السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الانتحار أو الانسحاب.. خيارات مقاتلي "داعش" بعد فقدان الموصل والرقة

تهجير الأقباط واستراتيجية التنظيم الإرهابى فى مصر

إبراهيم نوار مدير
إبراهيم نوار مدير الوحدة الاقتصادية بالمركز العربى للبحوث
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إعداد: إبراهيم نوار مدير الوحدة الاقتصادية بالمركز العربى للبحوث والدراسات

«البنتاجون» يؤكد أن هجماته بالطائرات على «داعش» أسفرت عن قتل 11 ألف مقاتل
التنظيم فقد 60% من المساحات المأهولة بالسكان الواقعة تحت سيطرته بالعراق وسوريا
تراجع واردات النفط مليار دولار دفع التنظيم إلى الاعتماد على الضرائب بنسبة 45%

استعرضنا فى المقال السابق المبررات التى قد تؤدى إلى زيادة وتيرة عمليات العنف فى مصر خلال الفترة الممتدة حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة، ومستهدفات العنف من أقباط وكمائن أمنية ومؤسسات أمنية، واحتمالات بناء تحالفات جديدة بين الجماعات المتطرفة المسلحة، وما يرتبط بذلك من تحديات على أصعدة الأمن والفكر والسياسة وغيرها.
وسوف نتناول فى المقال التالى الظروف الحالية التى يمر بها الآن تنظيم الدولة الإسلامية. 
كان التنظيم قد أعلن رسميا على لسان متحدثه الإعلامى فى 29 يونيو 2014 تغيير اسمه إلى «الدولة الإسلامية» بدلا من «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، بعد أن تمكنت القوات العراقية النظامية والميليشيات المساندة لها من دخول مناطق شرق الموصل بدعم جوى ولوجيستى أمريكى كثيف والاستعداد لتحرير المناطق الغربية بما فيها المدينة القديمة فى الأشهر المقبلة، فأصبح مقاتلو الدولة الإسلامية محاصرين تقريبا من الشرق والجنوب، بينما القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة تستعد للاقتراب من الرقة داخل الحدود السورية.

الاستراتیجیة الأمریکیة ضد داعش
تقوم الاستراتيجية الأمريكية ضد تنظيم الدولة الإسلامية أو دولة الخلافة أو داعش، على أساس واضح وضعه الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، وتهدف إلى «تقليص قوة التنظيم وإضعافه وهزيمته هزيمة تامة»، ويتم ذلك من خلال «العمل باستخدام قوات شركاء محليين، ومع هذه القوات، ومن خلالها» مع تجنب أن تشترك القوات الأمريكية بصورة مباشرة فى القتال الدائر على الأرض، وذلك لتجنب وقوع خسائر بشرية. 
ومع ذلك فإن أوباما اضطر خلال عامى ٢٠١٥ و٢٠١٦ وحتى انتهاء مدته الرئاسية الأخيرة إلى زيادة عدد قواته ومستشاريه العسكريين فى العراق وسوريا لتحقيق أفضل النتائج العسكرية الممكنة. 
وقد زاد عدد القوات الأمريكية خصوصا فى قطاع القوات الخاصة عالية المهارات وفى قطاع التدريب المتقدم على الأعمال القتالية المضادة للإرهاب. 
ومن الضرورى الإشارة هنا إلى أن الضربات الأمريكية ضد داعش أو تنظيم الدولة الإسلامية أو دولة الخلافة لم تقتصر على العراق وسوريا، وإنما امتدت إلى ليبيا واليمن.
 ففى ليبيا شنت الطائرات الأمريكية غارات لمساندة جماعات مسلحة محلية أو القوات الليبية ضد مواقع يعتقد أنها كانت لتنظيم الدولة الإسلامية فى أجدابيا ودرنة وصبراتة وسرت.
وقد رفض أوباما زيادة قوات التدخل الأمريكى فى ليبيا ووجه قيادات القيادة الإفريقية للولايات المتحدة بالاعتماد أكثر على الحلفاء المحليين فى ليبيا بدلا من زيادة عدد القوات. 
كذلك قامت القوات الأمريكية بعمليات عديدة ضد من يعتقد أنها جماعات مرتبطة بتنظيمى القاعدة والدولة الإسلامية فى مناطق حضرموت وأبين والمكلا واستهداف قيادات هذه الجماعات بشن هجمات باستخدام طائرات بدون طيار. وعلى الرغم من الحديث عن تغير الاستراتيجية الأمريكية تجاه تنظيم دولة الخلافة أو داعش بعد مجىء الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب، فإن الشواهد كلها تشير إلى أن مثل هذا التغيير هو مجرد رغبة لا أكثر لدى بعض شركاء الولايات المتحدة فى سوريا.
 ومن الناحية العملية لم يظهر الرئيس الأمريكى الجديد حتى الآن أى مؤشر على تغيير استراتيجية الولايات المتحدة فى سوريا والعراق، باستثناء أنه وسع دائرة المنظمات الإرهابية المستهدفة ليشمل كل الجماعات الإسلامية المتطرفة وليس داعش فقط. وقد وجه الرئيس الأمريكى إلى قيادات وزارة الدفاع الأمريكية طلبا بوضع استراتيجية لمكافحة الإرهاب تهدف إلى «هزيمة الدولة الإسلامية» وهو الهدف النهائى نفسه الذى تضمنته استراتيجية أوباما. 
ومع ذلك فإن الرئيس الأمريكى الجديد يسعى إلى إقناع بعض حلفائه فى الشرق الأوسط بأنه سيضرب المنظمات الإرهابية بعصا غليظة على العكس من سلفه المتهم بالتخاذل فى الحرب ضد الإرهاب. 
ومن أجل أن يدلل ترامب على نهجه الجديد فإن قوات المارينز قامت بعملية إنزال كبيرة فى مدينة البيضاء اليمنية وتمكنت من قتل عدد من المتهمين بأنهم من قيادات تنظيم القاعدة فى اليمن، وهى العملية التى راح ضحيتها عدد كبير من المدنيين الإبرياء منهم أطفال.
وفى الحقيقة فإن التغيير الذى يتحدث عنه ترامب يمثل مجرد تغيير «شكلي» فى الأداء أو فى «أسلوب الأداء» ولا يمتد إلى عصب ومكونات الإستراتيجية التى تبناها من قبله أوباما ولا إلى أهدافها، فلا تزال الإستراتيجية كما هى تهدف إلى تقليص قوة التنظيم سعيا إلى هزيمته، ولا يزال دور القوات الأمريكية فيها هو مجرد إسناد الحلفاء المحليين لتحقيق هذا الهدف والبعد عن التورط المباشر فى القتال بشكل عام. 
وتقدر وزارة الدفاع الأمريكية أن الهجمات بالطائرات ضد قوات تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق وسوريا حتى يناير ٢٠١٧ (أى حتى نهاية فترة الرئيس أوباما) أسفرت عن قتل أكثر من ١١ ألفا من قوات التنظيم (ما يقرب من ثلث القوة البشربة المقاتلة للتنظيم) إضافة إلى تدمير جزء كبير من بنيته الأساسية المادية والتنظيمية.

الوضع الحالي لـ"داعش" على الأرض
تختلف تقديرات الوضع على الأرض بعد العمليات العراقية ضد داعش فى العراق، والعمليات العسكرية الكردية والحكومية السورية والتركية والروسية فى سوريا. وسوف نعتمد هنا على تقارير وشهادات المؤسسات الرسمية الأمريكية المقدمة للكونجرس، وكذلك على تقارير أهم مراكز الدراسات المتخصصة فى معلومات ودراسات مكافحة الإرهاب على مستوى العالم. 
ونشير هنا بشكل خاص إلى شهادات وزير الخارجية الأمريكية الحالى ريكس تيلرستون أمام لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ الأمريكى (١١ يناير ٢٠١٧) وبيانات وزارة الدفاع الأمريكية، ودراسة مقدمة إلى الكونجرس الأمريكى فى ٢ فبراير ٢٠١٧ إضافة إلى دراسات وتقديرات المركز الأوروبى لتحليل (دراسات) الإرهاب وتقارير «مجموعة سوفان» الدولية وتقارير المركز الوطنى الأمريكى لمكافحة الإرهاب. وتتوقف هذه التقديرات زمنيا عند نهاية يناير من العام الحالي، وربما إلى النصف الأول من فبراير٢٠١٧.
خسارة الأراضي: كان تنظيم داعش قد بلغ أوج قوته بعد استيلائه على الموصل ثانى أكبر مدن العراق فى يونيو عام ٢٠١٤. لكن سيطرة التنظيم على الموصل كانت بمثابة نقطة انقلاب فى مصير التنظيم، إذ بدأت قوات التحالف الدولى والقوات العراقية والميليشيات بما فى ذلك قوات الحشد الشعبى (الشيعية) وقوات الحشد الوطنى (السنية) التحضير لخطة لتقليص نفوذ التنظيم فى كل أنحاء العراق. وخلال الفترة بين عامى ٢٠١٥ وفبراير عام ٢٠١٧ خسر التنظيم عددا من مواقعه الرئيسية والمهمة من الناحية الاستراتيجية والمعنوية، وشمل ذلك مدن تكريت والفلوجة والرمادى وبيجى وسنجار وشرق الموصل (بما فى ذلك مطار الموصل الرئيسي) فى العراق وكوبانى والباب فى سوريا إلى جانب مواقع مهمة خسرها جزئيا فى الرطبة على الحدود العراقية الأردنية ومناطق فى شمال غرب حلب فى سوريا ومدينة تدمر وبعض المناطق الأخرى فى شرق سوريا حيث كانت توجد أهم مواقع آبار البترول والغاز.
وتشير التقديرات الموثوقة إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية خسر خلال العام ٢٠١٥ ما يقرب من ١٤٪ من المساحات المأهولة بالسكان التى كان يسيطر عليها. وفى العام التالى تضاعفت نسبة الخسارة إلى ٣٠٪ تقريبا، إذ انخفضت المساحات الكلية التى كان التنظيم يسيطر عليها فى كل من العراق وسوريا إلى نحو ٦٠ ألف كم٢ فى ديسمبر ٢٠١٦ مقابل ٧٨ ألف كم٢ فى يناير من العام نفسه. وطبقا لتقديرات الكونجرس الأمريكى فإن تنظيم الدولة الإسلامية خسر ما يقرب من ٦٠٪ من المساحات المأهولة بالسكان التى كان يسيطر عليها منذ ذروة سيطرته فى عام ٢٠١٤ حتى يناير ٢٠١٧. وكانت خسائر التنظيم أقل فى سوريا، حيث خسر مقاتلو التنظيم نحو ٣٠٪ من المساحات التى كانوا يسيطرون عليها. ولم تتوقف خسائر التنظيم على الرقعة التى يسيطر عليها فى سوريا والعراق وإنما امتدت هذه الخسائر إلى ليبيا حيث تم طرد التنظيم (تقريبا) من مدينة سرت الاستراتيجية فى ديسمبر عام ٢٠١٦.
وعلى الرغم من الخسائر التى تعرض لها تنظيم (داعش) فإن مقاتليه لا يزالون (حتى ٢٠ إبريل ٢٠١٧) يتمتعون بالسيطرة على مساحات مهمة فى كل من العراق وسوريا. ففى العراق يسيطر التنظيم على معظم أراضى قضاء الحويجة على الرغم من خسارة مركز بيجى (حيث توجد مصفاة النفط)، كما يسيطر على مساحات من كركوك، ومنطقة الرطبة المتحكمة فى الطريق الدولى بين بغداد وعمان، ومنطقة البوكمال المتحكمة فى الطريق الدولى بين بغداد ودمشق، ومناطق المدينة القديمة فى الموصل (غرب الموصل) وغيرها من مناطق الأنبار وصلاح الدين. وفى سوريا لا يزال تنظيم داعش يسيطر على مساحات واسعة فى الوسط بما فى ذلك مدينة تدمر والمناطق المحيطة بها، ومحافظات حماة ودير الزور وأجزاء من محافظتى حمص واللاذقية ومدينة الرقة والمناطق المحيطة بها، وأجزاء متفرقة من ريف دمشق ومناطق منعزلة بالقرب من الحدود السورية مع الأردن ولبنان وإسرائيل.
ومن أهم التغيرات التى طرأت على طبيعة المساحة التى يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية فى كل من العراق وسوريا أن الإتصال الجغرافى للمناطق التى يسيطر عليها التنظيم قد تعرض لخلل شديد وباتت معظم هذه المناطق منعزلة عن بعضها البعض وهو ما يزيد من صعوبة التنقل والاتصالات والعمليات اللوجيستية وعمليات الإسناد والمناورة العسكرية.
خسارة الموارد: ترتبط خسارة داعش للأراضى بخسارة مماثلة أو أكبر فى الموارد؛ فالمناطق التى كان يسيطر عليها التنظيم كانت تقلل حاجته إلى التمويل من الخارج، لكنه مع تقلص المساحات التى يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام خسر التنظيم ما يقرب من ثلث إيرادات تصدير النفط والغاز والفوسفات والأسمنت. وكان التنظيم يحصل على أكثر من ٣ مليارات دولار سنويا من الصادرات النفطية وغير النفطية فى ذروة نفوذه فى العراق وسوريا، لكن هذه الإيرادات تتقلص يوما بعد يوم بسبب خسارة الموارد التى يسيطر عليها التنظيم مثل مصفاة نفط بيجى فى العراق وبعض آبار البترول والغاز فى سوريا التى كانت تدر على التنظيم دخلا كبيرا يعادل ما يقرب من نصف الإيرادات الكلية. كذلك تتضمن خسارة الموارد تراجع إيرادات الضرائب والرسوم المفروضة على السكان فى المناطق الخاضعة لنفوذ التنظيم. وقد تراجع عدد السكان فى تلك المناطق من ١٠ ملايين نسمة فى ذروة نفوذ التنظيم إلى ما يقرب من ٦ ملايين نسمة فى يناير ٢٠١٧.
ونستطيع تقدير إيرادات داعش فى الوقت الحاضر (استنادا على تحليل تقارير مؤسسات الرقابة المالية على تمويل التنظيمات والعمليات الإرهابية) بما يتراوح بين ١.٨ مليار إلى ٢ مليار دولار. ويقوم التنظيم بتحصيل إيراداته من مصادر رئيسية تتضمن الصادرات النفطية وغير النفطية، وضرائب الخراج والرسوم والإتاوات المفروضة على السكان وعلى البضاعة العابرة من مناطق داعش إلى غيرها، بما فى ذلك رسوم العبور على الشاحنات المارة من بوابة البوكمال (العراق- سوريا) وبوابة الرطبة (العراق- الأردن). وقد لجأ التنظيم إلى زيادة الضرائب المفروضة على السكان وعلى الأنشطة الاقتصادية وعلى رسوم العبور للأفراد والبضائع، وأيضا لجأ إلى تخفيض رواتب الموظفين بما فى ذلك رواتب الخبراء والمهندسين الأجانب العاملين فى قطاع النفط والغاز. ومن المعتقد أن حصيلة الرسوم والضرائب تمثل حاليا ما يقدر بنسبة ٤٥٪ من الإيرادات الكلية للتنظيم، مقابل ٣٣٪ فى عام ٢٠١٥ و١٢٪ فقط فى عام ٢٠١٤، وذلك بسبب تراجع إيرادات الصادرات النفطية. وتأتى الإيرادات المتبقية من حصيلة الصادرات (نفط وغاز وفوسفات وأسمنت ومواد بناء ومنتجات زراعية) والأتاوات ومتحصلات عمليات خطف الرهائن وطلب الفدية لتحريرهم ومبيعات المقتنيات الفنية والأثرية والمخطوطات وغيرها. إلا أننا نتوقع أنه مقابل التراجع فى قيمة الموارد المحلية سوف تزيد إيرادات التنظيم من الخارج سواء من التبرعات القادمة من الغرب (الأفراد والجمعيات المتعاطفة مع داعش) أو من الدول العربية خصوصا دول الخليج العربية التى تقدم جمعيات وأفراد تنتمى إليها معونات غير محدودة إلى داعش.
خسارة المقاتلين: أسفرت العمليات القتالية ضد تنظيم داعش خصوصا عمليات تحرير الموصل عن خسائر بشرية هائلة فى صفوف المقاتلين. وتقدر الحكومة الأمريكية ومؤسسات مكافحة الإرهاب فى واشنطن أن عدد مقاتلى داعش فى العراق وسوريا بلغ ما يتراوح بين ١٢ ألفا و١٥ ألف مقاتل فى فبراير ٢٠١٧ مقارنة بعدد يصل إلى نحو ٣٦.٥ ألف مقاتل فى فبراير ٢٠١٦ طبقا للمصادر نفسها، أى أن خسائر داعش البشرية فى العمليات القتالية أى أن عدد القوات الحالية يتراوح بين ٣٣٪ و٤١٪ مقارنة بما كان عليه قبل عام.
ومن الملاحظ أن أعداد المقاتلين الأجانب العائدين من سوريا والعراق إلى دولهم الأصلية شهدت تزايدا مستمرا خلال الأشهر الأخيرة. وتشير تقديرات موثوقة إلى أن نسبة العائدين من سوريا إلى بلدانهم الأصلية تتراوح فى الوقت الحاضر بين ٢٠٪ و٣٠٪ من جملة أعداد المقاتلين. وفى هذا ما يشير إلى أن انخفاض أعداد مقاتلى داعش فى سوريا والعراق بنسبة تزيد على النصف تقريبا لا يعود فقط إلى خسائر فى أعداد المقاتلين فى المعارك الدائرة فى سوريا والعراق، وإنما يضاف إلى ذلك اتساع نطاق إعادة المقاتلين إلى بلدانهم الأصلية للقيام بعمليات هناك، متخفين وسط صفوف اللاجئين الذين يستخدمون طرقا عبر تركيا واليونان والبلقان إلى غرب أوروبا، أو عبر تركيا إلى ليبيا أو إلى السودان ومنها إلى ليبيا ثم إلى بقية بلدان الشرق الأوسط. وتظهر العمليات الأخيرة التى تبناها تنظيم داعش فى فرنسا وروسيا ومصر استمرار تدفق المقاتلين الأجانب العائدين إلى بلدانهم الأصلية. ومع ذلك فإن تدفق متطوعين أو مقاتلين جدد من روسيا وبلدان الاتحاد السوفييتى السابقة ودول غرب أوروبا والولايات المتحدة وغيرها للانضمام إلى داعش لم يتوقف أيضا. وتسهم العمليات التى نفذها التنظيم فى بريطانيا وفرنسا وروسيا ومن قبلها فى بروكسيل وألمانيا، فى إزكاء حماس الراغبين فى التطوع للقتال فى صفوف داعش، أى أن العمليات الخارجية لداعش تؤدى إلى زيادة قدرة داعش على التجنيد واستقبال المتطوعين.

الوضع العملیاتى فى الموصل القدیمة
يتمتع مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية بوضع استراتيجى شديد الصلابة فى داخل مدينة الموصل القديمة إلى الغرب من نهر الفرات. 
وتتمثل المزايا التى يتمتع بها المقاتلون فى وجود حاجز مائى يحد من قدرة القوات العراقية وميليشيات الحشد الشعبى وغيرها على الحركة فى اتجاه الغرب عبر النهر خصوصا بعد أن تم تدمير الجسور التى كانت تربط شطرى المدينة، كما يتمثل فى وجود شبكة كثيفة من الأنفاق تحت الأرض تربط المراكز القيادية وغرف العمليات وطرق الإمدادات الموجودة تحت سطح الأرض، وتعتبر شبكة الأنفاق فى الموصل القديمة بمثابة ميزة استراتيجية دفاعية وهجومية فى آن واحد، كذلك يتمتع مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية بقرب وأمان طرق الإمدادات من غرب العراق وشرق ووسط سوريا وبعض مناطق الشمال، وهو ما يوفر ميزة لوجيستية للقوات المقاتلة ضد محاولات اقتحام المدينة بواسطة قوات تعانى من وجود حاجز مائى وبعد مسافة طرق الإمدادات. ولا شك أن توقف القوات العراقية وقوات الحشد الشعبى عند الضفة الشرقية للنهر بعد السيطرة على شرق الموصل له ما يبرره من الأسباب العملياتية التى تصب فى مصلحة داعش.
وتستعد القوات العراقية حاليا للتقدم نحو المدينة القديمة خلال الأسابيع المقبلة وربما مع بداية فصل الصيف. وقد تقدمت القوات العراقية فعلا عبر رأس جسر عائم إلى جنوب الموصل فى الأسبوعين الأخيرين. ومن المرجح أن تعتمد القوات العراقية وميليشيات الحشد الشعبى على ضربات جوية كثيفة بواسطة الطيران الأمريكي، وباستخدام المروحيات العراقية.
الوضع العملیاتى فى الرقة
يواجه تنظيم الدولة الإسلامية أزمة مصيرية فى الوقت الحاضر، فقد أصبح التنظيم مخيرا بين الاحتفاظ بالأرض وبين المحافظة على المقاتلين.
وبسبب الظروف العسكرية الراهنة فإن التنظيم قد ينتهى به الحال إلى الانتحار، فلا هو سيقدر على الاحتفاظ بالأرض، ولا هو سيقدر على المحافظة على حياة مقاتليه. وعلى الرغم من أن الوضع العملياتى فى الرقة يختلف اختلافا كبيرا عما هو عليه فى الموصل القديمة، فقد بدأ التنظيم بالفعل فى إخلاء بعض مواقعه فى الرقة، ونقل عدد من مؤسساته الإدارية إلى أجزاء حصينة من محافظة دير الزور السورية تحسبا لاحتمالات اجتياح عاصمة ما يطلق عليه «دولة الخلافة الإسلامية».
ومن المهم أن نشير هنا إلى أن عمليات الإخلاء تمت بالترتيب مع «هيئة تحرير الشام» التى تقودها جبهة النصرة، وهو ما يكشف عن وجود اتصالات وتفاهمات بين القاعدة وبين داعش فى سوريا.
وقد تم بالفعل تسليم بعض القرى المحيطة بالرقة إلى النصرة خلال الأسابيع الأخيرة. وجاء فى شهادة لأحد المصورين الصحفيين المرافقين للقوات الكردية التى تتقدم نحو الرقة أن شعارات وأعلام النصرة كانت واضحة فى أماكن كثيرة فى قرى كان يعتقد من قبل أنها تخضع لسيطرة داعش.
وسوف يخضع مصير داعش فى الرقة إلى حسابات سياسية أكثر من ارتباطه بموازين القوى العسكرية على الأرض. وقد تجد الولايات المتحدة فجأة أن من مصلحتها بقاء داعش بقصد استنزاف الأسد والروس، وفى هذه الحالة فإن الأكراد لن يتقدموا جديا باتجاه الرقة بدون موافقة الولايات المتحدة. ومن المرجح كذلك أن يحصل التنظيم على مساعدات سخية مباشرة أو عبر طرف ثالث (مالية وعينية قد تشمل أسلحة) من أطراف إقليمية (منها قطر وتركيا) ومن الخارج (الولايات المتحدة) فى الأشهر المقبلة. كذلك من المرجح إعلان تحالفات جديدة يكون تنظيم الدولة الإسلامية طرفا فيها، تهدف إلى المحافظة على جسم التنظيمات السنية المسلحة والجماعات المرتبطة بها فى سوريا.
ولذلك فإن وجود تنظيم الدولة فى الرقة يرتبط أكثر ما يكون بطبيعة الأوضاع السياسية فى سوريا، التى لم تحسم بعد وقد تستغرق وقتا أطول على العكس مما فى العراق.