الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مصر والسعودية قاطرة العمل العربي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حين يستقبل العاهل السعودى رئيس مصر، يتصدر الدور العربى فى المنطقة بنود المحادثات. والأمر طبيعى تمامًا. السعودية ومصر ركيزتان إلزاميتان لأى دور عربى فاعل. وأى لقاء استراتيجى بينهما يجعل البلدين قاطرة ديناميكية للعمل العربى المشترك. يكاد الوضع يشبه القاطرة الألمانية - الفرنسية للعمل الأوروبى، على رغم اختلاف الظروف والمعطيات. طبعًا مع الإشارة إلى أن العلاقة بين برلين وباريس لا تشترط التطابق الكامل، بل تقوم على قراءة مشتركة للتحديات الأساسية فى مجالات الأمن والسياسة والاقتصاد.
لائحة التحديات على طاولة المحادثات السعودية - المصرية معروفة. الإرهاب الذى تمثله القوى الظلامية، وفى طليعتها «داعش». وزعزعة الاستقرار الناجمة عن الانقلاب الكبير الذى أطلقته سياسة تصدير الثورة التى انتهجتها إيران بمعزل عن ابتسامات هذا الرئيس وتلويح ذاك بقبضته. وانسداد الأفق بفعل استمرار سياسات الاستيطان الإسرائيلية. لكن لا يمكن تجاهل عوامل أخرى ساهمت فى تراجع دور العرب فى الإقليم هى السياسات العقيمة التى أدّت إلى تفاقم الفقر ومشاعر اليأس وشيوع مناخات الفشل والنكوص إلى الماضى.
تطور بارز وحاسم كان لا بدّ للمحادثات من أخذه فى الاعتبار وقراءة التحديات فى ضوئه. قبل بلوغها عتبة المائة يوم، أحدثت إدارة دونالد ترامب تغييرًا كبيرًا فى صورة أمريكا ولغة التخاطب الدولية. نجحت فى استعادة الهيبة بعدما استرجعت القدرة على اتخاذ القرار ووضعت القوة الأمريكية الهائلة فى تصرف الدبلوماسية للجم منتهكى التوازنات الإقليمية والحدود الدولية ومستلزمات السلم والاستقرار الدوليين. وأظهرت تصريحات أركان الإدارة الجديدة وجولاتهم أن القراءة الأمريكية الحالية للاضطراب الكبير الضارب فى الشرق الأوسط تختلف تمامًا عن قراءة أمريكا أوباما، خصوصًا فى ما يتعلق بالانقلاب الإيرانى فى الإقليم. وفى المقابل أظهرت زيارات المسئولين السعوديين والمصريين إلى واشنطن اعتقاد البلدين بأن ترامب هو «الرئيس الذى سيعيد الولايات المتحدة إلى مسارها الصحيح»، وأنه استعاد فى فترة قصيرة «جميع تحالفات الولايات المتحدة مع حلفائها التقليديين»، وفقًا لما قاله ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان لصحيفة «واشنطن بوست».
إننا إذن أمام إدارة أمريكية تحمّل إيران مسئولية زعزعة الاستقرار فى المنطقة ولا تخفى رغبتها فى العمل من قرب مع السعودية ومصر ودول الاعتدال العربى لمكافحة الإرهاب وإطفاء الحرائق الإقليمية. وواضح أن إدارة ترامب استمعت باهتمام إلى ما قاله زوارها العرب عن سوريا واليمن والمستوطنات وغيرها.
لا شك أن الشرق الأوسط يشهد صراعًا محتدمًا سيؤدى إلى رسم ملامحه لعقود. من يرغب فى الجلوس إلى الطاولة عليه أن يعد أوراقه.
والأدوار تبنى وتصنع وتحتاج إلى صيانة دائمة فى ضوء معطيات الداخل والخارج. انقضى الوقت الذى كان فيه حجم الدور مرهونًا بالثقل السكانى أو أحجام الجيوش. فى العالم الجديد للأدوار شروط جديدة. سلامة الاقتصاد وتقدم التنمية والتماسك الاجتماعى وإشراك الأجيال الجديدة فى صناعة مستقبل بلادها. مؤسسات تدار بصرامة الأرقام والنزاهة والجدارة وبالتقويم المتواصل والمحاسبة.
يمكن القول إن السعودية تعدّ نفسها للدور المحورى المتوقع لها. اتضح فى العامين الماضيين أنها تملك تصوّرًا لما يجب أن تكون عليه فى السنوات المقبلة، خصوصًا لاقتصادها وعلاقته بالتغييرات التى طرأت على الاقتصاد العالمى. وتملك دليلا لبناء علاقاتها على قاعدة المصالح المتبادلة والشراكات. تملك برنامجًا لجعل الشباب السعودى العمود الفقرى فى معركة التنمية وتأهيل المجتمع لمجابهة التحديات الجديدة. الأوامر الملكية التى صدرت عشية القمة كانت شديدة الوضوح فى هذا السياق. مصر تحاول بدورها تأهيل نفسها للمرحلة المقبلة. معركتها ضد الإرهاب الذى يستهدف استقرارها ووحدتها ودورها لا تنسيها الواقع الاقتصادى الصعب. 
تحاول استيعاب الجرعات المؤلمة التى لا بد منها لخفض معدلات الفقر والبطالة وبث روح جديدة فى الاقتصاد. معركة مصر الاقتصادية لا تنفصل أيضا عن معركتها ضد الأفكار التى تحاول اغتيال المدن وإعادتها إلى الكهوف. لا بد من الجندى لمواجهة الإرهاب. ولا بد أيضًا من تنمية تجفف منابع اليأس.
ولا بد من جامعات تدمج طلابها بعالم الثورات التكنولوجية المتلاحقة. لا بد من مؤسسات تضمن العيش فى ظل القانون وتحمى كل المواطنين بلا تمييز. صناعة الدور تبدأ من التعليم والنوافذ المفتوحة والتخطيط ومراقبة التنفيذ. لن يسترجع العرب حضورهم الطبيعى فى الإقليم ما لم يسترجعوا دورهم.
ولن يسترجعوا دورهم إلا إذا اتخذوا قرار الخروج من الجمود والانتظار ومواسم البكاء والحنين إلى الماضى. تبنى الأدوار بالجهد والمعرفة. ويبنى المستقبل بالأرقام لا بالأوهام. 
صناعة الدورين السعودى والمصرى على أسس راسخة وعصرية وإقامة آليات تعاون ثابتة بين البلدين ستعيدان التوازن إلى الإقليم وستعيدان أدوار القوى غير العربية إلى أحجامها الطبيعية.
نقلًا عن «الشرق الأوسط»