الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سمير فريد.. ملف متميز عنه وذكريات معه «2 – 2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندنا أن هذا العدد من جريدة «القاهرة» هو أول الغيث، فى كتابات ودراسات عن دور سمير فريد الريادى ومشروعه النقدي، ليس فحسب كصورة من صور التكريم الواجب والتقدير المطلوب والعرفان بالفضل العظيم، وإنما بالأساس للاستفادة والتعلم والاستلهام من عطائه وعطايا حركة النقد الكبرى التى كان هو فى القلب منها وفى قيادتها. 
عدد جريدة «القاهرة» (فى ١١ إبريل ٢٠١٧)، أى بعد أسبوع بالتمام من الرحيل (فى ٤/٤) هو فى نظرى كتاب أو كتيب، صادق راق ومتعمق، عن سمير فريد.. ملف «القاهرة» عن سمير فريد، قرأته كله.. حرفًا حرفًا، ولست بصدد تقويم ما، أو إبداء آراء فى آراء!.. ولكن أكتفى هنا، بذكر بعض ما لفت نظرى بشكل خاص من فقرات أو عبارات..
أعجبنى مثلًا قول «حميد مرعى»– المدير العام السابق للمؤسسة العامة للسينما بدمشق فى مقاله «أشجار الغابة تقتلع» : (.. بالنسبة لسمير فريد ومنذ اللقاءات الأولى تحس بأنك تعرفه وبأنه قريب منك وأنك قريب منه. إنسان يقدم نفسه بأريحية وود، إنسان هادئ بلا انفعال، يتكلم بهدوء ورزانة لا يحاول أن يفرض آراءه على أحد، يتمتع بكبرياء طبيعي، هو جزء من تكوينه، يحميه من أى موقف ضعف، أو مساومة على قناعاته، وأعجبنى مثلًا قول المخرجة السينمائية هالة لطفى فى مقالها « المتمرد»: ( كان بينه وبين المخرجين الشباب قبل الكبار خطًا مفتوحًا.. فى أفلام جيلنا ستجد اسم سمير فريد دائمًا أول اسم فى الشكر الخاص بدءًا من إبراهيم البطوط وأحمد عبدالله وكريم حنفى وتامر السعيد، وصولًا إلى محمد حماد وغيرهم من شباب السينمائيين الذين كانت لديهم علاقة خاصة جدًا مع الأستاذ..). 
وأعجبنى مثلًا قول الناقدة الشابة د. أمل الجمل فى مقالها «الذى أحبه»: (كان الأستاذ سمير فريد يسعد بظهور نقاد جدد جادين على الساحة النقدية، ويشجع الباحثين وكأنه يبنى مؤسسة لا يرى جدرانها وهيكلها أحد غيره هو، كأنه يبنى بهؤلاء حلمه، أو يتوسم فيهم أنهم سيكملون مشروعه الذى بدأه واستمر قرابة الخمسين عامًا..). مضيفة فى أسى صادق كبير: (حزينة أنا لفقدانه.. لأنى لم أجلس معه كفاية، ولم أنهل من حكايته وخبراته وكرمه أكثر وأكثر..). كما يوجد فى كتابات بعض الأقلام، ما ذكرنى على الفور بأمور أو مواقف... مثلاً، ذكرنى بأنى كنت أقول له مرات كثيرة الشىء نفسه، ما كتبه رئيس التحرير «سيد محمود» (الذى للعجب كان هذا آخر عدد له، من بعده طلب منه وزير الثقافة الاستقالة!!).. كتب فى مقاله «سمير الفريد»: (دعوته مرارًا لكتابة سيرته الذاتية، وكلى ثقة أنها سيرة رجل «عاش» بكل ما تعنيه كلمة «العيش» من معنى)... وكذلك ما كتبه القاص «خالد عبدالعزيز» فى مقاله «٦ مشاهد عن الأستاذ»، مشيرًا إلى قوله له: (.. «ليه يا أستاذ سمير متكتبش الحكايات اللى عندك عن الوسط الفنى والصحفى.. خسارة لازم تدونها؟».. رد يومها بعد أن سكت لدقائق «تعرف لما أقعد مع نفسى محسش بأهميتها، لكن لما أحكيها أعرف قد أيه هى مهمة»... مخزون الحكايات لدى صاحب «الواقعية الجديدة فى السينما المصرية» مبهر، ما أن يشعر بحميمية المحيطين من حوله، حتى يبدأ سرده الإنسانى بالغ الرقة، حديثه الممزوج بالحكم والأقاويل التاريخية، يشى بثقافة عميقة موسوعية لا تقتصر على السينما والفنون فقط..). كما يعيدنى إلى ما كنت أقوله لسمير فريد أحيانًا: (فيك ما يذكرنى بالأستاذ محمد حسنين هيكل).. ما كتبه الناقد السينمائى ضياء حسنى فى مقاله «نهاية حقبة»: «الأهم.. قوة تأثيره، كونه بشخصه كان مؤسسة وليس مجرد فرد. 
فقد عمل «سمير فريد» منذ البداية على الاحتفاظ بكل ورقة تكتب عن السينما، ليقوم بأرشفتها، فى بلد تهمل أرشيفها، حتى إنه كتب كتابًا جمع فيه الرسائل المتبادلة بينه وبين المخرج توفيق صالح عندما كان منفيًا خارج مصر، فحتى الرسائل الشخصية كان يحتفظ بها..). مما يبقى ضمن كثير ذكرتنى به نصوص عدد جريدة «القاهرة» التذكارى الخاص بسمير فريد، قول ضياء حسنى عنه فى مقاله: (.. وقد قيل إن فريد أكمل المونتاج النهائى لأحد الأفلام بعد أن اختلف المخرج مع الشركة المنتجة)، وقول المنتج والمونتير محمد سمير فى مقاله «حتى فى رحيلك تعلمنى شيئًا جديدًا»: (كان دائمًا كريمًا فى وقته.. كان يأتى لمقر شركتى ليشاهد أحد الأفلام التى عملت عليها كمونتير. كنت دومًا كمونتير أنبهر بذكاء ملحوظاته وبساطتها.. كان دقيقًا وكانت علاقته بالأفلام علاقة فنية مثلها مثل الكاتب والمخرج.. بعد مشاهدة سمير فريد كان الفيلم يتحرك خطوة للأمام كان شريكًا روحيًا وعمليًا لكل من وثق فيه.. كان دائمًا هناك نسخة من الفيلم ما قبل سمير فريد ونسخة ما بعد سمير فريد)... هكذا، ذكرتنى هذه المقالات بما كتبته له يومًا، فى إحدى رسائلنا الكثيرة المتبادلة منذ السبعينيات الماضية (والتى أشار هو إليها فى مقدمته لكتابى «الطريق إلى سينما ٢٥ يناير»)، كتبت أقول له: (ألم تفكر قط فى أن تخرج الأفلام بالإضافة إلى كتابتك فى النقد؟).. فكتب لى فى رسالة يرد (وما زلت طبعًا أحتفظ وأعتز بكل رسائلنا)، قائلًا ما نصه: (أفكر فى إخراج فيلم طويل عن جمال عبدالناصر)... وحينما التقينا فى أعقاب هذه الرسالة فى القاهرة، فتحنا الموضوع ثانية، وهنا قال لى – وكنا فى مركز الثقافة السينمائية أيضًا: (الفكرة أتمناها.. ولكن إتاحتها حتى الآن، وبالذات الآن أمر صعب جدًا.. فالحملة ضد جمال عبدالناصر على أشدها كما ترى.. وتفكيرى هو أن يكتب الفيلم محمد عودة.. وهو بالنسبة لى كما تعلم أيضا أستاذنا ومرجعنا، وأتمناه فيلمًا طويلًا تسجيليًا.. وأحد أهدافى منه، بالإضافة إلى التعبير عن رؤية شاملة لعصر وقائد.. هو إنقاذ ما يمكن من وثائق وأشرطة تتعلق بعبدالناصر والثورة.. لأنه يوجد الآن خشية على كل هذا... على كل شىء أن يضيع!). وقد أختم بأن أشير إلى مقال المخرج السينمائى الشاب كريم حنفى «لا تتركنى الآن... وحيدًا»، وأشعر أنه هنا مسك الختام، فهو من أروع مقالات «الملف».. ويلفت نظرى أن هذا المخرج صاحب فيلم «باب الوداع» الذى يعد قصيدة شعرية سينمائية من طراز خاص، هو أيضا صاحب أسلوب بليغ متميز فى الكتابة.. كتب فى مقاله: (.. كان الأستاذ يلح على لأبدأ مشروع فيلمى المقبل.. كان سمير فريد يقترح الممثلين المناسبين ويقترح بعض مواقع التصوير ويشجعنى على خوض مغامرة إنتاج الفيلم مرة أخرى، و... كنت أنتظر أن تتحسن صحتك لأخبرك أننى انتهيت من السيناريو، وأننى أنتظر طفلى.. كنت ستضحك وكنا سنذهب إلى مقهانا المفضل نختار سويًا اسم الطفل ونتحدث عن السينما وأبثك قلقى وتطمني..).