الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

جادالله نجيب يكتب: قراءة في زيارة البابا فرنسيس لمصر وخطاباته

القس جاد الله نجيب
القس جاد الله نجيب راعي كنيسة المجتمع العربي بانجلترا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعتبر زيارة قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، أكثر الأحداث التي شغلت الصحف العالمية والمحلية، لما كان لها طابع متميز وتوقيت حساس. 
وقد أثلجت صدور الغالبية العظمى من عامة الشعب ومن القيادات السياسية والدينية بل وكتبت تاريخًا جديدًا في العلاقات بين روما والأزهر وبين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية. 
ولعل من يتابع الخطابات الخمسة التي قدمها قداسته، سواء كان في الأزهر، أو فندق الماسة، أو الكاتدرائية أو في لقاء الشباب أو اللقاء بالكهنة في كلية المعادي، يجد أنها لها عمقها المتميز التي يمكن أن نطلق عليها أنه اختار لكل مقام مقال. 
أولًا: بصفة عامة فهو يعلن أنه رجل مثقف من الطراز الأول، يقرأ التاريخ بفهم وتحليل صحيح، بل له قدرة ومهارة عالية، في تطبيق قراءة التاريخ على الواقع المعاصر، بعقل متفتح وإدراك كامل للمعاني والمصطلحات. معلنًا أن لكن التاريخ يكرِّم بناة السلام، الذين يناضلون من أجل عالم أفضل، بشجاعة وبدون عنف.
ثانيًا: له فهم عميق واختباري لكلمة الإنجيل، فاستطاع أن يخرج منها جددًا وعتقاء في استخدامه قصة موسى النبي على جبل سيناء، وقصة يوسف مع مهارته المصرية لتدبير شئون مصر أن ذلك ووقت المجاعة واتخذ منها تحديًا للمصريين في إشباع العالم الجائع للحب.
ثالثًا: لم يتنازل عن قيمه الاجتماعية أو الروحية، في بناء جسور بينه وبين الأزهر وبحنكة الشيخ المُخْتَبِر، الحنكة التي تنقص كثيرين من أصحاب المواقع الدينية والسياسية، وضع النقاط على الحروف من خلال مبدأ مد الجسور في الحوار بشكل قوي، من خلال ثلاثه توجهات حسب تعبيرات البابا فرنسيس، إذا تمّ تنسيقھا بطريقةٍ جيّدة، وهي: 
 الھويّة، لأنّه لا يمكنُ تأسيس حوار حقيقيّ على الغموضِ أو على التضحية بما ھو صالح، من أجلِ إرضاء الآخر.
 وشجاعة الاختلاف، لا ينبغي التعامل مع من ھو مختلفٌ عنّي، ثقافيًّا أو دينيًّا، كعدوّ، بل أن أقبلَه كرفيقِ درب، باقتناعٍ حقيقيّ أن خير كلّ فردٍ يكمنُ في خيرِ الجميع
 وصدق النوايا، بمعنى أن الحوار، كونه تعبيرًا أصيلًا للإنسان، ليس استراتيجيّة لتحقيق غايات ثانوية، إنما مسيرة حقٍّ تستحقّ أن نتبناھا بصبرٍ كي تحوّل المنافسة إلى تعاون
رابعًا: أكد قدستة على أن عقله ليس رجل دين يكتفي بالقداسات والممارسات الدنية، لكنه يحث على التنمية كدعامة أساسية لرقي الشعوب. فقال إن التنمية والازدهار والسلام هي خيرات لا يمكن التنازل عنها. أن التنمية الحقيقية تُقاس بمدى الاهتمام المكرس لصالح الإنسان –قلب كل تنمية- لتعليمه ولصحته ولكرامته.
خامسًا: لقد أعلن قداستة قمة نقد الذات وتصحيح الماضي الأثيم في كلمته في الكتدرائية، عندما ان كشف أن القرون العصيبة التي عاشتها الكنيسة الشرقية والغربية، بكل قسوتها، غذتها وأهبتها عوامل ذات طابع غير لآهوتي وكذلك غياب عدم الثقة في التعامل بين قيادات الكنيسة في الماضى. واقتبس كلمة البابا بولس الثاني ف يعام 1973:"لم یعد لدینا وقت نضیعّه في ھذا الصدد! وحدتنا في الربّ یسوع المسیح الواحد، وفي الروح القدس الواحد، وفي المعمودیة الواحدة، تمثلّ بالفعل واقعًا عمیقًا وأساسیًا" 
رغم كل ما يحدث من إرهاصات على الساحة الكنسية في مصر تجاه البيان الموقع علية بين قاسة البابا فرنسيس والبابا تاوضروس الثاني، إلا أن عزيمة الطرفين الحديدية، فالوحدة حتمًا محتومًا للكنيسة الشرقية والغربية.
سادسًا: من خلال كلمته مع الشباب، عمّق مفهوم الأسرة، هو أن الأسرة يجب أن تكون مكانًا للحياة وليس للموت، أرض للشفاء وليست للمرض، ومرحلة تسامح وليست ذنب. وأن من خلال الغفران تُبني جسور التعايش. بدون غفران الأسرة تصبح مسرحًا للصراع وحصنًا للمظالم. 
سابعًا: لم يكن قداسته راهبًا معزولًا عن الحياة وواقع الخدمة، لكنه قدم من عمق التجربة كخادم أغلى النصائح، وأكثر المبادئ قوة وأعظمها تاثيرًا في حياة الخادم. في مواجهته للخدمة ومتاعبها مع الاحتياجات المادية والإنسانية والروحية، وأكد في ختام حديثه، أن فقدان الهوية الخادم يجعله يعيش بقلب منقسم بين الله والأمور الدنيوية. 
لقد قدم البابا فرنسيس في زيارته نموذجًا فريدًا لصناعة السلام ورعايته، كما قدم نموذجًا متميزًا من رجل الدين الذي لا يقدر أن يساوم على الهوية في سبيل الوصول للآخر، ولا يتنازل عن صناعة السلام مع عقول لم تختبر معنى السلام. 
كان شخصه في زيارته لمصر، تعبر عن رجل الدولة المتمرس في خطابة، ورجل الدين، الراهب الذي وهب حياته لخدمة الله وللإنسانية فله كل تقدير وإكرام، كما لبلادنا الحماية والحفظ والسلام.