الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

مخدر "الفراولة".. مزاج "الغلابة" الجديد

بعد ارتفاع أسعار «الترامادول»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"البريجابالين" يستخدم كعلاج للأعصاب.. ويضم 30 نوعًا و200 منتج
أدوية مخدرة تباع في الصيدليات في غياب "رقابة الصحة".. تنتجها مصانع ف" الخفاء وتهرب بعضها إلى إفريقيا
دول الخليج تحظرها والـ"FDA" حذرت منها.. و"الصحة" تتجاهل التحذيرات

بداية الكارثة..«طاقة خارقة وهمية»، ظن أنها تأتى إليه من تلك الحبة وردية اللون التى يسمونها الفراولة، التى قرر أن يتناولها بشكل يومى، دوافعه تتمثل فى اكتساب مزيد من الطاقة والقوة البدنية التى تمكنه من التغلب على مشاق وصعاب مهنته القاسية، إنه «صابر محمود»، الذي بدأ لنا حديثه بملامحه القاسية الخمسينية وعينين زائغتين ووجه نحيل وصوت مبحوح، فاجأنى بقوله: «عمرى لا يتجاوز العشرين، ولكنى وقعت أسير المخدرات والأقراص المخدرة مثل: الترامادول والتامول وبعض أدوية السعال والكحة والبرد، لأنه بصراحة «الصنف غالى». ولم لا؟ فعادة ما يلجأ الشباب والكبار للعقاقير المخدرة هربًا من أسعار الترامادول الذى تخطى 500 جنيه، «صابر» العامل خلف الخلاطة الخرسانية يواصل حديثه لنا: لا أقوى على مباشرة عملى إلا بعد تناولى شريطًا كاملًا، وكنت أشتريه من الصيدليات أو حتى بعض الأكشاك المنتشرة على جوانب ونواصى الطرقات، والآن ضاعت صحتى ولا أقوى على العمل، ولم يبق لى منها سوى القدرة على التلكؤ والوقوف فى الطرقات، أمد يدى للمارة.
فى الحقيقة، صابر الشاب الذى شاخ عمره، حسبما قال لنا، لم يكن وحده، بل هناك الآلاف من الشباب ممن يتناولون الأقراص المخدرة هروبًا من ظروف الحياة وقسوتها وارتفاع معدلات الاكتئاب.
وزاد من وتيرة تعاطي المخدرات وسقوط الشباب فريسة سهلة للإدمان وتناول الحبوب والأقراص أو الحقن التى بها مواد مخدرة، غياب وضعف الرقابة على الصيدليات التى جاوز عددها ٧٠ ألف صيدلية، فى حين أن أعداد مفتشى الصيدلة، أو من يحق لهم الإشراف، لا يتجاوز ألف مفتش.
«البوابة» رصدت أصناف المواد المخدرة على أرفف الصيدليات والأدوية والعقاقير التى أُدرجت جدول أول وثان وثالث، باحثة عن إجابات للعديد من الأسئلة التى تجول فى خواطرنا، أهمها: هل هناك قصور فى القانون، وماذا عن تداول عقاقير حذرت منها هيئة الدواء الأمريكية وبعض دول الخليج، وهنا فى مصر تسجل وترخص وتنتج؟
الكارثة كشفها أحد الصيادلة بشأن وجود بعض أنواع الأقراص المخدرة التى انتشرت بين فئات المجتمع سواء الشباب فى الجامعات أو أصحاب الحرف والمهن الصعبة؛ حيث يرونها وسيلة لضبط الدماغ وترويضها، غافلين عن عواقبها التى تحولهم أسرى للمادة الفعالة وعبيد شراء مثل هذه الأنواع التى تصل أسعارها لـ ٢٥٠ وحتى ٧٠٠ جنيه، بحسب الإدمان، وقد يصل سعر شريط الترامادول إلى ٥٠٠ جنيه على حسب درجة المدمن.
ووصلت المواد المخدرة إلى أكشاك السجاير، وبخاصة بعد تسجيله جدول أول مخدرات، الأمر الذى حد وقلل من بيعه فى الصيدليات لأن عقوبتها فى حال ضبطها تصل إلى تهمة الاتجار فى المخدرات وتصل عقوبتها إلى المؤبد.
الغريب ما قالته الصيدلانية «أمانى زغلول»: إن حظر وإدراج الترمادول لم يبق إلا منذ فترة زمنية قصيرة، وتحول إلى إدراجه بالجدول ثان طيلة الفترة السابقة، الأمر الذى تسبب فى زيادة ترويجها بين الشباب والشيوخ، وزاد من بيعه حتى على الأرصفة والطرقات؛ لأن عقوبته المخففة والتى تتمثل فى محضر للصيدلي وغرامات تصل إلى ١٠٠٠ جنيه سهّل المهمة.


بيع وتداول الـ"البريجابالين" رغم أنف الـ Fda
كان من ضمن هذه الأنواع المستوردة والمصري مادة فعالة تسمى «بريجابالين»، هذه المادة مسموح ببيعها فى الصيدليات رغم صدور توصيات بحظرها فى بعض البلدان العربية، وهو عبارة عن دواء لالتهاب مفاصل العظام، وله تأثير فى الأعصاب يسبب دوخة توهم المدمن أنها «دماغ»، والأخطر أنه لم يتم إدراجه فى مصر حتى الآن فى جدول لحظر بيعه، ويباع حتى الآن داخل أروقة الصيدليات، على أنه عقار مسموح به، فى حين أن دولة المملكة العربية السعودية حظرت بيعه فى الصيدليات.
من اللافت للانتباه أن عقار «pregabalin» موجود منه قرابة ٣٠ اسمًا تجاريًا وبتركيزات عدة وقرابة ٢٠٠ منتج أو دواء بأسماء مختلفة، رغم صدور تحذيرات من هيئة الأدوية الأمريكية، وكل البلدان العربية أدرجته ضمن أدوية الجدول الأول، ولكن مصر تغرد خارج السرب أو تسبح ضد التيار، وتقوم بإنتاجها وبيعها كاسرة قاعدة الصندوق أو الرقم الأصلى، وهو السماح بالدواء الأصلى ومعه ١٢ بديلا فقط، بدليل وصول الدواء الأصلى ومعه أكثر من ٣٠ بديلًا.
وفى السياق نفسه، حذرت دراسة حصلنا على نسخة منها صادرة من «هيئة الدواء والغذاء الأمريكية» من هذه المادة، من أن مريضًا من كل ٥٠٠ مريض ممن يتناولون «اللريكا» أى «البرجابالين»، لديه ميول انتحارية كعرض جانبى ناتج عن تناول العقار، فى الوقت نفسه، شددت الهيئة العامة للغذاء والدواء بالمملكة العربية السعودية على الرقابة على صرف المستحضرات التى تحتوى على عقار «pregabalin»، عقب ورود بلاغات تشير إلى وجود حالات إساءة استخدام لهذه المستحضرات، قد تنتج عنها أعراض جانبية خطيرة.
ولم يقتصر الأمر عند ذلك، بل يتم تصدير مثل هذه الأنواع من مصر لبعض البلدان العربية التى حظر إنتاجها بها، وأبرز الشركات التى تنتج ذلك على رأسها شركة «فايزر» الأمريكية ودواؤها يسمى «ليركا»، وشركة «إيبكس» والحكة الأردنية.
وفى السياق نفسه، يقول الدكتور محمد سعودى وكيل نقابة الصيادلة سابقًا: إن أدوية المخدرات تتناقص فى الصيدليات العامة، عبر ضم أصناف جديدة فى جدول أول، ولكن بقدر أهمية تشديدات وزارة الصحة ورقابتها فإنها تمثل عائقًا للمريض الفعلى الذى يكون بحاجة لمثل هذه الأصناف؛ لأن الروشتات الخاصة بالجدول الأول تكون عند أطباء نفسيين محددين، وتباع فى صيدليات يمكن عدها على أصابع اليد.وأوضح «سعودى» أن أبرز هذه الأنواع، هى: حقن ألفا كانين، والمورتين سالفيه، وبعض أدوية الكحة وأدوية الحساسية، عندما تؤخذ بجرعات أكبر تعمل «دماغ».
وأضاف «سعوى» أن ما يجرى فى ملف البريجالين والسماح من قبل الإدارة المركزية للصيادلة بالتسجيل والتسعير والإنتاج، يكشف غموضًا داخل أروقة وزارة الصحة أو ضغوطًا معينة تُمارس على مسئولى وزارة الصحة تجبرها على الترخيص والتسجيل والتسعير بإنتاج وبيع وتسويق مثل هذه المنتجات المحظورة عالميًا.
وفى السياق نفسه، يقول الدكتور على عوف رئيس شعبة الأدوية: إن المادة الفعالة التى تسمى «البريجالبين» من الناحية العلمية تستخدم لعلاج التهاب الأعصاب بتركيزات مختلفة من ٥٠ إلى ١٥٠، ولكن قد يساء استخدامها وتستخدم مخدرًا، ومن المفترض على وزارة الصحة أن تصدر تعليمات بحظر بيعه أو صرفه إلا بروشتات كما هو الحال فى صرف أدوية جدول ١، التى يكون لها اشتراطات معينة فى صرفها للمرضى من أطباء معينين، وتختم الروشتات بختم أحمر وتسجل الكميات لمراجعتها، ولكن أدوية جدول ٢ تصرف لأى روشتات دون تقييد وحظر. ويضيف «عوف» أنه يجب إدراج الدواء فى جدول صرف؛ لأن هناك مرضى يحتاجون هذه الأنواع، لكن من المفترض وضع قيود على صرفه لمنع إدمان مثل هذه الأنواع أو تحول مصر ممرًا لإنتاج هذه الأصناف وتهريبها للبلدان المحظور إنتاجه فيها، ووضع آلية ضبط الرقابة، وبخاصة أن هناك عجزًا فى تفتيش صيدلى لا يتجاوز قوامه ألف صيدلي، أمام سيل جارف من الصيدليات التى قاربت أعدادها ٧٠ ألف صيدلية؛ لذلك يجب تشديد الرقابة على مصدر المادة الخام التى يتم استيرادها من الخارج.
وعن إنتاج مصانع لكميات مخدرة فى ورديات غابت عن أعين رقابة وزارة الصحة، يقول «عوف»: أى مادة خام تدخل كمخدر يحرر لها ما يسمى «أمر جلب» يرسل أولًا لوزارة الصحة محدد الكمية، ولا يأتى إلا بعد تذييل أمر الجلب بموافقة الإدارة المركزية للصيادلة، لتأتى بعدها كميات محرزة تحت إشراف مفتش يباشر إنتاج المصنع حتى نفاد الكمية المحرز استخدامها، لكن مسألة إنتاج عقاقير مخدرة وتهريبها لبعض البلدان الإفريقية أمر وارد، خاصة أن المواد الخام قد تأتى مهربة عبر الجمارك والحدود، ثم يتم إنتاجها عبر مصانع بير السلم.
ويرى «عوف» أن حل غياب الرقابة فى إنتاج الدواء يتمثل فى إنشاء هيئة عليا لسلامة الدواء، تضم هيئات مختلفة مثل: «مباحث التموين والجمارك وإدارة الصيدلة ووزارة العدل»، لوضع التشريعات القوية، وبخاصة أن القوانين غير رادعة، فعلى سبيل المثال، نجد قانون مزاولة المهنة لم يتغير من عام ١٩٥٥، ومحدد عقوبات لا تغنى ولا تسمن من جوع، فعقوبة حيازة دواء مغشوش لا تتعدى ١٠٠ جنيه فقط لا غير.
ولم تنجح محاولاتنا التواصل مع الجهة المنوط بها تسعير وتسجيل الأدوية وهى الإدارة المركزية للصيادلة، ولم نحصل على رد من الدكتورة رشا زيادة رئيس الإدارة المركزية. 
ويبدو أن سوق المواد المخدرة أوسع من ذلك؛ حيث وصلت إلى أدوية مثل «الإيفانول»، والفلورست والبرونكفين وقطرة الأوتريفين والكونجستال والفلو ستوب»، فكلها أدوية جرى استخدامها كعلاج ضد الإصابة بالسعال ونزلات البرد، إلا أن الإفراط فى استخدام الجرعات تعطى المدمنين ما يسمونه «الدماغ».
الخطير أن هذه الأصناف تباع بكل سهولة ويسر؛ لأنها غير مدرجة أو محظورة، فضلًا عن انخفاض سعرها ما يزيد إقبال الشراء عليها من الصغار قبل الكبار، ولا تتجاوز أسعارها ٥ أو ١٠ جنيهات للشريط الواحد.
يقول الصيدلى إسلام محمود: هناك أدوية مدرجة داخل الجدول، وتعامل مثل المخدرات، ويمنع تداولها دون روشتة؛ حيث يتم القبض على حاملها بتهمة تعاطى المخدرات أو الاتجار بها حسب الكمية، كما يحذر على متلقى العلاج بهذه الأدوية حمل أكثر من ٢٠ قرصًا، منها أدوية المخدرات الممنوعة، وهى عبارة عن أدوية المهدئات والمسكنات القوية والأدوية التى تحتوى على مواد مؤدية للإدمان.

البعد القانوني
وضعت وزارة الصحة الأدوية المؤثرة في الحالة النفسية والأدوية المخدرة في ٣ جداول سميت بـ «أدوية الجدول»، التي يحظر من خلالها تداول أو توزيع هذه الأصناف للصيدليات العامة والخاصة، إلا عن طريق الشركة المصرية لتجارة الأدوية، وتحظر عليها بيع هذه الأدوية نقدًا ويكون البيع بفاتورة بيع، واشتراطت عدم السماح بالصرف إلا بعد تواجد تذكرة مخدرات، خاصة تصرف نماذجها من مديرية الشئون الصحية المختصة وتحفظ التذكرة وتسحب وتقيد بدفتر المخدرات بالصيدلية.
كما أن التذكرة الطبية المدموغة من اتحاد نقابات المهن الطبية يدون بها اسم المريض وعنوانه ورقم بطاقته، وتم وضع قواعد لبيع وتداول هذه المستحضرات وفقا للقرار الوزارى رقم ٤٨٧ لسنة ١٩٨٥، والذي تم تغييره إلى قرار رقم ١٧٢ لسنة ٢٠١١.
وتصل عقوبات الاتجار بأدوية الجداول إلى المؤبد حسبما قال محمود فؤاد المدير التنفيذى للحق في الدواء، وأضاف: أنه يتم معاملة الصيدلي الذي يتاجر فى المواد المخدرة، كأنه تاجر مخدرات ويجب معاقبته جنائيًا؛ حيث تصل عقوبته إلى السجن ٢٥ عامًا، ويجب حذف اسمه من نقابة الصيادلة في حالة ثبوت التهمة.

الجدول الأول
عقوبة البيع دون روشتة تصل إلى «السجن المؤبد»، هى عقوبة تاجر المخدرات نفسها، وتصرف أدوية الجدول بعد ٥ أيام، وتسلم التذكرة إلى الصيدلية، وهى: «الترامادول، نيكوكودايين، ديدركس، برويوكسين، موجادون، نترازبيام، ألفاكمين حقن، كيتامين حقن كفلار، أرجوتامين، تويسلار، بلمولار، كوديفان، كودينال ن، سومينال، فينبابينال، باركودايين، نوفاسي، برونكلاز، فينوباربيتال، «كيتامين»، «إفيدرين»» «سودوإفدرين»، «أرجوميترين».
الجدول الثاني
يشمل الجدول الثاني أدوية تصرف بموجب تذكرة طبية مدموغة، وتختم التذكرة بخاتم الصيدلية لعدم تكرار الصرف، ولا تسحب ولا تسجل، وتحدد الكمية بحد أقصى صنفين فقط وعلاج لمدة شهر واحد، وتصرف ٣٠ علبة من كل صنف وبحد أقصى ٣٠٠ قرص لكل صيدلية.
وتعد جميع مشتقات مادة البنزوديازبيينز ضمن قوائم الجدول الثاني، مثل «زانكس» وهو مهدئ للأعصاب ومنوم، ويستخدم لعلاج الاضطرابات والقلق، ومضاد للتشنجات، علاوة على كل أدوية الأمراض العصبية.
وتصل عقوبة البيع دون روشتة فى الجدول الثانى إلى ١٠٠ ألف جنيه، وتصرف الأدوية بكميات محددة، ولا تسلم التذكرة إلى الصيدلية، وتضم الأنواع التالية «فالنيل، كالميبام، نيوريل، فاليم، ترانكسين، لاكسوتنيل، كوداستين، كوديبرتت، كودافين، سومادريل، توسيفان».
الجدول الثالث
تصرف أيضًا بموجب تذكرة طبية مدموغة من اتحاد نقابات المهن الطبية لكن دون تطبيق شرط الكمية، ويشمل الجدول كل المستحضرات التى تحتوى على مادة «كلونازيبام» لعلاج الاضطرابات النفسية وعقوبة بيعها دون روشتة تصل إلى غرامة تتراوح ما بين ٥٠ و١٠٠ ألف جنيه، وتصرف فورًا بكميات غير محددة، ولا يشترط وجود تذكرة، كما أن التذكرة لا تسلم إلى الصيدلية مثل الـ«كورفاس، ميجرانيل، كافرجون، ليبراكس، رينوتريل».
كما رصدت دراسة مؤخرًا أن هناك قرابة ١٣ مليون مصرى يعانون الاكتئاب الذى يعد البيئة الحاضنة لكل السلوكيات السلبية، أخطرها الانحراف الأخلاقى والإدمان -حسبما قالت منال زكريا أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس.
وأضافت د.منال: إن كثرة الضغوط النفسية التى تزاد على عاتق المصريين، وخاصة الشباب بفعل البطالة وما تخلقه من انحرافات نحو المخدرات بكل أنواعها، السبب الرئيسى فى زيادة إقبال الشباب على تعاطي المواد المخدرة.