الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

الفقيه الدستوري محمد خفاجي في أخطر حوار بحثي عن أزمة القضاة والبرلمان.. مشروع قانون "النواب" يحطم كيان النظام القضائي.. يمتهن كبرياء القاضي وكرامته.. وينتزع ولاية الأقدم

المستشار الدكتور
المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعد الفقيه الدستوري المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة بحثًا قيمًا لحل الازمة بين السلطة التشريعية والسلطة القضائية على أثر مشروع القانون في اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية ثم عادت الازمة بين السلطتين من جديد وبلغت ذروتها بعد اصرار مجلس النواب على مناقشة هذا المشروع، ومازال يرى أن سلاح العلم هو الذى يجب أن يسود لحل الازمة، ووضع بحثًا علميًا فقهيًا آخر بعد اصرار البرلمان، لذا كان لنا هذا الحوار مع المستشار الدكتور محمد خفاجى الذى عاش في دهاليز الفصل بين السلطات منذ عشرين عامًا في رسالته للدكتوراه لنرى معه مدى اطلاق سلطة المشرع أو تقييدها بالنسبة للمبادئ الدستورية واثار هذا المشروع على السلطة القضائية وبيان مخاطره ومدى اتفاقه مع المبادئ الدستورية العالمية، وإلى نص الحوار من واقع بحثه القيم الجديد.

هل سلطة مجلس النواب مطلقة أم مقيدة فى الفكر الدستورى الحديث ؟
الاتجاه الفقهى بالسلطة المطلقة للمشرع فى افول على المستوى الدولى ذلك انه بتطور المجتمعات الساعية للحرية وكفاحها ضد الاستبداد، وأضحى من المتصور الاعتراف بان الدستور الذى يتم وضعه للتعبير عن الحاجات الاساسية للمجتمع فى مبادئه العليا يمكن أن يقيد سلطة المشرع بحدود معينة يتعين عليه ألا يحيد عنها، ويستطرد خفاجي: وحينما يتناول المشرع الدستورى عشرة نصوص دستورية عن استقلال القضاء فلا يجوز لمجلس النواب ان يسن تشريعا يخالف فيه مبدأ استقلال القضاء ولا ان يتغافل عن تقريره لذوى الاقران بالدستورية.فسلطة مجلس النواب ليست تقديرية فى سن التشريع بل مقيدة بأحكام الدستور وحان غروب شمس الفقه التقليدى للسلطة المطلقة للمشرع وبزغ فجر جديد لارساء الحقوق والواجبات على اسس دستورية حديثة، فلم تعد السلطة التشريعية حرة فى وضع القوانين للدرجة التى تخالف فيها الالزام الدستورى لها باستقلال القضاء، بمعنى انها صارت مقيدة طبقا لما وضعه الدستور من مبادئ. واستقلال القضاء من شأنه ان يؤدى إلى ترسيخ مفهوم التوازن الفعال لمبدأ الفصل بين السلطات لتمارس السلطة التشريعية اختصاصاتها دون تعد أو عدوان، وللحيلولة دون استغلال السلطة التنفيذية لهذا الامر ومظنة خضوع استقلال القضاء تحت لوائها بما يمس ضمانة حماية حقوق المواطنين وحرياتهم، وحتى لا تهدر ثقة الناس فى الدستور ولا تتبدد.

ما رأيك فيمن ينادون بالسلطة المطلقة للبرلمان ؟ وهل تراه متعارضًا مع علو الدستور ؟
ان ما يراه البعض من السلطة المطلقة للمشرع دون تقييد يعد خلقًا مشوها إن لم يكن ولد موؤدا مثل دعواهم كمثل غيث يعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ذلك مبلغهم من العلم ألا ساء ما يزرون، ويومئذ لا ينفع الذين نطقوا بإطلاق سلطة المشرع دون رقيب معذرتهم ولا هم يستعتبون وفى ميزان الحق ما هم إلا المبطلون، ذلك ان السلطة – وعلى حد تعبير مأثور عن احد كبار رجال الفكر السياسى البريطانى اللورد اكتون Acton - مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة، فاطلاق سلطة المشرع فى غيبة من الالزام الدستورى يؤدى الى طغيان احدى اهم سلطات الدولة، فضلا عن تعارضه مع علو الدستور، والعدوان على استقلال القضاء فيشعر الناس ان نصوص الدستور مجرد وهم غير قابل للتطبيق، والدستور ليس مجرد نصوص تصدر لقيم مثالية ترنو الأجيال إليها، وإنما يتضمن قواعد ملزمة لسلطات الدولة لا يجوز لمجلس النواب تهميشها أو تجريدها من آثارها أو إيهانها من قوتها بتحوير مقاصدها أو الإخلال بمقتضياتها أو الإعراض عن متطلباتها، ومن ثم فان مشروع القانون يؤثر على البنيان القانونى لسلطات الدولة ويؤدى الى البلبلة والاضطراب والفوضى داخل المجتمع القضائى والأولى بهم وهم النائب عن الامة تنظيم الحقوق التى تعبر عن حاجات الشعب.

هل ترون مشروع القانون عليل ؟ وماذا اكتشفتم فيه مبكرًا بعد خضوعه لمعمل التحاليل الفقهية ؟
إن القانون كائن يخضع لما تخضع له الكائنات الحية من نظرية النشوء والارتقاء وفى حياة التشريع نمو وعليل، فالتشريع له صحة مثل صحة الانسان تخضع للفحص الطبى لضمان صحة التشريع وأى حالة طارئة تعترى صحة التشريع لابد من معالجتها فورا وقد انتهج عدد من الفقهاء الى اخضاع التشريع لما يعرف بمعمل التحاليل الفقهية للاكتشاف المبكر لاى انحراف تشريعى تحقيقا للعدالة، ان أهمية مجلس النواب الحالى 2015 ترجع الى انه أول برلمان حقيقي بعد ثورتي 25 يناير2011 و30 يونيو2013، يأمل فيه الشعب الكثير باعتباره الغرفة الوحيدة للبرلمان المصرى رقابة وتشريعا، ومن المعلوم ان مبدأ الفصل بين السلطات أحد الركائز الجوهرية للحكم فى الدولة ،وهذا المبدأ وجد لتحقيق مبدأ المشروعية بما يمليه من خضوع الحاكم والمحكوم للقانون على حد سواء، ومن مقتضياته ان تعمل كل سلطة وفقا للحدود المرسومة لها فى الدستور المنظم لاختصاصاتها، لذا فقد شرعت الرقابة الدستورية لحمل تلك السلطات على الالتزام بحدود الدستور ونطاقه وحتى لا يظل مجرد شعارات جوفاء تناقض ارادة الشعوب الواعية الساعية للحرية.
هل أورد المشرع الدستورى قيودًا على سلطة البرلمان بعدم المساس باستقلال القضاء ؟ وماهى النتائج الضارة على مخالفته ؟
أن المشرع اورد قيودًا على سلطة مجلس النواب تتمثل فى عشرة نصوص دستورية عن استقلال القضاء وان المضار الناجمة عن عدم وضع نصوص الدستور موضع التطبيق الفعلى وخيمة، اذ لا يجوز لمجلس النواب أن يدير ظهره للدستور ولا ان يغفل عن وضع ما نص عليه الدستور فى هذا الشأن موضع التنفيذ، وعلى المشرع ان ينقل الحماية الدستورية التى تقررت لاستقلال القضاء من نطاق عمومية المبادئ الدستورية الى دائرة الحقوق القانونية الممكنة والمتاحة حتى يتمكن المواطنون من الظفر بحقوقهم، ومشروع القانون هو عدوان على استقلال القضاء وتجريده من عزته وكرامته، وهو ما يلقى بظلاله الكثيفة نحو تبديد ثقة المواطنين بالدستور فلا يجوز لمجلس النواب تحويل نصوص الدستور عن استقلال القضاء من قواعد تتمتع بأعلى درجات الالزام إلى شعارات جوفاء لا تساوى ما كتبت به من مداد ولا تنتج أثرًا ولا تغير واقعًا فى حين ان مبادئ الدستور شرعت فى الاصل من أجل تطبيقها واحترامها وليست أمانى يمنى بها الناس ويوعدون !. فأحكام الدستور ليست محض حقوق نظرية مكانها متحف التاريخ وهى التى شرعت لتكون على القمة من وهج الحياة الدستورية والاجتماعية فى البلاد. 

هل العدوان على استقلال القضاء له عواقب وخيمة على المستويين الشعبى والسياسى ؟
 إن سلطة المشرع فى اصدارالتشريع لم تعد مطلقة ولم يعد البرلمان سيدًا لقراره بل هى سلطة مقيدة بمراعاة أحكام الدستور وفقًا لاعتبارين يتمثل الاعتبار الأول فى انه يتوجب بصفة دائمة منع اى مخالفة للدستور سواء كان ذلك عن عمد أو اهمال فلم تعد الغاية العمدية وحدها مناط الاهتمام، وانما يمكن ان يتولد ذلك عن اهمال بإغفال تطبيق النصوص، ويتمثل الاعتبار الثانى فى انه يتوجب بصفة دائمة ان يكون انتفاع المواطنين بحقوقهم وحرياتهم انتفاعا كاملا طبقا لما نص عليه الدستور وليس منقوصًا ولن يكون ذلك ممكنًا إلا باستقلال القضاء، ذلك انه بدون استقلال القضاء لن يتحقق الانتفاع الكامل بالحقوق والحريات المنصوص عليها دستوريا وسوف تظل تلك النصوص الدستورية غير فعالة ومحض حقوق نظرية، مما يفقد ثقة المواطنين فى احكام ذلك الدستور وهو الامر الذى يكون له عواقب وخيمة على المستويين الشعبى والسياسى ويؤدى الى الاضطراب والفوضى.
ألا ترون أن مجلس النواب سيد قراره في تقرير استقلال القضاء كما يراه ؟ ولماذا لا يكون القضاء سيد قراره ؟
مشروع العدوان على استقلال القضاء واهدار معيار الأقدمية ومصادرة لحق الجمعية العمومية في أن تقول كلمتها في اختيار من تراه صالحًا لرئاستها يصل إلى حد انتزاع ولاية القضاء من الأقدم وهذا يتنافى مع اطمئنان المتقاضين الواجب تحقيق اسبابه ومقوماته وينطوى في ذات الوقت على امتهان للقاضى الأقدم لأن تمكين السلطة التشريعية بعهد اختيار غيره بيد السلطة التنفيذية يوحى بعدم الاطمئنان إلى صلاحيته لرئاسة الهيئة أو الجهة القضائية، وهو أمر جد خطير ينال من مقومات العدالة في الصميم ويمس كبرياء القاضى الأقدم وكرامته ويجافى مبدأ استقلال القضاء، وهو أمر لا يمكن السكوت عليه، واتقاءً لهذه الماَخذ فإننا نهيب بمجلس النواب أن يكف عن هذا المشروع وأن يجرى اصلاحًا كما يراه القضاة كذلك، على وجه يصون التقاليد القضائية الاصيلة ويحفظ هيبة القضاء وسيادته.وإذا كان مجلس النواب سيد قراره في اهدار كرامة القضاء فإن القضاء أيضا سيكون سيد قراره بالرقابة الدستورية في اهدار التشريع المخالف للدستور الذى لن يقوى على الصمود أمام هدير الدستور والحق والعدل.

ما هى الاثار المترتبة على مشروع القانون؟ وهل ترونها خطيرة ؟
إن تمكين السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية باختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية على غير رغبة إرادة جمعياتهم العمومية فيه افتئات على تلك الإرادة وهو حق اصيل للسلطة القضائية - خاصة محكمة النقض ومجلس الدولة –وجزء لا يتجزأ من الولاية المحتجزة لها وحدها وفقًا لأحكام الدستور، ونصوص مشروع القانون أمام مجلس النواب وإن كان يبدو لهم سهلًا إلا أن له معقباته خطيرة، إنه يحطم كيان النظام القضائى المصرى ويهدر كرامة القضاة وإذا كان لهذا المشروع كل هذه الاَثار المرعبة والمخيفة فإنه يتعين على مجلس النواب اعادة النظر من جديد واسقاط تمكينهم للسلطة التنفيذية بالتدخل في شئون القضاة في اختيار رؤسائهم صونًا لكرامة القضاة واحترامًا لمبدأ الفصل بين السلطات.
ماذا ترى المستقبل إذا اصر مجلس النواب على اصدار القانون ؟
استقرت المواثيق الدولية لاستقلال القضاء على أن أعظم الأمور خطرًا على استقلال السلطة القضائية هو التدخل في شئونها وأولها تحديد طريقة اختيار رؤسائها دون رغبة جمعياتها العمومية، إن مشروع هذا القانون يجعل استقلال القضاء في مصر محفوف بالمخاطر، والمستقبل ينبئ عن ايام قاسية تنتظر القضاء مالم يتدارك مجلس النواب مشروع هذا القانون فيعمل على تأكيد استقلال القضاء لا اهداره حتى يظل القضاء المصرى – كما كان على امتداد التاريخ – صرحًا شامخًا وقلعة عتيدة في حراسة الدستور القانون وحماية الحرية وتحقيق العدالة.

ما هو الإصلاح الحقيقى من وجهة نظركم في تشريعات العدالة ؟
إذا كانت السلطتان التنفيذية والتشريعية جزءًا من المُلك فإن العدل اساس المُلك كله، وإذا كان القضاء قد اختص بهذه الأمانة العظيمة فإن مجلس النواب عليه أن يدرك أنه يتوجب أن يقوم القضاء برسالته بلا تدخل من سلطة أخرى أو تدخل منها، وواجب الدولة أن تهئ للقضاء ما يكفل قيامه بواجبه لأنه صمام الأمان للأمة ودعامة للحكومة القوية لا الضعيفة وركيزة لاستقرار الدولة لا زعزعتها ولن يتأتى ذلك إلا من خلال ضمان استقلاله، وعلى مجلس النواب أن يدرك أن استقلال القضاء لم يعد يعنى فحسب عدم تدخل السلطة السياسية في الصلاحيات المخولة للقضاء واجلها الاعتداد بإرادتهم في اختيار رؤسائهم فذلك أضحى من الأمور البديهية في غالية النظم القانونية المحتضرة، وعلى مجلس النواب إن أراد اصلاحًا حقيقيًا أن يوجه شطره نحو اجتهاده تشريعيًا بحلول غير تقليدية لحل ازمة بطء التقاضى لا النيل من شيوخ قضاته وقد صار بطء التقاضى في البلاد المتقدمة انتقاصًا من استقلال القضاء واضحى مسئولية على عاتق الدولة، لأن القاضى يضطر إلى ارضاء المجتمع على حساب العدالة في حين يستوجب استقلال القضاء اعطاء القاضى مكنات التحرر من النصوص العقيمة التى مضى عليها ما يقرب القرن من الزمان دون اهتمام من السلطة التشريعية بإيجاد حلول لها ليتمكن القاضى من حسم النزاع بسرعة منجزة دون اجراءات معقدة وبعيدًا عن الضغوط الإدارية والرأى العام فهذا هو الأصلاح الحقيقى الذى يجب أن يشغل بال مجلس النواب لا تشريع ينال من ارادة القضاة ويمس كرامتهم، وإلا فإن العدالة ستكون ناقصة بفعل التشريع.

هل ترون علاقة بين استقلال القضاء واستقرار البلاد وطمأنينة الناس ؟
إن برلمانات الدول ذات الأنظمة الديمقراطية في العصر الحديث تعرف قدر وقيمة الحفاظ على استقلال القضاء، وتعرف أيضا أنه لا خوف على أية أمة طالما لم يقترب الفساد في جهات القضاء بالتدخل في شئون القضاة، حتى وإن ظهر الفساد في أجهزة الدولة الإدارية والسياسية، لأن الأمل معقود لارتفاع صوت العدل والحق وسيادة القانون فيقود الأمة إلى الطريق القويم العادل، وبرلمانات العالم المتقدم تعطى استقلال القضاء كل الرعاية والحماية لتأكيد خضوع السلطة الحاكمة للشرعية وسيادة القانون لأن القضاء المستقل العادل يوفر للمواطنين حماية حريته وعرضه وماله كما يوفر للأمة فرصة استمرار وجودها ويصد عنها ما تتعرض له من نكبات أو كوارث، فلن يستطيع الشعب أن يحيا حياة حقيقية دون طمأنينة تجود ولا طمأنينة دون امن يزود ولا امن دون حرية تعود ولا حرية دون عدل يقود ويصون للسلطات حدود ولا عدل دون قانون يسود ولا قانون دون قضاء مستقل شهود ولا قضاء دون برلمان عليه صدود أو جحود أو قعود.
هل المعايير الدولية تجيز لمجلس النواب تنظيم اختيار رؤساء الهيئات االقضايئة بما يمس استقالهم ؟
وفقًا للمعايير الدولية لا يجوز أن تدخل السلطة التشريعية في تنظيم القضاء أو اعادة تنظيمه بما يمس استقلاله أو ينتقص منه على أى وجه من الوجوه وإلا عد ذلك عدوانًا غير مبرر على استقلال القضاء، فالدستور وهو الأداة الأسمى في الدولة – والمنبثق عن المواثيق الدولية على نحو ما سلف في اجماع المجتمع الدولى على جعل السلطة القضائية مستقلة - عندما يقرر مبدأ استقلال القضاء كسلطة من سلطات الدولة فهو يوجه حظرًا يمنع أي سلطة أخرى من أن تنال من هذا الاستقلال مهما كانت الأداة التي يتم بها هذا التدخل حتى لو كانت هذه الأداة تمثلت في مجلس النواب ذاته لأن الدستور يعلو عليه وعلى ما يصدره من تشريعات، وبهذه المثابة يكون مشروع قانونه في هذا الصدد مخالفًا للمعايير الدولية.

هل يجوز لمجلس النواب أن يصدر تشريعًا انتقاميًا أو اقصائيًا للقضاة بحجة أنه سيد قراره ؟
تأصيل مبدأ استقلال السلطة القضائية يحظر السلطة التشريعية التدخل في العمل القضائي أو المساهمة فيه بأي شكل ما أو اصدار تشريعات من شأنها النيل من هذا الاستقلال أو الانتقاص منه ولا تملك السلطة التشريعية سوى العمل التشريعي الذي يضمن ضمانة استقلال القضاء، لأن وظيفة السلطة التشريعية فى سن القوانين تقيد في ظل مداها ونطاقها الدستوري وهي بمقتضى ذلك تعبر عن إرادة الأمة ولذلك فإن عليها واجبات يجب أن تتقيد بها، فلا تصدر من النصوص إلا ما هو متصف بالعمومية والتجريد، وهذه الصفة في القاعدة القانونية لا تشترط فقط في صياغتها بل أيضًا في اهدافها وغاياتها ومراميها، فلا يكون انتقاميًا أو اقصائيًا بل وفق النصوص الدستورية المنشئة والمنظمة لأعمالها وعلى قمتها استقلال القضاء وليس الانتقاص منه بتبعيته للسلطتين التشريعية والتنفيذية الأولى تقنن للثانية اهداره والعدوان عليه. وليس من الجائز أن تقوم السلطة التشريعية الممثلة نيابة عن الشعب أن تتجاهل شئون العدالة التى عبر عنها شيوخها بالرفض ،حتى ولو اسماه الدستور رأيًا، فذلك لا يبيح لها الاستبداد وجحود حقوق القضاة الذى لولا دور القضاء في العملية الانتخابية اشرافًا وقضاءً لما جلسوا في مقاعدهم، لعظم شأن ولاية القضاء كضمانة في حماية حقوق المواطين وحرياتهم مما ينعكس على استقرار البلاد.
ماذا ترى فى حكمة صبر شيوخ القضاة على مشروع قانون يهدر استقلالهم ؟
الإنسان أيام إذا مرت الأيام انقضى بعض الإنسان، وإذ صبر شيوخ القضاة بصوت العقل على مشروع قانون يهدر استقلالهم دون أن يعبأ مجلس النواب بخطورة هذا المشروع الجائر، فإن سجل التاريخ لن يستطع معهم صبرًا وأن مجلس النواب وهو على قمة مسئولية التشريع فى مصر لا يجب أن يرهق القضاة من أمرهم عسرًا، بعد أن حط باستقلال القضاء شيئا نكرًا، وأضحى فى ميزان الحق يقينًا خُسرًا، وكان يجب أن يثاب القضاة بمزيد من الضمانات على قدسية عملهم فعلًا حسنًا، فهم أمل مصر لبلوغ أمرها رشدًا، وقد اعترض شيوخ القضاء دون أن يعير مجلس النواب لاعتراضه اهتمامًا أو استجابة أو تقدم لهم أسفًا ،مما يستدعى استنهاض عدل القضاة على عجل ازاء تعطيل حقهم الدستورى فى الاستقلال، وهم يمنحون الحماية القضائية العاجلة لمن لاذ فى محرابهم طالبًا العدل والانصاف لمن أحسن عملًا، وسيكون عاقبة أمر مجلس النواب حُسرًا، ومشروع القانون بإهدار استقلال القضاء هو كالنار فى الهشيم يتعين اخماده، من بينهم سدًا، مما يتوجب على مجلس النواب أن يستجيب لاستقلال القضاة سمعًا وعضدًا، ولهم في السابقين المعتدين على استقلال القضاء من ضرب لهم عبرة ومثلا.
ما هى الكلمات التى تود أن تقولها لمجلس النواب في تلك اللحظات العصيبة التى تمر بها البلاد ؟
إن استقلال القضاء ليس شعارًا يرفعه مجلس النواب دون دليل دستورى، بل هو نبض العدالة وقوامها، لا تستقيم بغيره شئونها، ولازال متطلبًا كشرط جوهرى لاضطلاع القضاة بمسئولياتهم مع تنوعها وشمولها، ليكون اضطلاعهم بها منتجًا وفعالًا، وهو كذلك تعميق لروابط العدل، يتمخض إلهامًا للضمائر، وتقريرًا للحقائق، ليكون غرسها في نفوس شباب القضاة الفتية الذين أمنوا بربهم فزادهم الله هدى، مشكلا ً لاستقلال سلفهم، لا يتراجعون عن المطالبة باستقلالهم طريقًا، بل يوازنون بين حقوق المواطنين وحرياتهم، مستبصرين حدودها، فلا يتفرقون أو يفرطون بل هم مستمسكون. أفمن أسس مشروعه على الدستور والقانون ببنيان عتيد خير أم من أسسه على عدوان يبيد.
 إن استقلال القضاء وافراز العدالة دومًا صنوان لا يفترقان، ولا يجب أن تدخل نصوص مشروع هذا القانون بأهوائه فرص النفاذ إليه، ومن ثم وجب على صوت العقل في مجلس النواب ألا يقيد مبدأ استقلال القضاء من مداه اعتسافًا، بل يكون ملبيًا لتقريره رضاءً ،وله أن يطبق نص طريقة اختيار رئيس المحكمة الدستورية على سائر رؤساء الجهات والهيئات القضائية إن أراد تحقيق المساواة للأقران وأصحاب المراكز القانونية المتماثلة.