السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

انتفاضة الأسرى تتحدى نظرية الأمن الإسرائيلية

وزير صهيونى طالب بإعدامهم

الدكتور محمد السعيد
الدكتور محمد السعيد إدريس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نظرية الاحتلال تجسد الوجود الصهيونى ذاته.. الإسرائيليون يخططون لفرض خيار الدولة اليهودية الواحدة على كل أرض فلسطين.. مقال «البرغوثى» فضح حقيقة إسرائيل.. وزيف خديعة «واحة الديمقراطية» فى الشرق الأوسط

فى فلسطين المحتلة يستوى الوطن الأسير الذى جرى التآمر عليه واحتلاله بل واستلابه تمامًا، والمواطن الفلسطينى الأسير القابع فى المعتقلات والسجون الإسرائيلية، لا لشيء إلا أنه لم يستطع أن يخلع روحه من وطنه، فكان لا بد أن يكون أسيرًا هو الآخر كما هو حال الوطن الأسير.
هذه العلاقة بين الوطن الأسير والفلسطينى الأسير، هى التى تكشف أسرار وخفايا كل هذا العداء الذى لم يستطع قادة الاحتلال الصهيونى إخفاءه، وهم يعلنون عمق حقدهم وبغضهم لهؤلاء الأسرى المضربين عن الطعام، وانتفاضتهم الباسلة بأمعائهم الخاوية، التى لم يعد لهم غيرها من وسيلة يعلنون بها التمرد على الممارسات الجائرة لسلطات الاحتلال.
فعندما يطالب وزير «إسرائيلي» كبير بإعدام الأسرى الفلسطينيين ردًا على إعلانهم الإضراب المفتوح الذى صادف «يوم الأسير الفلسطيني» (١٧/٤/٢٠١٧) فإن هذا الموقف بما يعكسه من جنون فى الوعى، يفضح أحد أهم أركان «نظرية الأمن الإسرائيلية»، التى تعتبر فى واقع الأمر ليس مجرد نظرية أمنية، بل هى نظرية الوجود الصهيونى ذاته على أرض فلسطين.
كل ما فعله الأسرى الفلسطينيون، أن ما يقرب من ١٥٠٠ أسير من كل القوى الوطنية الفلسطينية يقودهم الأسير القيادى الفتحاوى مروان البرغوثى المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة أنهم قرروا مقاومة الاحتلال والانتهاكات التى ترتكب بحقهم وبحق وطنهم بالإضراب عن الطعام، وأن الاسم الذى اختاروه لهذا الإضراب على نحو ما ذكر مروان البرغوثى هو «إضراب الحرية والكرامة» أملًا فى أن يكون هذا الإضراب «خطوة جديدة فى درب حريتهم الطويل».
لهذا السبب كانت دعوة «يسرائيل كاتس» وزير الاستخبارات والنقل فى الحكومة «الإسرائيلية» عن حزب الليكود إلى إعدام هؤلاء الأسرى، حيث طالب عبر صفحته الرسمية على «توتير» بضرورة إعادة تفعيل مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين، والتصويت عليه فى الكنيست. هذا الموقف رغم خطورته، ليس موقفًا شخصيًا متفردًا لهذا الوزير، لكن يبدو أنه موقف عام وسياسة مشتركة لدى حكومة الكيان، عبر عنه أكثر من مسئول «إسرائيلي». فقد سبق أن طالب أفيجدور ليبرمان وزير الحرب الحالى بفرض قانون يقضى بتحويل المحاكم العسكرية إلى إنزال عقوبة الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين.
سياسة أو دعوة قتل الأسرى الفلسطينيين، هى ذاتها سياسة قتل المتظاهرين وهدم المبانى، والتوسع الاستيطانى واقتلاع أشجار الزيتون، ورفض دعوة حل الدولتين، كلها سياسات ذات معنى واحد، هدفها إنهاء وجود الشعب الفلسطينى كى تبقى إسرائيل وشعبها وحدها على هذه الأرض «من النهر إلى البحر».
فالإنسان الفلسطينى مستهدف كما هى الأرض الفلسطينية، لذلك كان منطقيًا أن يأتى هذا القمع المنهجى لانتفاضة الأسرى متزامنًا مع تصديق الكنيست الإسرائيلى بالقراءتين الثانية والثالثة فى جلسة استثنائية على مشروع قانون التخطيط والبناء، وفقًا لتوصيات «لجنة كيمنتس» الذى يستهدف تسريع إجراءات هدم البيوت العربية بذريعة عدم الترخيص، حيث ينص هذا القانون على فتح المجال للتسريع عبر الانتقال من الإجراءات القضائية إلى الإدارية، وفى الوقت نفسه «إتاحة الإمكانية لإصدار أمر إدارى لوقف مخالفة البناء وفرض غرامات مالية مجحفة على من يخالف من الفلسطينيين تصل إلى ما يعادل ١٩٥ دولارًا يوميا، بدلًا من الإجراءات القضائية فى المحاكم، وهو قانون هدفه الحقيقى تصفية هدم البيوت ومصادرة الأراضى لتفريغ الأرض من شعبها، كى لا يبقى عليها إلا اليهودى فقط.
وما يحدث للفلسطينيين خارج السجون والمعتقلات من إرهاب ومحاصرة وتضييق له أصداؤه داخل السجون، وهذا ما حرص المناضل مروان البرغوثى على فضحه فى مقاله الذى سربه إلى صحيفة نيويورك تايمز، وأعلن خلاله عن قرار بدء إضراب الأسرى وأهدافه، وهو ما أثار جنون سلطات الاحتلال على مروان وكل الأسرى المضربين، وامتد السخط إلى صحيفة نيويورك تايمز لأنها نشرت صرخة الأسير.
ففى هذا المقال كان مروان البرغوثى حريصًا على أن يؤكد أن السنوات الـ ١٥ التى أمضاها فى السجون الإسرائيلية خولته أن يصبح شاهدًا وضحية لنظام الاعتقالات الجماعية العشوائية الذى تقدم عليه المنظومة الإسرائيلية غير القانونية بحق الفلسطينيين، وإساءة معاملتهم، وفى تبريره وتوضيحه للأسباب التى دفعته لإعلان الإضراب عن الطعام قال إنه استنفد جميع الخيارات الأخرى وقرر مقاومة هذه الانتهاكات بالإضراب عن الطعام، كما أوضح أن ما يقومون به كأسرى مضربين، يعتبر من أكثر أدوات المقاومة المتاحة السلمية، فهى لا تلحق ضررًا إلا بمن يشاركون فيه وبأحبائهم، على أمل أن تساهم أمعاؤهم الخاوية وتضحياتهم فى جعل أصداء رسالتهم تتردد وراء جدران زنازينهم المظلمة.
مقال البرغوثى جاء بمثابة مكاشفة صريحة لفضح حقيقة الاحتلال الإسرائيلى وزيف خديعة «الدولة الديمقراطية» أو «واحة الديمقراطية» فى الشرق الأوسط، من هنا كان حرصه الشديد على أن ينقل للرأى العام العالمى وللشعب الأمريكى على وجه الخصوص، كل أكاذيب الدعايات الإسرائيلية عن تلك الديمقراطية الزائفة، والأهم أن يعيد طرح إسرائيل مجددًا على الأمريكيين والعالم باعتبارها سلطة احتلال، وهذا ما يرفضه الإسرائيليون ويعتبرون أنفسهم أصحاب الأرض الحقيقيين، وأن حروبهم فى فلسطين كانت «حروب تحرير» ضد «المغتصبين الفلسطينيين».
فقد كشف البرغوثى فى مقاله المذكور، حقيقة أن آلاف الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم الشيوخ والنساء والأطفال يعانون من التعذيب وسوء المعاملة والإهمال الطبى، بل إن بعضهم تعرض للقتل خلال احتجازه مع وجود ما يقارب ٦٥٠٠ سجين سياسى تعرضوا لأطول فترات احتجاز عالميا، إذ لا تكاد توجد أسرة واحدة فى فلسطين لم تتعرض لمحنة سجن أحد أفرادها أو عدة أفراد منها، كما أوضح أيضًا أن إسرائيل كانت دائمًا بعيدة عن المحاسبة والعقاب، لأن إسرائيل أسست نظامًا قانونيًا مزدوجًا أشبه ما يكون بنظام تمييز عنصرى قضائى، يمنح الإسرائيليين الذين يرتكبون جرائم بحق الفلسطينيين حصانة قضائية فعلية، فى الوقت الذى يجرم المقاوم الفلسطينى.
نشر هذه الحقائق قبيل البدء فى الإضراب عن الطعام، فجر موجة عاتية من الجنون الإسرائيلى خصوصًا عندما اختتم البرغوثى مقاله باعتباره أن الإضراب الجديد، هو بوصلة لحركة الأسرى التى تؤججها نضالاتهم وصراعهم من أجل الحرية والكرامة، وهو الاسم الذى اختاروه لإضرابهم، رد الفعل الإسرائيلى العنيف ضد إضراب الأسرى لم يستطع أن يتجاهل مردود مقال البرغوثى، خصوصًا بعد أن حازت الحملة الدولية لتحرير مروان البرغوثى وجميع الأسرى الفلسطينيين، على دعم ثمانية من حائزى جائزة نوبل، و١٢٠ حكومة، ومئات الحكام والبرلمانيين والفنانين فى مختلف أرجاء العالم، لذلك جاء تحذير جهات أمنية إسرائيلية من اتساع الإضراب، ومن أن يسيطر على الأجندة السياسية – الأمنية فى إسرائيل والسلطة الفلسطينية على السواء، وحصول انتفاضة أسرى قد تتحول لاحقًا إلى انتفاضة شعبية.
فقد ارتبطت نظرية الأمن «الإسرائيلية» تاريخيًا بالأزمة الوجودية للكيان الصهيونى، بمعنى أن ما تعيشه «إسرائيل» من تهديد لوجودها «الاستثنائي» فى فلسطين العربية، هو الذى يحدد أركان هذه النظرية، من منطلق أن الهجوم خير وسيلة للدفاع، فحدود التقسيم التى رسمت للكيان الصهيونى عام ١٩٤٨ اعتبرت مجرد نقطة ارتكاز وانطلاق لبناء «الدولة اليهودية» التاريخية والتوراتية على كل أرض فلسطين، ومن ثم كان اعتبار التوسع فى الجوار الفلسطينى أولًا «الضفة الغربية وقطاع غزة» لبناء الدولة القاعدة أو المركزية للمشروع الصهيونى، ثم الانطلاق للتوسع ثانيًا فى الجوار العربى، على نحو ما حدث عقب عدوان يونيو ١٩٦٧ هو أفضل وسيلة لتأمين وجود الدولة اليهودية بحدود عام ١٩٤٨.
لقد تجاوزت الولايات المتحدة حدود هذا التفوق النوعى الكامل للكيان الصهيونى، وقامت بأدوار مباشرة لخدمة أهداف الكيان بالتدمير المباشر للقدرات العسكرية والاستراتيجية العربية، بدءًا بالعراق عام ٢٠٠٣، وقبلها احتواء أدوار وقدرات دول عربية أساسية ومحورية فى الصراع مع الكيان الصهيونى، من خلال اتفاقيات سلام على نحو ما حدث مع كل من مصر والأردن، ثم جاء الدور على سوريا، والآن جاء الدور على الشعب الفلسطينى ذاته، بدعم التلاعب «الإسرائيلي» المتعمد من الالتزام بالقرارات الدولية بهدف تجهيل القضية الفلسطينية عالميًا وتجاوزها إقليميا، بفرض قضايا وملفات أخرى ذات أولوية أعلى بالنسبة لدول عربية بذاتها قادرة على تهميش أولوية القضية الفلسطينية، وقادرة على إخراج دول عربية من دائرة الالتزام كطرف مباشر فى صراع عربى مع «إسرائيل». وذلك بتأييد ودعم رؤى «إسرائيلية» لا تتجاوز فقط «حل الدولتين» بل وحل «الدولة الواحدة ثنائية القومية».