الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الانتخابات الرئاسية الإيرانية.. معركة الإصلاحيين والمعتدلين ضد "المرشد"

استفتاء على «ولاية الفقيه»

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إبراهيم رئيسي يقود معركة الخلافة السياسية بدعم من خامنئي.. حسن روحاني يواجه هجوم المرشد.. والفشل الاقتصادي.. توقعات باستمرار «قاليباف» و«جهانجيرى» كمتنافسين أساسيين على الرئاسة.. إيران ليست لديها رؤية للانسحاب من سوريا.. وانقلاب الرئيس الأمريكى على الاتفاق النووي
على خلاف كل الانتخابات الرئاسية، التى خاضتها إيران، على مدى ما يقرب من أربعة عقود، منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية (فبراير١٩٧٩)، تدخل إيران الانتخابات التى ستجرى يوم الجمعة (١٩ مايو الجاري)، وهى تواجه أصعب التحديات فى الداخل والخارج، على العكس من كل التوقعات، التى كانت تتوقع ظروفًا أفضل لإيران، منذ نجاحها فى التوصل إلى اتفاق دولى بخصوص مشروعها النووى فى يونيه ٢٠١٥، مع القوى الدولية الكبرى ممثلة فى «مجموعة دول ٥+١» (الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية فى مجلس الأمن + ألمانيا).
كانت التوقعات تقول إن توقيع هذا الاتفاق يعنى رفع العقوبات المفروضة على إيران، سواء أكانت بقرارات من الأمم المتحدة أم كانت أمريكية أم أوروبية، بما يتضمنه ذلك من انطلاقة كبرى للاقتصاد الإيرانى، وانتعاش للأوضاع المعيشية، ومن ثم دعم الاستقرار السياسى وتثبيت شرعية النظام. 
كما كانت هذه التوقعات تشير أو تلمح، وهذا هو الأهم، إلى أن هذا الاتفاق الذى أنهى أزمة برنامج إيران النووى وحفظ لإيران قدراتها النووية وأجَّل تفعيلها لعشرة أعوام مقبلة، يتضمن اتفاقات سياسية أخرى، ربما تكون أكثر أهمية تتعلق بالاعتراف بإيران قوة إقليمية (شرق أوسطية) كبرى، بما يتضمنه هذا الاعتراف من قبول لأدوار إقليمية لإيران، خاصة فى مناطق نشاط النفوذ الإيرانى.



قلق إسرائيل والخليج
الترويج لمثل هذه الاتفاقات أثار انزعاجًا شديدًا لدى أطراف إقليمية، رأت أن تمكين إيران من أن تكون قوة إقليمية مؤثرة، وبتوافق واعتراف دولى يهدد مصالحها ويمثل خطرًا عليها. فى مقدمة هذه الدول كانت إسرائيل، وكانت المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى، خصوصًا بعد أن رفض الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما دخول الولايات المتحدة فى تحالف استراتيجى عسكرى مع دول مجلس التعاون الخليجى ضد إيران.
أوباما لم يرفض هذا المطلب فقط، لكنه رفض أيضًا اعتبار إيران مصدرًا للتهديد بالنسبة للسعودية ودول الخليج، ونوه إلى أن مصدر الخطر على هذه الدول يكمن فى داخلها (فى الأيديولوجيات الجامدة، وغياب الأمل أمام ملايين الشباب).
إيران تهدد المنطقة
الآن الأمور اختلفت كثيرًا جدًا مع مجيء إدارة أمريكية جديدة، يرأسها دونالد ترامب، الذى أعلن صراحة عداءه الشديد لإيران، ورفضه المطلق للاتفاق النووى الذى جرى التوقيع عليه، وزاد على ذلك هو، وأركان إدارته، بالتأكيد أن إيران هى مصدر التهديد والخطر على الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط.
هذا الخطر تجاوز حدود الإدراك إلى مستوى التخطيط لمواجهته على نحو ما كشف وزير الدفاع الأمريكى الجديد، جيمس ماتيس، خلال زيارته لإسرائيل مؤخرًا؛ حيث كشف عن وجود توجه أمريكى بتشكيل حلف دفاعى إقليمي- شرق أوسطى، وهو ما رأى فيه موقع «إسرائيل ديفنس» الذى يعنى بالشئون العسكرية خاصة ذات العلاقة بالأمن الإسرائيلى، أنه مشروع أمريكى يهدف إلى تشكيل حلف «ناتو شرق أوسطى» لمواجهة التهديد الذى تمثله الجمهورية الإسلامية الإيرانية على إسرائيل.
هيكلية أمنية إقليمية 
واضح أن ما سبق أن رفضته إدارة باراك أوباما باتت إدارة دونالد ترامب ملتزمة بتحقيقه، ليس فقط مع دول الخليج، ولكن ضمن إطار إقليمى أوسع، يضم إسرائيل أيضًا ضد إيران؛ حيث أوضح ماتيس، خلال مؤتمره الصحفى مع نظيره الإسرائيلى أفيجدور ليبرمان أن «تحالفنا مع إسرائيل هو حجر الزاوية فى هيكلية أمنية إقليمية واسعة جدًا، تضم التعاون مع مصر والأردن والسعودية وشركائنا فى دول الخليج» وحدد هدف هذا الحلف بأن «هدفى هو تعزيز شراكتنا فى هذه المنطقة، من أجل ردع وهزيمة التهديدات، وفى نهاية الأمر إخافة أعدائنا».
ما لم يفصح عنه «ماتيس» تولاه الموقع الأمنى الإسرائيلى. فقد حرص موقع «إسرائيل ديفنس» على توضيح المعانى المتضمنة فى دعوة تشكيل «هيكلية أمنية إقليمية تهدف إلى ردع وهزيمة التهديدات» بالقول إن هناك حاجة إلى تعاون عسكرى وتكنولوجى واستخباراتى، وأن التهديد الذى تطرق إليه «ماتيس» هو «النووى الإيرانى والإرهاب الذى تنشره إيران، وتواجهه إسرائيل والدول السنية» فى إشارة إلى السعودية ومصر والأردن.
معركة البرنامج النووي والاقتصاد 
هذا يعنى أن الانتخابات الإيرانية تجىء فى ظروف تختلف جذريًا مع كل التوقعات، التى أحاطت بتوقيع الاتفاق النووى، وهذا بالتحديد جوهر الصراع الراهن بين الفريقين الرئيسيين المتنافسين فى الانتخابات الرئاسية الراهنة، فريق تحالف تيار الإصلاحيين والمعتدلين، وفريق المرشحين المحافظين الأصوليين؛ حيث أسفرت عملية فرز المرشحين من جانب مجلس صياغة الدستور المعنى بذلك عن اختيار ستة مرشحين فقط من بين ١٦٣٦ مرشحًا، تقدموا للمنافسة على رئاسة الجمهورية، ثلاثة منهم من تحالف الإصلاحيين والمعتدلين، والثلاثة الآخرين من المحافظين الأصوليين.
الإصلاحيون والمعتدلون 
ففريق الإصلاحيين والمعتدلين كما يعبر عنه مرشحوه الثلاث: الرئيس حسن روحانى، ونائبه إسحق جهانجيرى، وكذلك مصطفى هاشمى طبا (مساعد الرئيس الإيرانى فى حكومة على أكبر هاشمى رفسنجاني)، يخوضون الانتخابات الرئاسية اعتمادًا على نجاح حكومة روحانى فى إنجاز الاتفاق النووى الذى حقق لإيران من وجهة نظرهم مكسبين كبيرين، الأول اقتصادى؛ حيث أتاح رفع العقوبات وضخ عشرات المليارات من الدولارات فى الاقتصاد الإيرانى، والثانى أمنى؛ حيث أبعد إيران عن مخاطر عدوان عسكرى كان يمكن أن تتعرض له.
المحافظون 
أما فريق المرشحين المحافظين الثلاثة أيضًا: السيد إبراهيم رئيسى (سادن الروضة الرضوية)، والجنرال محمد باقر قاليباف عمدة طهران، ومصطفى مير سليم وزير الثقافة الأسبق فى حكومة رفسنجانى الثانية (١٩٩٣- ١٩٩٧)، فهم ينكرون أى مكسب لإيران من الاتفاق النووى، ويدعمهم فى هذا الموقف المرشد الأعلى السيد على خامنئى (الولى الفقيه).
المرشد وروحاني
انتقد المرشد وبشدة ما جاء على لسان الرئيس حسن روحانى، فى أحد المهرجانات الانتخابية، من أن «الاتفاق النووى جنّب البلاد حربًا» كانت متوقعة. فقد اعتبر خامنئى أن الشعب الإيرانى وصموده البطولى وعلى مدى العقود الأربعة الماضية هو من حمى ويحمى إيران. 
وقال أمام حشد عمالى بمناسبة احتفالات عيد العمال: «إذا كنتم ترون أن الأعداء الوقحين والمتغطرسين يتجنبون مواجهة قاسية مع إيران، فهذا سببه يقظة الشعب. إنهم يخافون الشعب الإيرانى بكل ما للكلمة من معنى، وهذا ليس تحليلًا بل حقيقة مستدلة ومسلم بها»، وأكد أن «وجود الشعب فى الساحة هو الذى أبعد شبح الحرب عن البلاد لا وجود بعض المسئولين».
هذا الانتقاد للرئيس روحانى وحكومته من جانب المرشد له دلالات بالنسبة للانتخابات الرئاسية، ويكشف أن المرشد لا يؤيد التجديد للرئيس روحانى، رغم أنه أشار فى خطابه المشار إليه بمناسبة عيد العمال، إلى أنه «لن يدعو إلى انتخاب مرشح محدد»، لكنه اعتاد أن يهاجم روحانى وحكومته بسبب عجزها عن إدارة الاقتصاد والارتقاء بمستويات معيشة المواطنين، وفشل روحانى فى الانخراط فى «اقتصاد مقاوم»، وفشل الرهان على الاتفاق النووى فى حل المشكلات الاقتصادية للبلاد.
ولذلك كان واضحًا فى خطابه فى عيد العمال، العودة إلى الانتقادات والتلميحات ذاتها قبل ما يقرب من أسبوعين من إجراء الانتخابات الرئاسية، عندما دعا المواطنين إلى الاقتراع والتصويت «لمرشح يستطيع تسوية مشكلاتهم»، وزاد أن «على من ينتخب رئيسًا أن يولى فى أول أيام حكومته، أهمية لتأمين فرص عمل، وإذا نجح فى الأمر، فلن نكون عرضة لمشكلات اجتماعية ومشكلات أخرى تحدث بسبب البطالة».
هذا الهجوم من جانب المرشد جاء امتدادًا للهجوم الشديد الذى تعرضت له حكومة الرئيس روحانى من المرشد الأعلى، ومجلس خبراء القيادة، وعدد من رموز المحافظين فى هجوم اعتبره الإصلاحيون فى عمق معركة الانتخابات الرئاسية؛ حيث كان التركيز على فشل الاتفاق النووى الإيرانى، الذى يعد أهم إنجازات روحانى فى حل الأزمات الاقتصادية والمعيشية فى إيران.



المعركة بدأت 2015
كانت بداية هذه المعركة فى ١٥ فبراير ٢٠١٧، عندما أعلن السيد على خامنئى أن «الشعب يشتكى اللامبالاة والتمييز والعجز فى معالجة مشكلاته»، وطالب الحكومة بالاهتمام بتخصيص أوقاتهم لحل تلك القضايا، بدلًا من الانجرار إلى الخلافات الداخلية، لكن الهجوم الشديد والتباين بين المرشد والرئيس تأكد فى محتوى الرسالة التى أعلنها خامنئى (٢٠ مارس ٢٠١٧) بمناسبة أعياد النوروز (رأس السنة الفارسية)، والتى أعلن فيها أن «السياسات الاقتصادية للحكومة خيبت الآمال».
ودعا إلى الأخذ بنظام ونهج «اقتصاد مقاومة جديد لخلق الوظائف». وقال خامنئى فى رسالته تلك «أشعر بمعاناة المواطنين الفقراء ومحدودى الدخل بكل وجدانى، خصوصًا بسبب ارتفاع الأسعار والبطالة والتفاوت (الاجتماعي)»، مشيرًا إلى أن «الحكومة اتخذت خطوات إيجابية لكنها لا تلبى توقعات الشعب وتوقعاتى».
إهمال وتقصير 
قبل ذلك كان خامنئى قد وجه انتقادات أخرى لا تقل حدة للحكومة، عند اجتماعه مع مجلس خبراء القيادة (الخميس ٩/٣/٢٠١٧)؛ حيث اتهم الحكومة بالإهمال والتقصير، وعدم القيام بما يجب القيام به للوصول إلى أهداف الاقتصاد المقاوم. كما شكك بالإحصاءات التى تنشرها الحكومة حول النمو الاقتصادى بقوله: «كنت قد أخبرت رئيس الجمهورية بأن ما تنشره الحكومة من أرقام غير دقيقة، فهى تشير إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية بشكل عام، لكن هذا التحسن لم ينعكس بشكل إيجابى على حياة المواطنين على المدى القصير».
هذا الهجوم المتواصل من جانب المرشد الأعلى، حفز بعض قادة المجلس، خاصة رئيسه أحمد جنتى (هو أيضًا رئيس مجلس صيانة الدستور) على مجاراة هجوم خامنئى على الحكومة؛ حيث طالب جنتى (٧/٣/٢٠١٧) الحكومة بأن تقدم تقريرًا مفصلًا حول التطورات التى شهدها برنامج «الاقتصاد المقاوم»، وحث الحكومة على الاعتذار إذا كان هناك أى تقصير فى تنفيذ البرنامج الاقتصادى، وانتقد جنتى بشدة ما وصفه بفشل روحانى فى تحسين الاقتصاد خلال أربع سنوات له فى السلطة، وقال خلال اجتماع مجلس الخبراء بحضور روحانى (باعتباره عضوًا بالمجلس) إنه «إذا لم يسر الاقتصاد فى الطريق الذى كان ينبغى أن يسير فيه فعلى روحانى أن يعتذر ويوضح الأسباب للشعب».
اعتداءات معنوية 
لم يقتصر الأمر على تلك الانتقادات الحادة من قادة النظام للرئيس روحانى، بل امتدت إلى ممارسة اعتداءات معنوية ضده دون تدخل من المرشد الأعلى، خاصة عندما تجرأ عدد من منتسبى ما يعرف بـ «حزب الله» الإيرانى التابعين للحرس الثورى، وأجبروه على الخروج من «حسينية المرشد»، وطردوه من المراسم التى أقامها مكتب خامنئى بمناسبة ذكرى «استشهاد السيدة فاطمة عليها السلام» (حسب عقيدة أهل الشيعة الذين يعتقدون باستشهادها).
فقد ردد عدد من ميليشيات هذا الحزب هتافات غاضبة ضد الرئيس روحانى عندما شاهدوا دخوله إلى تلك «الحسينية»، وهتفوا «الموت لمثير الفتن»، واتهموه بالنفاق والتلاعب ضد الثورة الإسلامية، ويذكر موقع «أمد نيوز» التابع للإصلاحيين، أن المرشد أشار إلى الحاضرين مطالبًا إياهم بالتروى، لكن أنصار حزب الله واصلوا احتجاجهم الغاضب ضد روحانى، وهتفوا ضده بالموت، وحينما اتجه الرئيس إلى باب الخروج هتفوا ضده متوعدين بطرده من منصبه فى الانتخابات الرئاسية التى ستجرى يوم ١٩ مايو الجارى.
الهجوم المضاد لروحاني وفريقه 
وسط هذا المناخ الملبد بالمشكلات والتعقيدات للرئيس وتيار الإصلاحيين والمعتدلين، يبدو أنهم اختاروا الرد من منطلق التركيز على الورطة الإيرانية، التى تتفاقم يومًا بعد يوم، أمام إيران فى سوريا، والتى يعتبر المرشد صاحب القرار الأول فيها بمشاركة الحرس الثورى والتيار الأصولى والمحافظين.
جاء اختراق هذه «الثغرة» الحرجة من جانب الدبلوماسى الإيرانى الكبير مصطفى زهرانى، الذى عمل لسنوات طويلة فى مكتب إيران بالأمم المتحدة، ثم عمل عام ٢٠٠٤ مساعدًا لوزير الخارجية رئيسًا لمعهد الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية، وعاد مجددًا للعمل فى الخارج ثم عاد ثانية إلى معهد الدراسات السياسية والدولية مديرًا عامًا للشئون الاستراتيجية. فتحت عنوان «فكَّر الروس فيها أما نحن الإيرانيين لم نفكر فيها: المعضلة الكبرى استراتيجية الانسحاب من سوريا». 
كتب زهرانى على موقع المعهد أن إيران تواجه الآن معضلة كبرى فى إيران بسبب عدم وجود خطة إيرانية للانسحاب، وانتقد التورط الإيرانى فى الأزمة السورية، واعتبر أن الوجود الإيرانى فى سوريا أصبح أهم مصدر لتهديد إيران من القوى المناوئة، بعد انتهاء الأزمة الغربية المفتعلة ضد إيران بسبب برنامجها النووى.
مقال زهرانى يصعب اعتباره مجرد رؤية شخصية للرجل مع أهمية موقعه فى الخارجية الإيرانية، كما لا يمكن تصور أن مقاله المنشور على الموقع الرسمى لمعهد الدراسات السياسية والدولية، مجرد تعبير عن وجهة نظر، بل الأمر المؤكد أنه تعبير عن رؤية تيار كبير فى إيران امتلك الجرأة الكافية لتفجير هذا البرميل من البارود شديد الاشتعال، وهو يعد مؤشرًا مهمًا لحدة الصراع المتصاعد الآن داخل إيران، والذى يتخذ من معركة الانتخابات الرئاسية ميدانًا لتصفية الحسابات: تيار يقوده المرشد الأعلى ومدعوم من التيار الأصولى والمحافظين قرر إسقاط حسن روحانى بالتركيز على فشل الاتفاق النووى فى حل الأزمات الاقتصادية لإيران، وعدم امتلاك الحكومة ورئيس الجمهورية رؤية وعزمًا على إنجاح برنامج اقتصاد مقاومة قادر على تحقيق الرخاء للشعب والانتصار على الضغوط الخارجية، وتيار يدافع عن الرئيس يضم تحالف الإصلاحيين والمعتدلين أراد أن يفجر أزمة التدخل الإيرانى فى أزمات إقليمية ساخنة، خاصة فى سوريا والعراق واليمن، وأن هذا التدخل بات يمثل أخطر مصادر التهديد للأمن الإيرانى. هذه الرؤية اكتسبت مصداقية كبيرة على ضوء تراكم التحديات أمام الدور الإيرانى فى إدارة تلك الأزمات، التى كشفت عن نفسها فى عجز إيران عن الرد على العدوان الأمريكى على مطار «الشعيرات»، والضربات الانتقائية الإسرائيلية المتواصلة ضد الجيش السورى وحزب الله داخل الأراضى السورية.
فهذا العدوان الأمريكى على قاعدة «الشعيرات» فجر الجمعة (٧/٤/٢٠١٧) أعطى مصداقية للتحذيرات الواردة فى مقال مصطفى زهرانى، حول تحول الدور والوجود الإيرانى فى سوريا والعراق واليمن إلى مصدر تهديد حقيقى لإيران، فإلى جانب روسيا التى تعرف كيف تحقق مصالحها فى سوريا، ولديها استعداد للصدام مع إيران حول هذه المصالح تدخل الولايات المتحدة كطرف منافس قوى لإيران ليس فقط فى العراق ولكن فى سوريا.


واقع انتخابي جديد: معركة الخلافة السياسية
وسط هذه المواجهات، دخلت إيران معركة الانتخابات الرئاسية، التى ازدادت سخونة بإعلان ترشح السيد إبراهيم رئيسى «سادن الروضة الرضوية» (رئيس هيئة إدارة وقف الإمام على الرضا الإمام الثامن ضمن الأئمة الاثنى عشر وفقًا للمذهب الإمامى الاثنى عشرى بمدينة مشهد شمال شرق إيران)، وهذا الوقف يعد أكبر وأثرى مؤسسة خيرية فى إيران والعالم الإسلامى والمؤسسة المسئولة عن أهم المزارات المقدسة فى إيران. 
قبل ذلك كان رئيسى قد أعلن قبل أيام من تشكيل الأصوليين جبهة لإدارة تحالف يقود الانتخابات الرئاسية حملت اسم «الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية» (٢٢/٢/٢٠١٧) والمعروفة اختصارًا بـ «جمنا» (جبهة مردمى ينروهاى انقلاب إسلامي) أنه يفضل البقاء فى منصبه على الترشح لخلافة الرئيس حسن روحانى. 
لكن مصادر مقربة من تلك الجبهة، رجحت وقتها، أن يكون إبراهيم رئيسى مرشحًا وحيدًا للجبهة رغم معارضته خوض معركة الانتخابات الرئاسية، مشيرة إلى أن اعتراض رئيسى لم يكن قاطعًا، ومرجحة أن يكون هذا الاعتراض قد صدر فى إطار لعبة سياسية أراد القيام بها لتوجيه الأنظار إليه وتعزيز مطالبات سياسية وشعبية بترشحه خصوصًا افتقاد الأصوليين، حتى ذلك الوقت، مرشحًا قويًا باسم الجبهة يكون فى مقدوره منافسة الرئيس روحانى، خاصة مع غياب أسماء بوزن كل من على لاريجانى رئيس مجلس الشورى، وعلى أكبر ولاياتى وزير الخارجية الأسبق، مستشار الشئون السياسية للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد على خامنئى.
واقع انتخابي جديد
قبول السيد إبراهيم رئيسى الترشح قلب الموازين وفرض واقعًا انتخابيًا جديدًا من منظورين، أولهما أن جبهة الإصلاحيين والمعتدلين التى توافقت على مرشح واحد ومحدد تخوض به المعركة الانتخابية هو الرئيس حسن روحانى، والتى كانت تراهن على افتقاد المحافظين الأصوليين بالذات لشخصية قوية محل اتفاق تكون قادرة على منافسة روحانى، خسرت الرهان؛ حيث اتفق المحافظون الأصوليون على شخص قوى والتفوا حوله كمرشح قادر على الفوز، وليس فقط على المنافسة، ثانيهما أن قبول رئيسى الترشح وظروف إعلان هذا القبول حملت إيحاءً قويًا بأنه سيخوض معركة الانتخابات الرئاسية من أجل أن يتهيأ لملء فراغ غياب المرشد الأعلى فى اللحظة التى يحدث فيها ذلك، أى أنه الأقرب إلى أن يكون خليفة للمرشد الأعلى السيد على خامنئى، وهذا يعنى أن خسارته باتت مستبعدة إذا ثبت ذلك، وإذا ثبت أن المرشد يدعمه، خاصة بعد أن أعلن عن ترشيح نائب رئيس مجلس خبراء القيادة محمود شهروردى لمنصب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، وهو الرجل الذى كان يراهن عليه البعض ليكون خليفة للمرشد. 
مرشد المستقبل
ترشيح شهروردى لرئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام يعنى إبعاده عن الترشح لمنصب المرشد الأعلى، وأن الدفع بإبراهيم رئيسى لخوض انتخابات رئاسة الجمهورية يحمل معنى إعداده ليكون مرشدًا فى المستقبل تمامًا على نحو ما حدث مع خامنئى نفسه، حيث كان رئيسًا للجمهورية وقت وفاة الإمام الخمينى، وبعدها تولى منصب المرشد الأعلى (الولى الفقيه) خلفًا للخمينى، وتولى على أكبر هاشمى رفسنجانى الذى كان رئيسًا لمجلس الشورى (البرلمان) رئاسة الجمهورية.
المعلومات التى ترددت فى أعقاب إعلان إبراهيم رئيسى ترشحه لخوص انتخابات رئاسة الجمهورية، رغم تردده السابق، تؤكد أنه قرر الترشح بعد ما درس الأمر مع المرشد الأعلى السيد على خامنئى خلال زيارة خامنئى لمدينة مشهد أثناء عطلة الـ «نوروز» (العيد الإيرانى ورأس السنة الفارسية)، وعرض رئيسى مع المرشد المشاورات التى أجراها مع أعضاء بارزين فى المؤسسة الدينية فى مدينة «قم»، إضافة إلى شخصيات سياسية وعسكرية بارزة.
معركة ساخنة 
هذا يعنى أن المعركة باتت ساخنة، وأنها تحمل فى مضمونها معركة «الخلافة السياسية» وأن رئيسى هو المرشح المفضل لدى خامنئى، بل خياره الأول، وأن خوض كل من محمد باقر قاليباف ومصطفى مير سليم جاء من أجل توفير الدعم السياسى والإعلامى المناسب لرئيسى، تمامًا كما حال كل من إسحاق جهانجيرى ومصطفى هاشمى طبا بالنسبة لروحانى، فالمعركة فى الواقع هى بين إبراهيم رئيسى وحسن روحانى، أى بين الإصلاحيين والمعتدلين فى مواجهة المرشد نفسه، وليس فقط فى مواجهة المحافظين الأصوليين، الأمر الذى يجعل منها انتخابات مفترق الطرق بالنسبة لإيران. 
إما أن يفوز رئيسى وتعلن إيران عن إرادة المواجهة مع الخارج، وإما أن يفوز روحانى ليفتح مجال احتواء الأزمة مع الخارج، لكن إن حدث ذلك فإن الأزمة ستكون داخلية بالأساس، أى معركة مستقبل النظام السياسى كله، وفى القلب منه ولاية الفقيه؛ حيث ستكون نتائج هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على ولاية الفقيه، ومع ذلك تبقى المفاجآت غير السارة ممكنة؛ حيث يتوقع البعض استمرار كل من محمد باقر قاليباف وإسحق جهانجيرى كمتنافسين أساسيين، وليس مجرد واجهة لدعم كل من رئيسى وروحانى، استنادًا إلى الأداء المميز الذى أبداه كل من قاليباف وجهانجيرى فى المناظرات الانتخابية لدرجة توقع فوز أى منهما رئيسا لإيران.