الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

يانيس ريتسوس.. شاعر الأطلال والموت

يانيس ريتسوس
يانيس ريتسوس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحل اليوم الأحد ذكرى ميلاد الشاعر اليوناني الكبير يانيس ريتسوس، والذي ولد في الأول من شهر مايو عام 1909 في قرية "مونيمفاسيا"، في جنوب شرق مقاطعة البيلوبونيز، جنوبي اليونان.
وتلقى يانيس ريتسوس تعليمه الأول في مدرسة القرية، وكتب أول قصيدة له في سنة 1917، وفي 1921 توفى أكبر أشقائه بسبب إصابته بالسل ولحقت به والدته بعد ثلاثة أشهر بداء السل أيضا الذي أصاب كامل القرية، أما والده فقد جن جنونه وفقد أمواله بسبب القمار بعد أن كان رجلًا ثريًا ينتمي إلى عائلة نبيلة تملك أراض عدة.
بعد إنهائه دروسه الثانوية انتقل إلى مدينة أثينا التي عانى فيها من الفقر بسبب قلة موارده مما أجبره على أن يقطع دروسه والعمل في مهن صغير، ككاتب ينسخ الأوراق في نقابة المحامين، وراقص هامشي بإحدى الفرق الفنية، وممثل صامت، ثم مصححًا وقارئًا لبروفات الطباعة لدى أحد الناشرين، حتى حظي بوظيفة في "المصرف الوطني" لكنه أصيب هو الآخر بمرض السل في سنة 1926، ليعود إلى قريته التي يكتب فيها ديوانه "منزلنا القديم". يدخل والده المأوى في نفس السنة ويدخل هو أحد المصحات ويمكث فيها مدة ثلاث سنوات. خلال تلك الفترة لم يتوقف عن القراءة والكتابة كما تعرف على الوسط "التقدمي" وعند مغادرته المصحة عاوده المرض ودخل مصحا آخر، وفي سنة 1931 عاد ريتسوس إلى أثينا وامتهن التمثيل بأحد مسارحها.
في سنة 1934 قام يانيس بإصدار أول ديوان له ويحمل اسم "تراكتورات"، وفي السنة التالية أصدر ديوانه الثاني وسماه "أهرامات"، وكان قد كتب معظم قصائد هذين الديوانين خلال القترة التي قضاها في المصحة، وألهمت الأحداث الدامية التي عرقتها بلاده لكتابة قصائده، فقصيدته الشهيرة "أبيتافيوس" عرفت النور إثر مقتل ثلاثين عامل تبغ وجرح ما يقارب الثلاثمائة منهم إثر تظاهرة في أيار 1934 فتحت فيها الشرطة اليونانية النار عليهم وتخلد قصيدة "أبيتافيوس" ذكرى تلك الأحداث الدامية فهي قصيدة جنائزية تتكون من عشرين نشيدًا أو ترنيمة مشدودة إلى الذاكرة الجمعية بوشائجها الشعورية بالغناء العامي والأسطورة الوثنية والطقس الأرثوذكسي.
وفي عام 1937 أصدر ريتسوس كتابه "نشيد أختي" وفي ترجمات أخرى "أغنية أختي"، أعجب كوستيز بالاماس الذي كان يعتبر أشهر الأدباء اليونانيين في تلك الفترة ويقول فيه: "إننا ننحني أيها الشاعر كي تمر"، واصدر ريتسوس اصدراته الأدبية ونشر في سنة 1938 كتابه "سمفونية الربيع" وبعده بسنتين "مسيرة المحيط".
وقد كان ريتسوس بارعًا في ديباجته الفريدة التي استطاعت، بعيدًا عن كلِّ لعب تركيبي (أو ما يسمَّى بـ"هدم اللغة") وهلوسات، أن تجعل من البساطة شعرًا عظيمًا، وقد وصفها النقاد بـ"البساطة الخادعة". فأنت، حين تقرأ مثل هذا الشعر، على بساطته المحمَّلة عبقَ الشعر كلِّه، لابدَّ لك من التساؤل بينك وبين نفسك: ألا يُظهِر لك مثل هذا الشعر، بمثل هذه البساطة الرؤيوية.
تدهورت حالته الصحية خلال سنوات الحرب العالمية الثانية ما بين 1940 و1944. يكتب أحد الصحفيين عن حالة ريتسوس في إحدى الصحف اليونانية لتنبيه المثقفين بحالته ويتم جمع التبرعات له ولكنها رُفضت من قبل ريتسوس الذي طلب توزيعها على جميع الكتاب والشعراء المحتاجين ورغم حالته لم يتوقف ريتسوس عن الكتابة ولكن السلطات النازية التي كانت تحتل اليونان قامت بمنع كتابه "تجربة".
وفي عام 1970 يخضع الشاعر لإجراء بعض الفحوصات الطبية والتي كتب فيها مجموعته «الممشى والدرج» وفي ترجمة أخرى لعنوان المجموعة «الممر والسلالم» وفي 1974 يسقط النظام العسكري ويصعد نظام «الوحدة الوطنية» وتمنحه جامعة تسالونيك شهادة الدكتوراه الفخرية لكونه يشمخ منذ أربعين سنة كركيزة للأمة اليونانية وكصوت لها ويحصل على الجائزة الدولية الكبرى للشعر وتم ترشيحه إلى جائزة نوبل في الأدب إلا أن الموت الذي وافاه في 11 نوفمبر 1990، يمنعه من أن يحصد الجائزة الأهم عالميا.

من أهم قصائد يانيس ريتسوس الخالدة نقرأ الآتي:

ــ أخطـار
سُمِّر الموتى على الجدران، إلى جانب الإعلانات العامة
للقروض الوطنية، الموتى واقفون على الأرصفة،
على المنصَّات الرسمية، بأعلامهم، وخوذاتهم،
وأقنعتهم الكرتونية.
الموتى
ليس لهم بعدُ مكانٌ للاختباء. ليسوا أسياد
عظامهم الجافة (موتى يصلحون للتبادل، صناديق
تشيلها الرافعات، كراتين صفراء مشبوكة بالدبابيس).

الموتى يتعرضون لأسوأ المَخاطر،
وذا المتبصِّر، البهلوان الذي يمشي حاملًا مظلَّته،
في الأعلى، على أسلاك كهربائية،
فوق المضيق، معصوب العينين بمنديل،
في أثناء سقوط قطرات المطر الأولى.

ثم تجلجل الصاعقة،
ويدعو النافخون في الأبواق النساءَ إلى عصر الإعلام،
لكن هؤلاء كنَّ محتجَزات في الأقبية، وقد أكلن مفاتيحهن.

ــ من دون...
القمر يلفُّ النبع، الحديقة تحت الستائر،
وعلى المخدَّة الحمراء، والإناءان برسومهما السوداء،
ينعكس شعاعُ الشمس من خلال زجاج النافذة المواجهة،
ويوازن بهلوان ضئيل على أنفه
كرسيَّين صغيرين أسودين، يصعد عليهما وينزل
كلب نحيف طيِّع، وذلك من دون أيِّ سبب،
من دون حتى أن تأتي ابنةُ الطباخة، البلهاء،
وتجلس على الدرج الرخامي لتصفِّق
في أخطر الأوقات، فيما تخرس النجوم حتى،
ويقف الضفدع على قدم واحدة على حافة هوَّة الزمان.

ــ مـنطـقة محظـورة
كان عليه دائمًا أن يبحث، بلا سبب، بلا ضرورة،
عثر في الرماد على جزر صغيرة خاوية،
ومصلَّيات قديمة تعجُّ بالريح.

على عتبة مصلَّى، كان ثمة كرسي،
وفي الأسفل، بين الصخور، أوَتْ توتياء ضخمة
تظلِّلها غيمةٌ جامدة. وبعد ذلك،
لا شيء لديه ليضيفه. لكن الواضح أنه كان يتجنب
بكلِّ احتراس أن يلفظ كلمة "موت".

ــ اجـتيـاح

لقد مرُّوا من هنا أيضًا. ورحلوا. سكون. حجارة سوداء.
أشجار مقطوعة. مصابيح محطَّمة. وعلى الطريق
حطام زجاج النوافذ، ومسامير، وعُلب، وخيطان. وداخل
الغرفة الفراغ، وعلى المائدة المرتبة،
في كلِّ طبق، رأسٌ مقطوع. وعند الباب،
ضُرِبَ عنقُ الراقصة.
"يا سيدي – تقول – عليَّ أن أُسرع
لألحق بهم، يا سيدي، عليَّ أن أُسرع."

كانوا يغسلون سلال قُطوف العِنَب. وكانت الزيزان تغنِّي.