الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

تحالف "داعش- القاعدة" وتحويل ليبيا إلى جبهة مواجهة رئيسية

تهجير الأقباط واستراتيجية «داعش» فى مصر «3»

إبراهيم نوار مدير
إبراهيم نوار مدير الوحدة الاقتصادية بالمركز العربى للبحوث وا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إعداد: إبراهيم نوار مدير الوحدة الاقتصادية بالمركز العربى للبحوث والدراسات
اتصالات قيادات داعش فى ليبيا مع الميليشيات المسلحة والجماعات الإسلامية لعودة مقاتلى التنظيم لـ«سرت»
الأراضى الليبية بيئة نموذجية لتنظيم الدولة الإسلامية.. وجماعة أنصار الشريعة الذراع العسكرية لتنظيم القاعدة

دراسات «المركز العربى للبحوث»
استمرارا لسياسة التعاون بين جريدة «البوابة» والمركز العربي للبحوث والدراسات ننشر اليوم الجزء الثالث لدراسة الدكتور إبراهيم نوار حول تحالف «داعش ـ القاعدة» وتحويل ليبيا إلى جبهة مواجهة رئيسية .
استعرضنا فى الجزء الأول من هذه الدراسة المبررات، التى ترجح زيادة وتيرة عمليات العنف والإرهاب حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة فى مصر العام المقبل.
وفى الجزء الثانى من الدراسة استعرضنا الخسائر التى تعرض لها داعش فى العراق وسوريا، وطرحنا استنتاجنا الرئيسى بخصوص الأوضاع الحالية التى يواجهها التنظيم، مؤكدين أن السؤال الرئيسى الذى يواجه التنظيم حاليا يتعلق بالاختيار بين أمرين، إما الاحتفاظ بالأرض أو المحافظة على المقاتلين.

بقاء داعش مصلحة لإسرائيل وأمريكا
لكن نهاية داعش فى العراق وسوريا، قد لا تكون الهدف النهائى لبعض القوى الإقليمية والدولية، خصوصا إذا كانت ملامح الخريطة النهائية لإعادة تقسيم شرق البحر المتوسط لم تتضح بعد، ومع زيادة تورط القوات الروسية فى سوريا، فربما يكون من مصلحة الولايات المتحدة ودول حلف الناتو أن تطول الحرب فى سوريا، وأن يظل داعش عنصرا فاعلا فى إعادة تشكيل المشهد فى سوريا والعراق، بغرض إنهاك القوات الروسية، وتوريط روسيا أكثر فى الحرب الدائرة.
إن هناك مقومات متوفرة فى سوريا، ترجح إمكانية تحويل هذا البلد إلى «أفغانستان»، تتسبب فى إنهاك الروس واستنزافهم عسكريا، ربما بأكثر مما حدث خلال ورطة الروس الأولى فى أفغانستان. وإذا كان الأمر كذلك فسوف يظل من مصلحة بعض القوى الإبقاء على الحد الأدنى من الوجود لداعش فى العراق وسوريا، بما يحقق ثلاثة أهداف، الأول إضعاف قوة التنظيم على شن هجمات فى الخارج، والثانى استخدامه كقوة لاستنزاف الروس، والثالث استخدامه كورقة تصحيح أو تعديل موازين القوى فى إعادة تشكيل الخريطة النهائية للشرق الأوسط.

إسرائيل وداعش
وسوف يكون من مصلحة إسرائيل، الإبقاء على داعش فى سوريا والعراق، من أجل استخدامه فى إنهاك الإيرانيين، وحلفائهم بما فى ذلك حزب الله، وعدم الاكتفاء بفصيل واحد فقط على الجبهة السنية يتمثل فى جبهة النصرة وحلفائها للعمل ضد إيران وحلفائها فى سوريا.
وقد كشف وزير الدفاع الإسرائيلى السابق موشى يعلون فى تصريحات عن وجود اتصالات بين الأجهزة الإسرائيلية وقيادات داعش، بشأن العمليات التى يقوم بها التنظيم فى سوريا، وقال إنه حدث فى مرة أن أطلق مقاتلو داعش قذائف بطريق الخطأ فى اتجاه سوريا، لكن التنظيم قام بالاعتذار عن ذلك. كما كشف مدير مكتب مكافحة الإرهاب الملحق برئاسة الوزراء فى إسرائيل إيتان بن ديفيد أن إسرائيل تجرى محادثات مع التنظيم بشأن استعادة ما يقرب من مائة مقاتل من فلسطينيى ١٩٤٨ الذين التحقوا بداعش.

مقاتلو خالد بن الوليد
وكانت دورية من مقاتلى ما يسمى «جيش خالد بن الوليد» وهو اسم لتنظيم سابق كان يدعى «كتيبة شهداء اليرموك» موالية لداعش، قد أطلقت عددا من قذائف المورتر على دورية إسرائيلية فى الجانب الآخر من الحدود داخل إسرائيل (فى منطقة المثلث الحدودى بين سوريا والأردن وإسرائيل)، لكن القوة الإسرائيلية استدعت الطيران فورا للتدخل، مما أسفر عن مصرع المقاتلين الأربعة، وذلك يوم ٢٧ نوفمبر ٢٠١٦. ويبدو أن إطلاق النار بواسطة المقاتلين المنضمين إلى داعش قد تم بدون ترتيب مع قيادة التنظيم، ولم تتكرر مثل هذه الحادثة منذ ذلك الوقت، وهو ما يرجح صدق تصريحات يعلون وبن ديفيد.
ومن المعروف أن إحدى القواعد العملياتية داخل داعش، عدم شن أى هجوم بدون موافقة القيادة، وعدم الإعلان عن أى هجوم بواسطة منفذيه، ولكن بواسطة القيادة.

العوامل المغذية والمعرقلة لـ"داعش"
وإلى جانب العوامل الخارجية، فإن آلية بقاء التنظيم ونموه، تتضمن أيضًا مقومات ذاتية ترتكز على استراتيجية التنظيم فى تقديم أولوية «محاربة العدو القريب» على ما عداها من أولويات.
ومن أجل الاستمرار فى محاربة العدو القريب، وهو الأنظمة الحاكمة فى الدول العربية والإسلامية، فإن تنظيم داعش يسعى إلى تأكيد وجوده خارج العراق وسوريا لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: الأول هو تأكيد قدرة التنظيم على البقاء والنمو والتوسع، الثانى هو توفير موارد جغرافية وبشرية ولوجيستية لاستيعاب قدرات التنظيم خارج العراق وسوريا، الثالث هو التوسع والتمدد إلى مناطق جديدة، مستفيدا من قدرات المقاتلين الأجانب الذين انضموا للتنظيم خلال السنوات الماضية.
وفى هذا السياق تأتى أهمية عدد من المواقع الاستراتيجية التى قد يتمدد إليها التنظيم، التى تتمثل فى شمال لبنان (طرابلس ومناطق الشمال) واليمن (حضرموت وعدن) والصومال (الشمال) والسودان (غرب) ومصر (سيناء والصعيد) وليبيا. وسوف تحتل ليبيا مكانة خاصة فى استراتيجية «البقاء والتمدد» التى يقوم عليها داعش.

الدولة الإسلامية وسياسة الولايات المتحدة
وفى التقرير المعنون «الدولة الإسلامية وسياسة الولايات المتحدة» الذى تم تقديمه للكونجرس الأمريكى فى ٢ فبراير ٢٠١٧، تمت الإشارة إلى عدد من المتغيرات والعوامل التى من المرجح أن تلعب دورا إيجابيا (محفزات) لصالح داعش فى السنوات المقبلة، إلى جانب تلك التى يمكن أن تلعب دورا سلبيا (معرقلات) ضد احتمالات بقاء التنظيم وتوسعه.
وقد تم تحديد العوامل الإيجابية (المحفزات) التى يمكن أن تغذى نمو التنظيم على النحو التالى:
استمرار النزاعات والصراعات المذهبية أو العرقية أو السياسية فى المنطقة.
وجود شبكة مترابطة وأساليب مبتكرة لتجنيد المقاتلين وتسفيرهم إلى مناطق الصراع التى يعمل فيها التنظيم.
ضعف مستويات الأمن والاستقرار ونفوذ الدولة فى المنطقة العربية.
وفرة وتنوع سبل الحصول على الأسلحة سواء عن طريق التهريب، أو الغنائم أو عن طريق المساعدات المباشرة وغير المباشرة من دول داخل المنطقة أو خارجها.
محدودية التعاون الدولى والإقليمى وضيق نطاق تبادل المعلومات بشأن مكافحة الإرهاب.
توفر الإغراءات المالية واللوجيستية التى يستطيع التنظيم تقديمها إلى الأفراد والجماعات من تنظيمات أخرى، بغرض جذبهم للانضمام إلى داعش.

العوامل السلبية
بينما تم تحديد العوامل السلبية التى يمكن أن تحد من نمو داعش:
أيديولوجية داعش المتطرفة لا تلقى ترحيبًا لدى العامة من المسلمين السنة.
الأساليب الوحشية فى استهداف المدنيين والتنكيل بهم.
السلطة الاستبدادية التى يمارسها التنظيم فى المناطق التى تخضع لنفوذه.
وجود خصوم أقوياء لداعش يسعون إلى إزاحة التنظيم كما هو الحال بالنسبة لجبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) فى سوريا.
وجود تنافر وتنازع فى الهويات والولاءات والأجندات المستهدفة بواسطة مقاتلى داعش بسبب تنوع أصولهم.

مكافحة الإرهاب
ويعنى ذلك بوضوح أن مكافحة الإرهاب عملية أشد تعقيدًا من مجرد المواجهة العسكرية للتنظيمات الإرهابية، لأن استمرار المحفزات والعوامل المغذية للإرهاب، من شأنه أن يمد التنظيمات الإرهابية بموارد جديدة تعوضها عما تخسره عسكريًا أو بشريًا.
كما تعنى التقديرات المقدمة للكونجرس أن استمرار الأوضاع غير المستقرة فى المنطقة العربية، وانتشار الصراعات ذات الجذور المتنوعة، هو الخطر الأكبر الذى يهدد المنطقة بأسرها. ومن ثم فإن أى استراتيجية لمكافحة الإرهاب تظل استراتيجية عرجاء، إذ هى اقتصرت على العمليات العسكرية.
أهمية ليبيا لداعش
تمثل ليبيا بيئة نموذجية لداعش، نظرًا لما يجتاحها من حرب أهلية، وتورط العديد من القوى الإقليمية والدولية فى هذه الحرب، إلى جانب طبيعتها الصحراوية، وقربها من مناطق عمليات تنشط فيها جماعات موالية لداعش سواء فى مصر أو تونس أو الجزائر أو فى الصومال وبعض دول إفريقيا.
وفيما يلى أهم العوامل التى يمكن أن تجعل من ليبيا هدفًا ثمينًا للتنظيم، سواء فى حال هزيمته فى العراق وسوريا، أو فى حال استمرار قدرته على التوسع من قواعده هناك:
انعدام الأمن فى ظل الحرب الأهلية، وغياب وجود الدولة بشكل عام.
الأهمية الاقتصادية لليبيا كبلد نفطى يمكن أن توفر موارده النفطية تعويضا لخسائر التنظيم.
وجود عدد كبير من المقاتلين المنتمين إلى داعش أو الجماعات القريبة منه فى داخل ليبيا وفى الدول المجاورة مثل مصر وتونس والجزائر والسودان.
وجود هيكل تنظيمى إدارى للتنظيم فى ليبيا يتضمن تقسيمها إلى ثلاث ولايات هى ولاية برقة فى الشرق، وولاية طرابلس فى الغرب، ثم ولاية فزان إلى الجنوب.
الأهمية الجيوبوليتيكية، حيث إن ليبيا تمثل مفصلًا جغرافيًا بين المشرق العربى والمغرب العربى، فهى قد تكون نقطة الاتصال أو نقطة الانقطاع بينهما، ومن ثم فإن السيطرة عليها تصبح جوهرية فى إطار مخطط إقامة دولة الخلافة الإسلامية.
أهمية ليبيا على خريطة طرق تهريب السلاح والبشر والمخدرات على مستوى العالم.
إمكانية استخدام الصحارى الليبية فى إنشاء معسكرات للتدريب والإيواء ومخازن للأسلحة والعتاد.

الجماعات المقاتلة فى ليبيا
لكن التنظيم يتعرض أيضا لضغوط شديدة فى ليبيا منذ أن فقد مركز قيادته فى سرت أواخر عام ٢٠١٦.
ويتعرض التنظيم بقياداته ومعسكراته لهجمات الطيران الأمريكى، حيث تعتبر الولايات المتحدة أن داعش هى عدوها الأول، كما يتعرض التنظيم أيضا لهجمات من جانب قوات محلية منافسة سواء فى الشرق أو فى الغرب ومن ثم فإن طريق داعش إلى ليبيا سواء من حيث البقاء أو التوسع ليس طريقًا سهلًا.
ولتوضيح الصورة، فإننا سنعرض خريطة للقوى المقاتلة وقدرات كل منها. ويجب أن نوضح هنا أننا سنعنى أساسًا بخريطة القوى المقاتلة، وليس بخريطة القوى السياسية، ومن ثم فإن مركز اهتمامنا سينصب على ما يتعلق أساسًا بالعمليات القتالية فقط.
ويتألف المشهد العسكرى العام من القوى التالية:
حكومة الوفاق الوطنى فى طرابلس (المؤتمر الوطنى العام والمجلس الرئاسي)، وتتبعها تشكيلات من الجيش الليبى الرسمى فى إطار «القيادة العامة للقوات المسلحة» أهمها الفرقة العسكرية الأولى (تنتشر فى شرق ووسط العاصمة طرابلس)، والقوة الثالثة فى الجنوب المتمركزة فى قاعدة تمنهنت العسكرية، وقوة الردع وهى ميليشيات سلفية تقوم بدور الشرطة فى العاصمة خصوصا فى الشرق، حيث تهتم بمكافحة المخدرات والتهريب والمشروبات الكحولية، إضافة إلى مطاردة الأشخاص المشتبه فى انتمائهم لتنظيم داعش، وكذلك كتيبة أبوسليم التى تسيطر على حى أبوسليم الشعبى جنوب طرابلس.
كما تضم القوات الموالية لحكومة الوفاق تشكيلات حرس المنشآت النفطية، وميليشيات مصراتة التى تضم مقاتلين من جماعات إسلامية متعددة إضافة إلى مقاتلين من بعض القبائل. ومن وجهة نظر حكومة الوفاق فإن أى قوة لا تتبعها «هى ميليشيات خارجة عن الشرعية تجب محاربتها».
مجلس النواب، وتتبعه تشكيلات الجيش الوطنى الليبى بقيادة الجنرال خليفة حفتر، وميليشيات من رجال القبائل ومن جماعات سلفية غير جهادية.
تنظيم القاعدة، وتتبعه جماعة أنصار الشريعة، وهى جماعة تتمتع بنفوذ كبير فى شرق ووسط وغرب ليبيا، واستطاعت فى السنوات الماضية منذ بدء الحرب الأهلية تشكيل عدد من الائتلافات العسكرية المهمة فى مناطق الصراع الرئيسية مثل مجلس شورى ثوار بنغازى ومجلس شورى المجاهدين فى إجدابيا، ومجلس شورى مجاهدى درنة وغيرها.
تنظيم الدولة الإسلامية، وترتبط به جماعات مقاتلة فى شرق ووسط وغرب ليبيا وكذلك فى الجنوب.
أهم التشكيلات المقاتلة
على الرغم من تنظيمها وتسليحها، فإن التشكيلات المسلحة فى ليبيا هى بشكل عام منظمات فضفاضة، يسهل الانتقال منها وإليها، وتتغير ولاءاتها طبقًا لمقتضى الحال.
وقد مرت العمليات القتالية فى ليبيا منذ الثورة بأربع مراحل رئيسية:
الأولى منها كانت خلال العملية الثورية لإسقاط نظام القذافى، واستمرت حتى سقوط النظام.
والمرحلة الثانية هى مرحلة «الدروع»، وهى الفترة التى تلت إعلان اللواء متقاعد (فى ذلك الوقت) خليفة حفتر الدعوة إلى تشكيل مجلس رئاسى لقيادة المرحلة الانتقالية، وإقامة الانتخابات التشريعية، وتعطيل الإعلان الدستورى والدعوة إلى توحيد جيش ليبيا تحت قيادة «المجلس الأعلى للقوات المسلحة»، الذى شكله حفتر برئاسته وحكومة طوارئ، فأنشأ المؤتمر الوطنى العام الذى كان يقود ليبيا بعد الثورة مع الميليشيات المختلفة ما سمى «دروع ليبيا»، وهى عبارة عن ميليشيات محلية فى كل منطقة من المناطق، تهدف أساسًا إلى مواجهة الجنرال حفتر والتصدى له.
أما المرحلة الثالثة، فكانت مرحلة «فجر ليبيا»، وهى المرحلة التى أعقبت الانتخابات البرلمانية عام ٢٠١٤ وخسارة الإخوان لصالح القوى المدنية والقبائل وغيرها، وكان هدف فجر ليبيا، هو المحافظة على نفوذ الإخوان بالسلاح.
وكانت المرحلة الرابعة هى مرحلة «البنيان المرصوص»، وهى العملية التى كان هدفها إخراج داعش من سرت.
وربما يكون ما تشهده ليبيا فى الوقت الحاضر من صراعات بشأن السيطرة على الهلال النفطى والقواعد العسكرية وإيرادات تصدير النفط، مرحلة جديدة لم تكتمل ملامحها بعد.
وفى كل تلك المراحل لم تتغير المكونات العضوية الرئيسية العسكرية كثيرا، ولكن تغيرت الأسماء واللافتات التى تعمل تحتها الميليشيات المقاتلة. ونوضح فيما يلى أهم التشكيلات المقاتلة فى ليبيا:

قوات البنيان المرصوص (موالية لحكومة الوفاق)
تشكلت «قوات البنيان المرصوص» بمبادرة من حكومة الوفاق الوطنى مع الإعداد لعملية تحرير سرت من سيطرة (داعش)، وهى العملية التى تم إطلاقها فى ٥ مايو ٢٠١٦. وتخضع قوات البنيان المرصوص لرئاسة الأركان العامة للقوات المسلحة الليبية الموالية لرئاسة حكومة الوفاق الوطنى فى طرابلس.
وتضم هذه القوات المكونات الرئيسية التالية:
القوات العسكرية النظامية التابعة لرئاسة الأركان، وتضم الفرقة الأولى المسئولة عن الدفاع عن العاصمة، والقوة الثالثة المتمركزة فى الجنوب فى قاعدة تمنهنت العسكرية، والكتيبة ٤٥ مشاة وغيرها.
كتائب الثوار الموالية للحكومة وعلى رأسها «ميليشيات مصراتة». وتعتبر ميليشيات مصراتة من أقوى التجمعات العسكرية، حيث تملك أعدادًا كبيرة من المقاتلين وتشكيلات من الدبابات والطائرات والمدفعية ومضادات الطيران، كانت قد استولت عليها منذ سقوط نظام القذافى.
قوات جهاز حرس المنشآت النفطية بقيادة العميد إدريس بوخمادة.
قوة العمليات الخاصة فى جهاز مكافحة الإرهاب.
قوات قبلية من أهمها تلك التابعة لقبائل الطوارق.
ويضاف لها فى الوقت الراهن قوات «الحرس الرئاسى»، التى تم البدء فى تشكيلها فى ٩ مايو ٢٠١٦، لكى تصبح فيما بعد نواة الجيش الليبى الموحد، وتم تعيين العميد نجمى الناكوع قائدا لها.
وقد نجحت قوات البنيان المرصوص فى تحرير سرت من سيطرة داعش فى الأسبوع الأول من ديسمبر ٢٠١٦، بعد قتال استمر نحو ٧ أشهر بمساندة جوية من الطائرات الأمريكية.

ميليشيات مصراتة
تعتبر ميليشيات مصراتة مكونًا رئيسيًا من مكونات قوات البنيان المرصوص، وقد تشكلت ميليشيات مصراتة بعد خسارة الإخوان الانتخابات البرلمانية ٢٠١٤، فاتجه الإخوان إلى تبنى أسلوب العمل العسكرى ضد الدولة.
لكن مكونات هذه الميليشيات كانت موجودة بالفعل، وشاركت فى العمليات العسكرية خلال فترة الثورة ضد القذافى. وتضم ميليشيات مصراتة عددًا كبيرًا من الجماعات والتنظيمات المسلحة منها «كتيبة البتار» التابعة لجماعة أنصار الشريعة الموالية للقاعدة.
كما تضم ميليشيات مصراتة «كتيبة الفاروق»، وهى من أكثر الميليشيات دموية فى ليبيا، وقد انشقت أخيرا وبايعت الخليفة المزعوم أبوبكر البغدادى وانضمت لداعش. وقد شكلت الجماعات المسلحة «اتحاد ثوار مصراتة»، وتحاول ميليشيات مصراتة السيطرة على المنطقة الوسطى من برقة إلى طرابلس، وعدم السماح للجنرال حفتر بالتقدم فى اتجاه طرابلس.
ويعد عبدالحكيم بلحاج زعيم «الجماعة الليبية المقاتلة» من أبرز قيادات ميليشيات مصراتة، التى حصلت فى بداية تأسيسها على تأييد المفتى الليبى صادق الغريانى، كذلك تضم قيادات الميليشيات هيثم التاجورى قائد كتيبة ثوار طرابلس، وعبدالغنى الككى قائد ميليشيات غنيوة التى تسيطر على حى أبوسليم الشعبى فى طرابلس، إضافة إلى قيادات محلية أخرى مثل صلاح بادى الذى قامت ميليشياته بإحراق مطار طرابلس.

ميليشيات «فجر ليبيا»
وتعتبر ميليشيات «فجر ليبيا» مع بعض الاستثناءات، هى العمود الفقرى لميليشيات مصراتة. وقد تأسست قوات فجر ليبيا فى يوليو ٢٠١٤ خلال عملية عسكرية ضد مقاتلى قبيلة الزنتان، وسيطرت ميليشيات فجر ليبيا على العاصمة الليبية وانضمت إليها العديد من الميليشيات الأخرى مثل ميليشيات طرابلس، تشكيلات من مقاتلين قبليين مناوئين للزنتان ولقوات حفتر مثل الأمازيج، ميليشيات مدعومة من تنظيمات الإخوان، وميليشيات ثورية تتألف من مقاتلين حاربوا من قبل لإسقاط نظام القذافى مثل «درع ليبيا الوسطى»، و«غرفة عمليات ثوار طرابلس»، وميليشيات محلية من مدن ونواحى غريان والزاوية ومصراتة. وأتاحت هذه القوة لميليشيات فجر ليبيا فرصة السيطرة على عدد من المدن فى الغرب وحتى الحدود التونسية، بما فى ذلك مناطق القبائل الأمازيجية. كما سيطرت قوات فجر ليبيا والميليشيات المتحالفة معها على نفوذ فى بعض مناطق الجنوب فى ولاية فزان.

البنيان المرصوص
وقد لعبت المكونات السابقة ضمن أو بالتعاون مع «قوات البنيان المرصوص» الموالية لحكومة الوفاق الوطنى فى طرابلس، مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية الدور الرئيسى فى تحرير سرت.
وتسعى قوات «البنيان المرصوص» إلى التصدى لمحاولات إعادة ليبيا إلى ما كانت عليه قبل ثورة عام ٢٠١١، ولذلك فإن تحالفاتها السياسية والعسكرية تتسم بصفات العداء للقذافى ونظامه والعداء للجيش الوطنى الليبى، باعتباره من وجهة نظرها صورة أخرى لنظام القذافى، إضافة إلى العداء لداعش.
وتبنى الميليشيات أو الجماعات المكونة لقوات البنيان المرصوص (غير النظامية) تحالفاتها العسكرية والسياسية والقبلية على هذه الأسس. وفى حقيقة الأمر فإن التطورات العملياتية تشير بوضوح إلى وجود قدر كبير من التنسيق بين «قوات البنيان المرصوص» وميليشيات الجماعات السلفية الجهادية وتنظيمات القاعدة فى ليبيا، بما فى ذلك «جماعة أنصار الشريعة».
وعلى الرغم من ذلك فإن «قوات البنيان المرصوص» تعانى من العديد من التناقضات والشروخ التى قد تتسبب فى ضعفها وانقسامها، فهناك التناقض بين أهدافها وبين أهداف حكومة الوفاق، حيث تسعى الميليشيات إلى تكريس نفوذها فى المناطق التى تسيطر عليها وليس نفوذ الحكومة، كما أن توجهات القوى الموالية لقوات البنيان المرصوص فى شرق البلاد تختلف عنها فى الغرب، خصوصًا فيما يتعلق بالاستعانة بالولايات المتحدة وحلف الناتو.

الصراع بين القوات القديمة والجديدة
ويتمثل الخطر الحالى الذى يهدد «قوات البنيان المرصوص» فى الصراع بين القوات النظامية القديمة والجديدة، بما فى ذلك قوات الحرس الرئاسى، وبين قوات الميليشيات المختلفة التى تسيطر فعليًا على طرابلس، وعلى المدن الرئيسية الممتدة على طول الساحل الليبى من سرت إلى الحدود التونسية.
وتشهد طرابلس فى الوقت الحالى صراعًا مكتومًا تقوده الميليشيات ضد قائد الحرس الرئاسى العميد نجمى الناكوع، بعد أن أعلن أنه يهدف إلى إخلاء طرابلس من الميليشيات المسلحة. وفى حال بقاء العميد الناكوع فى موقعه، فإن هذا الصراع بين القوات النظامية وبين الميليشيات سوف يشتعل.

حرس المنشآت النفطية
هو عبارة عن تشكيلات عسكرية مهمتها حماية حقول النفط، إضافة إلى موانئ تصدير النفط، وهو قوات اتحادية تابعة لحكومة الوفاق الوطنى (المؤتمر الوطنى العام والمجلس الرئاسي) ويتولى قيادة جهاز حرس المنشآت النفطية الاتحادى فى الوقت الحالى العميد إدريس بوخمادة. وتعتبر قوة الحرس فى المنطقة الوسطى، وهى المنطقة الممتدة من حوض السدرة على ساحل البحر المتوسط (من أجدابيا شرقا وحتى أبوقرين غربا) إلى حدود تشاد جنوبا هى منطقة العمليات الرئيسية لجهاز حرس المنشآت النفطية.
وتخضع قوات الحرس فى المنطقة الوسطى لقيادة إبراهيم الجضران، وهو أحد القيادات الثورية المعادية لنظام القذافى.
وقد انحاز الجضران إلى الجنرال حفتر، لكنه انشق عنه أخيرا وقبل العودة إلى الوضع الذى يقضى بتبعية حرس المنشآت النفطية فى المنطقة الوسطى لحكومة الوفاق فى طرابلس. ويتسم سلوك الجضران دائما بالتقلب بين الولاء للمؤتمر الوطنى العام أو لحكومة الوفاق فى طرابلس والولاء للمجلس النيابى والجيش الوطنى فى طبرق أو اللعب لمصلحة نفسه والقوات الموالية له. ويقود الجضران أيضا ما يسمى «قوة برقة» التى تضم شباب الثوار وعددا من الكتائب والميليشيات المحلية، وأعلن المنطقة الوسطى إقليمًا فيدراليًا عند إقالته من قيادة حرس المنشآت النفطية فى وسط ليبيا. وقد عاد الجضران مرة أخرى إلى ولائه لحكومة الوفاق الوطنى فى طرابلس.
الحرس الفيدرالى لحماية المنشآت النفطية
وخلال الفترة التى سيطر فيها الجنرال حفتر على الموانئ النفطية فى منطقة الهلال النفطى، فإنه هو الآخر شكل قوة لحراسة المنشآت النفطية بقيادة العقيد مفتاح المقريف الذى أكد أخيرا (فى ١١ مارس ٢٠١٧) وقوف قواته صفًا واحدًا مع الجيش الوطنى الليبى بقيادة حفتر.
وقد نجحت قوات الحرس الفيدرالى لحماية المنشآت النفطية فى الدفاع عن موانئ التصدير والمنشآت النفطية، ضد الهجمات التى شنها داعش.

الجيش الوطنى الليبي
يعتبر الجيش الوطنى الليبى بمثابة ائتلاف عسكرى بقيادة الجنرال حفتر، وهو قيادى سابق فى جيش القذافى، لكنه انشق عليه، وعاد إلى ليبيا بعد الثورة وبدأ فى تشكيل قوة عسكرية تشارك فى الصراع الجارى فى ليبيا منذ سقوط القذافى.
ويضم الجيش الوطنى الليبى تشكيلات من الجيش الليبى منها تشكيلات من القوات الخاصة (الصاعقة والمظلات) بقيادة العميد ونيس بوخمادة، واللواء ١٢ المدرع بقيادة محمد بن نايل، واللواء ١٦، وتشكيلات جوية فى قاعدة بنينا الجوية فى بنى غازى، وتشكيلات بحرية، كما يضم مقاتلين من جماعات قبلية معادية للجماعات الإسلامية المسلحة مثل قبائل الزنتان.
ويتلقى الجيش الوطنى الليبى دعمًا ماديًا ومعنويًا من مصر والإمارات وإيطاليا وفرنسا.
خصم للجماعات الإرهابية
ويعتبر الجيش الوطنى الليبى الخصم الأول للجماعات الإسلامية، ويسعى إلى توحيد البلاد، وقد أعلن قائد الجيش الوطنى الليبى خليفة حفتر عملية عسكرية كبرى لتحقيق برنامجه العام أطلق عليها اسم «عملية الكرامة». وبدأت هذه العملية فى مايو ٢٠١٤ بحملة لاستعادة بنى غازى، بهدف تصفية الميليشيات العسكرية فى المدينة بما فى ذلك الميليشيات الموالية للحكومة الليبية.
توسيع جبهة القتال
وقد انحصرت عمليات الجيش الوطنى الليبى حتى أواخر ٢٠١٦ فى مناطق شرق ليبيا خصوصًا فى المناطق الساحلية الممتدة من درنة وأجدابيا وبنى غازى. لكن قوات الجيش لم تلبث أن وسعت جبهات القتال ضد الجماعات الإسلامية المقاتلة لتمتد هذه الجبهة إلى مناطق كثيرة فى شرق ليبيا وفى الجنوب ولا سيما فى الجفرة وسبها، إضافة إلى استهداف قاعدة تمنهنت الجوية، كما توجد فى غرب ليبيا قوات قبلية متحالفة مع الجيش الوطنى مثل ميليشيات قبائل الزنتان التى كانت تسيطر تقريبا على حقول النفط فى الجنوب الغربى وتتولى مسئولية الدفاع عنها.
وقد نجح الجيش الوطنى فى توجيه ضربات موجعة للميليشيات الإسلامية، واستطاع انتزاع أجدابيا، وشارك فى طرد داعش من درنة، ووقف حائلا دون عودة مقاتلى تنظيم الدولة إليها مرة أخرى لتأسيس قيادة «ولاية برقة» التى كان التنظيم قد أعلنها.
نفوذ فى الجنوب
ويسيطر الجيش الوطنى على الجزء الأكبر من شرق ليبيا والهلال النفطى حتى خط الحدود مع مصر، باستثناء درنة، التى لا تزال معقلًا للميليشيات الإسلامية، بما فيها جماعة أنصار الشريعة وكتيبة شهداء أبوسليم على الرغم من طرد داعش.
كما تتمتع قوات الجيش الوطنى الليبى بوجود مؤثر فى بعض مناطق الجنوب خصوصًا فى الكفرة وسبها. وقد عزز الجيش نفوذه فى الجنوب اعتبارا من ديسمبر ٢٠١٦ عندما تمكنت قوات اللواء ١٢ المدرع من السيطرة على قاعدة «براك» الجوية، وهى قاعدة يوجد بها الكثير من مخازن الأسلحة والذخيرة، وكانت تعتبر مركزا من مراكز إمدادات «القوة الثالثة» الموالية لحكومة السراج فى طرابلس. وفى الجنوب يسعى الجيش الوطنى للسيطرة على «بوابة قويرة المال» التى تعتبر المدخل الشمالى إلى سبها وقاعدة تمنهنت الجوية.

تصعيد خطير
وشهد شهر مارس ٢٠١٧ تصعيدا بالغ الخطورة فى العمليات القتالية فى منطقة الهلال النفطى. واستطاع تحالف ميليشيات بقيادة «سرايا الدفاع عن بنغازي» التى يقودها مصطفى الشركسى المتحدث السابق باسم القوات الجوية التابعة للمؤتمر الوطنى العام، وإسماعيل الصلابى قائد كتيبة رأف الله السحاتى، وهى ميليشيات مدعومة من قطر وتركيا والسودان فى ٣ مارس خلال عملية خاطفة السيطرة على موانئ ومنشآت تصدير النفط فى رأس لانوف والسدرة والبريقة ومطار رأس لانوف من الجيش الوطنى الليبى، وتعهدت هذه الميليشيات بإعادة تلك المرافق النفطية لسلطة حكومة الوفاق الوطنى والمؤسسة الوطنية للنفط فى طرابلس. لكن سيطرة كتائب أو سرايا الدفاع عن بنغازى على الموانئ النفطية لم تستمر إلا عدة أيام حيث تمكنت قوات الجيش الوطنى الليبى فى ١٨ مارس ٢٠١٧ من تصفية آخر معاقل منافسيها فى مدينة بنغازى، واستعادت السيطرة على المرافق والموانئ النفطية.

تنظيم القاعدة «جماعة أنصار الشريعة»
جماعة أنصار الشريعة هى الذراع العسكرية الرئيسية لتنظيم القاعدة فى ليبيا. وتعمل على تثبيت وجودها وتوسيع نطاقها، والتصدى لنفوذ داعش ومحاولات توسع قوات الجيش الوطنى.
وتشارك أنصار الشريعة فى أعمال مساندة شبكة تنظيمات القاعدة على مستوى العالم، خصوصًا جبهة النصرة فى سوريا، وتنظيمات القاعدة فى المغرب (الإسلامي)، وشبه الجزيرة العربية ودول الساحل والقرن الإفريقى.
كما تقوم جماعة أنصار الشريعة الليبية بدور قيادى فى تجميع تنظيمات القاعدة والجماعات الموالية لها فى شمال إفريقيا، وتنسيق العمليات القتالية لهذه التنظيمات والجماعات، إضافة إلى تنسيق المجهود العسكرى مع الجماعات السلفية الجهادية القريبة من القاعدة.
تنظيم القاعدة فى ليبيا
ويعود تأسيس تنظيم القاعدة فى ليبيا إلى الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة. وقد لعب أعضاء هذه الجماعة دورا رئيسيا فى التمكين لتأسيس القاعدة فى ليبيا فى عام ٢٠١١ بعد إطلاق سراح أعضائها وقيادييها من سجن أبوسليم، فأعادوا التجمع مع من سبق أن أفرج عنهم من القيادات أثناء حكم القذافى فى عام ٢٠١٠. وأسهموا جميعا فى إنشاء «جماعة أنصار الشريعة» وأعلنوا مبايعتهم لتنظيم القاعدة، كما تعاونوا مع غيرهم من الجماعات الإسلامية المتطرفة والميليشيات المعادية للقذافى.
الظواهرى وأبوأنس الليبي
وفى عام ٢٠١١ كلف زعيم القاعدة أيمن الظواهرى واحدا من مقاتلى التنظيم فى أفغانستان هو أبوأنس الليبى بالتوجه إلى ليبيا وتأسيس فرع للتنظيم القاعدة هناك بالتعاون مع أنصار الشريعة وغيرها من الجماعات السلفية الجهادية. وشارك فى تأسيس تنظيم القاعدة فى ليبيا عدد من المقاتلين فى أفغانستان الذين كانوا معتقلين فى سجن جوانتانامو، وسجناء سابقين فى سجن أبوسليم الليبى، بعد أن تم إطلاق سراحهم ومن هؤلاء سفيان بن قمو وأبوخالد مدنى الذى يعتقد أنه قائد تنظيم أنصار الشريعة فى بنى غازى، ومحمد الزهاوى الذى كان واحدا من رفاق أسامة بن لادن خلال فترة إقامته فى السودان فى تسعينيات القرن الماضى.
وقد استفادت جماعة أنصار الشريعة من الصراع الدائر بتوسيع نطاق نفوذها من بنغازى إلى درنة وسرت، وتمكنت من تطوير علاقات تعاون وثيق مع جماعات سلفية فى أجدابيا وصبراتة وجنزور، مع استمرار تعاونها مع الجماعات السلفية الجهادية على طول الساحل الليبى ومع تنظيم «القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامي»، ومع تنظيم «المرابطون»، ومع جماعة أنصار الشريعة فى تونس وغيرها.

بناء تحالفات عسكرية
وتتميز جماعة أنصار الشريعة الليبية حتى الآن بقدراتها الملحوظة على بناء تحالفات عسكرية مع أطراف أخرى. ومن أهم الائتلافات التى نجحت فى تشكيلها مجالس شورى المجاهدين فى كل أنحاء ليبيا تقريبًا ومنها: «مجلس شورى المجاهدين فى بنغازي» من خلال الاندماج مع ميليشيات بنغازى الإسلامية المسلحة (٢٠١٤)، و«مجلس شورى المجاهدين فى درنة» من خلال الاندماج مع ميليشيات درنة الإسلامية المسلحة. ويعتبر هذا المجلس بقيادة سفيان قمو من أقوى مراكز تنظيم القاعدة فى ليبيا فى الصراع ضد داعش وضد قوات الجيش الوطنى. كذلك فإن أنصار الشريعة تشكل جزءا من «مجلس شورى المجاهدين فى أجدابيا». وقد خسر هذا المجلس السيطرة على المدينة لصالح الجيش الوطنى الليبى فى ٢٢ فبراير ٢٠١٦.
وتنظر جماعة أنصار الشريعة إلى (داعش) على أنه المنافس الرئيسى لها فى ليبيا، وتعمل بكل قوتها للحد من نفوذه. وعلى الرغم من ذلك فإن الصراع بين التنظيمين أسفر عن انشقاق داخل جماعة أنصار الشريعة رحل نتيجته عشرات من المقاتلين للانضمام إلى صفوف تنظيم داعش فى سرت وبنغازى ودرنة وأجدابيا.

داعش فى ليبيا
تعتبر تنظيمات الدولة الإسلامية فى ليبيا، ثانى أقوى تنظيمات ما يسمى «دولة الخلافة الإسلامية»، التى أعلنها «الخليفة» أبوبكر البغدادى فى العراق والشام. ومع تطور العمليات القتالية فى العراق وسوريا وخسارة داعش، فإن ليبيا قد تصبح الملاذ الآمن لمقاتلى التنظيم.
البداية ٢٠١٤
ويعود نفوذ داعش فى ليبيا إلى عام ٢٠١٤، عندما قامت جماعات إسلامية مسلحة بمبايعة أبوبكر البغدادى، منها «مجلس شورى شباب الإسلام» فى درنة و«تنظيم مجاهدى ليبيا»، إضافة إلى عناصر من «الجماعة الليبية المقاتلة» التى كانت قيادتها قد انقسمت على نفسها، وتحولت إلى العمل السياسى. وشهدت مدينة درنة مظاهرة تأييد لداعش فى ربيع عام ٢٠١٤، أى قبل سيطرة داعش على الموصل. وقررت قيادة الدولة الإسلامية فى الرقة فى يونيو ٢٠١٤ إرسال قوة مؤلفة من نحو ٣٠٠ مقاتل من شرق سوريا إلى ليبيا للمساعدة فى إقامة فرع التنظيم هناك. ومن المرجح أن هذه القوة وصلت إلى سرت فى أوائل أغسطس من العام نفسه. وفى ١٣ نوفمبر ٢٠١٤ أعلن أبوبكر البغدادى تأسيس فرع الدولة الإسلامية فى ليبيا تحت إشرافه بعد أيام قليلة من تلقيه رسائل مبايعة وولاء من الولايات الليبية الثلاث، ولاية برقة وقيادتها فى درنة، وولاية طرابلس وقيادتها فى سرت، وولاية فزان فى الجنوب الغربى. وتم تأسيس قيادة مركزية لداعش فى سرت فى أوائل العام التالى ٢٠١٥.
أنصار الشريعة وداعش
وقد اعتمد توسع داعش التنظيمى على شق الولاءات داخل الجماعات الإسلامية الجهادية المتطرفة، بما فى ذلك «جماعة أنصار الشريعة» الذراع الرئيسية للقاعدة فى ليبيا. وقد انشق الشيخ أبوعبدالله الليبى أحد قيادات أنصار الشريعة عن الجماعة الموالية للقاعدة، وانضم إلى داعش فى مارس ٢٠١٥ وهو ما أعطى قوة إضافية للتنظيم فى سرت، واستطاع أبوعبدالله أن يجذب إلى داعش العشرات من مقاتلى جماعة أنصار الشريعة.
وقد استمرت عمليات توسع داعش إلى خارج سرت شرقًا وغربًا حتى نهاية مايو ٢٠١٦، عندما سيطر مقاتلو التنظيم على مدينة بن جواد وبعض القرى فى شرق سرت، منها قرية هراوة حتى أخرجهم منها حرس المنشآت النفطية الفيدرالى.
داعش وموانئ النفط
وفى الوقت الذى كانت فيه العمليات القتالية بين القوى الليبية المتصارعة تتركز فى مناطق على طول الساحل الليبى حتى أوائل عام ٢٠١٧، فإن داعش وجد فى ذلك فرصة ذهبية خلال الفترة من ٢٠١٤ حتى ٢٠١٦ للتحرك بحرية كبيرة والتوسع فى مناطق الجنوب والغرب، بعيدا عن مسرح العمليات بين القوى المتصارعة على الساحل.
وقد حاول داعش هو الآخر السيطرة على الموانئ النفطية فى رأس لانوف والسدرة والزويتينة، لكن حرس المنشآت النفطية تصدى لهم واستطاع رد الهجوم.
وفى مواجهة حملة داعش للسيطرة على موانئ تصدير النفط، رفض أوباما طلب القيادة الأمريكية بالتدخل العسكرى المباشر، مفضلا الاستمرار فى القيام بضربات جوية لقتل قيادات داعش وضرب معسكرات التدريب كما حدث فى ١٩ فبراير ٢٠١٦ (فى ذلك الوقت كان عدد مقاتلى داعش يقدر بنحو خمسة آلاف مقاتل).
انسحاب وحماية
وخلال المعارك التى اندلعت لاستعادة سرت واجه ما يتراوح بين ألفين وثلاثة آلاف مقاتل من داعش هجوم «قوات البنيان المرصوص» بمكوناتها المختلفة، وأهمها ميليشيات مصراتة عالية التسليح. وانتهت استراتيجية داعش هناك ليس إلى الاحتفاظ بسرت والتضحية بالمقاتلين، ولكن بالتضحية بالأرض والمحافظة على المقاتلين.
قيادة داعش فى ليبيا
يعتقد أن القائد الحالى لداعش فى ليبيا هو السعودى عبدالقادر النجدى، وهو يقوم حسب بيان أصدره بمهام المفوض لإدارة «الولايات الليبية». وتشمل تلك الولايات حسب التقسيم الإدارى لداعش ولاية برقة فى الشرق وقيادتها كانت فى درنة، وولاية طرابلس فى الغرب وكانت قيادتها فى سرت، ثم ولاية فزان فى الجنوب. ولكن من غير المعروف من هو القائد الحقيقى لداعش فى ليبيا، وتضم قائمة القيادات الكبيرة هناك أسماء قياديين تم إرسالهم من سوريا والعراق إلى ليبيا ومنهم: اليمنى أبوالبراء الأزدى، الذى كان يعتقد بأنه أمير داعش فى درنة، والسعودى أبوحبيب الجزورى، الذى كان يعتقد بأنه أمير سرت، والسعودى حسن الصالحيان صالح الشعارى، الذى تم إطلاقه من السجن فى العراق فى منتصف عام ٢٠١٢ وشارك فى عمليات داعش فى العراق، ثم تم إرساله لتنظيم عمليات داعش فى ليبيا فى مدينة درنة، إضافة إلى العراق أبونبيل الأنبارى الذى قتل فى غارة أمريكية على درنة فى ١٣ نوفمبر ٢٠١٥.
إعادة تنظيم الصفوف
وعلى الرغم من انسحاب داعش من مواقعها الاستراتيجية الرئيسية فى شرق ووسط وغرب ليبيا وفشل عملية بوقردان الحدودية (على الجانب التونسى من الحدود)، فإن داعش يحاول إعادة التجمع فى عدد من النقاط بالقرب من سبها والحدود الليبية المصرية والسودان وجنوب غربى ليبيا.
والحقيقة أن تراجع داعش وانسحاب مقاتليه من مواقعهم سبق بكثير خروجهم من سرت، ففى مناطق غرب ليبيا تحركت القوى القبلية والميليشيات المحلية فى صبراتة ضد مقاتلى داعش والسعى لطردهم من المنطقة بعد تعرض أحد معسكرات التدريب التابعة لهم فى المنطقة لضربات جوية أمريكية فى فبراير ٢٠١٥.
وبعد ذلك تزايدت الضغوط على مقاتلى داعش فى درنة من كل من الجيش الوطنى والميليشيات المنافسة خصوصًا أنصار الشريعة، وهو ما أسفر فى نهاية الأمر عن انسحاب مقاتلى داعش من درنة فى ٢٦ إبريل ٢٠١٦، ثم جاء الانسحاب المدوى من سرت فى الأسبوع الثانى من ديسمبر ٢٠١٦.
ويجب أن نسجل هنا أنه خلال فترة اتساع نفوذ داعش فى ليبيا استمر فى ممارسة سياسته المتشددة تجاه الأقباط والمسيحيين بشكل عام. وكانت استعراضات ذبح الأسرى والمخطوفين من الأحداث الدموية البشعة التى صبغت سلوك داعش ضد أصحاب الديانات الأخرى فى ليبيا بالدموية.
تنسيق الجهود
وتقوم قيادات داعش الموجودة داخل ليبيا فى الوقت الحاضر باتصالات مع الميليشيات المسلحة وقيادات الجماعات الإسلامية، وتشير تحقيقات أجرتها الأجهزة الأمنية فى ليبيا وتونس والجزائر إلى اتصالات تجرى بين قيادات داعش، وقيادات التنظيمات الأخرى بشأن ترتيبات لعودة مقاتلى داعش إلى بعض مواقعهم السابقة خصوصا فى سرت، وذلك فى مسعى من داعش لتحويل ليبيا إلى قاعدة رئيسية للجهاد العالمى بالاشتراك مع بقية الميليشيات والجماعات الجهادية.
وسوف نشير فى المقال القادم إلى الجهود المبذولة حاليًا لبناء تحالفات عسكرية بين الميليشيات والجماعات الإسلامية المتطرفة ومنها داعش والقاعدة، بغرض تحويل ليبيا إلى قاعدة رئيسية للجهاد العالمى، والاستراتيجيات المعمول بها لمواجهة داعش والقاعدة.