الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

تراث الفراعنة في أيدي اللصوص.. التوابيت المسروقة في شوارع "المطرية"

الحكومة تبنى مدرسة ومركز شباب فوق مدينة فرعونية بالمخالفة للقانون

آثار المطرية
آثار المطرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
التوابيت الحجرية تحولت إلى معالف للماشية وبعضها ملقى في المقابر 
«الآثار» تؤكد وجود معبد تحت منطقة «المسلة» بكامل محتوياته وكنوزه 
الأهالي يروون قصص بيع «المساخيط».. والتنقيب عن الآثار طريق الثراء السريع لأصحاب شركات العقارات


عندما تدخل منطقة المسلة، لا ترى من أول وهلة إلا مسلة واحدة، تقف شامخة على مر العصور شاهدة على عظمة تلك المدينة الفرعونية وحضارتها، لكن سرعان ما تختفي وسط الزحام والأدخنة المتصاعدة من وسائل المواصلات المتهالكة في الحي الشعبي، وإذا سألت أحد المارة من قاطني تلك المنطقة أين المسلة الفرعونية تجد الجميع بكل ثقة يقومون بوصف الطريق إليها، وإذا ترجلت نحو ٤٠٠ متر تجد المنطقة التى خرج منها رأس تمثال الملك رمسيس الثاني أو بسماتيك مؤخرا تحظى بهالة وقدسية من الاحترام للمكان، وتجد منزلًا من الخوص والخشب والطوب الأحمر بجانب الموقع مخصص لأفراد البعثة الألمانية التي تشرف على عمليات التنقيب في المنطقة منذ سنوات عدة. 
المنطقة تعوم فوق مدينة تاريخية، اسمها «أون»، أي ذات العمدان، وتعني بالمصرية القديمة مدينة الشمس، وبالإغريقية هليوبوليس، كما سمّاها اليونانيون، تقع في ضاحية مصر الجديدة شمال شرق القاهرة، وبالتحديد بمنطقة المطرية؛ حيث تقف مسلة من الجرانيت الأحمر خلف المنازل، وهي المعلم الوحيد الظاهر من مدينة عمرها سبعة آلاف سنة.
هي كانت مركز عبادة الشمس وهي مدفونة تحت الأرض بضاحية عين شمس؛ حيث تقع معابد المدينة في منطقة تبلغ مساحتها ٥٤ فدانًا، وتضم آثار معابد ومكتبات للفلسفة وعلوم الفلك والرياضيات.
ووفقًا للمعتقدات المصرية القديمة، المدينة هي الموقع الذي بدأت فيه الحياة، كما أنها تسجل عصور العديد من الأسر التي حكمت مصر وتعطي صورة أوضح لمدينة «أون» من الصورة التي أظهرتها المقابر التي عثر عليها في شرق عين شمس، والتي لا تشير سوى إلى من أقاموها؛ حيث عثر على كنوز عدة يجرى ترميمها حاليًا مثل مقبرة أحد كهنة الأسرة السادسة والعشرين (ما بين عامي ٦٦٤ و٥٢٥ ق. م)، والموقع أرض غير مستوية تتناثر فوقها التوابيت الحجرية المحطمة ذات النقوش والرسومات الفرعونية.

التوابيت الحجرية هى البداية التى قادت لاكتشاف عمليات النهب، فالتوابيت الحجرية هى الغلاف الخارجى الذى اعتاد المصريون القدماء الاستعانة به لحماية التوابيت الخشبية التى توضع بها المومياوات، وتناثرها بالمنطقة يؤكد حقيقة سرقة محتويات التوابيت فى أوقات سابقة، فهذه التوابيت الحجرية تحولت على أيدى البعض من أهالى المنطقة إلى معالف للماشية «يوضع بها التبن والعلف»، فضلا عن أن بعضها تم تفريغه من محتوياته وإلقائه فى المقابر الملاصقة لأرض المدينة الفرعونية. 
لا ينكر العقلاء من أبناء المنطقة عمليات النهب التى جرت فى العقود الماضية، فمنهم من روى لنا عن تجارة المساخيط والجعارين بقروش قليلة، حيث كان بعض الفقراء يجمعونها من المنطقة بعد عمليات حفر بسيطة ويجمعونها فى أجولة ويبيعونها للأطفال ممن لا يعرفون قيمتها وأهميتها، بالضبط مثل بائعيها.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالمغامرون زحفوا على المنطقة وأقاموا العمارات الشاهقة عليها بعد الحفر والتنقيب أسفلها، فحدثت طفرة من الثراء لكثيرين من أبناء المنطقة دفعت للتكهنات حول تورطهم في نهب الآثار وسرقتها|، التقينا طارق زنبوعة، أحد أبناء المطرية، الذي أكد ثراء تلك المنطقة بالآثار الفرعونية المتنوعة على مر العصور، مضيفًا أنها منطقة مباركة بها العديد من الآثار والكنوز الشاهدة على عظمة مدينة الشمس الفرعونية أو مدينة أون، قائلا إن التمثال المكتشف مؤخرًا من قبل البعثة الألمانية الذي يعتقد أنه يرجع إلى رمسيس الثاني أو الملك بسماتيك، هو ليس الأثر الوحيد الموجود بالمنطقة، بل هناك المئات من التوابيت والآثار القديمة النفيسة المتناثرة فى أرجاء المكان، ولم تجد حتى اللحظة أي اهتمام من قبل وزارة الآثار المصرية لحفظها وعرضها للعالم لتؤكد عظمة مصر والحضارة الفرعونية.
أما عن المنطقة ذاتها فحدّث ولا حرج، مساحتها ٥٤ فدانًا، هذه المساحة تعرضت عبر عقود عدة متتالية لأبشع أساليب العبث بداية من إهمال الجهات الحكومية وليس انتهاء بمحاولات السطو عليها واختطافها بأوراق مزورة، وادعاء ملكيتها لورثة وهميين لصاحب وقف أهلي، الأمر الذي كان مغريا ومشجعا للمغامرين ومافيا الاستيلاء على أراضي الدولة، الأرض مملوكة لهيئة الأوقاف المصرية، التي قامت بدورها قبل عقود عدة بتأجيرها كمزرعة لمصلحة السجون التابعة لوزارة الداخلية، لذا فهي مشهورة بين أهالي المنطقة بأرض المزرعة؛ حيث كان يعمل بها المساجين، ثم تركتها مصلحة السجون وأصبحت مرتعًا لعمليات التنقيب والحفر خلسة، وقبل ٢٥ يناير ٢٠١١ تحولت بقدرة قادر إلى قبلة لمشاهير البيزنس وأصحاب شركات الاستثمار العقاري، وذلك في الوقت نفسه الذي كانت فيه البعثة الألمانية تقوم بالتنقيب بالاشتراك مع خبراء الآثار المصريين، مما جعل وتيرة التكهنات تتنامى، حول إخلائها وتقسيمها وغير ذلك من الأحاديث المتداولة بين الأهالي، وعلى الرغم من أنها منطقة أثرية؛ فإن الحكومة وافقت على إنشاء مدرسة ومركز شباب، رغم أن القانون يمنع البناء على المناطق الأثرية. 
بين هذا وذاك تظل قصة التوابيت هي اللغز في جرائم سرقة آثار المنطقة أو مدينة أون، وبالرغم من أن عدد تلك التوابيت غير معلوم ولا توجد إحصائية رسمية أو غير رسمية بأعدادها؛ فإنها تؤكد حقيقة وقوع الكارثة، والشواهد على ذلك كثيرة، حيث يواصل طارق زنبوعة ومرافقوه القول، بأن الأهالي في منطقة عرب الحصن وعزبة عاطف وعزبة شوقي المتاخمة لأرض المسلة، يقومون باستخدام التوابيت الحجرية الفرعونية كمخازن للعلف الحيواني، ومسقى للمواشي، غير مقدرين أهمية تلك الآثار وقيمتها التى لا تقدر بثمن، مؤكدا أن وزارة الآثار لا تحرك ساكنًا لإنقاذ الآثار من الدمار، كما أن هناك العديد منها تشهد على عظمة الحضارة الفرعونية ملقاة فى وسط الحارات والشوارع بالمطرية ذات قيمة تاريخية كبيرة، كلوح الجرانيت الذى يصف معركة حربية لملك فرعونى وتمثال ذهبى اللون على شكل أسد رابض بجانب اللوح الجرانيتى، وأضاف قائلا: لماذا لا تجمع وزارة الآثار كل آثار المنطقة فى متحف يتم إنشاؤه فى المنطقة، خاصة أنه تم نهب وسرقة العديد منها فى الآونة الأخيرة، وبالتحديد فى أعقاب ثورة ٢٥ يناير لولا تدخلات وحماية أبناء المنطقة للحفاظ عليها قدر الإمكان آنذاك، مؤكدا أن البعثة الألمانية مكثت فى المطرية ما يقرب من ١٠ سنوات، واكتشفت العديد من الحفائر الأثرية بالمنطقة كمسلة الملك مرنبتاح بالإضافة إلى العديد من القطع الأثرية الأخرى.
من المواقف الطريفة التى شهدتها فى المنطقة هو اكتشاف مومياء تحت أحد المنازل بالمنطقة من قبل بعض الأهالى منذ حوالى ٦ سنوات فأصر أهل البيت على إقامة صلاة الجنازة على المومياء الفرعونية، الأمر الذى أثار سخرية الناس حول كيفية إقامة صلاة الجنازة على مومياء كافرة عمرها يعود إلى ما قبل الإسلام بآلاف السنين.

المعلومات الموثقة فى وزارة الآثار تؤكد حقيقة تاريخية، مفادها وجود معبد يقبع تحت المنطقة بكامل محتوياته وكنوزه، مشيرة إلى وجود دهليز فرعونى ضخم يؤدى إلى منطقة عين شمس ما زال مدفونا فى عمق الأرض، كما أن مئات الأفدنة والأراضى التابعة لوزارة الآثار بنيت عليها مساكن بشكل عشوائى بالرغم من التحذير بالمنع التام من البناء عليها، ولكن لا حياة لمن تنادى.
فيما قال أحمد البهتيمى، صاحب كشك: «الآثار هنا كتير جدا والناس عارفة ووزارة الآثار عارفة».
 وأكمل قائلا: «فيه مافيا لازم تتحارب عشان آثارنا بتتنهب وبتسافر بره البلد».
فيما أكد ياسر أحمد، سيطرة البعثة الألمانية بقيادة مستر «ألن» على المنطقة، ولكن هناك تباطؤًا غريبًا من جانب البعثة فى استكمال عمليات الحفر والاستخراج للآثار المدفونة فى مختلف أرجاء المنطقة قائلا: «بعثة ألمانية مش مصرية بقالها ١٠ سنين بتعمل إيه؟! متقنعنيش أنها موجودة ده كله واكتشفت بس راس التمثال ومش راضية تطلع الآثار اللى الأهالى أرشدوا عنها».