السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

ثقوب في ثوب الإخوان الأسود.. صراعات داخلية والشباب يلجأ لـ"الإلحاد"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
القيادات التاريخية منعت الدعم المالى عن معارضيها وشردت شبابها فى الشوارع 
قيادى فى جبهة محمود عزت: من ينشق يتحمل مسئولياته
شاب إخوانى: القيادات طردونا من مساكننا فى السودان.. والنساء والأطفال أصبحوا بلا مأوى

بعدما نجحت ثورة 30 يونيو فى إزاحة الجماعة عن الحكم، لم تستطع جماعة الإخوان مواصلة الصمود والتلاحم الذى كانت تراهن عليه، والذى كان ظاهر جليًا خلال اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، حيث ركعت الجماعة وبدأت الخلافات الداخلية. ففى فبراير 2015 كانت النقطة الفاصلة بعدما قرر مجموعة من شباب الإخوان كسر تابوت السمع والطاعة بإعلان إجرائهم الانتخابات الداخلية لمكتب الإرشاد بعدما سقط جزء منه فى يد الأمن والبعض الآخر هرب خرج مصر.


بداية الانشقاقات
بدأت خلافات غير مسبوقة حول طرق اتخاذ القرار داخل الجماعة، وجاء نوفمبر من نفس العام بما لم يتوقعه من قبل عندما أعلن بيان صادر عن مكتب الإخوان المسلمين فى لندن إقالة المتحدث باسم الجماعة محمد منتصر (اسم حركي) من مهمته، وتكليف طلعت فهمى المقيم خارج مصر بدلا منه. 
ولم تمض ساعات قليلة على القرار، حتى صدر بيان من اللجنة الإدارية العليا لجماعة الإخوان أكد على أن «محمد منتصر ما يزال متحدثًا إعلاميًا باسم الجماعة، وأن إدارة الجماعة تتم من الداخل وليس من الخارج». كما أصدرت المكاتب الإدارية للجماعة فى عدد من المحافظات المصرية بيانات أكدت فيها أن قواعد الشورى والمؤسسية هى الأطر الحاكمة للتنظيم، وهى أساس بنية الجماعة، ولا يقبل من أى شخص أو قيادة مهما كان موقعه تغييرها، مشددة على أن مكتب لندن مكتب إعلامى بالأساس ولا يحق له اتخاذ قرارات إدارية تخص الجماعة فى مصر.


انقسام الجماعة
بعدها تزايدت حدة الخلافات داخل بعد إصرار وأصبحت الجماعة منقسمة إلى طرفين: الأول يتمثل فى اللجنة العليا لإدارة الجماعة المعروفة إعلاميا «باللجنة الإدارية» والتى تشكلت فى فبراير٢٠١٤ برئاسة عضو مكتب الإرشاد محمد كمال لتسيير أعمال الجماعة بدلا عن مكتب الإرشاد الذى سجن غالبية أعضائه منذ ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ويضم هذا الطرف أيضا المكتب الإدارى للإخوان خارج مصر والذى تشكل فى مارس ٢٠١٦، برئاسة عضو مجلس شورى الجماعة أحمد عبدالرحمن.
أما الطرف الثانى فيضم أعضاء بمكتب الإرشاد، فى مقدمتهم محمود عزت نائب المرشد والقائم بأعماله، والأمين العام للجماعة محمود حسين، والأمين العام للتنظيم الدولى إبراهيم منير.
والأسباب التى دعت إلى انقسام الجماعة تعود إلى نجاح ثورة ٣٠ يونيو، بعدما قبض على عدد كبير من أعضاء مكتب الإرشاد وهروب آخرين خارج البلاد وقرروا إدارة الجماعة من هناك، من هنا بدأ الخلاف حول أن البعض يرى أن الجماعة لن تدار من الخارج بالإضافة إلى مطالباتهم بتمكين الشباب.
وبعدما اشتعلت الجماعة ولم يبق سوى الانقسام ومحاولة كل طرف السيطرة على ما تبقى منها، بدأت جبهة القيادات التاريخية فى منع المساعدات المالية التى كانت ترسل بصفة دورية عن عدد من المكاتب المعارضة لقراراتها، من بينهم مكاتب الفيوم والإسكندرية والمنيا وعدد من المكاتب الأخرى.
وقبل نهاية العام المنصرم أعلنت جبهة شباب الجماعة، انعقاد اجتماع مجلس شورى الجماعة فى القاهرة بعد انتخابه، لاتخاذ قرارات مهمة، وذلك حسبما جاء على لسان محمد منتصر، المتحدث باسم جبهة القيادة الشبابية، عن ثلاثة قرارات، وهى «احتفاظ الدكتور محمد بديع بموقعه كمرشد عام للجماعة، وكذلك احتفاظ جميع أعضاء مكتب الإرشاد فى السجون بمواقعهم، والفصل بين الإدارة التنفيذية للجماعة الممثلة فى مكتب الإرشاد، والهيئة الرقابية التشريعية الممثلة فى مجلس الشورى العام، والثالث انتخاب مجلس الشورى من بين أعضائه رئيسًا ووكيلًا وأمينًا عاما 
ولم تقف عند هذا الحد فقامت بمحاولات أخرى أكثر قهرًا وظلمًا للشباب الذين استغلتهم خلال اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، ومع فشل هذه الإجراءات وهروب الشباب خارج مصر، وخاصة إلى السودان، بدأ قيادات الجماعة فى تكثيف إجراءات القهر ضدهم حسبما وصفها الشباب وقتها، وهى إعلانهم بإخلائهم من المساكن التى كانوا يقبعون فيها على حساب الجماعة، ووقف المساعدات المادية التى كانوا يتلقونها نظرًا لرفضهم السياسات التى اتخذتها القيادات التاريخية.


اتهامات لـ«عزت» بالتعاون مع الأمن
وعندما أعلنت الجماعة مقتل محمد كمال عضو مكتب الإرشاد، والقبض على محمد الشريف أحد قادة الجماعة فى السودان، بدأت الاتهامات لمحمود عزت القائم بأعمال المرشد والهارب منذ ثورة ٣٠ يونيو، بأنه يتعاون مع قوات الأمن، وخاصة بعد نجاحات الأمن فى ضربات اللجان النوعية التابعة لجبهة الشباب وقادتهم إما من خلال القبض عليهم أو تصفيتهم خلال المداهمات.


الشباب فى الشوارع
تصاعدت الأزمة بين أنصار جبهتى الصراع داخل جماعة «الإخوان» من المصريين الفارين إلى السودان، بعدما أبلغت جبهة القيادة التاريخية التى يتزعمها القائم بأعمال المرشد محمود عزت، بعدم تحمل مصروفات الإعاشة الخاصة بنحو ٤٧ من شباب الجماعة التابعين لمحافظات الفيوم بنى سويف والجيزة، وكذلك إيجارات المساكن التى كانت توفرها الجماعة لأعضائها وشبابها الذين هربوا من مصر.
ويحكى محمد عطية أحد شباب الإخوان، عن أن أكثر من ١٠٠ شاب من المتواجدين فى السودان فوجئوا بامتناع مسئول السكن التابع لجبهة عزت فى السودان بعدم دفع الإيجارات، ومصروفات الإعاشة بهم، بعدما أعلنوا انضمامهم للانتخابات التى نظمتها مؤخرا جبهة القيادة الشبابية، وكذلك قيامهم بإجراء انتخابات داخلية فى السودان واختيار مكتب جديد هناك للإخوان المصريين، وهو ما أثار غضب قيادات جبهة عزت.
بينما قال حسن المصري، أحد شباب الجماعة: إن المهندس حسام الكاشف جاء لنا برسالة من الإخوان قال فيها «بلاغ من الإخوان لكل أخ على حدة، اللى شايف إن الجماعة كويسة ومفيش فيها أخطاء فهو معنا، واللى شايف أخطاء ويصلح من الداخل فهو معنا، وما عكس ذلك يترك الجماعة فهو وما يرى، وله علينا حق الإسلام وحق الإخوة، وحق رفقة الدرب وحق التكافل» حسب تعبيره.
وتابع المصرى لـ«البوابة»: من حوالى شهرين أو شهر ونصف تم إبلاغنا من خلال مدحت رضوان، والمهندس طارق سيف: إن فيه مجموعة من الشباب عليهم إخلاء السكن فى خلال ٤ أيام، ولما سألنا السبب قالوا (إنكم تبع المكتب العام) ولما مخرجناش عشان مفيش مكان نروح فيه الوضع هدأ لحد أسبوع ماض، وبعد ما تم الإبلاغ بإخلاء السكن». 
واستكمل محمد طلبة، ثانى الشباب الذى تواصلت معهم «البوابة»، لمعرفة ما جرى لشباب الجماعة فى السودان خلال الأيام الماضية، وقال: «بعد ما تم إرسال التهديدات لنا حاولنا التواصل مع المنظمة عشان نحاول نوصل لحل ونكون مستكملين فى السكن لحد ما نوصل لرد، ولكن لم يصل لنا أى ردود».
ووصف الشاب الإخواني، أن ما فعلته الجبهة لم يفعله أعداء الجماعة، بقوله: «المطاريد من السكن من بينهم أطفال ونساء وهم الآن يعيشون فى شوارع السودان، دون مأوي، وعند ما طلبنا منهم استكمال النساء والأطفال العيش داخل السكن رفضوا، وطلبوا منهم الاعتذار المكتوب لقبول استمرارهم فى السكن».
من ناحية أخرى، أنكر قيادات فى جبهة محمود عزت صحة تلك الوقائع، وقال أحد قيادات الجبهة خلال تواصل «البوابة» معه عبر موقع «الفيس بوك»: «والذى أكد على أنها ضجة لا يمكن قبولها وذلك لكونهم انشقوا بإرادتهم عن الجماعة، واتجهوا لتكوين جماعة جديدة بذلك فهم لا يستحقون الدعم المقدم من الجماعة؛ لأنهم نظموا انتخابات مخالفة لنا وسعوا لتشكيل كيان جديد، وعلى هذا الكيان الجديد التكفل بنفقاتهم».


انحرافات أخلاقية
وعقب ثورة ٣٠ يونيو، وبعد عمليات الملاحقة الأمنية والضربات التى وجهتها أجهزة الأمن لكوادر الجماعة المنتمين تنظيميا لها، لكن التحول الحقيقى ظهر جليا فى وقت لاحق وخاصة بعد الأزمة التى ضربت جبهتى الإخوان «القيادات التاريخية وجبهة الشباب». يقول عمرو أبو خليل أحد الأطباء النفسيين المقربين من جماعة الإخوان: إن هناك أزمة نفسية يمر بها الصف الإخوانى بصورة عامة والشباب بصورة خاصة، مشيرا إلى أن أعضاء الجماعة يحتاجون إلى دعم وعلاج نفسى فى الفترة الحالية نتيجة للظروف التى مروا بها.
وأضاف فى تدوينة بثها عبر موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» أن بعض شباب الإخوان وصل إلى الاكتئاب، وبعضهم وصل إلى الإلحاد بالفعل، نافيا أن يكون شباب الإخوان وصلوا إلى ظاهرة التحشيش أو الانفلات الجنسى.
فى المقابل يقول عمرو إسماعيل - اسم مستعار- لأحد أعضاء جماعة الإخوان إن عددا من شباب الإخوان لجأوا فى فترات مختلفة إلى تعاطى مخدر الحشيش وغيره، نتيجة لعدد من الأسباب فى مقدمتها الضغط الذى طال الشباب بعد ٣٠ يونيو.
ويضيف: بدأت حكايتى مع الإخوان منذ حوالى ١٠ أعوام عندما التحقت بأشبال الجماعة فى قريتنا لأن والدى كان أحد أعضاء الجماعة، ومنذ ذلك الحين انخرطت تنظيميا فيها.
ويتابع: «عقب ٣٠ يونيو اعتقل عدد من أعضاء الأسرة الإخوانية التى كنت منتظما فيها، وتمت مطاردتى لفترة وانقطعت صلتى بالمسئولين فى الجماعة لفترة.
وبعد فض اعتصام رابعة، تولى «إسماعيل» إدارة المونتاج التليفزيونى فى قناة الشرعية التى أطلقتها الجماعة لفترة وجيزة، إلا أن القناة لم يكتب لها الاستمرار، كما شارك فى نفس الفترة فى المظاهرات الطلابية التى نظمها شباب الإخوان فى تلك الفترة داخل جامعة الأزهر.
وكان «إسماعيل» كغيره من شباب الجماعة يقيم فى إحدى الشقق السكنية التى أجرتها الجماعة مع عدد آخر من طلاب الإخوان، لكن قوات الأمن داهمت الشقة فى أحد الأيام بينما كانوا هم خارجها، مما اضطرهم للهرب والبحث عن مكان آخر للإقامة به.
ونجح «إسماعيل» فى وقت لاحق فى الحصول على سكن مع عدد آخر من زملائهم غير المنتمين لجماعة الإخوان، وفيه دخن أول سيجارة حشيش فى حياته.
وعن الواقعة يقول «كان الشباب فى السكن بيجيبوا حشيش ويقعدوا بالليل يشربوه وكنت بقعد معاهم فى أوقات».
ليس هذا فحسب فخلال نفس الفترة، بدأ بإقامة صداقات مع الجنس الآخر، بالرغم من أن جماعة الإخوان تمنع أعضاءها من إتيان مثل هذه الأفعال، وتعاقب من يخالفون تعليماتها بهذا الصدد.
ويقول: «كنت أحيانا بكلم بنات لكن كله كان كلام عابر ولم يتطور الأمر عن ذلك».
لم تكن تلك التصرفات مقصورة على شباب الإخوان فحسب بل تعدتها إلى «الأخوات»، لكن بصورة أقل قليلا من شباب الجماعة، وهو حدث مع «إيمان يوسف» إحدى المنتميات سابقا لجماعة الإخوان.
بدأت حكاية إيمان مع الجماعة منذ نعومة أظافرها حيث نشأت فى عائلة إخوانية، وانتمت للجماعة فى سن مبكرة.
وظلت إيمان منتظمة فى الجماعة حتى ٢٠١٥، قبل أن تهجرها إلى غير رجعة بعد خلافات كبيرة مع أعضاء الجماعة، وقبيل ذلك شاركت فى التظاهرات الإخوانية فى جامعة الأزهر.
أصيبت إيمان فى هذه الأثناء بنوبة اكتئاب جراء الضغوط والأحداث التى مرت بها فى تلك الفترة، وتكرر الأمر فى فترات لاحقة.
ودخلت لاحقا فى دوامة من التفكير حول البقاء فى الجماعة أو الخروج منها، وبالتوازى مع ذلك بدأت تراودها أفكار إلحادية لكن فى النهاية لم تتجاوب معها، كما كونت وللمرة الأولى صداقات مع شباب آخرين وتعرفت على العديد منهم.


ومن ناحيته أكد الخبير النفسي، الدكتور فؤاد محمد الدواش، عضو الجمعية المصرية للدراسات النفسية، على أن ما وصل إليه شباب الإخوان من التحول ناحية الإلحاد أو إدمان المخدرات جاء فى الأساس نتيجة الأزمات النفسية التى تعرض لها الشباب خلال السنوات الماضية، أما عن طريق الهروب التى تعرضوا له بعد نجاح ثورة ٣٠ يونيو، وبعد ذلك منع المساعدات المالية وإلقائهم فى الشوارع عراة دون حام أو راع لهم.
وأضاف الدواش، فى تصريح خاص لـ«البوابة»، ما وقع فيه شباب الإخوان يحتاج إلى وقفة صارمة من قيادات الجماعة للتواصل معهم، لوقف حالة الانحدار التى يواجه الشباب، والذى إما أن يكون ملحدا أو مدمن مخدرات أو الانضمام إلى جماعات إرهابية ومسلحة منتشر فى الدول خاصة مع حاجتهم للأموال والمتطلبات الحياة العادية.
وعن سهولة تحول الشاب الأكثر تدينًا إلى ملحد لا يعترف بالإسلام أو مدمن مخدرات، قال الخبير النفسي، إن الظروف الحياتية الصعبة قد تحول بكل سهولة ما بين تكوينات الفرد الملتزمة إلى فرد لا يعرف ما يفعله، من إرهاب وقتل وغيرها من العمليات الإرهابية، فالمكون الأساسى لجماعات الإرهابية المنتشرة فى العالم جاء من هؤلاء الأشخاص. 
بينما اتفق معه الخبير النفسى يسرى عبدالمحسن، والذى أكد على أن ما حدث للشباب من انحرافات داخلية أو خارجية، جاءت نتيجة الأزمات الصعبة التى مروا بها خلال السنوات الأربع الماضية، لافتًا إلى أن الجماعة ألقت بشباب الجماعة فى أحضان الهوى بدون أى رداء، فمنهم من يحتضنه الإرهاب ومنهم من يحتضنه المنحرفون، والحل الأمثل لهم هو إعادة تقييم ادعائهم على أيدى متخصصين نفسيين بعد عودتهم مرة أخرى إلى البلاد.
بعد أشهر من التفكير وتحديدا فى صيف ٢٠١٥ قررت «إيمان» ترك الجماعة للأبد، وبعد ذلك بقليل خلعت الحجاب الذى كانت ترتديه منذ الطفولة.