الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

صعيد مصر يشهد زخمًا ثقافيًا منذ اختيار الأقصر عاصمة للثقافة العربية

الأقصر عاصمة للثقافة
الأقصر عاصمة للثقافة العربية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ اختيار الأقصر عاصمة للثقافة العربية هذا العام يشهد صعيد مصر زخمًا ثقافيًا ملحوظًا في سياق تفاعل بناء بين مدن الجنوب، فيما تشكل هذه الحالة فرصة مواتية لتعزيز السياحة الثقافية بقدر ما تؤكد أن مصر تتحرك بخطى لافتة لتحقيق "العدالة الثقافية" وتطوير مبادرات تستهدف مواجهة "حالة الحرمان والتهميش الثقافي" في بعض المناطق بالريف.
وإذا كانت الأقصر أو "طيبة" قد انطلق منها المصريون القدماء لبناء حضارة من أعظم الحضارات الإنسانية في التاريخ الإنساني فها هي اليوم تتحول إلى بؤرة إشعاع ثقافي بعد أن اختيرت عاصمة للثقافة العربية هذا العام فيما تتفاعل معها مدن الصعيد وكل مدن مصر.
ومن حسن الطالع أن تتزامن الفعاليات والاحتفالات باختيار الأقصر كعاصمة للثقافة العربية مع اكتشاف أثري كبير غرب المدينة يثري الإرث الثقافي المصري ويتمثل في "حديقة جنائزية" وصفها علماء في الآثار بأنها "حديقة فريدة من نوعها" ولا مثيل لها في مدينة طيبة القديمة. 
وكانت جامعة الدول العربية قد اختارت الأقصر عاصمة للثقافة العربية هذا العام لثراء تاريخها الثقافي والحضاري وتميز هذا الثراء بالتنوع والتكامل ما بين العصور الفرعونية والقبطية والإسلامية وقدرة هذه المدينة المضيافة بطبعها على استضافة فعاليات ثقافية عربية وعالمية.
وأمست مدينة الأقصر علامة مهمة في عالم "الفن السابع" بفضل احتضانها للمهرجان السنوي للسينما الإفريقية، الذي اختتمت دورته السادسة مع بدء الاحتفال بالأقصر كعاصمة للثقافة العربية وبحضور مبهر لفرق الأقصر وأسوان وسوهاج وتوشكي للفنون الشعبية والأدائية.
وكان المخرج السينمائي الموريتاني عبد الرحمن سيساكو الذي جرى تكريمه قد أكد أهمية مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، منوها إلى أن هذا المهرجان "خلق حالة من التواصل بين السينما الأفريقية والسينما العربية"، كما حظيت السينما المغربية بتكريم خاص من جانب المهرجان في دورته السادسة.
وأقيم مؤخرا "معرض الأقصر الثاني للكتاب" ضمن فعاليات الاحتفال باختيار الأقصر عاصمة للثقافة العربية هذا العام فيما أقيمت العديد من الفعاليات على هامش هذا المعرض ومن بينها ندوة نظمتها امانة المؤتمرات بالمجلس الأعلى للثقافة "بساحة أبو الحجاج" تحت عنوان "واقع الثقافة في الصعيد".
وأمس "الجمعة" قدمت فرقة أسوان للفنون الشعبية عروضها بساحة "أبو الحجاج" الأقصرية ضمن "فعاليات الأقصر عاصمة الثقافة العربية 2017" وهي الفعاليات التي كانت قد بدأت هذا العام من معبد الكرنك.
والمدينة التي تحتضن معبد الكرنك ضمن العديد من الآثار كانت قد تسلمت شعلة الثقافة العربية من شقيقتها مدينة صفاقس التونسية فيما تستضيف الأقصر على مدى العام عشرات الفعاليات الثقافية ما بين معارض وندوات ومهرجانات شعرية وعروض للفنون الشعبية والتراثية وورش عمل وملتقيات لفنون الجرافيك.
والأقصر قدر لها أيضًا أن تنطلق منها مبادرة "بينالي الأمم الأفريقية" حيث وجه نحو 25 فنانًا تشكيليًا مصريا وأفريقيا نداء في الدورة الثالثة لملتقى الأقصر الدولي للتصوير لتأسيس هذا البينالي ليجد النداء آذانا صاغية من جانب الدكتور صلاح المليجي رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة.
ومن نافلة القول إن صعيد مصر كان مركزًا للحضارة والتنوير عبر مسيرة العصور المختلفة وها هو الناقد الدكتور أحمد درويش يعدد أسماء مثقفين مثل الإمام السيوطي صاحب الكتب والمؤلفات التي تجاوز عددها الـ 300 والشاعر البهاء زهير مرورًا برفاعة الطهطاوي الذي رفع لواء النهضة والترجمة في الربع الثاني من القرن التاسع عشر ناهيك عن العملاقين طه حسين وعباس محمود العقاد.. كذلك تبرز أسماء مثقفين وأدباء مبدعين قدمهم الصعيد لمصر وأمتها العربية مثل مصطفى لطفي المنفلوطي والمترجم محمد عثمان جلال والشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل وصولا لأمل دنقل وعبد الرحمن الأبنودي وبهاء طاهر.
وإذ طرح الأكاديمي والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة الدكتور محمد أبو الفضل بدران "بانوراما للأدب في الصعيد" فقد لفت لضياع أو اختفاء الكثير من الأعمال الإبداعية "لأن أغلبها يدخل في نطاق الأدب الشفهي أو غير المدون" ودعا لتدوين كل تراث الصعيد الشفهي في كتب باعتباره أحد سبل تحصين المجتمع ضد الأفكار المتطرفة والإرهاب.
وتتبنى الدولة المصرية خطابًا واضحًا بشأن أهمية دعم وتطوير القرى الأكثر احتياجًا وتتضمن عملية الدعم والتوير تقديم خدمات ثقافية وإرسال قوافل للتوعية فيما بوسع الهيئة العامة للكتاب أن تقيم المزيد من معارض الكتب في عواصم لمحافظات الصعيد مثل أسيوط وقنا وأسوان.
وكانت تجربة بلدة "دندرة" الواقعة في محافظة قنا والتي أقامت مؤخرًا "موسمها الثقافي الثالث" لتتمحور هذه الفعالية الثقافية المقامة بالجهود الذاتية حول "القراءة" قد أثارت اهتمامًا لافتًا سواء على مستوى الصحف ووسائل الإعلام أو على مستوى الجماعة الثقافية المصرية، فهذه الفعالية الثقافية في أعماق صعيد مصر توظف الخصائص المحلية والأبعاد الروحية الصوفية لسكان البلدة وتستفيد منها في مشاريع تنموية تخدم السكان وتستثمر طاقات الشباب كما تولي اهتمامًا ملحوظًا للأطفال لعل أحد تجلياته ورش الرسم والأشغال الفنية.
وفيما وصفت الكاتبة الصحفية ماجدة الجندي تجربة "دندرة" بأنها "تجربة تنموية بامتياز" فقد تساءلت في طرح بجريدة الأهرام حول المدى الذي يمكن أن تستفيد مصر كلها من هذه التجربة موضحة أن "الموضوع ليس مجرد فعالية ثقافية سنوية ولكن هذه الفعالية جزء من تجربة أوسع أو صيغة دندراوية في التنمية المستديمة بجهود شبه أهلية وتطوعية تمامًا".
وإذا كانت دعوة مثقف مصري هو السفير عبد الرءوف الريدي لإنشاء ألف مكتبة عامة جديدة في ربوع مصر قد حظيت باهتمام مثقفين وكتاب مثل الدكتور عبد المنعم سعيد الذي وصفها "بالفكرة الرائعة والنبيلة"، فإن صعيد مصر يمكن أن يستوعب عددًا كبيرًا من هذه المكتبات.
وإذ رأى رئيس مجلس إدارة مكتبة مصر العامة عبد الرءوف الريدي أن مصر تفتقر بشدة للعدد الكافي من المكتبات العامة، فإنه يشدد على أن المكتبات العامة والساحات الرياضية "وسيلتان لمقاومة التطرف والفكر التكفيري".
ومنذ نحو عام واحد افتتحت مكتبة عامة جديدة على "كورنيش نيل المنيا" لتنضم إلى منظومة مكتبات مصر العامة وقال الريدي حينئذ إن افتتاح هذه المكتبة يحمل رسالة "تنتصر لروح المحبة" وتؤكد "تمسكنا كمصريين بتقاليدنا السمحة ووحدتنا الوطنية"، مشيرا إلى أن الأمر "لا يحتاج إلى جهد كبير لإثبات العلاقة الجذرية بين الانغلاق الفكري والتطرف".
وفي الاتجاه ذاته، رأى الدكتور عبد المنعم سعيد في سياق ترحيبه بمبادرة الـ 1000 مكتبة أن "القراءة والفهم والثقافة تجعل الشباب اكثر قدرة على مقاومة الأفكار الإرهابية" غير أنه أكد أهمية أن تتوافق المبادرة مع معطيات العصر الرقمي.
وكان وزير الثقافة حلمي النمنم قد أكد أن أولويته هي"تحقيق العدالة الثقافية التي لا تقل أهمية عن العدالة الاجتماعية والاقتصادية"، فيما أعرب عن أسفه لتركز أغلب الأنشطة والخدمات الثقافية في القاهرة.
ويعني هذا التركز في نظر النمنم أن "باقي أنحاء مصر محرومة تمامًا من الخدمات الثقافية الحقيقية التي يجب أن تقدم لها"، فيما شدد على أهمية دور الهيئة العامة لقصور الثقافة لتحقيق العدالة الثقافية وأن تقوم قصور الثقافة بدورها الحقيقي.
وضمن فعاليات الاحتفالات باختيار الأقصر عاصمة للثقافة العربية، لفت الإعلامي جمال الشاعر إلى أهمية تفعيل قصور الثقافة وفتح المسارح وقاعات السينما المغلقة وتنظيم مهرجانات متنوعة، مشيرًا إلى أن "الفراغ الثقافي أحد أهم أسباب الوقوع في فخ التعصب والإرهاب".
وكانت تقارير صحفية قد أشارت إلى أن "قصر ثقافة حسن فتحي" في الأقصر ينتظر قرار الترميم منذ نحو سبع سنوات مما أثر سلبًا على الفرقة المسرحية التابعة له كما تعاني عدة قصور وبيوت للثقافة في محافظة سوهاج ومحافظات أخرى في الصعيد من ضيق المساحة أو عدم استكمال الإنشاءات وضعف ميزانيات الأنشطة.
وإذا كانت الهيئة العامة لقصور الثقافة قد طرحت منذ فترة مبادرة من أجل العمل الثقافي في "القرى المحرومة"، فإن بمقدور الهيئة طرح المزيد من المبادرات على هذا الصعيد في وقت تؤكد فيه طروحات جادة أهمية الأنشطة الثقافية جنبًا إلى جنب مع الإعلام كأداة تحديث مهمة في المجتمعات النامية ناهيك عن التغيير الإيجابي للبيئة المحفزة على العنف.
وهيئة قصور الثقافة مدعوة للتواصل المستمر مع الجماهير العريضة في المجتمع المصري من خلال مثقفيها ومبدعيها وأبنائها من العاملين بها والذين هم حجر الزاوية للعملية الثقافية للمجتمع وصولا للقضاء نهائيًا على ظاهرة الحرمان الثقافي التي تتجلى في بعض قرى الوجه القبلي بصعيد مصر.
وكان وزير الثقافة حلمي النمنم قد أشار إلى أهمية أن تكون هناك دار أوبرا ومسرح لكل محافظة منوها إلى أنه حصل على موافقة مجلس الوزراء لإقامة دار أوبرا في مدينة الأقصر فيما ستفتتح قريبًا دار أوبرا في بورسعيد.
ولفت النمنم لأهمية التعاون مع مراكز الشباب التابعة لوزارة الشباب والأماكن والمسارح الصغيرة التابعة لوزارة التعليم "لأن مشروع العدالة الثقافية لا يخص وزارة الثقافة وحدها بل هو مشروع قومي".
ويصب افتتاح متاحف مثل متحف السيرة الهلالية الذي افتتح في بلدة أبنود جنوب محافظة قنا في مربع مواجهة ظاهرة الحرمان والتهميش الثقافي فيما تتوالى المبادرات الرسمية في السنوات الأخيرة لتصحيح موقع الصعيد على خريطة التنمية والإصلاح.
وجامعات الصعيد بعد مرور عدة عقود على تأسيسها في أسيوط والمنيا وسوهاج وجنوب الوادي مدعوة أيضًا لوضع استراتيجية علمية لإجراء البحوث الأساسية المسحية والتاريخية والوثائقية عن الواقع الثقافي في الصعيد وصولا للاستفادة المثلى من الإمكانات الإبداعية المصرية.
ولا ريب أن حالة الزخم الثقافي التي يشهدها صعيد مصر منذ اختيار الأقصر عاصمة للثقافة العربية تسعد كل المصريين..إنه الجنوب العاشق لمصر بجبال تتوضأ بماء النيل ونخيل يروي حكايات الرجال في منجم الأساطير..إنه الجنوب يتقاسم مع الشمال عشق مصر كما يتقاسم نبض الشطآن وخبز الحياة وألوان الحنان عبر ملحمة الزمان.