاء عليها بشكل جذرى وإلا سنصبح «رهينة عقلية العناد والمكابرة»، وهو الأمر الذى أشرت إليه فى مقدمة الكتاب. 
■ أهديت الكتاب إلى الراحل حسام تمام رائد دراسات الإسلام السياسى.. ماذا تتذكر من هذا الراحل العظيم؟ 
- كان آخر لقاء لى بصديقى الراحل حسام تمام فى باريس، جاء وقتها للعلاج من المرض الذى خطفه منا فى أوج عطائه، عملت مع حسام فى موقع «إسلاميون» الذى اهتم بالحركات الإسلامية، خضت معه تجربة مهنية جميلة، كما كانت لى معه علاقة صداقة متينة، حسام الذى رحل كان إنسانًا راقيًا شغوفًا بالمعرفة ملمًا بالموضوع الذى تخصص فيه، عندما أتذكر المتخصصين فى شئون الحركات الإسلامية قليلة هى الأسماء التى تعلق بذاكرتى، أعتقد أن حسام تمام أحدهم.